الفصل الخامس

**"الفصل الخامس" **



.. وكان كلما رآها تذكر أول مرة تقابلا منذ أكثر من سبعة  أعوام ، منذ أن كان في السنة قبل  النهائية لكلية الهندسة  وكانت هي في الصف الثالث الثانوي.. كان مع صديقيه ينووا الاحتفال بنجاحهم وصعودهم للسنة النهائية وكعادة أي احتفال لابد من السهر حتى الصباح الباكر  في أي ملهى ليلي والمشروبات الغازية والخفيفه نوعاً ما نظراً لصغر عمرهم كانت أساس السهرة.. وعند رحيله كان يقود سيارته بنصف وعي ونصف عين مغلقة.، إلى أن وقفت أمامه فتاه ترجوه الوقوف.. انحني عن مساره فجأه وأوقف سيارته بجانب الطريق.. ترجل منها والغضب يحتل قسماته بسبب تلك الغبيه التي كانت ستودي بحياته وحياتها معه.. استدار لها وما أن رأها حتى هدأ كانت فتاه قصيره ذات عينتان سوداء وشعر حريري طويل كاللليل ينسدل على كتفيها.. كانت مذعوره ترتجف بشدة.. اقترب منها سريعاً بعد أن عاد وعيه إليه نسبياً.. وسألها قلقاً..

-مالك في ايه؟!

كانت تبكي بشدة.. فتاة وحيدة تقف على قارعة الطريق بالتأكيد حدث شيء سئ لها..

-انا بيتي ف الشارع اللي ورا وبابا وقع ع الارض وهو بيصلي.. ومفيش نفس ولا بيرد عليا أرجوك ساعدني..

وكأي رجل دون تفكير كان يركض خلفها حتى شقتها في الدور الثالث.. إلى أن وجد والدها مكوّم على الارضيه يفترش أمامه سجادة الصلاة..

-أرجوك أسنده معايا..
وبالفعل أسنده وقام بحمله ونزل به الدرج حتى وصلا لسيارته وضعه بالمقعد الخلفي وهي جلست بجوار والدها تبكي وتبتهل..وللامانه كان ونعم الرجل..
دقائق وكانو بمشفي قريب.. ومع ذكر اسمه ولقب عائلته.. كان الدخول سهل..
ولكن الصعب والغير محتمل بكاؤها الذي مزق نياط قلبه عندما قال الطبيب المناوب مواسياً البقاء لله..
كانت شبه ضائعه تبكي وترتجف.. عيونها كانت كالدم من كثرة البكاء.. اقترب منها واجلسها على إحدى الكراسي المعدنيه بالمشفي وأخذ يمسح على شعرها بحنو ويربت على كتفها مهدئاً.. ولسبب ما احس بأنها مسوؤله منه ولا يمكن تركها بمفردها وهي كذلك كانت مطمئنة له.. ظل بجانبها وخاصة عندما علم بأن والدها لم يكن له أخ أو قريب ووالدتها منفصله عنه منذ سنوات وتعمل بإحدى الدول الخليجية معلّمة. . فجميع التعاملات والإجراءات والتصاريح قام هو بها وعند ذكر والده "فريد بيه السيوفي" تفتح كل الأبواب المغلقة .. ومن يومها وكان معها كظلها.. في البدايه لم يكن يحبها.. كان دنجوان الدفعه لقبه والذي استحقه وعن جدارة.. إلى أن صرحت له بحبها واحمرت الوجنتين خجلاً وعينيها يرتسمان بداخلها قلوب حمراء ليرتبك الدنجوان الوسيم و الذي ومنذ أن ارتبط بها وتاب عن الفتيات وتنازل عن لقب الدنجوان وماعاد الدنجوان دنجوان..
كان مجنون بها يتنفس ويعمل ويحاول كسب رضا والده لأجلها.. إلى أن غدرت به فجأة وتركته دون أن يعلم بالتسبب..! .

أفاق من شروده على صوت أمها وهي تبارك له..

-مبروك ياحازم.. كنت عارفه ان انتو هتكونو لبعض في الاخر..

فحازم كان يجلس بصالة منزل "أية" على إحدى الأرائك الوثيره وهي بجواره وخاتمه يزين بنصرها..

تحدث بابتسامه هادئة لوالدتها..

-الله يبارك فيكي.. انا عمري ماكنت هسيبها لحد غيري يانا يابلاش..

اعتدلت والدتها بجلستها.. ثم سألته

- طب هتقول لمامتك وباباك أمته ياحازم.. انا وافقت بس عشان مكنش انا السبب المرادي ف الفراق ما بينكو من تاني..

ورد سريعاً بنبرة صادقة واثقة..

-لا ربنا مايجيب فراق تاني انا ماصدقت..

ثم ابتسم بمشاغبة وغمزة شقية ل أيه الحانقة بجواره والتي تود أن تدق عنقه بيدها وكي يزيد من حنقها أكمل بتأليف كذبه سمجه كي يغيظها أكثر..

-انا قولت لأية نصبر أسبوع ولا حاجه هي اللي كانت مستعجله
مش كده ياحبيبتي.

وجزت على أسنانها وكل دروس الثبات الانفعالي تطبقها حاليآ.. والنظرة وعيد والنبرة مكتومة حانقة..

طبعًا ياحبيبي.. اومال ايه..

كتم ضحكته وقال بنبرة مستمتعه من مشاهدتها هكذا..

-حياتي

بثبات انفعالي انشاءالله ستطبقه وهي تقوم بدفنه أو مثلاً بتقطيعه وتوزيعه.. وبنفس ضحكته السمجه ردت..

-روحي

.. ونظرات الأم مرتابة من مظهرهم وطريقة كلامهم.. ولكنها آثرت الصمت وناولته العصير  محاولة تقليل كلامها حفاظاً على سلامة عقلها.. وعسى أن يمر اليوم على خير... ولكن قاطعهم صوت رنين جرس الباب لتقوم أية من مكانها لترى من جاء، وكانت خالتها رقية، قد عادت بعد يوم عمل طويل..
شحوب ملامحها يدل على حدية مزاجها..
كانت تعرف بأن اليوم سيأتي حازم.. وكانت تنوي المجئ مبكرًا.. ولكن حالة ولادة متعسرة آخرتها عن حضورها..
تخطو، تقترب من حازم تصافحه بود حقيقي، غيبادلها المصافحة بأخرى أشد..
-ها اتفقتو ع إيه من غيري!!
ليرفع حازم بنصره في مقابل نظراتها، يغمز مشاكسًا..
-لبسنا الدبل..
ارتفعا حاجباها بفرحة ودهشة حقيقية تهتف بسعادة
-أووه.. ألف مليون مبروك..
رد تهنئتها بدعاء
- عقبالك ياروكا..
بهتت ملامحها مرة أخرى، ودفنت ابتسامتها، تشبح بعينيها بعيدًا عنهم.. تشعر بأن صفحة وجهها مرآه للجميع سهل قراءة مابداخلها..
حاولت أن تغتصب إبتسامة.. مجرد إبتسامة تجيبه بها.. وقد أدرك الأخير بأن أمورها ليست على مايرام..

...........

.. تقول الاسطوره أن المرأة لوحة رقيقة.. حالمية حد الخيال.. تبحث دائماً عن الحب في كل من حولها  ، في أبيها  وأخيها  وزميلها وزوجها .. وما أن تلقاه حتى تتشبث به إلى المشيب..

تجلس أمامه قرابة الساعة.. تقضم اظافرها بغيظ ظاهر للكفيف ترمقه بنظرات نارية ذلك المتبجح الذي يجلس أمامها بعنجهيه وغرور وكأنه أخر رجال الكوكب.. تزفر أنفاساً ساخنة تود حرقه بها.. ستموت كمداً بسببه..
ومهند في حالة انتشاء.. والمزاج في أعلى درجات السعادة ف رؤيتها أمامه بهذا الشكل تجعل قلبه يرقص طرباً.. منذ أن بدئا بالمشروع سوياً وهو يقوم باذلالها حرفياً.. يأخذ رأيها دون العمل به.. يقوم هو بكل شئ متجاهلها
ولما لا فهو الرجل.. القوّام "اللي هيكسر دماغها الناشفه" بإذن الله.. ضحك بخبث وهو يمسك بأحد الأقلام الخشبية ثم ألقاه أرضاً..

- اووه.. امنيه لو سمحتي هاتي القلم اللي وقع ده انا مش فاضي..

وأمنيه خيالها واسع.. تخيلت بأنها أمسكت بكل الأشياء الموجوده على سطح المكتب وضربته بها. . ردت بحنق وهي تنحي أرضاً لجلب القلم..
ثم وضعته أمامه بعنف.. رمقها ببرود وعاد لعمله..
وبروده آثار جنونها.. جزت على اسنانها قائلة

-ممكن أعرف انا هشتغل أمته.. أو بالمعنى الأصح هتفضل تهمش دوري لحد أمته..

دون ان يرفع رأسه حتى اجابها بفتور..

-لحد ماتعتذري..

تحدثت باستنكار ورفض..

-اعتذر ع ايه انشالله.. المفروض انت اللي تعتذر..

ومهند عاقل وراسي وصبور لمده لاتزيد عن دقيقه ودقيقة ونصف.. ليرفع نظراته ولاتزال رأسه منكبه علي الأوراق أمامه قائلاً بهدوء مزيف لا يستسيغه..

-راجعي نفسك.. هتلاقيكي من نفسك بتعتذريلي..!!

وهي عنيدة وتلك الصفة كانت أهم صفه يتميز بها برجها.. زجرته بحدة

-مش هعتذرلك ولو أنطبقت السما ع الأرض..

هز رأسه بيأس وابتسامته الساخرة رسمها على ملامحه.. تابع عمله دون رد  ليأكلها الغيظ منه ومن بروده المفاجئ.. فضربت بكفها على سطح مكتبه غاضبة..

- ممكن افهم بقى هنفضل كده لحد أمته؟!

والإجابة بسيطه حد اللا حد.. والنبرة تحمل بين طياتها شئ يصعب عليه قوله..

- لحد ماتفهمي..

والاستياء والغضب وصلا لذروتهم.. نهضت من مكانها بعنف.. وتركت له المكتب بالمشروع بكل شئ.. ليخلع عنه قناعه البارد وظهرت ملامحه ونظراته الغامضه.. وهزة رأس يائسة محبطة منها..

.........



.. دخلت مكتبه دون طرق أو استئذان بعد أن مرت بالسكرتيرة وسمحت لها بالدخول مباشرة.. وكيف لا وهي الخطيبة الحالية والزوجة المستقبلية..
جلست على الكرسي المقابل له بنزق وتأفف ف الباشا سليل البشوات "عايش الدور ومصدق نفسه".. أما هو فكان يتأملها صامتاً مبتسماً.. ف الجميله سمعت الكلام والملابس الضيقه استبدلت بأخرى فضفاضه إلى حد ما.. كانت ترتدي بنطال من القماش الأسود وبلوزه من الشيفون باللون الارجواني تتجاوز فخذيها بقليل وشعرها متجمع بجديلة فرنسية على إحدى كتفيها.. مظهرها أرضاه فاتسعت ابتسامته من حنقها البادي على وجهها..

ليقول الماكر متلاعباً بها يحاول استفزازها..

-صباح الخير ياخطيبتي ياحبيبتي.. بقى كده متجيش لخطيبك حبيبك تصبحي عليه..  لا حتى تردي ع رسالتي

واستفزازه لها أثار شياطينها دفعة واحده.. انتفضت بجلستها وزمجرت بحديثها..

-حازم انت عايز تجنني خطوبة ايه اللي بتتكلم عنها.. أنت هتكدب الكدبه وتصدقها..!!

والماكر استمر بالتلاعب وقال بمراوغه وهو يغمز بأحدي عينيه ..


-كدبة ايه بس صلى ع النبي ياخطيبتي ياحياتي.. ده حتى عيب ف حق الخاتم القمر اللي ف صابعك ده..

لمست الخاتم بأناملها الرقيقة.. توترت ثم لوت شفتيها ونظرت نحوه بغلً لطيف تبرر..

-انت عايزني أقلع الخاتم عشان ماما تفتحلي تحقيق وسين وجيم؟!

ضحك باستخفاف وهو يهز رأيه يمين ويسار بخفة.. ثم اقترب بجزعه منها وهمس باستهزاء..

-فكك م الجو الفاكس ده.. انتي لو عايزه تقلعي الخاتم هتقلعيه ياخطيبتي ياروحي..

نال منها  لن تكذب ولكنها ستنكر.. قالت بوجه يكاد ينفجر من الغيظ..

-اااه حرام عليك انت عايز تشلني..!!

وخرِب الأخلاق كان وقح زمانه وربنا تاب عليه.. ليردف بخبث مبطن..

-متخديش الموضوع على صدرك اوي ألا يكبر..

وأية بغباء منقطع النظير متوارث عن أمها وأجدادها استفهمت بأعين متسعه وفاه مفتوح..

-هو ايه ده اللي يكبر..؟

ليكتم ضحكته من غبائها ووقاحته .. وعلى نفس مكرهه برر ببراءة مصطنعه..

-الموضوع.. مالك ف ايه؟ 

احمر الخدين خجلاً من حديثه المتواري ونظراته الوقحة.. كزت على اسنانها وسبته بخفوت..

- وقح

-سمعتك على فكره..

قالت بقوة زائفة..

-مانا قصدي انك تسمعني ومش خايفه منك

اتسعت ابتسامته وعيناه تومضان ببريق عابث..

-ولما انتي جامده اوي كده ماتقربي مني ياخطيبتي يانور عيني..

برقت عيناها السوداء وقالت بحدة وهي تضرب الأرض بقدمها متذمرة..

- انا لو خنقتك دلوقتي محدش هيلومني ولا يقولي تلت التلاته كام.. انا ماشيه أحسن ماارتكب جنايه..

وبالفعل خرجت وتركته وهي تتوعد وتقسم وتسب وتقذف وشياطين العالم أجمع يتراقصون أمامها.. وعلى مظهرها جلحلت ضحكته الرائقه.. ضحكته والتي افتقدها منذ أن فقدها..


......



كانت اية تجلس بالمقهي القريب من الشركة والذي اعتادت المجئ إليه .. بجوارها أمنيه والتي اتفقت معها على اللقاء هنا وأمامها العديد من المناديل المستهلكة بسبب بكاؤها ممسكه بمنديل أخر تزفر به بقوة ثم تلقيه أمامها باهمال..
وامتعضت أيه من المنظر ولكنها حبست امتعاضها وقالت بمواساه..

- ممكن تهدي وتقوليلي بتعيطي ليه.. هو مهند طول عمره كده  عادته يعني ولا هيشتريها..

هتفت من بين دموعها بصوت مبحوح من أثر البكاء..

-كل همه اني اعتذرله.. طب ماهو اللي غلط الأول.. مش عارفه ليه بيعاملني كده.. 
لأ و كمان بكل برود بيقول اني مبفهمش..

وأية استنكرت واعترضت ومهما حدث لا تسمح لأي أحد بالتجاوز.. فكيف وهو يتهم صديقتها بعدم الفهم..

- يانهار اسود.. قالك كده ازاي..

سحبت منديل آخر.. واجابت بنحيب متواصل..

كنت بقوله ممكن افهم هنفضل كده لأمته.. لقيته رد عليا  وقالي لحد ماتفهمي.
انا مبفهمش يايويو!!

والأخرى كتمت سبة كانت على طرف لسانها.. قالت بغيظ وقد اكتفت من غبائها..

-بصراحة آه..

رفعت نظراتها الباكية لها مندهشه ثم اردفت بنبره حزينه. .

-اخس عليكي يأيه حتى انتي..

وأية لم تستطع أن تكبح جماح لسانها هتفت بغيظ من تلك الغبيه..

-انتي بجد غبيه ولا بتستعبطي.. معقولة كل ده ومفهمتيش أن مهند بيحبك..!!

-مين بيحب مين؟!

وزيغ عينيها كان دليل على غبائها.. والصبر ثم الصبر  حتى لاتقوم بقتلها.. فهدأت لتفهمها..

- بيحبك انتي ياهبلة

وفجأة انقطع البكاء.. واتسعت العينان والسعادة تراقصت على ملامحها ومن قبلهم قلبها.. قالت بصدمة ممتزجه بفرحة..

يالهوي بجد مهند بيحبني طب والله عنده حق انا فعلا اتحب..ااه قلبي مش مصدقه مهند اللي زي فلقة القمر ده بيحبني..
الحقيني وقوليلي اتصرف معاه ازاي..

واستنكرت أية..

- لا.. هو انا كمان اللي هقولك تعملي ايه معاه... كلك نظر بقى..
-والنبي ساعديني والنبي والنبي..

رفعت اية  حاجبها وابتسمت بشيطنة وقد حلت برأسها فكرة..

-طب قربي تعالى..

والأخرى اقتربت حد تلامس انفيهما..
ف ابتعدت ايه تضحك بشده..

-لا متقربيش اوي كده هنتفهم غلط يخربيتك والجو ملبش اليومين دول

مالو برأسهم قليلا على الطاولة.. وهمسو فيما بينهما على ماستقوم به امنيه غداً.. داعيين الله الستر والتوفيق..

.......


"اليوم التالي صباحاً"

  كان مهند يعمل على مكتبه والذي يعج  بالفوضى.. أمامه العديد من الأوراق والأدوات.. بين كل دقيقة وأخرى ينظر بساعته ، منكب على الأوراق أمامه وباله مشغول بأخرى تأخرت ساعة كاملة.. وهو اشتاق.. اشتاق لعنادها وتقطيبة حاجبيها بدلال وردها لكلمته دون أن تفهم.. حتى غبائها أشتاقه ..! فمنذ أن خُطبت أية واصبح لديها مكتب خاص وهو لايضيع ثانية دون أن يستفزها أو يثير غيظها عسى أن تفهم..
صوت كعب حذائها يضرب الأرض بخفة.. ورائحة عطرها المسكر تسبقها معلنة عن وصولها.. عض على شفته السفلى بابتسامة رائقة دون أن يرفع رأسه..

-صباح الخير..

قالتها برقة بالغة وصوت ناعم كتغريد العصافير وهذا على غير العادة.. ليرفع مهند حاجبه باستغراب ويرمقها من أسفلها لأعلاها.. فكل شئ بها متغير ليس صوتها فقط أو محادثتها له وإنما أيضاً مظهرها بدأً من خصلاتها المنسدله على ظهرها بعد أن كانت دائماً معقوصه  لأعلى رأسها..  وتلك البناطيل الضيقه استبدلت اليوم بفستان أزرق زادها انوثة ودلال .. رد تحيتها بتوجس..

-صباح النور..

جلست على مكتبها بمنتهى الرقة التي دخلت بها تهديه ابتسامات ناعمه وهذا على غير عادتهم معاً بالطبع.. كانت حلوة بشكل اغراه على أن يثور على صمته وعجرفته ويمسك بيدها ويعلن حبه لها وللجميع..
وباستغراب احتل ملامح وجهه منذ مجيئها سألها معقودي الحاجبين..

- انتي كويسة..

والسؤال بسيط واجابته أبسط بابتسامتها المنتظرة اي بادرة منه..

- طبعاً كويسة.. أنت كويس؟

مشطها بنظراته مدققاً بحملقة.. ثم رد قلقاً

- كويس..!

رنين هاتفها قطع تواصل النظرات بينهم.. لتأفف بضيق لطيف على قلب الجالس أمامها..

-واحد غبي أوي.. بجد مبيزهقش..

تدخل مستفهماً..

-هو مين ده اللي غبي؟!

أجابت بلا مبالاة تدربت عليها جيدأ بالأمس أمام مرآتها..

- واحد معرفوش.. كل شويه يتصل ومزودها أوفر بجد..


ومعقود الحاجبين زاد بانعقاد حاجبيه أكثر حتى كادا أن يتداخلا معاً وحدة نبرته جعلها تتأكد بأنها أصيبت الهدف بمهارة..

- وجاب نمرتك منين.. وبتردي ليه من الأساس على أرقام متعرفهاش
؟

- مش عارفة رديت عادي اول مره وقولتله ميتصلش تاني وبتاع .. ومن يومها بقى وهو مستلمني..

نهض من مكانه وزعق بها وهو يشير بكفه على هاتفها..

-وريني كدة الرقم ده وانا ارد عليه اوقفه عند حده..

سحبت الهاتف سريعاً ووضعته بحقيبتها ثم قالت بتوتر..

-مفيش داعي خلاص.. هو شويه ويزهق..

ولازال على وقفته وكفه الممدود واحمرار وجهه يعني أن اليوم لن يمر بسلام..

-قولتلك وريني موبايلك وانا هرد عليه..

ونهار أسود وفكرة حمقاء "وشورة مهببه" ومنك لله يا أية .. ف الغاضب الوسيم ابن الناس الصعايدة الطيبين لو امسك بهاتفها سيعلم بأن المتصل كانت أية ووقتها ستنكشف الخطة الجهنمية التي اتفقا عليها أمس سوياً.. مسحت العرق المتصبب على جبينها  ورفعت خصلة سقطت على وجهها خلف اذنها وقالت بحسم زائف..

-قولتلك خلاص.. هو شوية ويزهق..

يكاد يتميز من الغيظ.. قال هادراً

-هو شوية ويزهق ولا انتي اللي عاجبك الوضع..

جحظت عيناها والحمره القانيه لونت وجهها.. قالت بلوم

-ايه اللي انت بتقوله ده.. عيب عليك والله..

هتف مُصّراً باحتدام..

- طب هاتي اكلمه وانهيلك اللي مضايقك ده..

وأشهر سلاح للمرأة هو البكاء.. حل سريع وفعال وأمن.. بلحظة كانت دموع  مزيفة تجري على وجنتيها الورديتين.. ومهند ضعيف أمام دموع اي أنثى.. فكيف الحال وهي محبوبته وسارقة النوم من عينيه.. اقترب منها بحذر ورفع كفه لكتفها ولكنه أبعدها فلا يجوز لمسها .. ثم قال بنبرة حانية وقد خُطِف قلبه وزادت دقاته من منظرها الباكي..

-خلاص متعيطيش.. انا أسف بجد.. والله أسف انا مش قصدي انا مدب ودقة قديمة والله.. حقك عليا..

رفعت نظراتها إليه والعيون كأنها أصابتهاا رجفة الحب والتي أصيبت القلب قبلاً.. وبانشداه ودقات تضرب خافقها بعنف..
اقتربت منه خطوة وكانت مسافة كافية لتتأمل ملامحه المصريه الهادئه والمحببة للنظر ولأول مرة ترى تلك النظره بعيناه نظرة مهتمه حزينة متأثرة.. نظرة محب..!!

-مهند.!! .

وهمستها باسمه جعلت النار تشتعل بجسده واخر ذرة تعقل طارت منه..
أكملت هي بنفس الهمس الخافت..

- أنا اسفة..

غضن جبينه باستفسار ومازالا على نفس القرب وعناق النظرات..

-بتتأسفي ع ايه.

قالت ببساطة..

-ع اني مكنتش فاهمه..

سألها مستفهماً بملامح قلقة..

مش فاهمه ايه بالظبط..

مش فاهمه انك بتحبني وانك فعلا مهتم بيا..

اتسعت عيناه بذهول سرعان ما اخفاه وهو يطرق برأسه أمامها يحك رأسه بحرج وملامح الغضب والاهتمام ولّت وتبدلت بملامح خجل وتوتر أسر قلبها.. ضحكة رجوليه جميله كانت تزين ثغره.. سألها بصوت مبحوح

-مممممم.. طب وانتي

والمدلله تدللت زيادة على دلالها.. هزت كتفيها بغنج وهمست..

-مممممم معجبة..

استفسر بتلاعب..

- يعني ايه..

قالت وهي تلعب بخصلاتها التي انفلتت من جديلتها الجانبية..

يعني نمشيها معجبة عقبال ماننزل مصر ،  وتجيب الحاج والحاجه يزورو الحاج والحاجه بتوعي وبعدها نشرب الشربات..

تبادلوا الضحكات فيما بينهما والأحاديث المشتركه باتت هادئه.. ووضع المشروع جانباً بالتأكيد ليس وقته.. ولأول مرة كانت ضحكاتهم تسمع للخارج دون زعيقهم و حدتهم .. وأدام الله عليهم العقل وهداهم الله.. قولو آميين .....


.......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي