الفصل الثاني

رفع يدهُ عاليًا في الهواء كي يصفعهُ ولكن هيهات، ليمسك الأخير يده بقوة وقد أرجعها مكانها هاتفا بصوتهُ الأجش الذي دوى في المكان:

- ده كان زمان يا نجيب، كان زمان ، دلوقتي فكر تعمل كده وأنا أكسرهالك وأكسرك بعدها.

لم يستعب نجيب كُل هذه القوة التي يتحدث بها فخر، فخر الذي ضُرب وأُهان وتجرع من كأس الظلم، أهذا هو؟! 

تدخل " مروان " في هذه اللحظة بانزعاج من أخيه، فيما قال وهو يبعد فخر عن والده:

- ماتنساش إنك بتكلم أبويا يا فخر، وعيب عليك يا أخي تتحداه بالطريقة دي وإحنا واقفين، إيه مش ماليين عينك يا فخر ! 

أشار فخر له بسبابته محذرًا وتابع:

- إنت تبعد خالص عن الموضوع ده يا مروان، لو خايف على أبوك أوي كدا يبقى تقوله يبعد عني ومايلعبش بالنار معايا، وياريت تعرفه كمان إن فخر بتاع زمان مااات، دلوقتي في فخر اللي ماحدش يقدر يتعدى عليه، وياريت تعرفه إن اللي هيقف قصادي هنسفه هو واللي يتشددله! 

أكدت السيدة أحلام على كلام إبنها، حيث قالت وهي تنظر إلى نجيب بقوة صارخة:

- بالظبط يا نجيب، إبعد عن فخر لإن كلامه صح، متنساش فخر معاه حرس قد إيه وكمان " عمه وحيد " موجود وأنت عارف أنه واصل وممكن يعمل معاك إيه!  

تجهمت ملامح نجيب بشدة جراء تهديدها الصريح، ليقول جازًا على أسنانه:

- إنتِ بتهدديني إنتِ وإبنك يا أحلام؟! 

- بالظبط كده! 

قالتها بنبرة جامدة، وقبل أن يتكلم نجيب مرة ثانية، تدخل "زين" عريس هذه الليلة والإبن الأكبر والأول لنجيب والثاني لأحلام ، ليقول بنفاد صبر متأففا:

- لا مش معقول هتتخانقوا يوم فرحي يا جماعة؟، بجد حرام عليكوا! ، إيه يا ماما، إيه يا فخر عدوا الليلة عشان خاطري.

أومأ فخر موافقًا إياه بهدوء ، ثم استدار قائلًا بجدية شديدة:

- أنا هستنى تحت، ثم التفت بنصف جسده قائلًا وهو يُشير إلى شقيقته الصغرى:

- وبرضوه مي هتغير لبسها، ونبهي على نوران كمان، سمعتيني..؟! 

هزت مي رأسها في طاعة رغم ضيقها الشديد من تحكمه وإلقاء أوامره عليها دائمًا، التزمت الصمت تجنبًا لعصبيتهُ المُفرطة، ثم تحركت عائدة إلى غرفتها مرة أخرى.

تحركوا جميعا من أمام نجيب الذي تلون وجهه غضبًا لاعنا فخر وذلك اليوم الذي أصبح له مكانته بين الناس، تحرك هو الآخر هابطًا الدرج وهو يتوعده بنظراتٍ قاتلة، وصل إلى باب القصر وخرج ثم إلى سيارته وقادها مُنطلقا بها غير عابئًا بأحد ولا بزفاف إبنه! 

زين وقد تجهمت ملامحه:

- هو بابا راح فين؟!، معقولة مش هيحضر فرحي!! 

أجابته أحلام بلا اكتراث:

- كدا أحسن، هو يعني وجوده هيعمل إيه!! 

تأفف زين، ثم نظر إلى ساعة معصمه قائلًا بضيق:

- طب يلا بقى كدا هتأخر على فيروز يا ماما، لسه هنجيبها من الكوافير غير التصوير! 

أحلام وقد هزت رأسها بهدوء:

- طيب يا زين البنات بتجهز إصبر شوية.

....................................

 

انتهت " مي" من تبديل ملابسها إلى ملابس أكثر حشمة عن تلك الملابس التي كانت تكشف عن مفاتنها، في حين كانت شقيقتها "نوران" التي تكبُرها بعامين تضحك بهيستيرية على غضبها الطفولي، نظرت مي لها في غضب وهي تهتف:

- يعني الدنيا كانت والعة برا وحضرتك بتضحكي؟! إنتِ إيه يابنتي مابتحسيش؟!! 

نوران بعد أن هدأت قليلًا، ثم راحت تنظر إلى المرآة مرة ثانية لتُكمل لفة طرحتها العريضة وتقول بنبرة هادئة:

- يعني أعمل إيه؟! ألطم ولا أصوت، إيه الجديد يعني ما فخر وبابا دايمًا كده مع بعض، كبري دماغك ياستي.

مطت مي شفتيها وسارت لتقف إلى جوارها قائلة:

- تصدقي عندك حق، ماعلينا قوليلي كده كويس ولا فخر هيبهدلني؟! 

ألقت نوران نظرة سريعة عليها، ثم أخبرتها بخفوت:

- لا كويس كده بس ناقص إنك تتحجبي زيّ يا مي، هتبقي أحلى.

ردت عليها بضيق:

- يووه، بطلي بقى السيرة دي وخلصي عشان الكُل جهز ماعدا إحنا، يلا هنزلهم وإنتِ حصليني.

أنهت كلامها وسارت تهمهم بضيق حتى خرجت من الغرفة، ابتسمت نوران بهدوء وهي تتأمل ملامح وجهها الدائري وعيناها العسليتان، مرورًا بأنفها الصغير وبشرتها البيضاء الناعمة، وعندما انخفض بصرها على جسدها البدين طغى على وجهها الانزعاج، حاولت مرارًا وتكرارًا إنقاص وزنها إلا إنها كانت تفشل حيث أن حُبها للطعام كان يتغلب على إرادتها، وها هي تُحاول جاهدة علها تنجح ذات مرة، وتتساوى بزميلاتها في الكُلية وتكون صاحبة جسد رشيق مِثلهن! 

أخيرًا انتهت من لف طرحتها ثم خرجت من الغرفة وهبطت الدرج، في حين قال زين بعتاب:

- كل ده يا نوران؟؟ اللي يشوف التأخير ده يعني يقول هيطلعلنا سندريلا دلوقتي! 

ضحكت مي مُقهقه وشاركها "مروان" الضحكات باستخفاف لم يُرق لنوران، فظهرت علامات الغضب على وجهها من مزاحهم السخيف، ثم نظرت إلى أخيها الأكبر فخر حتى يتحدث وينقذها من سخافة إخوتها، بالفعل استجاب لنظراتها، ليقول بلهجة صارمة:

- كفاية تهريج أنتِ وهو، ويلا يا أستاذ زين مش كنت هتتأخر على فرحك؟ 

تنحنح زين بحرج وقال:

- أه فعلًا، يلا يا جماعة..

اتجهوا خارج القصر، ثم إلى السيارات التي ستتوجه إلى مركز التجميل الذي تنتظر فيه " فيروز" عروس اليوم، والتي ستُصبح زوجة لزين بعد قليل..

 

جلست مرح جوار زوجها فخر في المِقعد الخلفي من السيارة الخاصة به، لاحظ فخر غضب ملامحها ولمعة الحُزن بعينيها، فاقترب منها قليلًا وهو يسألها باهتمام:

- مالك يا مرح؟ 

أجابته بجدية ونبرة مُحملة بالعتاب:

- أنا مش عارفة إنت هتفضل كده لحد إمتى؟؟ 

طالعها باندهاش، مع قوله:

- في إيه يا مرح، عملت إيه أنا دلوقتي؟؟ 

زفرت أنفاسها بقوة قبل أن تقول بعتاب:

- يا فخر، إنت مش قد نجيب، نجيب ممكن يأذيك ومش هتعرف تعمل معاه حاجة، ده راجل ميعرفش ربنا بلاش تتحداه وبلاش تجادلهُ..

فخر وقد تجمدت ملامحه ووهجت بحدة عارمة:

- مايقدرش، وحتى لو يقدر أنا مبخافش كفاية خوف السنين اللي فاتت.. وكفاية إني عشت تحت رحمته أيام ما كُنت طفل صغير، كفاية أنا كبرت ومش خايف!

استكملت مرح بقلب ينبض بالخوف:

- بس أنا بخاف يا فخر، بترعب عليك واللي ممكن يحصلك لو...... 

قاطعها حينذاك بصرامة:

- خلاص يا مرح كفاية إخرسي بقى، أنا مش عاوز أسمع أي حاجة دلوقتي.

صمتت مرح مُتحاشية غضبه وراحت تنظر من نافذة السيارة بعينين باكيتين، وما لبثت أن انهمرت العبرات من عينيها، أما هو فقد اقترب منها وأخذ رأسها على صدره هامسًا باعتذار:

- أنا آسف، مابحبش أزعلك يا مرح، بس إنتِ اللي بتضطريني لكدا، قلت لك كتير متخافيش عليا، ربنا موجود ونجيب إن كان قوي فيه اللي أقوى منه ده إن كان قوي لكن هو بيتحامى في سُلطته بس.

رفعت رأسها وطالعته بعينيها السمراوتين، ثم أخبرته من بين دموعها:

- أنا ماليش غيرك يا فخر، خليك عارف كده وبس.

ابتسم وطبع قبلة سريعة فوق جبينها هامسًا:

- أنا كمان ماليش غيرك، خليكِ عارفة كده وبس! 

ضحكت بخفوت وقد مسحت دموعها بأنامل يدها، وقد نست ما أغضبها، حيث أنه امتص غضبها سريعًا ولم يتركها تتعمق به أكثر...

...........................

 

لاحقًا عندما وصلوا جميعا إلى مركز التجميل والذي خرجت منه "فيروز" بكامل أناقتها وجمالها الخلاب، تعد فيروز من الجميلات الفاتنات، بمجرد إن رأها زين سُحر بجمالها ولم يهدأ حتى تقدم لخطبتها فورًا بعد أن أبلغ والده بذلك وبعد مناقشة دامت أيام وافق ليتخلص من إصراره وثرثرتهُ..  

تأبطت في ذراعه وراحا يخرجان من المركز يتبعهما الجميع إلى أن وصلوا إلى قاعة فخمة جُهزت على أعلى مستوى تليق بحفل زفاف " زين الشناوي "..

وهناك تشارك الجميع في الفرحة والبهجة، لم يكُن لفيروز أحد سوى خالها "نبيل" الذي انزعج لعدم حضور والد العريس، هل يستخف به لهذه الدرجة حتى لا يحضر حفل الزفاف الخاص بإبنه؟! .. هكذا فكر السيد نبيل..

 أومال والدك فين يا زين، وإزاي مايحضرش فرح إبنه؟!
سأل نبيل منتظرًا منه إجابة مقنعة، فتلجلج زين وهو يُجيب عليه بإحراج:
- بابا...
لينقذه أخيه فخر حينما قال موجهًا حديثه لنبيل:
- جاله شغل فجأة، إنت عارف حكم شغله بيمنعه من حاجات كتير وعموما مش هتفرق كتير يا أستاذ نبيل والدته موجودة وإخواته كلها كمان!
نبيل بتعجب:
- أيوة يابني ولكن أبوه لازم يحضر، ولا هو بيستقل بينا مثلا؟!
فخر وقد لاحت على ثغره ابتسامة متهكمة:
- لا سمح الله، ماتقولش كده، ده نجيب بيه متواضع جدا...
هز نبيل رأسه موافقًا، وقد ربت على كتفه قائلًا بود:
- على العموم وجودك انت ووالدتك وإخواتك على راسي يا بني.
ابتسم فخر وقال بلهجة رسمية:
-أشكرك.
انصرف نبيل، ليتنفس زين بارتياح وهو يقول بامتنان:
- شكرا يا فخر، طول عمرك بتسد يا فخرنا.
ابتسم فخر بهدوء، وهمس لشقيقه بمزاح:
- ركز إنت مع عروستك!
ضحك زين بمرح، ليلتفت إلى عَروسه ممازحا إياها:
- ليلتنا بيضة إن شاء الله.
فضحكت بخجل مطرقة رأسها للأسفل وقد تخضبت وجنتاها بحُمرة الخجل..
في حين أقبل عليه "مهاب" إبن عمهُ الراحل والذي يُعد بمثابة أخ لهم..
نهض زين بدوره ليحتضنه بمحبة، وقال مهاب بابتسامة: ألف مبروك يا بطل..
رد عليه زين بعد أن ابتعد عنه قليلًا:
- عقبالك يا إبن العم..
غمز مهاب بمزاح قائلًا:
-قريب جدااا.
تشاركا الضحكات لعدة ثوان قبل أن يتنحى مهاب للجانب حيث راح يصافح فخر بابتسامة رُسمت على شفتيه، فصافحه فخر بابتسامة كذلك، وتبادلا الحديث لعدة ثوانِ..، صافح الجميع بعد ذلك إلى أن أتى دور نوران التي ما إن رأتهُ يقبل عليها حتى هبط قلبها بين قدميها، وقد أطرقت رأسها بحياء وهي تسمع صوته الرجولي يسألها بود:
- إزيك يا نوران؟
أجابته بعد أن رفعت رأسها تطالعه بخجل جم:
- الحمدلله، إزيك إنت يا مهاب.؟
هز رأسه بخفة مجيبا عليها:
- بخير الحمدلله يا نوران.
انصرف من أمامها فظلت عيناها تتابعانه بهيام، وتتأمل هيئته الرجولية، تتمنى لو أن يُبادلها شعورها تجاهه!
ويأتي طالبًا إياها ثم يأخذها على حُصانه الأبيض إلى جزيرة العُشاق ، جزيرة لا يوجد بها سواهما فقط، والقمرُ يسطع بإضاءته الساحرة!
..................................

على الجانب الآخر كانت تجلس السيدة "أحلام" بصحبة السيدة "سهام" والدة مُهاب..
فهما صديقتان كشقيقتان منذ ان وطئت قدمي أحلام القصر وأصبحت سهام صديقة لها فكانت أفعال نجيب لا تُرضيها ودائما ما كانت تتعاطف معها وتطورت العلاقة الأخوية تلك حتى المشيب..
- عقبال مروان يا أحلام يارب.
قالتها سهام بابتسامة واسعة ودودة، بينما قالت أحلام وهي تبادلها الابتسامة:
- إيدي على كتفك يا سهام، ماعندكيش عروسة ليه؟!
ردت سهام بحماس:
- إلا عندي، شايفة البنت اللي قاعدة هناك دي
أشارت إلى فتاة ما جالسة على إحدى الطاولات، فدققت أحلام النظر إليها وهي تسألها باهتمام:
- مين دي يا سهام وبنت مين؟
أجابتها سهام بخفوت:
- دي بنت واحدة صاحبتي إنما إيه بقى حلاوة ونقاوة واديكي شايفة بنفسك!
بحثت أحلام بعينيها عن مروان حتى التقطته بنظرها فأشارت له بيدها ليتجه نحوها على الفور، ثم مال عليها وهو يسألها:
- خير يا ماما؟
أحلام بحذر وهي تشير بسبابتها نحو الفتاة:
- بص كده يا حبيبي، إيه رأيك في البنت اللي هناك دي؟
مروان بعدم فهم:
- إزاي مش فاهم؟!
سهام وقد أخبرته ضاحكة:
عروسة يعني يا حضرت الظابط، ده انت بتفهمها وهي طايرة!
مروان وقد انتصب واقفًا من جديد قائلًا باقتضاب:
يا ماما فكك مني بقى، إنسي الموضوع دا.
أنهى كلامه وانصرف سريعًا مبتعدًا عنهما، بينما قالت أحلام بغيظ:
- شايفة يا سهام، الواد ده طول عمره مغلبني دونا عن إخواته، وخايفة ليطلع زي أبوه يا سهام.
ربتت سهام على يدها قبل أن تقول مبتسمة:
- لا إن شاء الله مش هيطلع زيه يا أحلام، مافيش من نجيب إتنين متخافيش.
ضحكت أحلام بمرارة:
على رأيك، بس كان نفسي يشتغل مع فخر زي زين ويسيبه من الشرطة منه لله نجيب اللي دخله غصب عني.
تابعت سهام:
مش معنى إنه ظابط يبقى هيطلع زي نجيب يا أحلام، كل مهنة وفيها الصالح والطالح وبإذن الله مروان يكون الصالح...

-  إنت إزاي يا بابا ماتحضرش فرحي؟؟ ده إنت خليت وشي في الأرض قدام خال فيروز! .
أردف زين بتلك الكلمات بغضب جم وهو يرمق والده بنظرة ثاقبة.
رد نجيب ببروده المعتاد في مثل هذه المواقف،وهو يجلس على الأريكة في بهو المنزل:
-  كان عندي شغل، وكمان كان أفضل ماأحضرش الفرح بدل ما أصور جريمة، وكمان في ناس متشرفش!
أنهى جملته وهو ينظر إلى فخر بسخرية تامة، فبادله فخر بنفس النظرة الساخرة على الفور وهو يتحرك ليصعد للأعلى دون اكتراث به، بينما صر زين على أسنانه غاضبا من أفعال والده، ليتركه ويصعد خلف أخيه، استوقفه فخر قليلًا وهو يقول بهدوء:
-  كبر دماغك يا زين، وسيبك من الكلام بتاع أبوك ده وإطلع لعروستك بدل ما إنت سايبها كده لوحدها!
أومأ زين موافقًا بعد أن زفر بقوة محاولا ضبط أعصابه، ثم سار متجها إلى غرفته والتي خصصتها والدته له ولعروسه...
وما إن خطى فخر خطواتين مستعدًا للذهاب إلى غرفته حتى سمع من يناديه بنبرة هادئة، فالتفت ليقبل عليه أخيه "مروان" والذي بدى أنه يعتذر عما قاله قبل أن يذهبوا إلى حفل الزفاف.
وقف فخر يُطالعه من علو، فاقترب مروان قائلًا بخفوت:
-  إنت زعلان مني؟!
ابتسم فخر وأجاب:
-  هزعل منك ليه؟! من حقك تدافع عن أبوك.
مروان بجدية:
-  هو أبويا وإنت برضوه أخويا اللي بحبه جدا يمكن إتحمقت شوية بس أنا عمري ما أقدر على زعلك يا فخر إنت عارف معزتك عندي وأنا آسف لو ضايقتك بكلامي.
فخر وقد ربت على كتفه قائلا بود:
-  عمري ما زعلت منك يا مروان، رغم اللي بيني وبين أبوك إلا إن إنتوا حاجة وهو حاجة تانية خالص.
مروان وقد ابتسم بمحبة ومازحه قائلًا :
تعرف إنك جدع أوي، ساعات بحس إنك إنت اللي أبونا مش الراجل اللي تحت ده.
ضحك فخر وهو يخبط رأسه بخفة ثم تركه وتحرك باتجاه غرفته ليلج إلى الداخل، توقع أن يجد زوجته فعندما وصلوا تركته وصعدت لكنه لم يجدها، قطب باستغراب، ثم اتجه صوب باب الحمام ليطرقه بخفة ربما تكن بالداخل فلم يأته صوت، أسرع خارجا من الغرفة وقد خفق قلبه خوفا من أن يكن نجيب قد تعرض لها، ركض على الدرج في سرعة حتى وصل للردهة فوجد نجيب مازال يجلس كما هو يدخن سيجاره، تجاهله وخرج إلى حديقة القصر باحثا عنها بعينيه أيضا لم يجدها، توقع أن تكن بالمطبخ فسار بخطوات سريعة واسعة نحو النافذة الخلفية للمطبخ فاستمع إلى صوتها وهي تضحك عاليا بمرح مع الخدم الخاص بالقصر في جو مرِح ومحبب إليها، تنفس الصعداء أنها بخير ولكن ثوانِ معدودة وقست ملامحه وهو يتجه إلى الداخل حيث ذهب إلى باب المطبخ وهتف بصوتٍ صارم:
-  مرح!
التفتت ناحيته بارتجافة خفيفة تُطالعه بخوف حقيقي ظهر واضحًا بشدة على وجهها، تعلم أنه لن يمرر فعلتها مرور الكرام، رغم أنها لم تفعل شيئًا من الأساس حتى تُعاقب عليه.!!!
اتجهت نحوه بخطوات بطيئة، فأشار لها بعينيه دون كلام حتى تصعد أمامه، ومن ثم سار خلفها حتى صعدا معا إلى غرفتهما، دخلا في وجوم تام، حاول فخر قدر استطاعته تهدئة نفسه حتى لا يتهور معها خاصةً وهو يعلم مدى خوفها، هي تخاف، تخاف جدا من أي شئ وأي شخصٍ كان، هكذا تعلمت من والدها!!
-  مش أنا قلت بلاش تنزلي المطبخ..؟؟ ولا تقعدي مع الخدم نهائيا؟!
سألها بهدوء صارم وهو يقترب منها أكثر، فظلت صامتة تتنفس سريعا بخوف إلى أن قالت بصوت مُتحشرج:
- أنا بحب أقعد معاهم تحت.
- وأنا مابحبش!!
أخبرها بغضب جلي، فتراجعت للخلف خطوة وراحت تستدير فأعطته ظهرها وقالت وهي تكتم بكاؤها:
-  الخدم دول أهلي وناسي، ودادة حليمة دي تبقى خالتي، وياما قعدت ونمت معاهم زمان، وأنا حرة أنا بحبهم و...
بترت جملتها حين أدارها إليه مجددًا وهو يقبض على ذراعها بعنف:
- إنتِ مش حرة، أنا اللي أقول تعملي إيه وتكلمي مين وتقعدي مع مين، إنتِ علاقتك بيهم انتهت من يوم ما بقيتي على ذمتي، ليه غاوية تقللي دايما من نفسك!؟ ليه بتحبي تبقي تحت ومُصرة على كدا؟؟
-لأنهم أهلي!
هزها بعنف هادرًا:
- مش أهلك، أنا أهلك، أنا وبس!.. ثم صمت وأغلق عينيه لثوان، ثم عاد يفتحهما قائلًا بصوت أقل حدة:
- آخر مرة أشوفك تحت أو حتى بتكلمي حد منهم!
حاولت تتحدث معه أو تعترض على حكمه، فمنعها محذرًا:
-  مش عاوز أسمع منك أي كلام، اللي قلته يتنفذ وبس.
ثم تركها وخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه، فراحت تبكي بحزن وهي تلقي بجسدها فوق الفراش، فمنذ أن كانت صغيرة وهي تُهان من نجيب ليس هي فحسب،بل الخدم جميعهم فأصبح فخر لا يُحبذ وجودها معهم ومجرد وجودها معهم يعتبره إهانة!..
وما يراه صحيحا يفعله حتى وإن كان على حساب راحتها!! .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي