الفصل الثاني و الثلاثون

الفصل الثاني والثلاثون ..
___________________
-  دريك .....

ثم واجهته قبل ان تخونها شجاعتها :
-  انا اسفة لكنني لا اعتقد بانني استطيع الاستمرار فيما اتفقنا عليه .
ثم لوت يديها معا بلا ووعي ،
وهي تحاول ان تقيم ردة فعله ، وعيناها تتفحصان تعابير وجهة الغامضة ،
ولم تجد شيئا تستطيع ان توازن به شعورها وهي تخبره ما تشعر به :
-  لم اشعر بانني مخادعة لهذه الدرجة من قبل في حياتي .
قال بصوت ناعم :
-  لقد وافقتِ !
اجابته بحرج :
-  نعم لكن تحت التهديد ،
ولم اتصور أن الامر سيكون كهذا يا دريك ،
دافعت عن نفسها بقلب مجروح :
-  لقد قبلت عرضك على اساس ان احضر معك كصديقة على وشك الزواج بها ،
كي تقنع والدك بانك على وشك ان
تستقر ، وتجعله يتخذ موقفا وديًا منك ،
لكنني لم اتوقع ان تقوم زوجته باعداد بعض الترتيبات للاحتفال بزواجنا ،
أو حتى انك ستتصالح معهم بهدوء .
اقترب منها بابتسامة لطيفة وهو يسألها :
-  هل أنتِ خائفة من أن تستيقظي يومًا ما ،
وتجدي نفسك تسيرين بين المدعووين الى جانبي ؟
قالت بحدة وهي تقف بلا حراك على بعد بضع اقدام منه :
-  دريك .. أنا لا امزح على الاطلاق .
وكان هناك قوة في عينيه جمدتها ،
وجعلها اقتراحه تستغرق في تفكير عميق .
ثم زم شفتيه القاسيتين وقضى على املها حين قال :
-  وانا ايضا يا لورين ، بتأكيد لا امزح مطلقًا ،
يجب أن تلاحظي كم سيكون الوضع مؤلما لهما اذا حررناهما من
وهمهما بسرعة ،
لا تقلقي سنطلعهما على فسخ الخطوبة
وعلى تلاشي الحب عندما يحين الوقت الملائم ،
اما الان فسنستمر في لعبتنا .
تعمد عدم مساعدتها ولم يرد ان يظهر لها اي تفهم او تعاطف ..
فتلألأ الغضب للحظة في عينيها عندما استقرتا على تعبير وجهه المشدود ، لتسأله بحنق واضح :

-  و متى يحين الوقت الملائم ؟
ثم رفعت ذقنها الصغير بتحد لتردف :
-  عندما تصبح الحقيقة اقل اهمية ؟
لقد بالغت في تصوير عدائية والدك تجاهك ،
لقد لاحظت انه بدا مسرورًا جدًا برؤيتك من جديد .
اجابها بإقرار :
-  لانه يعتبرك خلاصي !
ولأنه يعتقد بانني احمق ،
لقد اطعت رغبته بأنني اخترت امراة جميلة عاطفية ، بل ومستعدة لان تعيش معي ماضيّ الأليم.
ثم رفع حاجبيه بفارغ صبر :
-  لقد قلت لك سابقًا انني احاول ان اكسب بعض الوقت ،
وقت لاشارك بلفادير معه كضيف مرحب به ،
ولبناء علاقة متينة بيننا ، لا تعتمد على اي شخص أو أي شيء آخر ،
اذا تخليتِ عني الان ستدمرين كل صلة بدأت تتشكل بيننا .
سألته بتأثر :
-  لا يهم اذا كنت اشعر بالحزن في الوقت
الحاضر ؟

ادرك تعبيرها الدائم الشكوى بسرعة وعيناه تخترقانها كشعاع وهو يقول لها :
-  آخر ما احتاجه الان هو ان اراك حزينة ،
سيعتقد والدي بانني اسيء معاملتك .
قالت بسخرية :
-  وسيكون الحق معه .
رفع دريك حاجبه استنكارًا :
-  لن ترحلي من هنا فارغة اليدين او من دون عمل .
شعرت بالاهانة من اقتراحه فقالت بغضب :
-  هل تعتقد ان هذا كل ما يهمني ؟
إن الحب يشتري ويباع ....
لم يعلق دريك على ما قالته بوضوح ،
كان سيسهل عليها الامر لو انه اعجب بها ايضا .
فقال برقة :
-  ليس بالضرورة .
ادركت لورين نبرة التهديد الكامنة وراء كلماته البسيطة وابتعدت عنه خطوتين وهو يقول لها :
-  ربما تريدين مكافاة بعملة مختلفة .
اعترضت بحدة :
-  دريك لا .
كان هدفه واضحًا للغاية ،
فحاولت ان تتجنبه
لكنه ،
طوقها بذراعيه بحركة واحدة سريعة
وشدها اليه لم تشعر هكذا مع اي رجل اخر حتى مع فرانسيسكو !
هذا هو الجواب ..
لقد كان فسخ علاقته بها وراء هذه الحلقة الغريبة في حياتها .
ليس لأن دريك عنىَ لها شيئا بل لانه
ملا الفجوة الفارغة في حياتها ،
حقيقة انه يمثل كل شيء افتقدته مع فرانسيسكو ،
ليست لها اي علاقة بما يحصل الان اليس كذلك .
لاحظت انها توقفت عن مقاومته عندما كسر
صوت دريك الاجش توازنها ، عندما وجدت ذراعيها مطبقتان على كتفيه ،
واصابعها تداعب شعره الكثيف الاسود وتلامس بعض خصلاته المرنة واللامعة .
توردت وجنتاها بغضب ،
لقد كرهت رايه الاسوء فيها ،
هل ستجرؤ على الاعتراف
بالحقيقة ؟
انها كانت تفكر في فرانسيسكو، بل كانت تحاول ان تقيم علاقتهما ؟
انها تجاوبت معه لانها كانت شاردة الذهن ؟
ابعدت يديها عنه بسرعة وحررته من قبضتها ،
ارتجفت وخجلت من تصرفها العفوي ،
لانها عرفت انه مؤكد سيسئ فهم ما حصل ،
تظاهرت بترتيب
شعرها عندما تفحص ما حدث منها ،
وتظاهرت بترتيب شعرها عندما تفحص وجهها المرتبك .
فقال لها بلطف :
-  يبدو ان هذه هي اللحظة الملائمة لاقدم لكِ هذا .
وهو يريها الخاتم الذهبي :
-  اصر والدي على ان اخذه في اللحظة التي دخلنا فيها الى المنزل ،
قبل ان يتعرف اليكِ ،
يجب ان يقنعك هذا وحده باهمية خطوبتنا .
ثم امسك يدها وشبك الخاتم المرصع باحجار كريمة في اصبعها ،
ففتحت فمها بذهول مرعب وهي تسمع حديثه :
-  كان ملك والدتي ..
اهداها اياه عندما ولدت ،
بامكانك ان تتخيلي كم سيشعر بالاهانة اذا رفضت ان تلبسيه .
يا الهي ماذا سافعل الأن ؟
ردد بحزن :
-  ضعيه في اصبعك ، بالطبع الا اذا كنت من دون رحمة .
امسك يدها اليمنى ليمنعها من سحب الخاتم قائلًا :
-  والدتي متوفية يا لورين ،
لن يسعدها شيء اخر اكثر من ان ترى زوجتي المقبلة العنيدة تحمل خاتمه .
رددت بأسى :
-  زوجتك المقبلة العنيدة ربما ..
ولكنني لست هي يا دريك .
اجابها بابتسامة خبيثة :
-  ولكن ممكن حصوله ما أدراكِ ؟
سرى الخوف في جسدها ،
عندما استوعبت كلامه بتوتر شديد ،
فبدا وكانه يحدق في صميم قلبها وكأن كلماته اخترقتها بسهولة ،
هل هذا هو طعم الخوف ؟ ما هذه المرارة في فمها ؟
فاضاف قائلا :
-  وما ادراكِ لورين ؟ ربما ستحل كل مشاكلنا ؟
تحدثت بضيق :
-  مشاكلك أنت ربما ، أما أنا فليس لدي اية مشاكل .
بدت عيناه كسوط وشعرت انها على وشك ان يغمى عليها من نظراته وهو يقول :
-  لا عائلة ،و لا حبيب ،
لقد اعترفت لي ان بيتك سيحتله شخص اخر تاركًا اياك وحيدة ، أليس كذلك ؟
كيف يمكنها ان تنكر ما اعترفت به الان ؟!
ثبتت نظرها على ملامح وجه دريك القاسية
وهزت راسها بيأس ،
فأردف بجدية ارعبتها :
-  بامكاني ان اضمن لك ولاولادك مستقبلا ناجحًا وامنًا .
رددت بذهول :
-  اولاد !
فأجابها ببساطة :
-  الا تريدين ان تنجبي اولادًا ؟
اجابت بتلعثم :
-  نعم .. اقصد .. لا .... إلا اذا كان والدهم الرجل الذي احبه .
خرجت كلماته المستهزئة ليفاجأها بها :
-  فرانسيسكو ؟ انسي امره لقد اصبح من الماضي .
دُهشت لانه تذكر اسم خطيبها ،
ماذا ستستفيد اذا اعترفت له ان موقفها من فرانسيس قد تغير تماما منذ ان استلمت
رسالته ؟
وبدل ان يتحطم قلبها بدات تشعر بالارتياح من انفصالهما ،
لقد ارتكزت علاقتهما على امور سطحية ،
من دون اي عاطفة ..
لقد كانت اتفاقية مريحة وملائمة تفتقر الى وهج
كبير بينهما ،
لقد بدأت تتكيف مع هذه الحقيقة المؤلمة تدريجيًا .
لن تعترف له مهما حدث ،
من الأفضل ان تدع هذا اليوناني المتعجرف ،
والمستبد يظن انها ما تزال تحب فرانسيسكو .
قالت بثبات وثقة حاولت أن تُظهرها :
-  هل تعتقد بانني سأقبل عرضك ، بمجرد ان احصل على بيت ياويني ؟ وماذا عنك يا
دريك ؟
هل تريد حقًا ، أن تتزوج امراة تعرفت اليها في حانة ؟
اجابها ببساطة :
-  لا يمكنني الأختيار بدقة .
حاولت كتم مشاعرها بقدر ما استطاعت وهي تقول له :
-  اذا فتياتك كثيرات ؟ انت دائما تتحدث عن ماضيك ،
و أنا اعتقد بان معظم الرجال في سنك والذين لم يستقروا بعد لديهم تاريخ ،
حافل بالمغامرات العاطفية ،
اذا وقعت امراة في
حبك ستغفل عن اخطائك مهما كانت شنيعة .
-  حتى الخطا الذي ادى الى سجني ؟
صدمها سؤاله هذا للحظة ، فاستجمعت شجاعتها :
-  سجن ! هل كنت في السجن ؟
اكد لها بوجه خال من اي تعبير :
-  ثلاث سنوات .
امتزج صوتها بالخوف والشفقة وهي تقول له :
-  ولكن لماذا ! ماذا فعلت ؟
ارتجف صوتها من هذا البوح غير المتوقع .
لم يجد دريك الامر سهلا ايضا .
تسائلت في نفسها ما هي انوع الجريمة التي يمكن ان يقترفها رجل بمركز دريك ؟
ضحك من شدة الألم :
-  ماذا فعلت ؟ سأكون صريحًا معك كنت مسؤولا عن وفاة الرجل .
رددت بعدم تصديق :
-  جريمة قتل ؟!
اعتقدت بأن قلبها توقف عن الخفقان وهي تسأله :
-  لم تكن متعمدًا أنا واثقة ، لكن من ..... و لماذا ؟ ..... وكيف حدث ذلك !؟
ابتسم بسخرية وهو يقول لها :
-  من ؟ رجل غريب ، كان سائحًا ثملًا ؟

كان وجهه حزينًا بينما التمعت عيناه ،
وكانه لن ينسى ما حدث ابدا ، اخذ نفسًا عميقًا وهو يقول :
-  لقد كان مزعجًا وقليل التهذيب ،
أما عن كيف قتلته !
فهم يقولون انه توفي نتيجة لكمات قوية على
الراس ، حيث كان ثملا ولم يتمكن من الدفاع عن نفسه ،
كانت مباراة اذا جاز التعبير ولكن من وجهة واحدة .
الأن قد بدأت تفهم موقف ثيو إرنستو من دريك ،
الخوف والمرارة اللذان ابعدانه عن بلفادير ،
لقد راى ثيو إرنستو ابنه البكر ووريثه الجميل والقوي يخرق احدى قوانين المجتمع ،
ولقد رأى العار من خلال
الجريمة والعقاب ،
واعتقد ان احلامه في رؤية
حفيده وهو يلعب في حديقة بلفادير قد تحطمت الى الابد .
نظراته اخترقاتها وهو يسأل باهتمام :
-  هل ذلك يثير اشمئزازك ؟
جالان ستفهمين لماذا اردت ان اؤجل هذه اللحظة ،
حتى لا ارى الخوف والرعب في عينيك ،
بدل الوميض الساخر والضحك .. ربما نتفق على الصداقة ؟
اثر صوته فيها وايقظ هاجسا ساكنا في
داخلها ،
تدفقت ذكريات تجولهما في المدينة الى ذهنها ،
الطريقة التي كان يحدق بها القرويون اليه وكانه زائر من كوكب اخر .
ثم افترضت انه اثار فضولهم فقط ،
الان عرفت ان هناك سببا اعمق واهم وراء نظرات الجميع .
رددت بتلكؤ :
-  انا ....
حاولت ان ترد عليه لكن صوتها لم يسعفها هي مدركة انها لم تشعر سوى بالدهشة وليس الاشمئزاز على الاطلاق ،
ولم تشك ان دريك قادر على ان يغضب ولكن ليس بالوحشية التي وصفها ابدًا ؟!
شحب وجهها وهي تتذكر الطريقة التي وبخته بها في ال غريكو واتهتمته بانه كان ينوي ان يضرب إدوارد واصراره على الانكار .
انعقد لسانها ، فقال لها بتفهم :
-  لا بأس يا لورين .

كان صوته قاسيًا ، ولكنه بدا متعجرفًا وشجاعًا وهو يقبل ادانته المستحقة ،
ردد بهدوء وابتسامة حاول اظهارها لطيفة :
-  أنا افهم شعورك جيدًا .
ثم فتح يديه من دون اي تعبير قائلًا :
-  لقد رتبت سريري ،
وكما يقول المثل علي ان استلقي عليه بمفردي ،
الا اذا كان هناك امراة في مكان ما لا تعكس عيناها الاشمئزاز لما سمعته مني للتو ، ولا يرتعد جسدها من الخوف عندما اعانقها ،
ولا يجف فمها عندما اهمس لها .
تقدمت منه تلقائيا ، ونظرات العطف ترتسم على وجهها ، ليشدها اليه الحزن المحفور على وجهه,
شعرت بالتعاطف معه وقالت :
-  ستجد هذا الشخص ... صدقني يا دريك .
سألها بتأثر شديد :
-  هل باستطاعتك ان تحبي شخصًا بهذه الصفات ؟
شعرت بالصدمة من سؤاله ، فباغتها بآخر وهو يقترب منها :
-  ما رأيك ، هل نمتحن ذلك ؟ هل نتاكد اذا كنت ماتزالين تتجاوبين معي كما كنت من قبل ؟
طغت المرارة عليه وهو يضمها بين ذراعيه ويعانقها ويبعث الدفء في عروقها .
كان امتحانا عسيرا وكان عليها ان ترفضه ،
ومع ذلك اصبحت ضحية راغبة ،
تتجاوب معه وكانها في حلم مبهج .
رفعت يديها وشبكتهما في شعره الاسود
الجميل تريد ان تريحه ، وتبعده عن المتاعب التي لازمته تريد ان تحبه ..... الحب فقط هو ما سيجعله يتعافى !
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي