الفصل الرابع

**"الفصل الرابع" **

.. الرجل دائماً طماع.. إن منحتيه بسمة رغب بقبلة.. وإن امسك بكفك طمع بذراعك كله ، وأن كان حوله الكثيرات لن ينجذب إلا لفتاة لم تعره انتباهاً..

وذلك كان حال رامي وهو يراها أمامه دون المقدرة على أخذها ونيلها كما يتمنى.. تسير أمامه بغنجها الطبيعي والذي وللأسف يستهويه وبشده..
كعب حذائها الرفيع بدلاً من أن يضرب الأرض يضرب رأسه بشده.. لا يحبها يعلم هذا جيداً ولكن يريد أن يضيفها لقائمة حريمه وأياً كانت الطريقه سينفذها كي ينالها..

اقترب منها، بخطوتان كان مقابلاً لها ..يشرف عليها بطوله الذي يفوقها بالكثير حتى وهي ترتدي الكعب.. همس بصوته الاجش..

- محتاج أتكلم معاكي ي أيه.. بس ف مكان تاني غير الشركه طبعاً..

قلبت عيناها بفتور واسمها مجرداً دون أنسه أشعل ضيقها.. مجرد رؤيته تقُبض قلبها يصدرها..

-حضرتك أولاً وللمره العشرين هقولك اسمي أنسه أية الله.. ثانياً معتقدش أن فيه كلام بيني وبينك جوه الشركه اصلاً عشان يبقى فيه براها ثالثاً

.. قالتها وابتعدت خطوتان..

- وحضرتك بتكلمني لازم يكون فيه مسافه كافيه بينك وبيني..

ابتلع ريقه الجاف من حدتها معه.. حك لحيته بقلة صبر حاول اخفاؤه ثم هتف مبرراً..

-أنا عارف كل اللي قولتيه ي أنسه أيه.. وربنا يعلم انا بحترمك اد ايه.. وطالما انتي رافضة أن اقابلك بره الشركه.. فخلاص ياستي اللي تشوفيه،

.. ثم استطرد بنبرة هدوء مزيف..

أنا كنت عايزك تحددي ميعاد مع مامتك عشان عايز أطلب ايدك منها..

اتسعت عيناها بشدة وانعقد لسانها عن النطق.. ليأتي صوت خشن من وراؤها ..

-هو ينفع بردو تخطب واحده مخطوبه يا اووستاذ...!! قولتلي اسمك ايه..
اه اه رامي؟

احتلت الصدمة قسماته والاستفهام كان من نصيبه.. سأل بخفوت

-الآنسة اية اتخطبت أمته..؟

وأية وبغباء متوارث ومستأصل بعائلتها عقدت حاجبيها ودارت بعينيها ولسانها همس بتساؤل غبي..

-هو انا مخطوبه وانا معرفش..؟

لف حازم ذراعه حول خصرها بتملك حصري له  مقربها منه وقد اتسعت حدقتا عينيها واحمر وجهها خجلاً وارتباكاً من لمسته لها والتي ما أن شعرت بها حتى سارت رجفة خفيفة بطول ظهرها.. هتف حازم بحسم وهو يشدد على كلماته وعينيه ترسل نظرات تحذيريه لرامي المندهش أمامه..

- انا وايه اتخطبنا امبارح.. ف الحقيقه كنا هنعلن انهارده عن الخطوبه.. بس انت استعجلتنا يا استاذ رامي..
ثم رمق "الحمقاء" بتهديد والتي كادا حاجبيها أن يعانقا السماء من صدمتها من أن ترفض أو تعترض حتى..
وكأن بإمكانها الرفض أو القبول فاعلان خطبتها أمام رامي والقليل من الموظفين الذين شاهدوا العرض وبالتأكيد سيخبرون البقيه وسينتشر الخبر . ويده الموضوعه على خصرها واقترابه منها حد الالتصاق شلّو لسانها ، وأسكتوها عن الكلام..

وزع رامي نظراته المتسعه بصدمه بينهما تارة وعلى يده المحفورة بخصرها تارة أخرى.. ليفيق سريعاً من حالة الصدمة التي انتابته.. ثم قال بصوت مغتاظ وهو يضرب بكفه على كتف مديره مهنئاً..

- لا بجد. بجد يعني الف مبروك.. ده خبر عظيم اووي.. احنا اكيد اكيييد لازم نحتفل..
رمق حازم كفه الموضوعة على كتفه باشمئزاز واضح كالشمس.. نفضها عنه بقلة إحترام واضحه.. ثم قال ب ابتسامة سمجه..

-الله يبارك فيك يا استاذ رامي.. عقبالك..

ثم سحبها خلفه دون اعتراض منها وكأنها مغيبة إلى مكتبه ، تحت همس القلة الحاضرين للمشهد ونظرات رامي الحاقده المشتعلة..
استدار رامي وقد اكفهرت قسماته.. محدثاً نفسه بغل من بين أسنانه وسبه بذيئه خرجت من طرف لسانه ..

-يابنت ال*** بقى انا بترسمي عليا الأدب وانتي مدوراها.. وكمان وقعتي المدير

.. وأكمل بوعيد وشيطانه بدأ بحياكة الخطط له..

-طب وحياة أمي مانا سايبك..!

.......

وما أن خطيا مكتبه حتى صفق الباب بوجه سكرتيرته والتي استغربت من مظهرهما ودخولهما معاً واياديهما متعانقة.. ترك كفها بحدة وولاها ظهره ينزع عنه ربطة عنقه بغضب ، وفك أزار قميصه العلويه، ثم استدار لها
واحمرار عيناه وانعقاد حاجباه وتقطيبة ملامحه كبركان علي وشك الإنفجار
وبنبرة مليئه بالغيره والانفعال..

-عاجبك اللي حصل بره ده.. أنا كنت عارف ان غباءك وتخلفك هيوصلك لكدة والله..

وهي من وقت دخولها وهي  على حالها وعينيها متمركزه علي اللاشئ كأنها صنم ونبرته الحانقه الخشنة أزعجتها وعادت بها من تيهها.. لتتسائل بذهول..

- انت ايه اللي انت عملته ده.. ازاي تحط ايدك عليا وتقول إن إحنا مخطوبين

قال ثائراً.. وقد انتفخت اوداجه غضباً..

-خطوبة الهم والحزن.. اه والله العظيم.. مش انا بحبك بس قسما بالله انتي تصرفاتك بترفعلي ضغطي...

سألته باستنكار واعتراض ليس بوقته..

- انا برفعلك ضغطك؟!

حدق بها بقوة.. ليجيبها هادراً

-هو ده اللي سمعتيه.. ومسمعتيش بحبك..  اعمل فيكي ايه بجد

وتجاهلت هي صراحة الكلمه كما تجاهلت غيرته وتتجاهل اي شئ ممكن أن يعيدها إليه.. زفرت بضيق ثم قالت ببدايه بكاء..

-قولي انا اعمل ايه!! وفجأه المدير الجديد بيقول انه خطيبي وبتاع.. أنت متخيل بيقولو علياايه؟

ألقى عليها نظرات حارقه وقد تحولت عيناه باحمرارها كبركة من الدم القاني.. ليصيح بحنق..

-وبالنسبه لرامي وانتو واقفين سوا وشكلكو مش لطييف خالص. ايه ده عادي بالنسبالك..
وقفت أمامه وثبتت نظراتها بنظراته الغاضبه وحاولت أن تبدو قويه أمامه كي لا يبتلعها بمظهره هذا.. فقالت بثقة زائفة..

-انت مالك انا كنت هعرف اوقفه عند حده..

ليقاطعها بعصبيه وأشاره من كفه..

-ما تبس بقى يابت.. لو كنت عارفه توقفيه عند حده مكنش اتجرأ ولمسك ولا كان اتجرأ وعزمك بره..

لمحت أية عروقه النافرة والشرر المتصاعد من عينيه.. ارتبكت وعدلت من خصلاتها بأصابع مرتجفه وزاغت نظراتها عنه وبحرج قالت..

-هو انت سمعت..

اجابها متهكماً..

-اه ياختي سمعت الحوار كله م الاول..

.. وقف بصلابة أمامها بينما كانت هي تشتعل غيظاً وحرجاً ثم قال بحده بعد أن امسك بكفها يعدد عليها بقوة. .

- أولاً الهدوم دي مش هتتلبس تاني وقسما بربي لو شوفتك لابسه الهدوم دي تاني هقطعهالك..
ثانياً ممنوع منعاً باتاً اشوفك واقفة مع اللي اسمه رامي ده حتى لو وقفك سيبيه وامشي.. ياريت متكلميش مع  حد أصلاً يكون أفضل
ثالثاً هتتصلي دلوقتي بامك وهتعرفيها أن احنا اتقابلنا واتصالحنا وجاي بكرة عشان هنلبس الدِبل
رابعاً وده الأهم معتش فيه هروب.. أول ما هتلبسي دبلتي هتكوني ملزمه اودامي قبل الناس بأنك تعامليني كخطيب يعني
love ماشي
hugg اوكي
Kiss ميضرش..
شغل البوز وبرميل النكد اللي انتي منقوعه فيه ده مشفوش
فهماني؟..
نزعت كفها منه بعنف.. ثم هدرت به..

-حيلك حيلك.. ايه ده كله.. ماتاخدني جاريه عندك احسن..
انا مش موافقه ع اي حاجة م اللي قولتها دي..

امتعض وجهه ورد هازئاً

-عنك ماوافقتي.. عندك الحيطان كتير اخبطي راسك ف اي واحده فيهم..

وقبل أن تفتح ثغرها ثانية بسبابته أغلقه تحت نظراتها الغاضبه المشوبه بخجل إثر لمسته لشفاهها ونبضاتها زادت الضعف .. وتحدث بصرامة وحزم..

-ششششــ مش عايز اسمع حرف واحد انا راجع أخد حقي وانتي حقي.. انتهينا.. روحي جهزي نفسك يللا..
             ......
وحازم .. حين يقرر شئ ينفذ فوراً..
وهي.. عليها احترام القرار دون مناقشه أو رفض..
وعلى المتضرر اللجوء للجدار وطرق رأسه به..


............
"ليلًا"..
تصرخ، تبكي.. تصيح بنبرة خافتة..
-بيدبسني يارقية..!
تتابع وهي تكز على أسنانها بغيظ..
-أنا أدبست خلاص..
ابتسمت رقيه، تهز رأسها بيأس من رأس إبنة شقيقتها الصلد..
- بس متقوليش ادبستي..
تتهكم منها..
-إسمها وافقتي بمزاجك.. عشان أنا عرفاكي لو ملكيش مزاج مكنتش هتسيبيه يدبسك.!
انقلبت ملامح أية.. تعاتب بالنبرة
-لا والله..!
تتسائل بـ عناد
-ممكن أفهم انتي معايا ولا معاه..
تغيظها رقية بإخراج طرف لسانها بطفولية
- أنا معاه..
لتقذفها أية بوسادة صغيرة كانت بجوارها، فـ التقطتها رقية ضاحكة
فركت أية أناملها بعد أن هدأت قليلا وسألت
-طب قوليلي هنقول لماما إيه..
ببساطة أجابت رقية
- قوليلها زي ماقالك..
وماكادت أن تغلق فاهها.. حتى اهتز هاتفها وكان موضوعا بالجوار على الكومود التقطته وملامح وجهها تنذر بالضيق.. تعرف أنه هو من يتصل بها... نظرت لهاتفها بين أناملها بنظرة طويلة.. وكأنها تعاتب صاحب الرقم دون رؤيته.. سحبت نفسَا قصيرًا ثم ضغطت على زر الرفض وألقته بعيدًا عنها باهمال.. وتبدلت ملامحها المرحة لأخرى شاردة..
جذبتها أية متسائلة
-هو..؟!
-أيوة..
توزع نظرتها المستفهمة بين الهاتف ورقية
-طب مش هتردي عليه..
أتى صوتها غريبًا، وقد تعكر مزاجها
-لأ سيبيه.. الكلام بينا خلص..
تحركت اية من فراشها لتلتصق برقية على فراشها.. تهتف بها مستفسرة..
- عملتي إيه انهاردة..!
أشاحت رقية برأسها بعيدًا، تزفر بضيق
مش حابة اتكلم يا أية أرجوكي..
والأخرى لاحظت، وراعت رجائها.. ربتت على كتفها تدعمها
خلاص براحتك.. بس لما تروقي عايزة أعرف كل حاجة بالتفصيل..
نفضت رقية عنها العبوس.. ورسمت ابتسامة باهتة، تغير مجرى الحديث
-خلينا بس ف موضوعك انتي حازم أهم دلوقتي... وبعدين نبقى نشوف موضوعي..

.............

-"اليوم التالي، صباحًا" -

.. طقم كلاسيكي عبارة عن معطف وسروال بلون بيج، حذاء بكعب عالي، وقد جمعت خصلات شعرها الطويل بمشبك نحاسي لامع.. تدلف إلى المشفى الخاص، مكان عملها.. خطوات للمصعد وأخرى في الممر الطويل ووصلت لمكتبها تخلع عنها معطفها وترتدي مئزرًا أبيض اللون.. وبطاقة تعريفية عليها إسمها "رقية ياسين"..
تجلس على كرسي معدني بإطار جلدي أسود أمام مكتبها.. تستند بجبهتها على كفيها بتعب.. الإرهاق كان باديًا بشكل ملحوظ على بشرتها.. والهالات أسفل عينيها تنبأ من يراها بأنها عانت من أرق بالليلة الماضية..
انتفضت بجلستها على صوت يقتحم غرفتها دون استئذان
-بتلاعبيني يارقية..
كان يقف على الباب يحجب رؤية ماخلفه.. هتفت بـ اسمه مبهوتة
-رائف..!!
تداركت الموقف سريعًا، تنتصب بجزعها، تهتف به بنبرة عملية
- احم.. دكتور رائف.. خير!
دخل مكتبها وأغلق الباب بهدوء.. يجلس أمامها واضعًا ساق أعلى الأخرى..
ينقر بأصابعه على المكتب
-آخر كلامنا انك هتفكري.. هتديني فرصة..!
يسألها باستنكار..
- رنيت عليكي ومردتيش، معناه إيه ده؟!
كانت نظرتها حادة، ونبرتها جدية
-معناه اني مش موافقة يادكتور.. وأعتقد الكلام بينا انتهى..
ذنب لن يغفر، عائق بينهما كـ ألف سدٍ وسد.. يعلم أن اعتذاراته لو بلغت العنان لن تقبل بها..
قلبه ينطق قبل لسانه بعاطفة كانت صادقة قدر حرارتها..
-أنا بحبك يارقية..
لانت عيناها.. وخفق قلبها إثر الكلمة، صاحت به بلا احتمال
-لو سمحت يادكتور.. ده مكان شغل مش غراميات وكلام فارغ..
واستنكر.. وبشدة
-كلام فارغ...!!
يدافع عما كان بينهما.. حتى وإن خان
زمان مكنش كلام فارغ يارقية..
أشاحت بوجهها عنه، تهز كتفيها بلا مبالاة
-زمان كنت عيّلة صغيرة..
ظل صامتًا لحظة، لحظتان.. ثم ابتسم، انحني جانب ثغره بشبح إبتسامة..
إبتسامة لم تصل لعينيه.. أجبرها على النظر لعينيه..
-العيلة الصغيرة دي أنا كنت شايفها اكتر احساس وانوثة من لوح التلج اللي قاعد أودامي..
ونهض فجأة مثلما ظهر فجأة، دون وداع يغادر.. يوليها ظهره.. ويتركها بمفردها، مع صوته الذي مازال يرن بأذنها.. عتاب نظرته، ورائحة عطره، وشرودها...

........................
.. كانت أية تقف أمام المرآه العريضة ترتدي ثياب عملها، سروال جينز فاتح وبلوزة بيضاء بداخله.. كانت تعانده، تتحدى كلامه وتحذيراته بشأن ملابسها.. ترمق انعكاسها بالمرآه برضا وابتسامة واسعة.. اقتربت من المرآه بحاجب منمق مرفوع وأمسكت بقلم حمرتها تضعه أعلى شفتيها
هيئتها كانت مبهرة.. ملفتة، خارجة عن المعتاد... وكانت تقصد هذا..!
  وبتمام الساعة العاشرة كانت بمقر الشركة.. تباشر عملها... أمامها أوراق كثيرة.. ومشروع تعمل عليه.. ووقت طويل.
من حين لآخر ترمق ساعتها، تعلم بأنه سيطلب رؤيتها بأي حجة
وقد كان وقت ان استدعاها ومعها مشروعها.. فاخذته وتوجهت صوب مكتبه.. تبتسم لسكرتيرته بكياسة وتتخطاها..
طرقة وأخرى خفيفة وكانت بداخل غرفته أمامه، تقف وقد زاد توترها اضعافَا مضاعفة.. ومازال هو على كرسيه مضطجع بأريحية على كرسيه
ونظراته غاضبة، يضغط على ضروسه بغيظ.. حاولت التجاهل والتجاوز.. تضع أمامه عدة أوراق مرتبة..
- اتفضل.. المشروع..
-مش منبّه عليكي بلاش الهدوم الضيقة دي..
وقف في مكانه بغتة..
-بتعانديني يعني..!
هزت كتفها بلامبالاة ظاهرة، رغم ارتباكها
-وهعاندك ليه!!
-مممممـ تمام... كلمتي مامتك؟!
-لأ..
ضرب على مكتبه غضبًا فانتفضت.. احتقن وجهها من اقترابه
وقف أمامها بالمقابل دون تلامس..
-ومقولتلهاش ليه!
اهتزت قليلَا..
-مجتش فرصة أقولها..
ازدردت ريقها بتوتر وهي تراه يضغط على كفيه
-بس هقولها انهاردة بإذن الله..
- ياريت عشان أنا جايب أخرى منك..

................
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي