الفصل العاشر
جلست جواره للحظات وهي تبحث في حقيبتها تخرج هاتفها ليكتب على لوحة المفاتيح
ولكنه فجأة جذب كفها بصبرٍ نافذ وبدأ يرسم بسبابته على باطن كفها الكلمات التي يود قولها.. في البداية ظلت تحدق به بلا فهم.. تحاول تفسير ما يريد قوله إلا أن فهمت بعد تكرار رسمه فقالت مندهشة وهي تبتسم بحلاوة...
" أين كنت " تسألني أين كنت
اأنت غاضب لأنني خرجت من الكوخ، ظننتني رحلت!
أشاح وجهه عنها يتحاشى النظر لها ولبسمتها المستفزة
فقفزت الجهة الأخرى حيث نظرة وقالت ضاحكة...
-افتقدتني أليس كذالك.. هل بدأت تنجذب لي أخيرًا كما أنا منجذبة لك ياصاحب العينان الفاتنتان!
عقد حاجباه بدهشة من تصريحها الصحيح الذي لم تحاول اخفائه.. نعم هو يشعر أنها منجذبة له بسبب نظراتها ولفتاتها.. ولكن تصرح هكذا فجأة بجرأة!
مدت اناملها تفك العقدة بين حاجباه وتقول بهدوء باسمة..
-جدي أخبرني أن في مجتمعنا العربي لا يصح أن تبادر المرأة باعترافها بالحب.. قد يكون هذا مختلف بالنسبة لي ولكني لا أمانع أن اخبر رجلًا احبه أنني احبه أولا
او اخبره أنني اشتقت إليه.. أو أسرد له مايحدث لي حينما أنظر له، أنا أجد نفسي في تلك الأمور
لا تستغرب تصرفاتي أو حديثي.. ولكني على طريق حبك يانديم، وهذا ما يجعلني أغامر بأي شيء لأجلك
ابتعدت عنه وهي تنظر لملامحه المندهشة والنظرة المبهورة في عيناه.. من الواضح أنها افحمته بحديثها
فتابعت تقول ببساطة...
-ولكن ايضًا لا أنتظر منك أن تخبرني بشعورك ابدًا
حتى وإن لم تشعر نحوي بأي شيء، يكفيني شعوري نحوك
وقفت تسير إلى الأكياس التي جلبتها من الخارج واقتربت منه تقول متخطية حديثهم تمامًا وهي تخرج له ملابس رجاليه تضعها على قدمه...
-لقد اشتريت لك ملابس جديدة..منذ أيام وأنا أنوي الذهاب للمدينة كي اشتريها لك واثقة أنها ستكون على قياسك.. وايضًا جلبت بعض المكونات التي سأجهز بها فطيرة التفاح التي وعدتك بها
وايضًا اتجهت للمحطة كي أمدد أيام اجازتي اسبوعًا آخر
رغم اعتراض خالد ولكن سعد وافق.. أنا ممنونة لهم
رغم أن غيابي ليس في صالحي ابدًا ولكن لا بأس
اسبوعًا أخر لن يضر أليس كذالك!
رفعت وجهها له بعدما أفرغت المكونات فوجدته ينظر لها نظرة تحمل امتنان ممتزج بحزن والكثير من الألم
ومد كفه يجذب كفها ويكتب على باطن كفها...
"اشكرك على شعورك نحوي.. ولكنني لا استحق هذا الشعور، أنا لا أصلح لأي مشاعر انسانية.. أنا مجرد مجنون صامت"
ارتجفت نظرة عيناها حزنًا عليه.. فربتت على كفه متنهدة
تقول بخفوتٍ بحنون...
-اخبرني كيف مات صديق.. ولمَ فعل بك ذاك الرائد
شاركني بحزنك لأحكم بنفسي إن كنت تستحق شعوري أم لا.. ربما تكون تتجنى على نفسك!
لاحت نظرة ساخرة على وجهه وزم شفتاه بألم
ليته بريئ من دم صدّيق.. ليته بريئ من ذاك الحادث
ولكنه هو من كان سبب اساسي به
فكيف ستكون وجهة نظرها مختلفة.. ستكون نظرتها له كنظرة عائلته تمامًا
اعطاها هاتفها تفتحه كي يكتب عليه باستفاضه
ترددت للحظات تخشى أن يتعرض لتلك الحالة التي حدثت قبل عشرة أيام مضت.. ولكن نظرة الاصرار في عيناه جعلتها تفتح الهاتف وتفتح له المفكرة كي يخط عليها مايريد قوله
انغمس يكتب وتعلقت نظراتها به
تتأمله بصمت يشابه صمته.. في السابق ظنت أنها منجذبة لنديم بسبب هيئته الوسيمة وهالة الغموض التي تحيطه
ولكن مع مرور الأيام تشعر وكأنها مسؤولة عنه
تشعر وكأنها أخر أمل له.. تود لو تنتشله من تلك الحياة وتضعه حيث يستحق
رغم جهلها بكل مايحيط به.. جهلها بعائلته ونسبه وعمله قبل دخوله للمصحة.. جاهلة حتى بإسم جده الرابع
جاهلة حتى بتلك الجريمة التي نسبها لنفسه
وهي لا مشكلة لها مع كل هذا.. هي في الأساس تود أن تنشيئ له عالم جديد لا يجرمه احد فيه ولا حتى نفسه
هي واثقة أنه لن يستطيع أذية شخص
لن تنسى ابدًا حينما اندفع نحو الشاب يبعده عنها بكل وهنه لينتهي به الأمر مصاب لأجلها.. لأجل انقاذ فتاة من ضياع محتم
استفاقت على يده المرتجفة وهو يقدم لها الهاتف تقرأ ما دونه وهو يشيح بوجهه عنه يقبض يده بعنف على الملابس الموضوعة على قده
فبدأت القرأة وباتت تجري عيناها على السطور بصمت
" صدّيق هو ابن عمي وكشقيقي، عمي هو من تولى تربيتي معه حينما مات أبي..وتولى رعايتي تمامًا فبات يقول بين الناس أن له ثلاث أولاد
"رائد ونديم وصدّيق " رائد يكبرني بخمس سنوات
أما صدّيق فهو في عمري تقريبًا
منذ طفولتنا وأنا الأكثر شغبًا وافتعال المشاكل
وهو الطفل الطيب الذي يلملم قذارة ابن عمه
وهذا ما كان يغضب رائد مني.. فلم اعطيه تركيزي
واستمريت ماافعله حتى بلغ مني الحد المغامرة في سباق الدراجات النارية
حينما علم عمي بهذا الأمر وبخني وحذرني أن هذا غير مقبول.. فأنا في هذا الوقت كنت أنهيتٌ دراستي والتحقت بالعمل مع عمي في مكتب المحاماة خاصته
وكذالك صدّيق.. أما رائد فهو ضابط حازم لا يقبل بأفعالي المندفعة
إلى أن جاء يوم سباق الدراجات النارية خاصتي
وألحيت على صدّيق أن ياتي معه وينظر إلى براعتي فيها.. وفي المقابل سأتيح له الفرصة للحديث مع الفتاو التي يحبها، فتلك الفتاة كانت من منظمي تلك الفاعليات ولقد رأها أكثر من مرة حينما كان يأتي معي لتلك السباقات
صدّيق كان يخشى أي شيء سريع.. يكره السباقات
وكان يحذرني منها أنها ستعرضني لخطر
ورغم ذالك كان يأتي معي كي يغطي على غيابي بمبرر أنه كان معي نزور اصدقائنا أو بالنادي او اي شيء.. والمعروف في العائلة أن صدّيق لا يكذب
إلى أن اتى يوم السباق.. كنت أنا على دراجتي النارية اقودها في مقدمة السباق وقد اقتربت من الفوز
اذ فجأة اسمع صراخ اصدقائنا اللذين يشجعونا
صراخ عنيف وهرج غريب ساد في المضمار
وحينما عدت بدراجتي وجدت أن احد الدرجات خرجت عن المضمار وتسببت في قتل ثلاثة أشخاص وكان منهم صدّيق.. دونًا عن باقي الموجودين كان صديق أحد الراحلين
وقتها كاد قلبي يتوقف رعبًا وأنا ارى صديق غارق في دمائه وجهه لا يظهر من تلك الدماء
فلم اجد نفسي إلا وأنا أبعث رسالة إلى رائد ليأتي
حينها لم اجد صوتي.. حاولت الحديث ولكن الكلمات لا تخرج من حلقي.. حاولت الصراخ والبكاء على صديق ولكن لم استطع
إلى أن جاء رائد وظل يضربني بكل قوته وهو يصرخ في وجهي أنني قتلت شقيقه.. أنا السبب في موت صدّيق.. حينها لم استطع إلا من أن اطأطئ رأسي خجلاً وحزنًا.. اخذني وألقاني في زنزانة انفرادية ولم اعترض.. كنت أشعر ان السكين سرقتني
موت صدّيق كان مؤلم ومفجع
انقضى يومان وأنا لازلت في مكاني
أحاول بث الأمل في نفسي أن ربما صديق على قيد الحياة.. ربما نجى.. ولكن كيف نجى وقد حمله المسعفون أمامي وقد قالوا أنه توفى
ولكن حينما فتح رائد الزنزانة ودلف منها بوجهه المقهور الذي علمت منه أن صدّيق توفى حقًا
اعطاني ورقة أكتب فيها رسالة انتحاري.. فأنا في نظر عائلتي أنا السائق الدراجة النارية الذي صدم
صدّيق والشابان الآخران في محاولة مني للانتحار وقتلهم معي.. إن فعلت هذا سأوفر على نفسي رؤية قهر زوجة عمي التي كانت بمثابة امي، وخيبة عمي
ورائد بقى على حياتي ولم يقتلني.. واكتفى بإدخالي لمشفى الأمراض العقلي بشكل سري عن طريق أحد معارفه..
لم أرفض.. ولم اعترض.. أنا استحق هذا
وبالرغم من مرور السنوات إلا أنني أرى أن هذا أقل ثمن ادفعه لحياة صدّيق
انهت قرائة ما كتبه وهي تنظر له بذهول وعيون دامعة وهي تقول...
-ولكنك لم تكن قاتل صدّيق هذا قضاء وقدر
لقد انتهى عمره في ذاك اليوم.. نعم انك اخطأت ولكن هذا ليس الثمن.. هذا ليس تكفير ذنبك
أنت تقتل نفسك بما تفعله.. لقد ضيعت ثلاث سنوات من عمرك مسجونًا في تلك المشفى على أنك مجنون بلا هوية..!
حرك رأسه بنفي يرفض كلماتها فتابعت بقوة وهي تمسك كفه تشد عليه...
-نديم انت لم تقتل صدّيق، أنت بريئ هذا قضاء وقدر
ورائد هذا غير سوي نفسيًا بدلا من القاء اللوم عليك
كان عليه أن يساعدك في تخطي الصدمة واستعادة صوتك.. لقد كان أنانيًا حقودًا من البداية!
انتفض من جوارها بحدة يرفض مبررها قي تبرأته
هي تقول هذا لتخفف وطأة شعوره بالذنب ليس أكثر
هو أكثر من يعلم أن لولا الحاحة على صدّيق أن يأتي معه لما كان ميتًا الآن.. هو سبب في موته
وقبل أن يدخل في حالو هذيانة وقفت سريعًا تربت على كتفه تهدئه فورًا...
-حسنًا لا تغضب سنتناقش فيما بعد في هذ الأمر
اجلس واهدأ كل شيء سيكون على مايرام
اهدأ يانديم لن اضغط عليك بالحديث
جلس وجاورته في جلسته وهي تربت على كتفه مواسية تخرجه من ذكرياته المؤلمة وهي تقول بخفوت...
-لا تحزن.. كل هذا صار من الماضي
كلنا نرتكب الاخطاء، كل شيء سيكون على مايرام
شيءٍ ما داخله جعله ينخفض في جلسته ويلقي رأسه على كفتها ويغمض عيناه بقوة يعتصرهم كي يمنعهم من ذرف الدموع.. لن يبكِ لقد بكى إلى أن جفت عيناه.. ولكن ماأن يتذكر شكل صدّيق حينما مات يزيد ألمه ارتالاً
وكعصاه سحرية تنسيه ألمه شعر بأناملها تطوف في فروة رأسه تمسدها برفق وهي تقول...
-وجهك الجميل يخفي الكثير يانديم.. كنت اظنك رجلا متشرد رُزق الجمال ولم يرزق المال
وصرت أبني تخيلاتٍ عدة انك تسكن حارة شعبية وتحب جارتك.. ولكن ظروف الحياة لم تجعلك تتزوجها.. أو انك رجلًا متزوج فقير أو أو أو
كل ما تخليته لم يأتي صفرًا على الشمال في كل مااخبرتني به.. ماأغرب الحياة
ثم ابتعدت عنه سريعًا حماس وهي تقف وتجذب يده باسمة...
-هيا قف واذهب غير ملابسك في غرفتي
ملابس زوج والدتي قديمة الطراز لا تناسبك.. غير ثيابك إلى أن أعيد تسخين الطعام لنأكل ونقضي وقتنا على الشاطئ
اتجهت سريعًا للمطبخ الصغير في الكوخ وهي تسأل نفسها.. إلى متى ستظل تقطن مع رجلا غريب عنها في ذاك الكوخ البعيد
إلى متى ستظل تهرب من فكرة أنها لن تظل معه للأبد.. حياته معقدة للغاية وهي ليست متفرغة بشكلٍ تمام لتبقى معه.. هي ملتزمة بعقد عمل مع محطة سعد.. ولن تلومه لو استخدم العقد ضدها
إلى متى ستظل مختبئة كي تحتفظ بنديم جوارها
إلى متى!
***
ولكنه فجأة جذب كفها بصبرٍ نافذ وبدأ يرسم بسبابته على باطن كفها الكلمات التي يود قولها.. في البداية ظلت تحدق به بلا فهم.. تحاول تفسير ما يريد قوله إلا أن فهمت بعد تكرار رسمه فقالت مندهشة وهي تبتسم بحلاوة...
" أين كنت " تسألني أين كنت
اأنت غاضب لأنني خرجت من الكوخ، ظننتني رحلت!
أشاح وجهه عنها يتحاشى النظر لها ولبسمتها المستفزة
فقفزت الجهة الأخرى حيث نظرة وقالت ضاحكة...
-افتقدتني أليس كذالك.. هل بدأت تنجذب لي أخيرًا كما أنا منجذبة لك ياصاحب العينان الفاتنتان!
عقد حاجباه بدهشة من تصريحها الصحيح الذي لم تحاول اخفائه.. نعم هو يشعر أنها منجذبة له بسبب نظراتها ولفتاتها.. ولكن تصرح هكذا فجأة بجرأة!
مدت اناملها تفك العقدة بين حاجباه وتقول بهدوء باسمة..
-جدي أخبرني أن في مجتمعنا العربي لا يصح أن تبادر المرأة باعترافها بالحب.. قد يكون هذا مختلف بالنسبة لي ولكني لا أمانع أن اخبر رجلًا احبه أنني احبه أولا
او اخبره أنني اشتقت إليه.. أو أسرد له مايحدث لي حينما أنظر له، أنا أجد نفسي في تلك الأمور
لا تستغرب تصرفاتي أو حديثي.. ولكني على طريق حبك يانديم، وهذا ما يجعلني أغامر بأي شيء لأجلك
ابتعدت عنه وهي تنظر لملامحه المندهشة والنظرة المبهورة في عيناه.. من الواضح أنها افحمته بحديثها
فتابعت تقول ببساطة...
-ولكن ايضًا لا أنتظر منك أن تخبرني بشعورك ابدًا
حتى وإن لم تشعر نحوي بأي شيء، يكفيني شعوري نحوك
وقفت تسير إلى الأكياس التي جلبتها من الخارج واقتربت منه تقول متخطية حديثهم تمامًا وهي تخرج له ملابس رجاليه تضعها على قدمه...
-لقد اشتريت لك ملابس جديدة..منذ أيام وأنا أنوي الذهاب للمدينة كي اشتريها لك واثقة أنها ستكون على قياسك.. وايضًا جلبت بعض المكونات التي سأجهز بها فطيرة التفاح التي وعدتك بها
وايضًا اتجهت للمحطة كي أمدد أيام اجازتي اسبوعًا آخر
رغم اعتراض خالد ولكن سعد وافق.. أنا ممنونة لهم
رغم أن غيابي ليس في صالحي ابدًا ولكن لا بأس
اسبوعًا أخر لن يضر أليس كذالك!
رفعت وجهها له بعدما أفرغت المكونات فوجدته ينظر لها نظرة تحمل امتنان ممتزج بحزن والكثير من الألم
ومد كفه يجذب كفها ويكتب على باطن كفها...
"اشكرك على شعورك نحوي.. ولكنني لا استحق هذا الشعور، أنا لا أصلح لأي مشاعر انسانية.. أنا مجرد مجنون صامت"
ارتجفت نظرة عيناها حزنًا عليه.. فربتت على كفه متنهدة
تقول بخفوتٍ بحنون...
-اخبرني كيف مات صديق.. ولمَ فعل بك ذاك الرائد
شاركني بحزنك لأحكم بنفسي إن كنت تستحق شعوري أم لا.. ربما تكون تتجنى على نفسك!
لاحت نظرة ساخرة على وجهه وزم شفتاه بألم
ليته بريئ من دم صدّيق.. ليته بريئ من ذاك الحادث
ولكنه هو من كان سبب اساسي به
فكيف ستكون وجهة نظرها مختلفة.. ستكون نظرتها له كنظرة عائلته تمامًا
اعطاها هاتفها تفتحه كي يكتب عليه باستفاضه
ترددت للحظات تخشى أن يتعرض لتلك الحالة التي حدثت قبل عشرة أيام مضت.. ولكن نظرة الاصرار في عيناه جعلتها تفتح الهاتف وتفتح له المفكرة كي يخط عليها مايريد قوله
انغمس يكتب وتعلقت نظراتها به
تتأمله بصمت يشابه صمته.. في السابق ظنت أنها منجذبة لنديم بسبب هيئته الوسيمة وهالة الغموض التي تحيطه
ولكن مع مرور الأيام تشعر وكأنها مسؤولة عنه
تشعر وكأنها أخر أمل له.. تود لو تنتشله من تلك الحياة وتضعه حيث يستحق
رغم جهلها بكل مايحيط به.. جهلها بعائلته ونسبه وعمله قبل دخوله للمصحة.. جاهلة حتى بإسم جده الرابع
جاهلة حتى بتلك الجريمة التي نسبها لنفسه
وهي لا مشكلة لها مع كل هذا.. هي في الأساس تود أن تنشيئ له عالم جديد لا يجرمه احد فيه ولا حتى نفسه
هي واثقة أنه لن يستطيع أذية شخص
لن تنسى ابدًا حينما اندفع نحو الشاب يبعده عنها بكل وهنه لينتهي به الأمر مصاب لأجلها.. لأجل انقاذ فتاة من ضياع محتم
استفاقت على يده المرتجفة وهو يقدم لها الهاتف تقرأ ما دونه وهو يشيح بوجهه عنه يقبض يده بعنف على الملابس الموضوعة على قده
فبدأت القرأة وباتت تجري عيناها على السطور بصمت
" صدّيق هو ابن عمي وكشقيقي، عمي هو من تولى تربيتي معه حينما مات أبي..وتولى رعايتي تمامًا فبات يقول بين الناس أن له ثلاث أولاد
"رائد ونديم وصدّيق " رائد يكبرني بخمس سنوات
أما صدّيق فهو في عمري تقريبًا
منذ طفولتنا وأنا الأكثر شغبًا وافتعال المشاكل
وهو الطفل الطيب الذي يلملم قذارة ابن عمه
وهذا ما كان يغضب رائد مني.. فلم اعطيه تركيزي
واستمريت ماافعله حتى بلغ مني الحد المغامرة في سباق الدراجات النارية
حينما علم عمي بهذا الأمر وبخني وحذرني أن هذا غير مقبول.. فأنا في هذا الوقت كنت أنهيتٌ دراستي والتحقت بالعمل مع عمي في مكتب المحاماة خاصته
وكذالك صدّيق.. أما رائد فهو ضابط حازم لا يقبل بأفعالي المندفعة
إلى أن جاء يوم سباق الدراجات النارية خاصتي
وألحيت على صدّيق أن ياتي معه وينظر إلى براعتي فيها.. وفي المقابل سأتيح له الفرصة للحديث مع الفتاو التي يحبها، فتلك الفتاة كانت من منظمي تلك الفاعليات ولقد رأها أكثر من مرة حينما كان يأتي معي لتلك السباقات
صدّيق كان يخشى أي شيء سريع.. يكره السباقات
وكان يحذرني منها أنها ستعرضني لخطر
ورغم ذالك كان يأتي معي كي يغطي على غيابي بمبرر أنه كان معي نزور اصدقائنا أو بالنادي او اي شيء.. والمعروف في العائلة أن صدّيق لا يكذب
إلى أن اتى يوم السباق.. كنت أنا على دراجتي النارية اقودها في مقدمة السباق وقد اقتربت من الفوز
اذ فجأة اسمع صراخ اصدقائنا اللذين يشجعونا
صراخ عنيف وهرج غريب ساد في المضمار
وحينما عدت بدراجتي وجدت أن احد الدرجات خرجت عن المضمار وتسببت في قتل ثلاثة أشخاص وكان منهم صدّيق.. دونًا عن باقي الموجودين كان صديق أحد الراحلين
وقتها كاد قلبي يتوقف رعبًا وأنا ارى صديق غارق في دمائه وجهه لا يظهر من تلك الدماء
فلم اجد نفسي إلا وأنا أبعث رسالة إلى رائد ليأتي
حينها لم اجد صوتي.. حاولت الحديث ولكن الكلمات لا تخرج من حلقي.. حاولت الصراخ والبكاء على صديق ولكن لم استطع
إلى أن جاء رائد وظل يضربني بكل قوته وهو يصرخ في وجهي أنني قتلت شقيقه.. أنا السبب في موت صدّيق.. حينها لم استطع إلا من أن اطأطئ رأسي خجلاً وحزنًا.. اخذني وألقاني في زنزانة انفرادية ولم اعترض.. كنت أشعر ان السكين سرقتني
موت صدّيق كان مؤلم ومفجع
انقضى يومان وأنا لازلت في مكاني
أحاول بث الأمل في نفسي أن ربما صديق على قيد الحياة.. ربما نجى.. ولكن كيف نجى وقد حمله المسعفون أمامي وقد قالوا أنه توفى
ولكن حينما فتح رائد الزنزانة ودلف منها بوجهه المقهور الذي علمت منه أن صدّيق توفى حقًا
اعطاني ورقة أكتب فيها رسالة انتحاري.. فأنا في نظر عائلتي أنا السائق الدراجة النارية الذي صدم
صدّيق والشابان الآخران في محاولة مني للانتحار وقتلهم معي.. إن فعلت هذا سأوفر على نفسي رؤية قهر زوجة عمي التي كانت بمثابة امي، وخيبة عمي
ورائد بقى على حياتي ولم يقتلني.. واكتفى بإدخالي لمشفى الأمراض العقلي بشكل سري عن طريق أحد معارفه..
لم أرفض.. ولم اعترض.. أنا استحق هذا
وبالرغم من مرور السنوات إلا أنني أرى أن هذا أقل ثمن ادفعه لحياة صدّيق
انهت قرائة ما كتبه وهي تنظر له بذهول وعيون دامعة وهي تقول...
-ولكنك لم تكن قاتل صدّيق هذا قضاء وقدر
لقد انتهى عمره في ذاك اليوم.. نعم انك اخطأت ولكن هذا ليس الثمن.. هذا ليس تكفير ذنبك
أنت تقتل نفسك بما تفعله.. لقد ضيعت ثلاث سنوات من عمرك مسجونًا في تلك المشفى على أنك مجنون بلا هوية..!
حرك رأسه بنفي يرفض كلماتها فتابعت بقوة وهي تمسك كفه تشد عليه...
-نديم انت لم تقتل صدّيق، أنت بريئ هذا قضاء وقدر
ورائد هذا غير سوي نفسيًا بدلا من القاء اللوم عليك
كان عليه أن يساعدك في تخطي الصدمة واستعادة صوتك.. لقد كان أنانيًا حقودًا من البداية!
انتفض من جوارها بحدة يرفض مبررها قي تبرأته
هي تقول هذا لتخفف وطأة شعوره بالذنب ليس أكثر
هو أكثر من يعلم أن لولا الحاحة على صدّيق أن يأتي معه لما كان ميتًا الآن.. هو سبب في موته
وقبل أن يدخل في حالو هذيانة وقفت سريعًا تربت على كتفه تهدئه فورًا...
-حسنًا لا تغضب سنتناقش فيما بعد في هذ الأمر
اجلس واهدأ كل شيء سيكون على مايرام
اهدأ يانديم لن اضغط عليك بالحديث
جلس وجاورته في جلسته وهي تربت على كتفه مواسية تخرجه من ذكرياته المؤلمة وهي تقول بخفوت...
-لا تحزن.. كل هذا صار من الماضي
كلنا نرتكب الاخطاء، كل شيء سيكون على مايرام
شيءٍ ما داخله جعله ينخفض في جلسته ويلقي رأسه على كفتها ويغمض عيناه بقوة يعتصرهم كي يمنعهم من ذرف الدموع.. لن يبكِ لقد بكى إلى أن جفت عيناه.. ولكن ماأن يتذكر شكل صدّيق حينما مات يزيد ألمه ارتالاً
وكعصاه سحرية تنسيه ألمه شعر بأناملها تطوف في فروة رأسه تمسدها برفق وهي تقول...
-وجهك الجميل يخفي الكثير يانديم.. كنت اظنك رجلا متشرد رُزق الجمال ولم يرزق المال
وصرت أبني تخيلاتٍ عدة انك تسكن حارة شعبية وتحب جارتك.. ولكن ظروف الحياة لم تجعلك تتزوجها.. أو انك رجلًا متزوج فقير أو أو أو
كل ما تخليته لم يأتي صفرًا على الشمال في كل مااخبرتني به.. ماأغرب الحياة
ثم ابتعدت عنه سريعًا حماس وهي تقف وتجذب يده باسمة...
-هيا قف واذهب غير ملابسك في غرفتي
ملابس زوج والدتي قديمة الطراز لا تناسبك.. غير ثيابك إلى أن أعيد تسخين الطعام لنأكل ونقضي وقتنا على الشاطئ
اتجهت سريعًا للمطبخ الصغير في الكوخ وهي تسأل نفسها.. إلى متى ستظل تقطن مع رجلا غريب عنها في ذاك الكوخ البعيد
إلى متى ستظل تهرب من فكرة أنها لن تظل معه للأبد.. حياته معقدة للغاية وهي ليست متفرغة بشكلٍ تمام لتبقى معه.. هي ملتزمة بعقد عمل مع محطة سعد.. ولن تلومه لو استخدم العقد ضدها
إلى متى ستظل مختبئة كي تحتفظ بنديم جوارها
إلى متى!
***