الفصل الثالث و الثلاثون

الفصل الثالث والثلاثون ..
____________________

اثر صوته فيها وايقظ هاجسا ساكنا في
داخلها ،
تدفقت ذكريات تجولهما في المدينة الى ذهنها ،
الطريقة التي كان يحدق بها القرويون اليه وكانه زائر من كوكب اخر .
ثم افترضت انه اثار فضولهم فقط ،
الان عرفت ان هناك سببا اعمق واهم وراء نظرات الجميع .
رددت بتلكؤ :
-  انا ....
حاولت ان ترد عليه لكن صوتها لم يسعفها هي مدركة انها لم تشعر سوى بالدهشة وليس الاشمئزاز على الاطلاق ،
ولم تشك ان دريك قادر على ان يغضب ولكن ليس بالوحشية التي وصفها ابدًا ؟!
شحب وجهها وهي تتذكر الطريقة التي وبخته بها في ال غريكو واتهتمته بانه كان ينوي ان يضرب إدوارد واصراره على الانكار .
انعقد لسانها ، فقال لها بتفهم :
-  لا بأس يا لورين .

كان صوته قاسيًا ، ولكنه بدا متعجرفًا وشجاعًا وهو يقبل ادانته المستحقة ،
ردد بهدوء وابتسامة حاول اظهارها لطيفة :
-  أنا افهم شعورك جيدًا .
ثم فتح يديه من دون اي تعبير قائلًا :
-  لقد رتبت سريري ،
وكما يقول المثل علي ان استلقي عليه بمفردي ،
الا اذا كان هناك امراة في مكان ما لا تعكس عيناها الاشمئزاز لما سمعته مني للتو ، ولا يرتعد جسدها من الخوف عندما اعانقها ،
ولا يجف فمها عندما اهمس لها .
تقدمت منه تلقائيا ، ونظرات العطف ترتسم على وجهها ، ليشدها اليه الحزن المحفور على وجهه,
شعرت بالتعاطف معه وقالت :
-  ستجد هذا الشخص ... صدقني يا دريك .
سألها بتأثر شديد :
-  هل باستطاعتك ان تحبي شخصًا بهذه الصفات ؟
شعرت بالصدمة من سؤاله ، فباغتها بآخر وهو يقترب منها :
-  ما رأيك ، هل نمتحن ذلك ؟ هل نتاكد اذا كنت ماتزالين تتجاوبين معي كما كنت من قبل ؟
طغت المرارة عليه وهو يضمها بين ذراعيه ويعانقها ويبعث الدفء في عروقها .
كان امتحانا عسيرا وكان عليها ان ترفضه ،
ومع ذلك اصبحت ضحية راغبة ،
تتجاوب معه وكانها في حلم مبهج .
رفعت يديها وشبكتهما في شعره الاسود
الجميل تريد ان تريحه ، وتبعده عن المتاعب التي لازمته تريد ان تحبه ..... الحب فقط هو ما سيجعله يتعافى !

صدمها اعترافها وذهلت من السرعة التي حدثت بها الامور .
لا يمكن ان يكون هذا صحيحًا ! هل يمكن ؟
هذا الحنان المربك الذي شعرت به نحوه ،
قد يكون الحب الامومي الذي سخر منه في ال غريكو .
ومع ذلك لم يكن تجاوب دريك طفوليًا !
كان من المستحيل الا تدرك رغباته الحقيقة ،
و مستحيل ان تتجاهل ما كان يحدث لها عندما تشعر بقربه .
توترت لورين بين ذراعيه ،
بعد ان ادركت انها لم تعد مسيطرة على الوضع وحاولت بأن تشد عضلاتها ،
دفاعًا عن النفس وذكرت نفسها ،
أنه لا يحبها على الرغم من انجذابه الواضح نحوها .
لقد اوضح لها في لقائهما لاول ،
انه لا يعتبرها اكثر من وسيلة ،
وان عرض زواجه لم يكن اكثر من محاولة سافرة لكسب ثقة والده .
اطلق سراحها بكسل ،
فارتاحت من حدة
عناقهما الطويل ،
لتبدوا خطوط وجهه انعم واكبر من ذي قبل .
سأل بتوتر وهو يحررها من قبضته :
-  هل فهمتِ ؟ لقد اثرت اشمئزازك ؟
اعترضت برقة :
-   لا .. هذا ليس صحيحًا ،
لقد فاجاتني هذا كل ما في الامر ، انها صدمة بالطبع ......
بماذا يجب ان تشعر ؟ بالرعب ؟ بالخوف ؟ بالاشمئزاز أم بالغضب ؟
ربما بكل هذه الاشياء ،
ومع ذلك شعرت بالهدوء والتعاطف معه ،
لانه امضى ثلاث سنوات في السجن .
هو رجلًا متعجرفًا ،
ولكنه يمتاز بالحساسية والرقة ،
مهما كان الطريق الذي اودى به الى هذا المصير مظلمًا
، لقد قبلت ندمه الشديد ،
كواقع مقرر من دون برهان أو عذر أو حتى تفسير .
تنهد بعمق قائلًا :
-  ليس من الضرورة ان تتظاهري بالعطف ،
ولكنك عرفت الان حقيقة غيابي عن بلفادير الذي دام ثلاث سنوات في السجن ،
سنة انتظرت فيها المحاكمة وسنتان امضيتها وانا احاول ان اتكيف مع نتائج فعلتي .
رددت بخفوت :
-  حسنًا .. لقد فهمت .
ثم اطلقت ضحكة خفيفة وهي مستعدة لان تجرح كبرياءها ، ثم قالت بسخرية :
-  فهمت لماذا اعتبرت ورطتي ،
بمثابة استجابة لصلواتك ،
لو كانت طبيعتي شكوكية ، لكنت
شككت في انك تعمد اشراكي في اللعبة منذ اللحظة التي رايتني فيها .
اجابها بثقة :
-  أنتِ مخطئة .
ثم حدق اليها وبدا صوته اجش وهو يقول :
-  لقد راودتني فكرة واحدة تلك الليلة عندما طوقتك بذراعي ،
هناك عدة طرق لوصف ما احسست به... بعض الطرق يجب أن تكون حسية .
رددت بخوف :
-  دريك ... ارجوك لا تفعل .
توردت وجنتاها وهي تتابع معترضة :
-  اعرف كيف شعرت .
قال بنعومة :
-  لا اعتقد ذلك ،
هناك بيت من الشعر اليوناني معروف كثيرًا ،
في الجزر ويصف تمامًا ما شعرت به .
امرتها عيناه الزرقتان بالاستماع اليه :
-  عندما اقتربت مني عرفت عن نفسك ،
ونظرت اليك تذكرت كلمات تلك الابيات .
( شفتاك سكر خدك تفاح .
عيناك حلم وقوامك زنبقة
ما اطيب طعم السكر وملمس التفاح ورؤية الحلم ورائحة الزنبقة )
احدثت كلماته المثيرة صدى في الغرفة الهادئة عندما توقف :
-  هذا ما شعرت به عندما نظرت اليكِ ،
وهذا ما اردته عندما اصبحنا لوحدنا في غرفتك .
رددت بخفوت :
-  دريك ......
همست باسمه باحراج وقلبها يخفق بسرعة جنونية .
ثم اقترب منها وهو يقول بصوته الأجش المؤثر :
-  وهذا ما شعرت به ذلك الصباح عندما عدت الى ال غريكو لاعبر لك عن رغبتي في رؤيتك مرة ثانية ،
عندما عدت من كافوس بعد مأتم عمي ..... و وجدتك مستعدة للرحيل .
همست باسمه مرة ثانية :
-  دريك .......
وهي مدركة جفاف شفتيها الدافئتين وخائفة من ان تقول كلمة لان عينيه كانتا مثبتين عليهما .
ليردف بعاطفة لا يستطيع السيطرة عليها :
-  وهذا ما اشعر به الان .

بدا صوته ضعيفا ومتوترًا وهو يقول :
-  ولهذا اردتك ان تعرفي كل شيء عني ،
مع انني اجازف بجعلك تنفرين مني نهائيًا .
قالت بهمس وتوتر :
-  كانت صدمة ...لا تصدق ....
وبرقة وتأثر كبير قالت له :
-  امنحيني اسبوعين يا لورين ،
مهما كانت مشاعرك تجاهي هذا كل ما اطلبه من اجل ثيو وكاليوبي .
اخترق صوته العميق والثابت اذنيها وهو يشرح لها الموقف :
-  لقد اذيتهما كفاية اعطني الفرصة حتى ارتب الامور من دون ان اؤذيهما مرة ثانية ،
ضعي الخاتم واستمري في خداعمها لمدة اسبوعين فقط .
اسبوعين ستمضيهما معه تتظاهر بحب ، يبدوا
حقيقة بينما يؤدي هو دور الحبيب باتقان ،
فكيف ستتحمل ذلك ؟
سألت بريبة :
-  وبعد الاسبوعين ماذا سيحدث ؟
اجابها ببساطة :
-  سأجد لك عملًا مناسبًا في احدى الجزر ،
و سنفكر في سبب مقبول ننهي به خطوبتنا ،
سبب سيتقبله ثيو وكاليوبي بحزن ، دج
لكن بتفهم عندما يحين الوقت المناسب سنقدم لهما تفسيرًا معقولًا ، أنا اضمن لكِ ذلك ..
قالت بتردد :
-  طالما انهما لم يقوما بأي ترتيبات تختص بالزواج بعد لا أريد ان اخيب امالهما .
اجاب باقتضاب :
-  لا ؟ افضل طريقة تستطيعين بها تجنب ذلك هو ان توافقي على الزواج مني ،
واعتقد اننا تفاهمنا على ان ذلك غير واقعي في الظروف الحاضرة .
اكدت له :
-  غير واقعي تمامًا .
وهي مدركة انه سيسيء فهم تفسيرها
وسيعتقد أن الظروف تتعلق بماضيه ،
وليس لانه لا يحبها .
اعتصر الألم قلبها وراقبته وهو يلوي فمه االعريض ، قائلًا :
-  اخبريني كم يلزمني من المال حتى اتخطى اشمئزاز اي امراة من جريمتي ؟
ضيقت عينيها قائلة :
-  هل تتوقع مني ان اكون الناطقة بأسم النساء ؟
تألمت من جملته الساخرة ،
كان بإمكانه أن يوضح رأيه فيها اكثر ،
كانت في نظره امراة يحدد المال مدى استقامتها .
ضاقت عيناه وهو يقول :
-  أنا اقصدك انتِ .
سرى الغضب والتوتر في عروقها وهي تقول :
-  إذا احببتك بامكانك أن تشتريني بوردة واحدة .
ردد بابتسامة متسلية :
-  لنأمل أن يكون الرجل الذي ستمنحينه قلبك بستانيًا ناجحًا .
استدار ووضع يده على مقبض الباب وهو يقول :
-  سأتركك في سلام لتفرغي محتويات حقائبك
.
فتحت الحقيبة و أخرجت بعضًا من ثيابها وهي تقول :
-  لا احتاج لأكثر من بضع دقائق اين ساجدك
... في الباحة الخلفية ؟
اجابها على الفور :
-  من دون شك تفحصها وعيناه تلتمعان ببريق غامض واردف :
-  ذهبت سيلا لتزور اهلها ، ولتحضر الاولاد بعد المأتم ، ولقد لحق بها لوكاس ،
سيكونون قد رجعوا عندما تنضمين الينا .
قالت له بأسى حاولت اخفائه :
-  لا تقلق ساؤدي دور العاشقة الهائمة جيدًا .
رمقها بنظرة استياء وهو يقول :
-  احسني اختيار كلماتك .
ثم ضحك قائلًا :
_لقد خذلتك معرفتك باليونانية ،
واخيرًا العاشقة الهائمة امراة يسهل اقناعها ،
هذا ما يقوله الانجليز .
قالت برقة :
-  ولهذا استعملتها يا دريك ، الم تعتبرني ذلك دائمًا ؟
تدفق الدم الى وجهه قبل ان يخرج من الغرفة بصمت دون رد .

لم يتطلب منها الامر اكثر من بضع دقائق
لتفرغ حقائبها وتعلق ثيابها في الخزانة ثم توقفت وهي تنظر ، نحو الخاتم الرائع الذي يحيط باصبعها ،
وهي مدركة ان قيمته المعنوية قد تفوقت على قيمته المادية ،
لو كانت مشاعرها اقل ارتباكًا تجاه دريك ، تمنت بيأس
لو ان نظرته لم تحرقها بقوة لمسته نفسها !
القت نظرة الى ساعتها ،
وعرفت ان دريك تركها منذ نصف ساعة من الافضل لها الا تتأخر عن ذلك في ارتداء ملابسه .
انتهت من ارتداء فستانًا عاري الكتفين ، يضيق على صدرها و خصرها ، ويهبط متخطيًا ركبتيها بإنشٍ واحد ،
ثم خرجت من غرفتها ، بعدما القت نظرة على هيئتها الرائعة باعجابٍ شديد ، مؤكد سينبهرون بها ..
خطت بهدوء نحو الباحة ، لتجده جالسًا يضيق عينيه بتركيز وكأنه يفكر في شئ جدي ..
-  احزر من أنا ! احزر من أنا !
رأت فتاة صغيرة تحث الخطى باتجاه دريك قبل ان تستطيع التحرك من تحت ظل
السقف ،
الذي حجب خلفية البيت عن اشعة الشمس القوية .
وقف عندما اسرعت الفتاة نحوه ،
ابتسمت له الصغيرة التي يتراوح عمرها بين الخمس والست سنوات تطلب جوابًا .
كانت جميلة تدلى شعرها الاسود بحرية حول وجهها المرسوم بملامح ال آرنستو المتعجرفة .
ولكن لفت انتباهها تعبير دريك الغامض مزيج من الاحاسيس المتناقضة عندما استعدت الفتاة لمعانقته .
همس بهدوء :
-  اكزاني .
كرر اسمها بذهول :
-  بعد كل هذا الوقت ..... اكزاني !
اشفقت لورين عليه وهو يحمل ابنة اخيه بحنان
.
قبلته الصغيرة بشوق :
-  اخبرتني والدتي انك ستكون هنا ،
ولذلك ركضت طوال الطريق حتى استطيع ان اراك اولا ،
لان والدتي تمشي ببطء ، لأجل رينا النائمة ،
وبحاجة الى من يحملها ..
سألته وهي تمرر كفها الصغير على وجنته برقة :
-   لماذا لم تات الى رؤيتنا من قبل
يا عمي دريك ؟
اجابها وهو يقبل كفها الصغير. برقة :
-  لانني كنت مسافرًا .
عاتبته بملامح طفولية غاضبة :
-  لكن كان بامكانك ان تستقل طائرة ،
كما فعل ابي لاحضارنا من اثينا قبل ان ياتي بنا المركب الى هنا .
ثم اردفت بنفس الصوت الحنون :
-  كان لدى ابي شعر كثيف على وجهه ايضًا ،
ولكنه تخلص منه قبل ان ناتي الى هنا .
اخبرها دريك وهو يبتسم لها :
-  لم تحب والدتك اللحية أبدًا ،
ثم قبلها قائلًا بابتسامة هادئة :
-  سيصبح وجهي نظيفا كوجه والدك غدًا .... انا اعدك بذلك .
احتضنته بقوة ، ثم ابتعدت وهي تقول له بحزن :
-  هل سترحل من جديد ؟
اجابها وهو يمسد خصلات شعرها الجميل :
-  سأحاول ألا افعل ذلك يا اكزني .....
لم يعد نظره مثبتا على الطفلة لان شخصًا آخر قد وصل ،
نحيفة وفاتنة ،
تحركت بتانق وشعرها الاسود
معقود الى الوراء والتمعت عيناها مثل صفاء السماء ،
وكشفت ابتسامتها عن اسنان رائعة .
-  فردريكت !
عرفت لورين هذه الغريبة الجميلة في فستانها
الحريري البسيط قبل ان ينطق دريك باسمها .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي