الفصل 2
ينظر الطبيب إلى الإشاعات ويحاول ان يُصدر لها الضوء حتى يظهر امامه أصغر التفاصيل ويقول فحصه بطريقة صحيحة، هناك زوج من الأعين ينتظرون حديثه على أحر من الجمر ولكن هناك من ينظر إلى الغرفة بملل يقتله فهو لن تفرق معه النتيجة هو فقط يريد أن يخرج من هذه الغرفة حتى يحصل على متعته الخاصة للغاية.
واخيرًا تحدث إليهم الطبيب قائلا بهدوء بعد أن وصه الإشاعات امامه :
- فيه كهربا زيادة على المخ وفي شىء صغير مش واضح محتاج شوية أدوية عشان يظهر بعد كدة في الإشاعات، بس ياريت نخف شوية الاشعاعات اللي بتدخل للمخ زي الموبايل واللاب توب وغيره اظن فهمني.
نظرت هذه المرأة التي تجلس أمامه إلى الشاب الذي يجلس أمامها نظرة عتاب حنونة قائلة وهي توجه حديثها للطبيب :
- قوله يا دكتور مبيسمعش الكلام خالص، طول اليوم وشه لازق في الموبايل واقوله غلط مش بيسمع الكلام.
زفر بضيق من حديثها كأنها تتحدث عن طفل ياكل الحلوى بكثرة ولا يريد الإبتعاد عنها، حتى استمع للطبيب يقول بعد أن نظر إلى الورق تمامه والتقط اسمه :
- اتمنى ان تسمع الكلام يا.. يا ريان فعلا اشعاعات الموبايل مُضرة جدا على المخ.
لم ينطق سوى بشىء واحد وملامحه متجعدة بشدة : ان شاء الله يا دكتور.
وخرج من الغرفة دون أن يبث كلمة أخرى لتتنهد والدته بألم على حاله الذي لن يتخلص منه بسهولة.
لا ندرك ان عندما نفعل ما هو متعة لنا فهو ألم لغيرنا ولاقرب الأقربون، لعلنا ندرك اشياء كثيرة تغيب عنها بصيرتنا لكانت الحياة أجمل.
*******
هل تنتظر أن يخرج من مستنقع الشياطين ويذهب لمنزله يخلد للنوم في سلام، عذرًا عزيزي لقد أخطأت فهو سيكمل مع شيطانيه في مخبئه الصغير.
في طاولة دائرية تشبه طاولة الكازينو ولكن هنا لا يوجد موزع، رئيس اللعبة هنا؛ هو الملك هو من يتحكم في طفاية التبغ التي تقع أمامه الان، يحتل الجميع جميع المقاعد ليشكلوا دائرة كاملة، ولكن من يحتل الجانب الأهم الجانب الأيسر هي رفيقة الشيطان، لا، لا اقصد الشيطان الذي يتبع نسل ابليس، الشيطان يا عزيزي فقط موسوس للشر وانت عليك الرفض او التنفيذ، هذا شيطان نسل ابليس ولكن لا تعلم شيطان بني آدم فهم العن يجعلون ابليس يجلس ويدون لاعماله القادمة.
اخذ نفس عميق كمن يملىء صدره بنسيم الربيع، ولكن هو ينتشي برائحة ورق البوكر الذي يقع بين يديه، بدا في توزيع الأوراق ولا ننسى اهم أجزاء الطاولة دوائر الرهان الصغيرة و أيضًا عجلة الروليت ابنة عاصم كما أطلق عليها، المثير في الأمر أنك ستجد أمام عاصم كوب من الشاي الأخضر!.
ليقع هاجز الفضول عند إحدى الجالسين وايضًا من الخاسرين دائمًا في دائرة عاصم : الا غريبة يا عاصم كل ما نلعب هنا الاقي كوباية الشاي الأخضر مبتفارفش الترابيزة.
ابتسم بثقة كمن يعلم أن هذا السؤال من أساسات يومه، ليرد عليه وهو يركز في الأوراق ووضعها في موضعها الصحيح :
- بخاف على صحتى.
من الواضح انها إجابة كافية!
تعالت ضحكات هذا السائل قائلا ونبرة السخرية لا تفارق صوته : يا جدع! بتخاف على صحتك غريبة والخمرا اللي مبتفارفش ايدك في الكازينو.
وضع الكرة الصغيرة ب عجلة الروليت بإنتظار ان تقع في رقمه الرابح ولكن ليس بحماس فهو يعلم جيدًا ما سيحدث ليبتسم كعادته من زواية فمه قائلا وهو يضع اخر ورقة تدل على انتهاء الدور وخسارة الجميع وعينه مباشرة في عين هذا الساخر :
- بتشوفني بشرب غير كأس واحد! لا طبعا دة عشان بشربه منظر أدام الكل، الخمرا ليها هيبتها بردوا، إنما أنا بخاف على صحتي.
يبدوا أن عاصم اكمل تعلميه في الرد المقنع بشكل مثير للسخرية.
اكملت على حديثه من تعرف جيدًا انه لاعيب الروليت وهو تنحني عليه وتقول بدلال مثير للغثيان ولكن يجعل عاصم يشعر بالفخر وكأنه يملك العالم تحت قدميه : طول عمري بقول عاصم كل تصرف وله سر.
رد عليها إحدى أصدقاء عاصم والذي يجلس على الجهة الأخرى منه : عاصم دة سر لوحده.
اظن ان زواية فمه أُرهقت من هذه الوضعية الذي لا ينفك عنها على الاطلاق.
كرر هذا الرجل رده الساخر قائلا : ومن يشهد ل عاصم اد حورية و ماجد!
- مالك يا شاكر شكل مزاجك مش رايق انهاردة، من الواضح أن الضيق اخيرًا بدأ يزحف على ملامح عاصم.
رد وهو يجمع هاتفه واشيائه لينهض قائلا :ولا رايق ولا مش رايق انت مش قفلت الليلة وكسبت! سلام.
نهض الباقي وهم يجرون خيبات خسراتهم ككل يوم، بمجرد ان تطأ قدميك في عالم عاصم جمال الحداد؛ فأنت الخاسر لا مُحال ولا تنتظر شيئًا اخر، ظل كل من حورية وماجد، نهض عاصم وخلفه حورية التي تشبه العلكة الخبيثة تفعل له حركات وكأنها تجعله يسترخي من متاعب اليوم فهو يتنقل كالمحارب من الكازينو إلى شقته وعمله البطولي هو الربح مع ابنته عجلة الروليت!
- مش عايز تدخل تريح جسمك جوا شوية؟ قالتها بهمس ناعم كالافعى وهي تضمه إليها بشدة.
انزل يديها والتف ليها ووضع يده على احكى وجنتيها لتغمض عليها بسعادة حتى سمعت قوله : اسبقيني انتي وانا هقعد مع ماجد شوية، وهتلاقيني عندك.
قبلته هي الأخرى وذهبت إلى الغرفة بخطوات متنغنجة للغاية، دار ببصره ليجد ماجد يجلس في الشرفة ينظر إلى النيل وبين يديه كأس فاخر من الخمر، جلس على مقعد اخر وظل صامت لثوانٍ حتى قال :
- سرحان في ايه!
وضع كأس الخمر على الطاولة الصغيرة بعد ارتشف ما بها في جرعة واحدة وقال بنبرة يظهر عليها الاختناق : سرحان في المستنقع اللي احنا فيه.
ابتسم كعادته فهو يعلم نقاش كل يوم، نهض ليستند على السور ف تبعه ماجد، اخذ عاصم نفس عميق من الهواء المنبه من ماء النيل :
- عارف يا ماجد المستنقع انك تعيش من غير ما تتنفس بحرية، من غير ما يكون معاك فلوس، ولا تكون مش بتعمل الحاجة اللي بتعشقها، وألتف ليلقي نظرة على طاولة البوكر ثم اكمل حديثه وهو يبتسم بخبث ويعلم ان ماجد سيفهمه جيدًا : أو تكون هايص في العسل جامد.
خرج ماجد من الشرفة وداخله يشتعل كثيرًا من هذا الحديث الذي لا يكل منه، ليخرج خلفه عاصم وقبل ان يتحدث كان يصيح ماجد قائلا :
- يا عاصم انت بتقول ايه بقولك احنا في مستنقع من كازينو ل شقتك من خمرا ل خمرا ل قرف في اوض ايه يا اخي متعبتش من ديه حياة!
جلس على مقعده المفضل بجانب الطاولة ووضع قدم على أخرى قائلا بهدؤه المعتاد على الجميع :
- مفيش أجمل من ديه حياة، ولا انا عايشها انتقام ولا عايشها عشان عندي ماضي مؤلم زي الروايات، اختارت اعيشها ومفيش اجمل من كدة..
قام وامسك بكرة الروليت الصغيرة ليضربها وتلف العجلة وهو يمسح عليها بأصبعه قائلا :
- وانت عايشها بمزاجك يا ماجد، بطل دور الضحية شوية.
صوت تحطيم ازعج هدوء المكان، وما كانت سوى زجاجة خمر من الركن الموجود به كل أنواع المشروبات والتي يتركه عاصم لاصدقائه وليس له، اغمض عينه أثر الصوت لوهلة وفتحها مرة أخرى وهو يبتسم بإنتشاء والتف :
- دة بيتك يا ماجد، عن اذنك هدخل اريح جسمي شوية.
كاد أن يحطم الشقة بأكملها من بروده الذي اعتاد عليه ولكن لا فاق الحد لشكل كبير، منذ متى وهو يحاول إخراجه وإخراج نفسه من هذا " المستنقع" كما قال ولكن لا يعلم أن عاصم مثل مغناطيس الخطأ، حتى وان كنت تريد الخروج من هذا العالم ستجد نفسك ملصق به دون إرادة منك، لم يفعل اي شىء راقب دلوف عاصم إلى الغرفة وصوت ضحكات حورية تتعالى، اغمض عينه بإشمئزاز على حالهم و أخذ متعلقاته وخرج تاركًا صوت الباب يعلن عن مغادرته.
******
- يا عابد وانت مالك بأخوك ما أنت شغال اهو.
قالها شاب في عقده الثالث لشاب اخر مُمدد جسده أسفل سيارة، ويرتدي ملابس زرقاء متسخة للغاية فهي تدل على عمله، خرج عابد من أسفل السيارة وامسك بقطعة قماش ليمسح يده بها ويجلس على إحدى المقاعد قائلا :
- ازاي بس يا جمال، يا جمال دة عاصم اخويا يعني لازم اخاف عليه واحاول أوقفه عند حده.
جلب جمال مقعد اخر وجلس عليه بوضع عكسي ووضع كفع عليه و ابتسامة سخرية تزين ثغره في عقله عن ماذا يتحدث؟!
- انت بتقول ايه يا عابد عايز توقف عاصم لاعيب الروليت و الكازينوهات عند حده!
زفر عابد بضيق فهو مُحق، كيف لعامل مثله ان يقف شيطان في هيئة انسان عمله في الحياة رهان رابح كعادته!
اكمل جمال حديثه وكأنه لم يلقي بنقبلة سخيفة من الحديث، هناك نوع من البشر كهذا يلقي عليك أبشع الكلمات من ثم يصمت ويتأكد من التفاف حبل الضيق على ملامحك ليكمل حديثه وكأن عشماوي شهير الإعدام، انتهى من إعدام مجرمه ونفض يده عن التراب ليكمل إعدام الجثة الحية الاخرى، يا لكم من غرباء ايها البشر!
- بس غريب ابوك دة والله يا عابد، اشمعنا يعني ابوك سمى عاصم بالاسم دة، وانت بالاسم دة حاسس ب غرض معين بس مش فاهمه!
شرد إلى عالم ثانٍ ليتذكر إجابة هذا السؤال جيدًا، تذكر وهو في العاشرة من عمره عندما ثار فضوله هذا السؤال حرفًا حرفًا، والان حان وقت تذكرها ولكن لم يعلم والده انه لن يحقق غرضه عندما قرر تحقيق هذه المعادلة.
- ابويا سمى عاصم؛ عشان يكون عاصي عن أي غلط، وانا بقى اسمي عابد، عشان اكون عابد ل ربنا دايمًا.
نهض من مجلسه وترك هذه القماش ليكمل عمله أسفل هذه السيارة قائلًا : الله يرحمك يا حج غرضك متحققش ولا هيتحقق.
أغراض الحياة ليس عليها أن تتحقق من تلقاء نفسها، نحن أداة تحقيق الأحلام وليس الحياة! هي فقط شىء نعلق عليه فشلنا في مهمة تحقيق هذا الغرض ايًا كان.
وها قد انتهى هذا اليوم الملىء بالمتعة الرخيصة والتي لن تكون دائمة أبدًا.
واخيرًا تحدث إليهم الطبيب قائلا بهدوء بعد أن وصه الإشاعات امامه :
- فيه كهربا زيادة على المخ وفي شىء صغير مش واضح محتاج شوية أدوية عشان يظهر بعد كدة في الإشاعات، بس ياريت نخف شوية الاشعاعات اللي بتدخل للمخ زي الموبايل واللاب توب وغيره اظن فهمني.
نظرت هذه المرأة التي تجلس أمامه إلى الشاب الذي يجلس أمامها نظرة عتاب حنونة قائلة وهي توجه حديثها للطبيب :
- قوله يا دكتور مبيسمعش الكلام خالص، طول اليوم وشه لازق في الموبايل واقوله غلط مش بيسمع الكلام.
زفر بضيق من حديثها كأنها تتحدث عن طفل ياكل الحلوى بكثرة ولا يريد الإبتعاد عنها، حتى استمع للطبيب يقول بعد أن نظر إلى الورق تمامه والتقط اسمه :
- اتمنى ان تسمع الكلام يا.. يا ريان فعلا اشعاعات الموبايل مُضرة جدا على المخ.
لم ينطق سوى بشىء واحد وملامحه متجعدة بشدة : ان شاء الله يا دكتور.
وخرج من الغرفة دون أن يبث كلمة أخرى لتتنهد والدته بألم على حاله الذي لن يتخلص منه بسهولة.
لا ندرك ان عندما نفعل ما هو متعة لنا فهو ألم لغيرنا ولاقرب الأقربون، لعلنا ندرك اشياء كثيرة تغيب عنها بصيرتنا لكانت الحياة أجمل.
*******
هل تنتظر أن يخرج من مستنقع الشياطين ويذهب لمنزله يخلد للنوم في سلام، عذرًا عزيزي لقد أخطأت فهو سيكمل مع شيطانيه في مخبئه الصغير.
في طاولة دائرية تشبه طاولة الكازينو ولكن هنا لا يوجد موزع، رئيس اللعبة هنا؛ هو الملك هو من يتحكم في طفاية التبغ التي تقع أمامه الان، يحتل الجميع جميع المقاعد ليشكلوا دائرة كاملة، ولكن من يحتل الجانب الأهم الجانب الأيسر هي رفيقة الشيطان، لا، لا اقصد الشيطان الذي يتبع نسل ابليس، الشيطان يا عزيزي فقط موسوس للشر وانت عليك الرفض او التنفيذ، هذا شيطان نسل ابليس ولكن لا تعلم شيطان بني آدم فهم العن يجعلون ابليس يجلس ويدون لاعماله القادمة.
اخذ نفس عميق كمن يملىء صدره بنسيم الربيع، ولكن هو ينتشي برائحة ورق البوكر الذي يقع بين يديه، بدا في توزيع الأوراق ولا ننسى اهم أجزاء الطاولة دوائر الرهان الصغيرة و أيضًا عجلة الروليت ابنة عاصم كما أطلق عليها، المثير في الأمر أنك ستجد أمام عاصم كوب من الشاي الأخضر!.
ليقع هاجز الفضول عند إحدى الجالسين وايضًا من الخاسرين دائمًا في دائرة عاصم : الا غريبة يا عاصم كل ما نلعب هنا الاقي كوباية الشاي الأخضر مبتفارفش الترابيزة.
ابتسم بثقة كمن يعلم أن هذا السؤال من أساسات يومه، ليرد عليه وهو يركز في الأوراق ووضعها في موضعها الصحيح :
- بخاف على صحتى.
من الواضح انها إجابة كافية!
تعالت ضحكات هذا السائل قائلا ونبرة السخرية لا تفارق صوته : يا جدع! بتخاف على صحتك غريبة والخمرا اللي مبتفارفش ايدك في الكازينو.
وضع الكرة الصغيرة ب عجلة الروليت بإنتظار ان تقع في رقمه الرابح ولكن ليس بحماس فهو يعلم جيدًا ما سيحدث ليبتسم كعادته من زواية فمه قائلا وهو يضع اخر ورقة تدل على انتهاء الدور وخسارة الجميع وعينه مباشرة في عين هذا الساخر :
- بتشوفني بشرب غير كأس واحد! لا طبعا دة عشان بشربه منظر أدام الكل، الخمرا ليها هيبتها بردوا، إنما أنا بخاف على صحتي.
يبدوا أن عاصم اكمل تعلميه في الرد المقنع بشكل مثير للسخرية.
اكملت على حديثه من تعرف جيدًا انه لاعيب الروليت وهو تنحني عليه وتقول بدلال مثير للغثيان ولكن يجعل عاصم يشعر بالفخر وكأنه يملك العالم تحت قدميه : طول عمري بقول عاصم كل تصرف وله سر.
رد عليها إحدى أصدقاء عاصم والذي يجلس على الجهة الأخرى منه : عاصم دة سر لوحده.
اظن ان زواية فمه أُرهقت من هذه الوضعية الذي لا ينفك عنها على الاطلاق.
كرر هذا الرجل رده الساخر قائلا : ومن يشهد ل عاصم اد حورية و ماجد!
- مالك يا شاكر شكل مزاجك مش رايق انهاردة، من الواضح أن الضيق اخيرًا بدأ يزحف على ملامح عاصم.
رد وهو يجمع هاتفه واشيائه لينهض قائلا :ولا رايق ولا مش رايق انت مش قفلت الليلة وكسبت! سلام.
نهض الباقي وهم يجرون خيبات خسراتهم ككل يوم، بمجرد ان تطأ قدميك في عالم عاصم جمال الحداد؛ فأنت الخاسر لا مُحال ولا تنتظر شيئًا اخر، ظل كل من حورية وماجد، نهض عاصم وخلفه حورية التي تشبه العلكة الخبيثة تفعل له حركات وكأنها تجعله يسترخي من متاعب اليوم فهو يتنقل كالمحارب من الكازينو إلى شقته وعمله البطولي هو الربح مع ابنته عجلة الروليت!
- مش عايز تدخل تريح جسمك جوا شوية؟ قالتها بهمس ناعم كالافعى وهي تضمه إليها بشدة.
انزل يديها والتف ليها ووضع يده على احكى وجنتيها لتغمض عليها بسعادة حتى سمعت قوله : اسبقيني انتي وانا هقعد مع ماجد شوية، وهتلاقيني عندك.
قبلته هي الأخرى وذهبت إلى الغرفة بخطوات متنغنجة للغاية، دار ببصره ليجد ماجد يجلس في الشرفة ينظر إلى النيل وبين يديه كأس فاخر من الخمر، جلس على مقعد اخر وظل صامت لثوانٍ حتى قال :
- سرحان في ايه!
وضع كأس الخمر على الطاولة الصغيرة بعد ارتشف ما بها في جرعة واحدة وقال بنبرة يظهر عليها الاختناق : سرحان في المستنقع اللي احنا فيه.
ابتسم كعادته فهو يعلم نقاش كل يوم، نهض ليستند على السور ف تبعه ماجد، اخذ عاصم نفس عميق من الهواء المنبه من ماء النيل :
- عارف يا ماجد المستنقع انك تعيش من غير ما تتنفس بحرية، من غير ما يكون معاك فلوس، ولا تكون مش بتعمل الحاجة اللي بتعشقها، وألتف ليلقي نظرة على طاولة البوكر ثم اكمل حديثه وهو يبتسم بخبث ويعلم ان ماجد سيفهمه جيدًا : أو تكون هايص في العسل جامد.
خرج ماجد من الشرفة وداخله يشتعل كثيرًا من هذا الحديث الذي لا يكل منه، ليخرج خلفه عاصم وقبل ان يتحدث كان يصيح ماجد قائلا :
- يا عاصم انت بتقول ايه بقولك احنا في مستنقع من كازينو ل شقتك من خمرا ل خمرا ل قرف في اوض ايه يا اخي متعبتش من ديه حياة!
جلس على مقعده المفضل بجانب الطاولة ووضع قدم على أخرى قائلا بهدؤه المعتاد على الجميع :
- مفيش أجمل من ديه حياة، ولا انا عايشها انتقام ولا عايشها عشان عندي ماضي مؤلم زي الروايات، اختارت اعيشها ومفيش اجمل من كدة..
قام وامسك بكرة الروليت الصغيرة ليضربها وتلف العجلة وهو يمسح عليها بأصبعه قائلا :
- وانت عايشها بمزاجك يا ماجد، بطل دور الضحية شوية.
صوت تحطيم ازعج هدوء المكان، وما كانت سوى زجاجة خمر من الركن الموجود به كل أنواع المشروبات والتي يتركه عاصم لاصدقائه وليس له، اغمض عينه أثر الصوت لوهلة وفتحها مرة أخرى وهو يبتسم بإنتشاء والتف :
- دة بيتك يا ماجد، عن اذنك هدخل اريح جسمي شوية.
كاد أن يحطم الشقة بأكملها من بروده الذي اعتاد عليه ولكن لا فاق الحد لشكل كبير، منذ متى وهو يحاول إخراجه وإخراج نفسه من هذا " المستنقع" كما قال ولكن لا يعلم أن عاصم مثل مغناطيس الخطأ، حتى وان كنت تريد الخروج من هذا العالم ستجد نفسك ملصق به دون إرادة منك، لم يفعل اي شىء راقب دلوف عاصم إلى الغرفة وصوت ضحكات حورية تتعالى، اغمض عينه بإشمئزاز على حالهم و أخذ متعلقاته وخرج تاركًا صوت الباب يعلن عن مغادرته.
******
- يا عابد وانت مالك بأخوك ما أنت شغال اهو.
قالها شاب في عقده الثالث لشاب اخر مُمدد جسده أسفل سيارة، ويرتدي ملابس زرقاء متسخة للغاية فهي تدل على عمله، خرج عابد من أسفل السيارة وامسك بقطعة قماش ليمسح يده بها ويجلس على إحدى المقاعد قائلا :
- ازاي بس يا جمال، يا جمال دة عاصم اخويا يعني لازم اخاف عليه واحاول أوقفه عند حده.
جلب جمال مقعد اخر وجلس عليه بوضع عكسي ووضع كفع عليه و ابتسامة سخرية تزين ثغره في عقله عن ماذا يتحدث؟!
- انت بتقول ايه يا عابد عايز توقف عاصم لاعيب الروليت و الكازينوهات عند حده!
زفر عابد بضيق فهو مُحق، كيف لعامل مثله ان يقف شيطان في هيئة انسان عمله في الحياة رهان رابح كعادته!
اكمل جمال حديثه وكأنه لم يلقي بنقبلة سخيفة من الحديث، هناك نوع من البشر كهذا يلقي عليك أبشع الكلمات من ثم يصمت ويتأكد من التفاف حبل الضيق على ملامحك ليكمل حديثه وكأن عشماوي شهير الإعدام، انتهى من إعدام مجرمه ونفض يده عن التراب ليكمل إعدام الجثة الحية الاخرى، يا لكم من غرباء ايها البشر!
- بس غريب ابوك دة والله يا عابد، اشمعنا يعني ابوك سمى عاصم بالاسم دة، وانت بالاسم دة حاسس ب غرض معين بس مش فاهمه!
شرد إلى عالم ثانٍ ليتذكر إجابة هذا السؤال جيدًا، تذكر وهو في العاشرة من عمره عندما ثار فضوله هذا السؤال حرفًا حرفًا، والان حان وقت تذكرها ولكن لم يعلم والده انه لن يحقق غرضه عندما قرر تحقيق هذه المعادلة.
- ابويا سمى عاصم؛ عشان يكون عاصي عن أي غلط، وانا بقى اسمي عابد، عشان اكون عابد ل ربنا دايمًا.
نهض من مجلسه وترك هذه القماش ليكمل عمله أسفل هذه السيارة قائلًا : الله يرحمك يا حج غرضك متحققش ولا هيتحقق.
أغراض الحياة ليس عليها أن تتحقق من تلقاء نفسها، نحن أداة تحقيق الأحلام وليس الحياة! هي فقط شىء نعلق عليه فشلنا في مهمة تحقيق هذا الغرض ايًا كان.
وها قد انتهى هذا اليوم الملىء بالمتعة الرخيصة والتي لن تكون دائمة أبدًا.