الفصل الرابع
لتقول فيروز بمرح:
- يا طنط أنا بحب اللمة وعاوزة أخد عليكم على طول عشان لو فطرت لوحدي هحس إني غريبة عنكم.
ربتت أحلام على كتفها وقالت بحنو:
لا يا حبيبتي إحنا أهلك وده بيتك طبعا، يلا تعالوا ننزل نستنى الباقي ونفطر كلنا مع بعض.
بالفعل إتجهوا ثلاثتهم إلى الأسفل ثم إلى طاولة الطعام وجلسوا، ما إن جلسوا حتى أقبلتا عليهم نوران ومي..
جلستا إلى جوار بعضهما لتقول مي بمشاكسة:
- صباح الخير يا عرسان.
فضحك زين وقال:
- صباح النور يا لمضة، عقبالك ولو إنك لسه نونو.
وكزته فيروز بخفة في ذراعه وهي تقول:
- عقبال نوران الأول يا زين، خلي عندك نظر.
زين بمزاحه المعتاد الذي لم يُرق قط لنوران:
- لا أنا فاقد الأمل في نوران، يمكن لو خست شوية يرجعلي الأمل تاني!
قهقهت مي ضاحكة كعادتها، وكشرت نوران عن جبينها بضيق شديد.
أردفت أحلام في حزم:
- بطل يا زين عشان أختك بتزعل!!
زين بعد أن هدأ من ضحكاته:
- بهزر معاها والله.
ولكن نوران قالت بانفعال:
هزارك سخيف ودمه تقيل وياريت ماتهزرش معايا تاني ممكن ولا مش ممكن..؟!
أنهت جملتها وقد تلألأت العبرات في عينيها، لتنهض بضيق متجهة إلى الدرج في حين اصطدمت بفخر وزوجته وهما يهبطان الدرج فتوقف فخر متسائلًا بلهفة:
- نوران؟ .. مالك يا حبيبتي بتبكي ليه؟؟
انهمرت دموعها بغزارة وتحشرج صوتها وهي تخبره من بين بكاؤها:
- ما مافيش حاجة.
فما كان منه إلا أن احتواها بين ذراعيه، وتساءل وهو ينظر إلى والدته:
- مالها نوران يا ماما؟ مين زعلها؟!!
تنهدت أحلام وهي تقول بجدية:
- زين ورخامته، إنت عارف إنه ديما يرخم عليها ويتريق على جسمها.
نظر فخر له في عتاب، ثم عاد ينظر إلى نوران وقد رفع وجهها إليه وقال بنبرة حانية:
ولا يهمك ولا تزعلي أبدا، خلي اللي يتريق يتفلق وبعدين تعالي قوليلي وشوفي أنا هعملك فيه إيه.
ثم ربت على رأسها قائلًا:
ماتبكيش هو بس بيهزر وأنا هخليه مايهزرش معاكِ تاني يا حبيبتي، يلا إطلعي إغسلي وشك وتعالي إفطري معانا.
أومأت برأسها موافقة بعد أن هدأ بكاؤها قليلًا، ثم صعدت الدرج، في حين قال فخر وهو يتجه نحو الطاولة بصوت صارم:
- إيه يا زين ميت مرة قالتلك إنها بتزعل من الهزار دا، مش لازم تجرحها يعني كل شوية!
زين بهدوء:
- والله يا فخر ماقصدش وعموما مش ههزر معاها تاني الهزار ده.
أومأ فخر برأسه بعد أن جلس وجلست زوجته بجواره، بينما قالت مي بلا اكتراث:
- نوران مزوداها حبتين على فكرة يا فخر، وحساسة أوفر.
فخر بتحذير:
مالكيش دعوة إنتِ يا مي وبدل ما تضحكي عليها إنتِ كمان خليكي جنبها، يا إما تنقطينا بسكاتك!
تأففت مي وهي تكتف ساعديها أمامها، بينما قال زين في تساؤل:
- إومال بابا فين، ومروان؟!
أخبرته مي:
بابا خرج من بدري، ومروان أصلا مارجعش من إمبارح.
توسعت عيني فخر وهو يقول بقلق:
- إيه؟؟ مجاش من إمبارح!!..
وكذلك قالت أحلام في لهفة:
يا خبر، إزاي، هو مش جاي معانا إمبارح ودخل أوضته، خرج تاني ولا إيه؟
- اه خرج تاني يا أمي..
قالها فخر وهو يلتقط هاتفه المحمول وأجرى إتصالا عليه، ولكن مروان لم يرد..
كرر فخر الإتصال مرتان وثلاث فلم يأته رد مما زاد من قلقه، فزفر بعنف وهو يتوعد له:
- طيب يا مروان.
مرت عدة دقائق حتى وجدوه يدخل من الباب، فنهض فخر متجها إليه وهو يسأله بحزم:
- كنت فين ومابتردش ليه على الموبايل؟!
كان مروان يترنح بلا وعيٍ منه، يبدو أن سكران!!
نظر له بعينين حمراوتين، ثم قال متأففا:
- مالكش فيه!
اقتربت السيدة أحلام وهي تقول رامقة إياه بنظراتٍ ثاقبة:
-إيه مالك، فيك إيه، بتعمل كده ليه؟؟
فخر وقد صر على أسنانه قبل أن يقترب منه جاذبا إياه من تلابيبه:
- البيه شارب وسكران!.. صح يا محترم..؟؟
وضعت أحلام يدها على فمها تكتم شهقاتها، واتسعت العيون وهم ينظرون إليه في صدمة، وتيقنوا بالفعل إنه احتسى الخمر فكانت رائحته تفوح من فمه..
دفعه مروان بنفاد صبر وهو يصيح به:
- وإنت مالك، ماتبعد عني عشان متغباش عليك ومتقرفناش بقى يا أخي.
وكان رد فخر عليه صفعة!!.. صفعة قوية هبطت على وجهه لتحل الصدمة على الجميع مجددًا.
اتسعت عيني مروان وهو يضع يده مكان الصفعة ولم يستعب، فصاح بعد عدة دقائق من الصمت:
إنت بتضربني؟؟
أومأ فخر مؤكدًا بعينين مشتعلتين غضبًا، مخبرا إياه:
- وهتاخد بالجزمة لو جيت شارب تاني.
اقترب مروان وهو يرمقه بنظرات قاتلة، و قبل أن يفتك به تدخل زين وابعده عن أخيه قائلًا:
- مروان إهدى إنت مش في وعيك، ياريت تطلع أوضتك الله يخليك وعدي اليوم دا على خير.
مروان برفض وهو يشير إلى فخر بسبابته:
والله ما هسيبك، أنا بتمد إيدك عليا، إنت.....
قاطعه فخر بصوته الثائر، بينما يبعث الشرر الغاضب من عينيه:
والله العظيم يا مروان لو ما خفيت من وشي لأمد إيدي عليك تاني ويومك مش هيعدي معايا النهاردة.
قبل أن يتكلم مروان مجددًا جذبته أمه بصحبة زين نحو الدرج وجعلته يصعد إلى غرفته عنوه، خوفا من الاشتباك مع أخيه مجددًا، فيحدث ما لا يحمد عقباه.
صعد مروان وهو يهمهم بغضب جلي متوعدًا له، في حين توجه فخر نحو الباب وخرج بغضب هو الآخر، فركضت مرح خلفه تحاول تهدئته، قالت بحذر:
- فخر.. إهدى بالله عليك.
وجدها ترتعش من الخوف، فطمئنها بعينيه قائلًا:
- ماتخافيش، أنا كويس.. يلا إطلعي إنتِ وخليكِ في أوضتك أفضل لحد ما أرجع.
أومأت برأسها موافقة، ثم احتضنته بقوة مودعة إياه، ابتسم لها وقبل كف يدها قبل أن يتركها ويتجه نحو سيارته وما إن انصرف توجهت إلى الداخل، ثم إلى غرفتها..
...........................
بعد مرور عدة ساعات ومع غروب الشمس وانتهاء اليوم عاد فخر من شركته وعاد أيضا نجيب من عمله، ومازال مروان نائم في ملكوتٍ آخر...
وكعادة نجيب يجلس في مكتبه الخاص، وفخر بغرفته مع مرح، بينما الفتاتان تجلسان في غرفتهما...
فتحت أحلام باب غرفتهما ودخلت قائلة بابتسامة مشرقة:
نوران، قومي البسي وإنتِ كمان يا مي وتعالوا عشان مهاب تحت هو وسهام.
تسارعت دقات قلب نوران مجرد أن سمعت إسمه، فارتبكت وهي تنهض قائلة بتوتر:
- ماشي يا ماما جاية وراكِ.
خرجت الأم من الغرفة وهبطت الدرج مجددًا ورحبت بهما قائلة:
- خطوة عزيزة والله يا سهام، نورتنا يا مهاب يا حبيبي.
سهام بعد أن ابتسمت:
- بنورك يا حبيبتي.
بينما قال مهاب بهدوء:
- الله يعزك يا طنط.
ران الصمت عليهم لعدة لحظات، وحين كانت نوران تهبط الدرج بصحبة شقيقتها، استمعت إلى صوت سهام وهي تقول وكأن الكلمات أصبحت كالسهم تمامًا فوصل إلى قلبها يمزقه بلا رحمة..
- بصي بقى يا أحلام بصراحة كده أنا جاية أطلب إيد "مي" لمهاب، إيه رأيك؟؟؟
لتقف نوران متسمرة دون حراك واضعة يدها فوق موضع قلبها الذي صُدم وجُرح للتو
تجمدت ملامحها بشدة جراء طلب سهام، ومازالت تقف كجماد لا يستطع الحراك، بينما ظهرت ابتسامة واسعة على ثغر شقيقتها التي تقدمت للأمام حتى صافحتهما وجلست جوار والدتها وهي محتفظة بنفس الابتسامة!، فيما تتعجب أحلام من ذاك الطلب الغريب!!!.
لم تتوقع أن مهاب يريد الصغيرة، ظنت أنه أتى طالبًا نوران، انتقلت ببصرها نحوها فوجدتها متسمرة في مكانها هُناك، أدركت حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة، أدركت تألمها الصامت، فعيناها تحكيان ألف قصة ألم.. واه من عينيها الحزينتين الدامعتين، وهي ترى حُلمها البريء ضُرب بعرض الحائط!! ليبقى قلبها معذب جريح، ينزف دون أن يشعر أحد!
نهضت أحلام واتجهت إليها تقول بنبرة حانية وكأنها تواسيها:
- تعالي يا نوران يا حبيبتي سلمي.
ازدردت نوران ريقها الذي جف تمامًا كظمآن في صحراءٍ قاحلة!..، ثم تحاملت على نفسها وراحت تُصافح زوجة عمها بيد مُرتجفة، واكتفت بإلقاء السلام على مهاب الذي ابتسم بود كعادتهُ دومًا..
جلست جوار والدتها على الجهة الأخرى بخيبة أمل وقلب مكسور، خاصة حينما نظرت إلى شقيقتها السعيدة، سعيدة وكأنها ستطير فرحا وهي التي تعلم حقيقة مشاعرها تجاهه!!
فماذا عن سعادتها تلك؟!..
كانت نوران في حالة يرثى لها ما بين الصدمة وعدم التصديق لما عليه شقيقتها..!
وانتبهت على صوت سهام وهي تتساءل مرة أخرى:
- ها رأيك إيه يا أحلام، ماردتيش عليا؟؟
تنحنحت أحلام بحرج وهي تعتدل في جلستها، ثم ردت بجدية:
- يعني أنا شايفة إن مي لسه صغيرة يا سهام دي لسه مخلصة ثانوي ويا دوبك دخلت أولى جامعة!
حينئذٍ تدخل مهاب قائلًا بهدوء:
- ما هي هتبقى خطوبة يا طنط في البداية مش جواز على طول.
تنهدت أحلام بثقل لا تعلم ماذا تقول، فالموقف مفاجئ وصادم أيضًا، وزعت نظرها بين إبنتيها فتلك سعيدة والأخرى حزينة..!
نهضت فجأة وقالت:
- لحظة يا سهام وراجعة.
توجهت إلى المطبخ حيث أمرت أحد العاملين هُناك بإن يستدعي فخر ويشاركها القرار، فهي دائمًا ما تعتمد عليه في كل شيء كان.
بالفعل بعد مرور بضعة دقائق كان يجلس معهم في الردهة، فتعجب هو الآخر من طلب مهاب الذي لم يتوقعه أحدٍ منهم.
كان مهاب يشعر بالضيق وكذلك مي وهما يتبادلان النظرات، وهناك نوران كانت صامتة لا تنطق فقط نظراتها تتوزع من حين لآخر بينهما في حزنٍ دفين.
- أنا شايف إن مي لسه بدري أوي عليها في الموضوع ده.
قالها فخر بجدية وهو ينظر إلى شقيقته التي زفرت بحنق متأففة، بينما قال مهاب حانقا هو الآخر:
- يعني إيه يا فخر، أفهم إن طلبي مرفوض؟!
أخذ فخر نفسًا عميقًا قبل أن يتكلم بنفس الجدية:
- مش مرفوض، بس على الأقل إدينا وقت نفكر.
وأردفت مي بتمرد:
- بس بابا هو اللي المفروض يحكم مش إنت يا فخر!!
فوكزتها أمها قائلة بصوت صارم:
- إخرسي يا بت، ماتتكلميش إنتِ، عيب عليكِ.
اكتفى فخر بنظرة ثاقبة لها دون كلام، قبل إن يستمعوا جميعا إلى صوت نجيب وهو يهتف بنبرة شرسة:
- تخرس إزاي يا أحلام، ولا إفتكرتوا أبوها مات عشان تقعدي إنتِ وإبنك تتحكموا فيها وأنا موجود.
نهضت مي بارتياح تحتمي بوالدها وابتسامة نصر لاحت على شفتيها وهي تنظر إليهما.
بينما وقفت أحلام تهتف بنبرة عدائية:
- وإنت من إمتى بتهتم بيهم؟ ولا إمتى كان ليك دور في حياتهم غير إنك بتحاول تهد كل اللي ببنيه فيهم من أخلاق وقيم؟.. إنت مالكش حق فيهم دول ولادي أنا، إنت سامع!
أظلمت عينيه وقست ملامح وجهه الحادة دون إن ينطق، فنظراته كانت قاتلة تحمل كرهًا واضحًا لها ولفخر حين نظر إليه يحذره وقد أشار له بسبابته:
- وإنت، إنت مالكش دعوة بولادي ولأخر مرة هقولهالك، إنت ولا حاجة هنا، وقسما عظما إن ما بعدت عنهم لتشوف الوش اللي إنت عارفه كويس.
ازداد غضبا وغيظا حين قهقه فخر متهكما من حديثه وعيناه ترسلان له نظراتٍ متحدية، ويليها صوته الساخر:
- طب بلاش تقسم عشان إنت مش قد القسم ده، ثم إنك مالكش أي دخل بعلاقتي مع إخواتي، أنا أخوهم ولا نسيت؟!
- صلوا على النبي يا جماعة مش كدا.
قالتها سهام وهي تنهض عن جلستها، بينما نهض مهاب أيضًا قائلًا:
إحنا مضطرين نمشي وعموما بنعتذر إن كنا سببنا أي مشكلة.
فتكلم نجيب بتحدٍ صارخ وهو يقترب منه:
- أنا موافق على طلبك يا مهاب، مي بنتي أنا وأنا اللي أقرر مش حد تاني.
ردت سهام بجدية تامة:
- رأيك لوحده ماينفعش يا نجيب، لازم أمها تكون راضية وكمان مي، وكمان فخر، أنا بحب أحلام وماقدرش أبدا أعمل حاجة هي مش راضية عنها!
هتفت مي بتصميم:
- أنا موافقة يا طنط سهام وبابا كمان وأكيد ماما هتوافق عشان ماما بتحب لينا الخير دايما.
صر فخر على أسنانه بغيظ شديد من أفعال شقيقته قبل أن يتجه نحوها جاذبا إياها من ذراعها وسار بها عدة خطوات نحو الدرج، وهدر بها:
- إطلعي فوق.
ظلت واقفة، فكرر بغضب عارم:
- يلااااااااا.
صعدت على الدرج سريعا متحاشية غضبه، ثم عاد فخر يقول باتزان:
- بإذن الله هنبقى نبلغك بالقرار يا مهاب.
تفهم مهاب الموقف ولذلك توجه بصحبة والدته إلى الباب ومن ثم خرجا.
ليقف نجيب يستشيط غضب وقد برزت عروقه بشدة وكأن أعصابه تحترق وأوردته تغلي!
وبنبرة يملؤها الوعيد قال:
- إن مابعدتش أنا هبعدك بمعرفتي يا إبن أحلام.
اقترب فخر يواجهه بعينيه القويتين وهو يقول بثبات تام:
- أعتبر ده تهديد؟؟
رد مؤكدًا:
- بالظبط.
صمت فخر للحظات وهو يحك صدغه بإبهامه قبل أن يقول ببرود:
- أعلى ما في خيلك إركبه.
وابتعد ماشيا ببطئ حتى خرج إلى الحديقة تاركا إياه يستشيط غيظا، في حين صعدت أحلام إلى غرفتها دون أن تعريه أي اهتمام، مما زاد غضبه وهو يتوعد لهما..
ذهب إلى مكتبه وبقيّت نوران بمفردها، كانت مجرد متفرجة تُشاهد مشاجراتهم فقط، لم تنطق ولم يصدر منها أي ردة فعل، فقد كان قلبها يعتصر وكأن شخص ما لكمها به فجأة وتركها تتألم في صمت..
توجهت إلى الدرج بخطوات بطيئة وراحت تصعده وهي تسند بيدها على الدرابزون حتى صعدت إلى الغرفة، ولجت لتجد شقيقتها تجلس وبيدها طلاء أظافر تضعه فوق أظافرها!!
جلست على أقرب مقعد قابلها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من شدة اختناق روحها، ثبتت نظرها على شقيقتها التي تدندن بلا اكتراث بها.
تفوهت نوران بصوت متحشرج باكِ:
- إنتِ بجد موافقة على مهاب!؟
رفعت نظرها إليها وابتسمت قائلة:
- طبعا.
زوت نوران ما بين حاجبيها في صمت بعد موافقتها الصريحة، والصدمة الأكبر حين قالت مي بهدوء مستفز:
- بصراحة يا نوران أنا ومهاب كنا بنتكلم في الموبايل كتير وعلى الواتس آب، وقربنا من بعض لحد ما قالي إنه هيجي يتقدم.
هبت واقفة عن جلستها بعدم تصدق، صرخت بها وهي ترتجف:
- يعني إيه؟!!!! كنتِ على علاقة بيه وإنتِ عارفة إني بحبه؟؟؟ كنتِ بتلعبي بمشاعري وسيباني أتعذب!!
كأنها لم تفعل شيء حين نهضت عن مقعدها قائلة بلا مبالاة:
- ماحبتش أجرحك، وأقولك إن الانسان اللي حبتيه إنتِ، بيحبني أنا، وعشان كده سيبتك وقلت تبقي تعرفي في وقتها، لكن مش بلعب بمشاعرك والكلام الكبير دا.
تجمد الدمع في محجريها وهي تناظرها بذهولٍ تام، ما الذي تتفوه به شقيقتها!!.. هل تستهين بها لهذة الدرجة حتى تبعثرها كما شاءت وتتركها تنزف، تتألم وتبكي.. تبكي بحسرة بحرقة، وهي تضحك بسعادة غامرة فأي جرحٍ تتحدث عنه وهي التي طعنتها بسكين حاد دون أن تشعر!!
ارتسمت ابتسامة معذبة على شفتيها المرتجفتين وهي تتفوه:
- مش عاوزة تجرحيني؟؟ .. وكده بقى مجرحتنيش؟!.. إنتِ دبحتيني دبح، إنتِ لا يمكن تكوني أختي، مافيش أخت تعمل كده، أنتِ أنانية مابتحبيش إلا نفسك
زفرت مي بضيق وراحت تجلس كما كانت قائلة بضجر:
- يابنتي بطلي العقد دي بقى، مش كل حاجة تأفوري فيها وتعملي فيها المسكينة، قلت لك خوفت على مشاعرك ومش بكذب عليكِ، أنا فعلا بحبك وبخاف عليكِ، لكن مش ذنبي أبدا إن مهاب حبني أنا.
هزت نوران رأسها وتابعت بصوت معذب:
- معاكِ حق!! مش ذنبك إنه حبك إنتِ، بس ذنبك إنك مانبهتنيش وعرفتيني الحقيقة بدل ما أفضل عايشة في الوهم، إنتِ مافكرتيش إلا في نفسك، معقولة!!! معقولة كنتِ بتسمعي مني وتجري تكلميه وكأن شئ لم يكن، لدرجة دي إنتِ حيوانة معندكيش إحساس.
مي ببرود:
الله يسامحك مش هرد عليكِ!!
ثم قامت متجهة إلى خارج الغُرفة، وبقيت نوران وحيدة في عتمتها..
.........................
كان نجيب يدخن سيجاره بشراهة وهو يجلس على كرسي مكتبه الخاص،
وراح بذاكرته منذ ثلاث سنوات، حينما ذهب إليه فخر بصحبة عمه وحيد، الذي وضعه أمام الأمر الواقع وجعله يخضع له عنوه ولا فرار.
كاد يجن حين أخرج له صوره الفاضحة مع إحدي النساء السافرات في أحد المنازل المشبوهة، وقام بتهديده فإما يتنازل عن قصر السيدة أحلام الذي سلبه منها قسرًا، إما تُنشر صوره الفاضحة وبالتأكيد سيفصل حتما من سلطته..
وما كان منه إلا إن خضع متنازلا في سبيل سلطته!!
- بس بشرط هاخد الصور بعد ما أتنازل.
قالها نجيب بتحذير، بينما قال وحيد بسخرية:
- ماتخافش مش هنفضحك، بس الصور هتفضل مع فخر، إن فكرت تقل بأصلك معاه في أي وقت.. هضيعك!!
نجيب بحدة:
بس أنا بقى ما أضمنش حد فيكم لا إنت ولا هو، كفاية أوي هتنازل على القصر، يبقى تديني الصور!
رد فخر قائلًا:
إحنا مبنغدرش زيك، بس عشان تفضل تحت سيطرتي، الصور هتفضل معايا، والله لعبت بديلك هضيعك، فضلت عاقل خير وبركة.
- يا طنط أنا بحب اللمة وعاوزة أخد عليكم على طول عشان لو فطرت لوحدي هحس إني غريبة عنكم.
ربتت أحلام على كتفها وقالت بحنو:
لا يا حبيبتي إحنا أهلك وده بيتك طبعا، يلا تعالوا ننزل نستنى الباقي ونفطر كلنا مع بعض.
بالفعل إتجهوا ثلاثتهم إلى الأسفل ثم إلى طاولة الطعام وجلسوا، ما إن جلسوا حتى أقبلتا عليهم نوران ومي..
جلستا إلى جوار بعضهما لتقول مي بمشاكسة:
- صباح الخير يا عرسان.
فضحك زين وقال:
- صباح النور يا لمضة، عقبالك ولو إنك لسه نونو.
وكزته فيروز بخفة في ذراعه وهي تقول:
- عقبال نوران الأول يا زين، خلي عندك نظر.
زين بمزاحه المعتاد الذي لم يُرق قط لنوران:
- لا أنا فاقد الأمل في نوران، يمكن لو خست شوية يرجعلي الأمل تاني!
قهقهت مي ضاحكة كعادتها، وكشرت نوران عن جبينها بضيق شديد.
أردفت أحلام في حزم:
- بطل يا زين عشان أختك بتزعل!!
زين بعد أن هدأ من ضحكاته:
- بهزر معاها والله.
ولكن نوران قالت بانفعال:
هزارك سخيف ودمه تقيل وياريت ماتهزرش معايا تاني ممكن ولا مش ممكن..؟!
أنهت جملتها وقد تلألأت العبرات في عينيها، لتنهض بضيق متجهة إلى الدرج في حين اصطدمت بفخر وزوجته وهما يهبطان الدرج فتوقف فخر متسائلًا بلهفة:
- نوران؟ .. مالك يا حبيبتي بتبكي ليه؟؟
انهمرت دموعها بغزارة وتحشرج صوتها وهي تخبره من بين بكاؤها:
- ما مافيش حاجة.
فما كان منه إلا أن احتواها بين ذراعيه، وتساءل وهو ينظر إلى والدته:
- مالها نوران يا ماما؟ مين زعلها؟!!
تنهدت أحلام وهي تقول بجدية:
- زين ورخامته، إنت عارف إنه ديما يرخم عليها ويتريق على جسمها.
نظر فخر له في عتاب، ثم عاد ينظر إلى نوران وقد رفع وجهها إليه وقال بنبرة حانية:
ولا يهمك ولا تزعلي أبدا، خلي اللي يتريق يتفلق وبعدين تعالي قوليلي وشوفي أنا هعملك فيه إيه.
ثم ربت على رأسها قائلًا:
ماتبكيش هو بس بيهزر وأنا هخليه مايهزرش معاكِ تاني يا حبيبتي، يلا إطلعي إغسلي وشك وتعالي إفطري معانا.
أومأت برأسها موافقة بعد أن هدأ بكاؤها قليلًا، ثم صعدت الدرج، في حين قال فخر وهو يتجه نحو الطاولة بصوت صارم:
- إيه يا زين ميت مرة قالتلك إنها بتزعل من الهزار دا، مش لازم تجرحها يعني كل شوية!
زين بهدوء:
- والله يا فخر ماقصدش وعموما مش ههزر معاها تاني الهزار ده.
أومأ فخر برأسه بعد أن جلس وجلست زوجته بجواره، بينما قالت مي بلا اكتراث:
- نوران مزوداها حبتين على فكرة يا فخر، وحساسة أوفر.
فخر بتحذير:
مالكيش دعوة إنتِ يا مي وبدل ما تضحكي عليها إنتِ كمان خليكي جنبها، يا إما تنقطينا بسكاتك!
تأففت مي وهي تكتف ساعديها أمامها، بينما قال زين في تساؤل:
- إومال بابا فين، ومروان؟!
أخبرته مي:
بابا خرج من بدري، ومروان أصلا مارجعش من إمبارح.
توسعت عيني فخر وهو يقول بقلق:
- إيه؟؟ مجاش من إمبارح!!..
وكذلك قالت أحلام في لهفة:
يا خبر، إزاي، هو مش جاي معانا إمبارح ودخل أوضته، خرج تاني ولا إيه؟
- اه خرج تاني يا أمي..
قالها فخر وهو يلتقط هاتفه المحمول وأجرى إتصالا عليه، ولكن مروان لم يرد..
كرر فخر الإتصال مرتان وثلاث فلم يأته رد مما زاد من قلقه، فزفر بعنف وهو يتوعد له:
- طيب يا مروان.
مرت عدة دقائق حتى وجدوه يدخل من الباب، فنهض فخر متجها إليه وهو يسأله بحزم:
- كنت فين ومابتردش ليه على الموبايل؟!
كان مروان يترنح بلا وعيٍ منه، يبدو أن سكران!!
نظر له بعينين حمراوتين، ثم قال متأففا:
- مالكش فيه!
اقتربت السيدة أحلام وهي تقول رامقة إياه بنظراتٍ ثاقبة:
-إيه مالك، فيك إيه، بتعمل كده ليه؟؟
فخر وقد صر على أسنانه قبل أن يقترب منه جاذبا إياه من تلابيبه:
- البيه شارب وسكران!.. صح يا محترم..؟؟
وضعت أحلام يدها على فمها تكتم شهقاتها، واتسعت العيون وهم ينظرون إليه في صدمة، وتيقنوا بالفعل إنه احتسى الخمر فكانت رائحته تفوح من فمه..
دفعه مروان بنفاد صبر وهو يصيح به:
- وإنت مالك، ماتبعد عني عشان متغباش عليك ومتقرفناش بقى يا أخي.
وكان رد فخر عليه صفعة!!.. صفعة قوية هبطت على وجهه لتحل الصدمة على الجميع مجددًا.
اتسعت عيني مروان وهو يضع يده مكان الصفعة ولم يستعب، فصاح بعد عدة دقائق من الصمت:
إنت بتضربني؟؟
أومأ فخر مؤكدًا بعينين مشتعلتين غضبًا، مخبرا إياه:
- وهتاخد بالجزمة لو جيت شارب تاني.
اقترب مروان وهو يرمقه بنظرات قاتلة، و قبل أن يفتك به تدخل زين وابعده عن أخيه قائلًا:
- مروان إهدى إنت مش في وعيك، ياريت تطلع أوضتك الله يخليك وعدي اليوم دا على خير.
مروان برفض وهو يشير إلى فخر بسبابته:
والله ما هسيبك، أنا بتمد إيدك عليا، إنت.....
قاطعه فخر بصوته الثائر، بينما يبعث الشرر الغاضب من عينيه:
والله العظيم يا مروان لو ما خفيت من وشي لأمد إيدي عليك تاني ويومك مش هيعدي معايا النهاردة.
قبل أن يتكلم مروان مجددًا جذبته أمه بصحبة زين نحو الدرج وجعلته يصعد إلى غرفته عنوه، خوفا من الاشتباك مع أخيه مجددًا، فيحدث ما لا يحمد عقباه.
صعد مروان وهو يهمهم بغضب جلي متوعدًا له، في حين توجه فخر نحو الباب وخرج بغضب هو الآخر، فركضت مرح خلفه تحاول تهدئته، قالت بحذر:
- فخر.. إهدى بالله عليك.
وجدها ترتعش من الخوف، فطمئنها بعينيه قائلًا:
- ماتخافيش، أنا كويس.. يلا إطلعي إنتِ وخليكِ في أوضتك أفضل لحد ما أرجع.
أومأت برأسها موافقة، ثم احتضنته بقوة مودعة إياه، ابتسم لها وقبل كف يدها قبل أن يتركها ويتجه نحو سيارته وما إن انصرف توجهت إلى الداخل، ثم إلى غرفتها..
...........................
بعد مرور عدة ساعات ومع غروب الشمس وانتهاء اليوم عاد فخر من شركته وعاد أيضا نجيب من عمله، ومازال مروان نائم في ملكوتٍ آخر...
وكعادة نجيب يجلس في مكتبه الخاص، وفخر بغرفته مع مرح، بينما الفتاتان تجلسان في غرفتهما...
فتحت أحلام باب غرفتهما ودخلت قائلة بابتسامة مشرقة:
نوران، قومي البسي وإنتِ كمان يا مي وتعالوا عشان مهاب تحت هو وسهام.
تسارعت دقات قلب نوران مجرد أن سمعت إسمه، فارتبكت وهي تنهض قائلة بتوتر:
- ماشي يا ماما جاية وراكِ.
خرجت الأم من الغرفة وهبطت الدرج مجددًا ورحبت بهما قائلة:
- خطوة عزيزة والله يا سهام، نورتنا يا مهاب يا حبيبي.
سهام بعد أن ابتسمت:
- بنورك يا حبيبتي.
بينما قال مهاب بهدوء:
- الله يعزك يا طنط.
ران الصمت عليهم لعدة لحظات، وحين كانت نوران تهبط الدرج بصحبة شقيقتها، استمعت إلى صوت سهام وهي تقول وكأن الكلمات أصبحت كالسهم تمامًا فوصل إلى قلبها يمزقه بلا رحمة..
- بصي بقى يا أحلام بصراحة كده أنا جاية أطلب إيد "مي" لمهاب، إيه رأيك؟؟؟
لتقف نوران متسمرة دون حراك واضعة يدها فوق موضع قلبها الذي صُدم وجُرح للتو
تجمدت ملامحها بشدة جراء طلب سهام، ومازالت تقف كجماد لا يستطع الحراك، بينما ظهرت ابتسامة واسعة على ثغر شقيقتها التي تقدمت للأمام حتى صافحتهما وجلست جوار والدتها وهي محتفظة بنفس الابتسامة!، فيما تتعجب أحلام من ذاك الطلب الغريب!!!.
لم تتوقع أن مهاب يريد الصغيرة، ظنت أنه أتى طالبًا نوران، انتقلت ببصرها نحوها فوجدتها متسمرة في مكانها هُناك، أدركت حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة، أدركت تألمها الصامت، فعيناها تحكيان ألف قصة ألم.. واه من عينيها الحزينتين الدامعتين، وهي ترى حُلمها البريء ضُرب بعرض الحائط!! ليبقى قلبها معذب جريح، ينزف دون أن يشعر أحد!
نهضت أحلام واتجهت إليها تقول بنبرة حانية وكأنها تواسيها:
- تعالي يا نوران يا حبيبتي سلمي.
ازدردت نوران ريقها الذي جف تمامًا كظمآن في صحراءٍ قاحلة!..، ثم تحاملت على نفسها وراحت تُصافح زوجة عمها بيد مُرتجفة، واكتفت بإلقاء السلام على مهاب الذي ابتسم بود كعادتهُ دومًا..
جلست جوار والدتها على الجهة الأخرى بخيبة أمل وقلب مكسور، خاصة حينما نظرت إلى شقيقتها السعيدة، سعيدة وكأنها ستطير فرحا وهي التي تعلم حقيقة مشاعرها تجاهه!!
فماذا عن سعادتها تلك؟!..
كانت نوران في حالة يرثى لها ما بين الصدمة وعدم التصديق لما عليه شقيقتها..!
وانتبهت على صوت سهام وهي تتساءل مرة أخرى:
- ها رأيك إيه يا أحلام، ماردتيش عليا؟؟
تنحنحت أحلام بحرج وهي تعتدل في جلستها، ثم ردت بجدية:
- يعني أنا شايفة إن مي لسه صغيرة يا سهام دي لسه مخلصة ثانوي ويا دوبك دخلت أولى جامعة!
حينئذٍ تدخل مهاب قائلًا بهدوء:
- ما هي هتبقى خطوبة يا طنط في البداية مش جواز على طول.
تنهدت أحلام بثقل لا تعلم ماذا تقول، فالموقف مفاجئ وصادم أيضًا، وزعت نظرها بين إبنتيها فتلك سعيدة والأخرى حزينة..!
نهضت فجأة وقالت:
- لحظة يا سهام وراجعة.
توجهت إلى المطبخ حيث أمرت أحد العاملين هُناك بإن يستدعي فخر ويشاركها القرار، فهي دائمًا ما تعتمد عليه في كل شيء كان.
بالفعل بعد مرور بضعة دقائق كان يجلس معهم في الردهة، فتعجب هو الآخر من طلب مهاب الذي لم يتوقعه أحدٍ منهم.
كان مهاب يشعر بالضيق وكذلك مي وهما يتبادلان النظرات، وهناك نوران كانت صامتة لا تنطق فقط نظراتها تتوزع من حين لآخر بينهما في حزنٍ دفين.
- أنا شايف إن مي لسه بدري أوي عليها في الموضوع ده.
قالها فخر بجدية وهو ينظر إلى شقيقته التي زفرت بحنق متأففة، بينما قال مهاب حانقا هو الآخر:
- يعني إيه يا فخر، أفهم إن طلبي مرفوض؟!
أخذ فخر نفسًا عميقًا قبل أن يتكلم بنفس الجدية:
- مش مرفوض، بس على الأقل إدينا وقت نفكر.
وأردفت مي بتمرد:
- بس بابا هو اللي المفروض يحكم مش إنت يا فخر!!
فوكزتها أمها قائلة بصوت صارم:
- إخرسي يا بت، ماتتكلميش إنتِ، عيب عليكِ.
اكتفى فخر بنظرة ثاقبة لها دون كلام، قبل إن يستمعوا جميعا إلى صوت نجيب وهو يهتف بنبرة شرسة:
- تخرس إزاي يا أحلام، ولا إفتكرتوا أبوها مات عشان تقعدي إنتِ وإبنك تتحكموا فيها وأنا موجود.
نهضت مي بارتياح تحتمي بوالدها وابتسامة نصر لاحت على شفتيها وهي تنظر إليهما.
بينما وقفت أحلام تهتف بنبرة عدائية:
- وإنت من إمتى بتهتم بيهم؟ ولا إمتى كان ليك دور في حياتهم غير إنك بتحاول تهد كل اللي ببنيه فيهم من أخلاق وقيم؟.. إنت مالكش حق فيهم دول ولادي أنا، إنت سامع!
أظلمت عينيه وقست ملامح وجهه الحادة دون إن ينطق، فنظراته كانت قاتلة تحمل كرهًا واضحًا لها ولفخر حين نظر إليه يحذره وقد أشار له بسبابته:
- وإنت، إنت مالكش دعوة بولادي ولأخر مرة هقولهالك، إنت ولا حاجة هنا، وقسما عظما إن ما بعدت عنهم لتشوف الوش اللي إنت عارفه كويس.
ازداد غضبا وغيظا حين قهقه فخر متهكما من حديثه وعيناه ترسلان له نظراتٍ متحدية، ويليها صوته الساخر:
- طب بلاش تقسم عشان إنت مش قد القسم ده، ثم إنك مالكش أي دخل بعلاقتي مع إخواتي، أنا أخوهم ولا نسيت؟!
- صلوا على النبي يا جماعة مش كدا.
قالتها سهام وهي تنهض عن جلستها، بينما نهض مهاب أيضًا قائلًا:
إحنا مضطرين نمشي وعموما بنعتذر إن كنا سببنا أي مشكلة.
فتكلم نجيب بتحدٍ صارخ وهو يقترب منه:
- أنا موافق على طلبك يا مهاب، مي بنتي أنا وأنا اللي أقرر مش حد تاني.
ردت سهام بجدية تامة:
- رأيك لوحده ماينفعش يا نجيب، لازم أمها تكون راضية وكمان مي، وكمان فخر، أنا بحب أحلام وماقدرش أبدا أعمل حاجة هي مش راضية عنها!
هتفت مي بتصميم:
- أنا موافقة يا طنط سهام وبابا كمان وأكيد ماما هتوافق عشان ماما بتحب لينا الخير دايما.
صر فخر على أسنانه بغيظ شديد من أفعال شقيقته قبل أن يتجه نحوها جاذبا إياها من ذراعها وسار بها عدة خطوات نحو الدرج، وهدر بها:
- إطلعي فوق.
ظلت واقفة، فكرر بغضب عارم:
- يلااااااااا.
صعدت على الدرج سريعا متحاشية غضبه، ثم عاد فخر يقول باتزان:
- بإذن الله هنبقى نبلغك بالقرار يا مهاب.
تفهم مهاب الموقف ولذلك توجه بصحبة والدته إلى الباب ومن ثم خرجا.
ليقف نجيب يستشيط غضب وقد برزت عروقه بشدة وكأن أعصابه تحترق وأوردته تغلي!
وبنبرة يملؤها الوعيد قال:
- إن مابعدتش أنا هبعدك بمعرفتي يا إبن أحلام.
اقترب فخر يواجهه بعينيه القويتين وهو يقول بثبات تام:
- أعتبر ده تهديد؟؟
رد مؤكدًا:
- بالظبط.
صمت فخر للحظات وهو يحك صدغه بإبهامه قبل أن يقول ببرود:
- أعلى ما في خيلك إركبه.
وابتعد ماشيا ببطئ حتى خرج إلى الحديقة تاركا إياه يستشيط غيظا، في حين صعدت أحلام إلى غرفتها دون أن تعريه أي اهتمام، مما زاد غضبه وهو يتوعد لهما..
ذهب إلى مكتبه وبقيّت نوران بمفردها، كانت مجرد متفرجة تُشاهد مشاجراتهم فقط، لم تنطق ولم يصدر منها أي ردة فعل، فقد كان قلبها يعتصر وكأن شخص ما لكمها به فجأة وتركها تتألم في صمت..
توجهت إلى الدرج بخطوات بطيئة وراحت تصعده وهي تسند بيدها على الدرابزون حتى صعدت إلى الغرفة، ولجت لتجد شقيقتها تجلس وبيدها طلاء أظافر تضعه فوق أظافرها!!
جلست على أقرب مقعد قابلها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من شدة اختناق روحها، ثبتت نظرها على شقيقتها التي تدندن بلا اكتراث بها.
تفوهت نوران بصوت متحشرج باكِ:
- إنتِ بجد موافقة على مهاب!؟
رفعت نظرها إليها وابتسمت قائلة:
- طبعا.
زوت نوران ما بين حاجبيها في صمت بعد موافقتها الصريحة، والصدمة الأكبر حين قالت مي بهدوء مستفز:
- بصراحة يا نوران أنا ومهاب كنا بنتكلم في الموبايل كتير وعلى الواتس آب، وقربنا من بعض لحد ما قالي إنه هيجي يتقدم.
هبت واقفة عن جلستها بعدم تصدق، صرخت بها وهي ترتجف:
- يعني إيه؟!!!! كنتِ على علاقة بيه وإنتِ عارفة إني بحبه؟؟؟ كنتِ بتلعبي بمشاعري وسيباني أتعذب!!
كأنها لم تفعل شيء حين نهضت عن مقعدها قائلة بلا مبالاة:
- ماحبتش أجرحك، وأقولك إن الانسان اللي حبتيه إنتِ، بيحبني أنا، وعشان كده سيبتك وقلت تبقي تعرفي في وقتها، لكن مش بلعب بمشاعرك والكلام الكبير دا.
تجمد الدمع في محجريها وهي تناظرها بذهولٍ تام، ما الذي تتفوه به شقيقتها!!.. هل تستهين بها لهذة الدرجة حتى تبعثرها كما شاءت وتتركها تنزف، تتألم وتبكي.. تبكي بحسرة بحرقة، وهي تضحك بسعادة غامرة فأي جرحٍ تتحدث عنه وهي التي طعنتها بسكين حاد دون أن تشعر!!
ارتسمت ابتسامة معذبة على شفتيها المرتجفتين وهي تتفوه:
- مش عاوزة تجرحيني؟؟ .. وكده بقى مجرحتنيش؟!.. إنتِ دبحتيني دبح، إنتِ لا يمكن تكوني أختي، مافيش أخت تعمل كده، أنتِ أنانية مابتحبيش إلا نفسك
زفرت مي بضيق وراحت تجلس كما كانت قائلة بضجر:
- يابنتي بطلي العقد دي بقى، مش كل حاجة تأفوري فيها وتعملي فيها المسكينة، قلت لك خوفت على مشاعرك ومش بكذب عليكِ، أنا فعلا بحبك وبخاف عليكِ، لكن مش ذنبي أبدا إن مهاب حبني أنا.
هزت نوران رأسها وتابعت بصوت معذب:
- معاكِ حق!! مش ذنبك إنه حبك إنتِ، بس ذنبك إنك مانبهتنيش وعرفتيني الحقيقة بدل ما أفضل عايشة في الوهم، إنتِ مافكرتيش إلا في نفسك، معقولة!!! معقولة كنتِ بتسمعي مني وتجري تكلميه وكأن شئ لم يكن، لدرجة دي إنتِ حيوانة معندكيش إحساس.
مي ببرود:
الله يسامحك مش هرد عليكِ!!
ثم قامت متجهة إلى خارج الغُرفة، وبقيت نوران وحيدة في عتمتها..
.........................
كان نجيب يدخن سيجاره بشراهة وهو يجلس على كرسي مكتبه الخاص،
وراح بذاكرته منذ ثلاث سنوات، حينما ذهب إليه فخر بصحبة عمه وحيد، الذي وضعه أمام الأمر الواقع وجعله يخضع له عنوه ولا فرار.
كاد يجن حين أخرج له صوره الفاضحة مع إحدي النساء السافرات في أحد المنازل المشبوهة، وقام بتهديده فإما يتنازل عن قصر السيدة أحلام الذي سلبه منها قسرًا، إما تُنشر صوره الفاضحة وبالتأكيد سيفصل حتما من سلطته..
وما كان منه إلا إن خضع متنازلا في سبيل سلطته!!
- بس بشرط هاخد الصور بعد ما أتنازل.
قالها نجيب بتحذير، بينما قال وحيد بسخرية:
- ماتخافش مش هنفضحك، بس الصور هتفضل مع فخر، إن فكرت تقل بأصلك معاه في أي وقت.. هضيعك!!
نجيب بحدة:
بس أنا بقى ما أضمنش حد فيكم لا إنت ولا هو، كفاية أوي هتنازل على القصر، يبقى تديني الصور!
رد فخر قائلًا:
إحنا مبنغدرش زيك، بس عشان تفضل تحت سيطرتي، الصور هتفضل معايا، والله لعبت بديلك هضيعك، فضلت عاقل خير وبركة.