الفصل السابع 7

لدينا قاعدة راسخه في اذهاننا تنص على ان الابيض يمثل الخير بينما الاسود يمثل الشر ، الابيض
يمثل النور بينما الاسود يمثل الظلام ، الابيض يمثل المعلوم بينما الاسود يمثل المجهول ، لكن ماذا إذ
انتشر الابيض فقط ، كل شيء باللون الابيض ، نهار فقط ضوء فقط وضوح فقط ، هل تظننا سنحتمل
ذلك ؟
هكذا هو مركز الحالات النفسيه والامراض الذهنيه التابع للدكتور مراد ؛ جدران بيضاء تماما ، اشخاص
ملتفون حول طاولات صغيره يرتدون الملابس الطفوليه القطعة واحده فاقعة البياض ، ممرضات
تزين البسمه الاموميه وجوههم ، غرف منفصله ، ببساطة كانت جحيم ابيض اللون .
(( تريد مني المكوث هنا لعدة ايام ، هل جننت ؟! ))
رسم دكتور مراد ابتسامته المعهوده و هو يقول : صدقني أنها تجربه لا تعوض بالنسبة لك .
ابتسمت بسخريه وانا اقول : نعم بالطبع سأخرج منها أنافس صافينار في الرقص الشرقي .
اطلق العنان لضحكة مجلجله ، ثم قال : هذه ليست مشفى للمجانين كما تظنها ، هنا يجتمع اخطر
المجرمين على مستوى العالم .
يوسف: يالها من طمئنينه ، أبشرتني .
أشار إلي بالجلوس في المقعد المقابل لمكتبه و هو يقول : اغلب الجرائم الجنائيه تكون في حق النساء
، فأنت في امان لا تقلق .
يوسف: حسنا ، لما انا هنا بالضبط ؟
مراد: رسميا ؛ انت تمثل خطرا على المجتمع لذلك يتم اعادة تأهيلك سلوكيا ، واقعيا ؛ رأيت شغفك بالأمر
فأردت ان أريك هذا المكان .
يوسف: انا احب هذا المجال لا انكر ذلك ، لكنك تعاملني كأنك تضع دجاجه في قفص مليئ بالذئاب و تخبرها
انهم نباتين .
تصاعدت ضحكاته مره أخرى حتى دمعت عيناه ، ثم قال : ثلاث ايام فقط ، وسأعطيك شهادة المواطن
الصالح .
زفرت بحنق ، ثم قولت : و مالذي يجب علي فعله ؟
جذب احد ادراج مكتبه و أخرج منه غفلاف بلاستيكي : ارتدي هذا .
نظرت إلى الزي الابيض بتقزز ، لكنني ارتديته رغما عني و انا اسب اليوم الذي دخلت به إلى عالم
التواصل الاجتماعي لاقابل مفتاح جحيمي و مخلص ذنوبي ..........
يوسف: ثم ماذا ؟
مط شفتيه واراح ظهره على المقعد و هو يقول : انطلق و عش مغامرتك ، لكن اياك ان تنزف الدماء لأي
سبب ، ولا تري لأحدهم جرحك .
يوسف: يستطيعون التحدث بالانجليزيه ؟
مراد: بالطبع ، أغلبهم من عاصمة الضباب ........
ثم ابتسم ليظهر اسنانه البارزه و هو يسطرد : لندن بلد جاك السفاح .
يوسف: مالذي يحضر الانجليز ليتعافو في مصر ؟
مراد: هؤلاء مرضاي وانا المسؤول عنهم ، تكرما مني أردت ان انشط السياحه المصريه .
يوسف بانفعال: بالسفاحين !!!
مراد: حسنا ، لم يأتي أحد غيرهم هذه الايام .
يوسف بقلق: هذا المكان مؤمن جيدا أليس كذلك ؟
مراد: كأي مشفى عادي بالتأكيد .
زفرت بحنق و انا افكر ، ما سر هذا الرجل بالضبط ولماذا رأي في صامويل فرويد المستقبل هل تبدو
علي ملامح الجنون إلى هذا الحد ، ام هو يشكك في روايتي و يحضرني إلى هنا ليجبرني على التفوه
بالحقيقه هربا من هذا الجحيم .......
تحسست هاتف طارق المثبت بشريط لاصق في ظهري ثم تابعت حديثي مع نفسي قائلا : لا داعي
للقلق ، هناك طريق للنجاة دائما ، ثم مالمشكله في المبيت يومان برفقة عدد من السفاحين المساكين
الذين القاهم حظهم التعس في مصر .
يوسف: حسنا ، لا مشكله ، يومان فقط .
ابتسم مراد و هو يقول : إن لم ترغب في المزيد .
تناولت هذه اللباس البيضاء التي تشبه زي المهرجين القطعه الواحده ، و اتجهت إلى الحمام لأبدل
ملابسي ............
دورة مياة بيضاء هي الاخرى بها سبع حمامات و مثلهم صنابير مياة ، اظن ان هذا العدد ليس من فراغ
هم سبعة اشخاص بالفعل ، او بالأحرى ستة اشخاص بدوني .
بدأت في تغير ملابسي بالفعل وانا منهمك في التفكير في مئات الاحتمالات كالعاده .......
وفجأه تسرب إلى أذني صوت نقش كأن احدهم يخدش الحائط بشيئ ما .......
انا شخص دقيق جدا في تفاصيل الاشياء ولا اظن ان هناك من أتى بعدي إلى دورة المياة و لم توجد
أي حركة تدل على ان هناك من سبقني .
تابعت ارتداء ملابسي بهدوء ، ثم اتجهد خارجا من الحمام المخصص لي ........
وقفت برهه أفكر ، هل من الصواب أن اتفحص ما في الداخل ، ماذا إذا كان احدهم يقضي حاجته في امان
ليجدني اقتحم عليه خلوته لأطمئن ان الاحوال تسير معه على ما يرام .
فجأة و بدون سابق إنذار ارتفعت حدة الصوت و صاحبته بعض الهمهمات الخافته المزينه بنحيب
البكاء ......
مالذي يحدث هناك بحق الله ؟!!
هل ابتلعه المرحاض في الداخل ام ماذا ؟!!!
لم استطع كبح فضولي اكثر من ذلك ، و هممت بجذب باب الحمام الذي يخرج منه الصوت ........
أعين سوداء تماما لا تنيرها إلا عدسة العين الحمراء اللون ، شعر قصير يحجب العين اليسرى ، حلقات
متناثره في الفم و الحاجب و الانف ، ملامح منتشية لا تستطيع التميز هل هي لذكر ام لأنثى ........
لم أستطع أن ابرر موقفي لهذا الشخص الجالس أرضا يمسك بيده أحد الألوان الخشبيه ........
(( أعتذر ، لم اقصد ان اقتحم خلوتك ، انا قلقت عليك فقط صدقني ))
ظل ينظر لي بصمت ،جعلني استوعب انني اتحدث باللغة العربيه ، فاعدت الاعتذار بالانجليزيه .
اشاح بصره بعيدا عني وظل يتابع ما يرسمه على الحائط .
شعرت بالسفه و انا احملق في هذا الشخص الذي لا يوليني اي اهتمام و يستمر فقط في رسوماته
الطفوليه .
لكن ما أثار انتباهي في هذه الرسومات هو تشوهها الذي يجعلك عاجز عن تميز أصحابها .
هي لم تكن مشوهه من قبل بل هو قام بتشويهها منذ لحظات ، و ما قصة الانتشاء البادي عليه مالذي
قام برسمه بالضبط ؟!!
(( ليو ، انها السادسه ، الجميع ينتظرك ))
ألتفت إلى مصدر الصوت ، لأجد فتاة شقراء ذات ملامح مصطنعه يشوبها الهدوء الزائف و البسمه الغير
مبرره .
(( أنت الشقيق الجديد أليس كذلك ))
يوسف بعدم فهم: شقيق ؟!!
الفتاة الشقراء: نعم ، جميعنا هنا اشقاء .
نعم هذا نوع من خزعبلات العلاج النفسي الروحاني الذي لم اقتنع به قط ، لكن يجب ان اجاريهم حتى
استطيع الخروج من هنا بسلام .
اقتربت مني و هي تمد يدها بالتحيه : ماري شقيقتك في دارك الجديد .
حسنا نحن لسنا معتادون على هذه المصافحه في مجتمعاتنا ، بل نتوتر ، نتوتر بشده و نتصبب عرقا .
فتساءلت ماري: ماذا هناك ؟!
صافحتها بشده لأتغلب على توتري و انا اقول : يوسف ، معكم هنا في المشفى .
ازادت اتساع بسمتها و هي تقول : هذا ليس بمشفى ، إنه ديارنا الدائم .
نظرت إليها ببله لأصير شبيها بالممثل محمد سعد في دهشته .
ربما هم يدعون هنا انها ديارهم حتى لا يشعروهم انهم في سجن مؤبد و يجن جنونهم .
ماري: ستلتحق بنا انت ايضا أليس كذلك ؟
يوسف: بالطب..........
لم استطع إتمام جملتي بسبب هذا الشيئ الحاد الذي اخترق ظهري بلا رحمه .
اطلقت صرخه متأوهه و انا احاول الألتفات لاواجه من يطعنني ، لأستقبل عدة طعنات متلاحقه في
جسدي و أهوى أرضا .............
***
لدينا جميعا هذه الشهوه الحيوانيه التي تدفعنا لإذاء الغير ، لكننا نحاول إنكارها فنخفيه بشتى الوسائل
الممكنه ، لكنها سرعان ما تظهر بأشكال مختلفه لما يواكب المأذق الواقع به ، حينها نسميها مرض نفسي
و نحاول عزل هذا الشخص عن المجتمع و إعادة تأهيله ، رغم انها قد تكون طبيعتنا الجينيه فقط ، هذه
الطبيعه التي تستيقظ بفعل فاعل وليس بالمصادفه البحته ، فهي ليست بمرض كما يلقبه البعض ، بل
هو ألم و جرح حطم جماح العقل و أطلق العنان للغريزه الحيوانيه لديك لتحررك من العذاب .
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي