الفصل الثاني وعد زيوس

فور نهوض الملك "أكرمان" من فراشه رأى في فضاء غرفته "هرمز" (رسول أرباب الأوليمب) يرفرف بجناحيه وقوسه في يده، يفزع الملك ويتمالك نفسه بصعوبة محاولًا تصديق ما يراه، قال له "هرمز":
-  نفذ الأمر يا "أكرمان".
تساءل "أكرمان" متعجبًا:
-  لا أستطيع..
أشار "هرمز" بالقوس في يده نحوه قائلًا:
-  قدِّم ابنكَ البكر قربانًا لأرباب الأوليمب الذين وهبوكَ كل هذا المُلك.. وإلّا..
ثم اختفى "هرمز" من الغرفة كأنه لم يكن، تاركًا الملك -تعيس الحظ- غارقًا في حيرته!
لم يمر الكثير من الوقت حتى دق باب الملك، قال بشفتين مرتعشتين:
-  ادخل.
دخل الأمير "أوركان" غرفة أبيه الملك، وانحنى تحية لأبيه الذي ما إن رآه حتى فاضت عينيه بالدمع، يتساءل في نفسه أيضحي بابنه فداءً للأرباب، أم يكمل تأهيله كما يجب حتى يليق بعرشه خلافة له؟
أخذ الملك يتذكر كل الأعمال التي قام بها الأمير لأجله ولأجل إعلاء شأن المملكة منذ نعومة أظفاره، حتى شبّ وصار فارسًا شجاعًا وأميرًا يتقاءل الشعب عن نبل أخلاقه ومهارته منقطعة النظير في فنون القتال والفروسية ورجاحة عقله ورأيه السديد، واستحق بجدارة أن يكون وليّ العهد الأمثل.
قال الأمير "أوركان" وهو يحني رأسه:
-  سامحني يا مولاي، دعني أسأل عن ما يؤرقكَ؟
أشاح الملك "أكرمان" بوجهه بعيدًا عن ابنه يداري عنه أدمعه، مسحها بسرعة كي لا يلاحظ وقال:
-  لا شيء يا بني.
وجّه الأمير "أوركان" نظره إلى أبيه وقال:
-  مهما كان الأمر يا مولاي، بعد إذن جلالتكم قل لي ماذا بكَ كي يطمئن قلبي.
تنهد الملك "أكرمان" تنهيدة طويلة كانت كافية لأن يعرف الأمير أنّ الأمر جلل، وقال:
-  يا بني لا داعي لأن تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام.
أمسك الأمير "أوركان" بيد أبيه وقبل خاتمه الكبير المزين بفص من العقيق الأحمر وقال:
-  أقسم بآلهتنا المبجلة أنني أفتديكَ بروحي يا مولاي إن أشرتَ بإصبعكَ.
أغمض الملك "أكرمان" عينيه بقوة محاولًا التماسك أمام ابنه الأمير، وفي داخله تدور معارك طاحنة بين كيفية حماية ابنه ووليّ عهده وأشجع فرسان المملكة رغم أنه بالكاد أتمّ ربيعه الحادي والعشرين، وبين إرضاء آلهة الأوليمب التي فرضت سيطرتها على مملكة "كينان" وقيدت كل أفعال آلهة "كينان" فصار الأمر لهم في العالمَين العُلوي والسفلي على حد سواء، ما حدث بعد موت الملك "باديش" وما آل إليه حال الأرض لا يمكن وصفه، يشعر الملك "أكرمان" أن كل ما بني في عقود طويلة سيتهدم فوق رأسه، لأنه لم يعِ بعد حجم المأساة التي تحيق ببني جنسه جميعًا، ليس مملكته فحسب، كل بني الإنسان في خطر عظيم.
واجه الملك "أكرمان" ابنه الأمير "أوركان" ومسح براحتيه المرتعشتين على خديه برفق، وقال:
-  الحقيقة يا بني أنّ "هرمز" رسول أرباب الأوليمب جاء برسالة لا أستطيع أن أخبركَ بها.
ركع الأمير "أوركان" عند قدمي أبيه الملك وقال محنيًا رأسه:
-  أقسم بالآلهة أني لن أخبر بها أحد ولن أتردد لحظة في تنفيذ الأمر.
علت الدهشة ملامح الملك "أكرمان" من شجاعة ابنه الأمير "أوركان" الذي جعله يضاعف كتمانه للأمر أضعافًا مضاعفة، لكن الدموع التي سالت على خدي الملك دون إرادة منه كانت كفيلة بأن يخبر ابنه بالأمر.
-  بُني قررت آلهة الأوليمب أن أقدمكَ قربانًا لها.
نهض الأمير معتدلًا وأحنى رأسه أمام أبيه قائلًا:
-  جلالة الملك "أكرمان" العادل.. رفيق الآلهة وخادمها المطيع يا سليل الكلدان، يا ابن الملك "باديش" قاهر الجن والشياطين ومسخرهم، ابن الملك "كينان" جلّاد العماليق وقاهرهم، ابن الملك "عامور" أعظم ملوك الإنس وموحدهم، ابن الملك "ياريد" زارع الأرض ومعمرها، يا والدي.. يا ملك مملكة كينان المحمية بوجودكَ؛ روحي فداءً لكَ.
قال الملك "أكرمان":
-  سأعقد اجتماعًا طارئًا مع "مجلس الحكماء" للتشاور في الأمر قبل تنفيذه.
احتضن الملك "أكرمان" ابنه الأمير "أروكان" وأخذ يربت على ظهره بتحنان وقوة في آنٍ معًا، يحاول أن يداري خجله أمام جسارة ابنه الذي وضع فيه كل آمال المملكة لأنّ جده الملك "كينان" قاهر العماليق قد بشّر به قبل عقود، وقال أنه سيوحد بني الإنس مرة أخرى ضد الشياطين والمردة والغيلان وسائر الخوارق.
لكن العقبة التي أمامه الآن؛ تنفيذ أمر آلهة الأوليمب، هل ينفذ أمرهم بالفعل، أم يجد حيلة مع المجلس لحماية روح ابنه وأمل مملكته؟

* * *

تقدمت الملكة "إينورا" التي يعني اسمها "ضوء القمر" ووجها يشع النور كالبدر في ليلة التمام، زوجة الملك "أكرمان" ووالدة الأمير "أوركان"؛ ثم جثت على ركبتيها أمام زوجها ترجوه دامعة:
-  لا تفعل يا مولاي. أتوسل إليكَ ألّا تفعل.
حاول الملك التماسك قائلًا:
-  كيف لي عصيان أمر آلهة الأوليمب، أجدر بكِ الموافقة قبلي.
تقول دامعة:
-  إنّه ابني، بِكري، وحيدي، ليس لأنهم آلهتي أطيع أمرهم على حساب روح ولدي الحبيب.
تنهد الملك "أكرمان" قائلا:
-  لا راد لأمر الآلهة.
جذبته من ذراعه وقالت:
-  ستفعل ذلك لأن لكَ أولادًا غيره من أُخريات، تلك الكلدانية جعلَت قلبكَ أقسى من صخور "ميتيورا" تجاهه وتجاهي.
صمت الملك "أكرمان" قليلًا قبل قوله:
-  أعذركِ يا امرأة، بعد الحداد.. عليكِ أن تسمعي جيدًا ما ينطق لسانكِ، ومع مَن تتحدثين.
ثم تركها ذاهبًا لحضور اجتماع "مجلس الحكماء" للبت في الأمر قبل أن يأخذ ولده لتنفيذه، بينما جلست الملكة أرضًا تنتحب على الفاجعة الموشكة.
* * *
انعقد المجلس في قاعة الاجتماع الكبيرة بالقلعة المهيبة، المكتظة بكل رجال الدولة، الوزراء، والحكماء، ورجال الكهنوت الكلدان، من يحضر من طبقة الكهنة هم رجال الطبقة الأولى منهم فحسب، أي كهنة التطهير، المختصون بطقوس تطهير الناس وكل الأشياء عن طريق تعازيمهم السحرية وصلواتهم وتضرعاتهم إلى الآلهة الكلدانية بتلاوة النصوص المناسبة مع التعازيم الملائمة للموقف، استمر كبير الكهنة في تلاوة الصلوات فوق رأس الملك "أكرمان" وابنه الأمير "أوركان" الجاثيان أمامه خانعي رأسيهما مغمضي الأعين في خشوع، وقال متباكيًا دامعًا متبتلًا باللسان الأكّديّ:
-  "يا آلهة كلدان.. امنحوني.. أنا الذي أخشى معبوداتي العظيمة.. امنحوني حياة تمتد أيامًا طويلة، امنحوا قلبي السرور.. اجعلوني أتردد على معابدكم المقدسة، حتى أشيخ ولا تقدر قدمي على حملي".
أنهى كبير الكهنة طقوسه وصلواته، وقال:
-  لترضى عنكما جميع الآلهة الكلدانية جميعًا، انهضا في أمان ورحمة.
نهض الملك "أكرمان" أولًا، ومن بعده نهض ابنه الأمير "أوركان"، جلس الملك على عرشه، ووقف الأمير إلى يمينه محني الرأس في تأدّب، أكمل كبير الكهنة:
-  في عقيدتنا رُسخت التعاليم الصارمة التي غرست في قلب كل كلدانيّ تبجيل الآلهة واحترامها، والطاعة وحبّ التضحية دون تردد.
ثم نظر كبير الكهنة إلى الملك "أكرمان" الجالس على عرشه حائرًا، وقال:
-  لكن أيها الملك، جاء الأمر من آلهة الأوليمب، التي احتلت العالمَين وأجبرونا على طاعتهم، ولم يأتِ الأمر من آلهتنا -آلهة كلدان- الذين تشردوا في أقاصي الأرض، لذا لا يحق لنا التضحية بمستقبل أمتنا -أمة "الكاشدو"- العريقة، لا يمكن التضحية بالأمير "أوركان" الجسور هكذا.
تنهد الملك "أكرمان" وقال آسفًا:
-  يجب علينا تنفيذ الأمر دون تردد.
قال كبير الكهنة بلهجة حادة:
-  هذا الفعل يخالف عقيدتنا الأصلية، نحن نتبع ناموس الآلهة الكلدانية، وليس علينا طاعة آلهة الأوليمب.
صاح الملك غاضبًا:
-  إن لم نفعل، ستهلك أمتنا ولن يبقى منّا أحد.
هنا خيم الصمت على القاعة الكبيرة، تقدم الأمير عدة خطوات وركع أمام أبيه الملك حانيًا رأسه وقال بشجاعة أمام الجميع:
-  أنا أذعن لقرار أبي الملك أيا كان.
وبعد قوله خيّم الصمت في القاعة الكبيرة ولم يسمع لأحدهم صوتًا ولا همسًا.

* * *

على هضبة الأوليمب ثارت ثورة "زيوس" سيد السماء وكبير آلهة الأوليمب والأب الوريث للآلهة والبشر، ولغضبه أخذت الصواعق تضرب كل شيء حوله، وبذلك تعلم كل الكائنات الحية أنه غاضب، وتزداد رهبتهم أكثر من البرق والرعد، جميع الآلهة تعلم أنه عندما شب "زيوس" أجبر أبيه "كرونوس" على استفراغ إخوته من بطنه رغمًا عنه، وحرر السايكلوبس وذوي المئة ذراع والعمالقة من براثن "تارتاروس" الكامن في قاع العالم السفلي، ثم قتل "كامبي" وكل الذين كانوا يقومون على حراستهم. ظلت الصواعق تبرق في السماء وتهبط إلى الأرض لتضربها بقوّة.
اقتربت "أفروديت" من زوجها "زيوس" لتهدئته، لكنه ظل على حاله، ولكنها لم تمل من المحاولة، بعد قليل هدأ وبدأ يستمع إليها بإنصات، قالت:
-  أنتَ تعلم يا سيد آلهة الأوليمب وزوجي الحبيب، أننا لن نستطيع النزول بأنفسنا إلى العالم السفلي، وذلك بسبب العلاقة السيئة بين آلهة الأوليمب جميعًا وبين "هاديس" حاكم العالم السفلي وأعوانه، حيث أوكل لخادمه المطيع "بولوش" -سيد الجحيم- حراسة كل أركان العالم السفلي، وقد سخر كل خدامه من الشياطين والخوارق لفعل ذلك.
نظر "زيوس" إليها غاضبًا وخرجت الصواعق من عينيه لتشق قطعة من أرض الهضبة العتيقة قائلًا:
-  ماذا تقصدين يا "أفروديت"؟ لو أردتُ لنزلتُ إلى العالم السفلي بنفسي وهدمتُه فوق رؤوس كل من به.
ربتت "أفروديت" على كتفه بتحنان وقالت:
-  أعلم يا سيدي أنكَ تستطيع فعل ذلك، لكنه سيكون خطرًا على حياة بناتنا المسكينات.
صرخ "زيوس" قائلًا والصواعق حوله تهبط من السماء لتضرب الأرض وتشققها:
-  هذا ما يمنعني، خوفي على بناتنا ما يجعلني في هذه الحال.
ابتسمت "أفروديت" رغم الحزن الغامر وقالت:
-  لذا يا سيدي علينا أن نختار أحد البشر ليقوم بهذه المهمة الشاقة.
قطب "زيوس" وهو ينظر إليها وتساءل:
-  وما المقابل؟
اتسعت ابتسامة "أفروديت" وهي تقول:
-  نزوجه إحدى بناتنا، فكما تعلم هناك اثنتين منهنّ غير متزوجات، وبذلك نكون قدمنا للبشري سعيد الحظ مكافأة لم يكن ليحلم بها أبدًا.
زفر "زيوس" في يأس وقال:
-  هذا إن عاد حيًّا.
لمعت عينيها بتحدٍ وهي تقول:
-  سيعود يا سيدي.. سيعود..
تساءل "زيوس":
-  كيف؟
أجابته "أفروديت":
-  هذا إن قدّمتَ له العون ومددتَه بالقوة اللازمة للقيام بمهمته.
تنهد "زيوس" وقال:
-  تُرى مَن هو البشري الذي سيقدم نفسه قربانًا لنا للقيام بهذا العمل المستحيل؟
اقترب "زيوس" من حافة الهضبة السابحة في العلياء ينظر نحو الأرض ويتساءل في نفسه "مَن البشري الذي يستطيع فعل ذلك؟"

* * *
سار الأمير "أوركان" خلف والده الملك "أكرمان"، منكس الرأس، يسير بثبات نحو مصيره المحتوم، وهو يعلم تمام العلم أنّ الضيق الذي يحتلّ صدر أبيه لن يزول إلّا بتقديمه قربانًا لأرباب الأوليمب، وصلا إلى قمة التل، وتوقفا عند الصخرة الوحيدة في مملكة "كينان" الموسومة بنقوش لتبجيل آلهة الأوليمب دون آلهة كينان، أشعل الملك "أكرمان" النار بمساعدة ابنه الأمير "أوركان" إعلانًا عن الرضوخ لقرار آلهة الأوليمب، لم يهتز الأمير لما يوشك والده على فعله، قالها من قبل أنه سيذعن لقرار أبيه الملك حتى لو على حساب روحه.
ترك تنفيذ الأمر لأبيه وتساءل في نفسه عن كيفية عودة السيادة للآلهة القديمة، شعر أنه يشتاق للقاء "نرغال" -سيد الحرب- والذي حكم العالم السفلي الكلدانيّ لعقود كثيرة قبل أن تحدث الكارثة وتفرض آلهة الأوليمب سيادتها على العالمين، استفاق الأمير "أوركان" على نداء أبيه:
-  بني.
أحنى رأسه أمام أبيه وقال:
-  أمر مولاي.
مد الأب يده المرتعشة أمامه وقال:
-  لا أستطيع فعل ذلك يا ولدي.
ابتسم الأمير "أوركان" وقال:
-  يجب أن تفعل ذلك يا مولاي.
انهمر الدمع من عيني الملك "أكرمان" دون هوادة وقال بشفتين مرتعشتين:
-  أتسامحني يا ولدي.
اتسعت ابتسامة الأمير "أوركان" وهو يقول:
-  أسامحكَ يا أبي ومولاي.
أغمض الملك "أكرمان" عينيه وهو يخرج الخنجر المرصع من غمده الكامن في حزام وسطه، والتمع نصله الحاد أمام عيني الأمير "أوركان" الذي لم يهتزّ وظل ثابتًا كالجبل، وهو يمد عنقه أمام يد أبيه المرتعشة القابضة على مقبض الخنجر الذي كاد يسقط، لكن الصفير القادم من السماء والصواعق التي دوت بالقرب ما جعله يتجمد في مكانه، وسقط الخنجر من يده أرضًا، وإذ بنسر عظيم يقترب منهما هابطًا من السماء باسطًا جناحيه العظيمين، والصواعق تحيط به، اقترب منهما ولم يهبط إلى الأرض، وظل يحلق معتمدًا على جناحيه، قدوم هذا النسر العظيم ينذر بوصول سيد الأوليمب، لحظات وظهر "زيوس" طافيًا يقترب من الأرض وحرملته الذهبية تضرب الهواء خلفه، اقترب منهما وظل طافيًا لا يلمس الأرض بقدميه، انقبض قلب الملك "أكرمان" معبأ بالمهابة من سيد الأوليمب، بينما ظل الأمير ثابتًا ولم تهتز منه شعرة ولم يهب السيد السابح في الهواء على مقربة منهما.
قال "زيوس" بصوته الأجش:
-  توقف يا "أكرمان"! لا تفعل.
أحنى "أكرمان" رأسه قائلًا:
-  أمركَ سيد الأوليمب.
نظر "زيوس" نحو الأمير الذي لا يزال يحني رأسه تأدبًا واحترامًا لسيد الأوليمب، وقال:
-  انهض أيها الأمير الجسور، لقد عفوتُ عن روحكَ، مقابل أن تنفذ أمرًا آخر أوكلتُكَ به.
أحنى الأمير "أوركان" رأسه مطيعًا وهو يقول:
-  أمر سيد الأوليمب.
تردد الملك "أكرمان" كثيرًا في سؤال سيد الأوليمب عن الأمر الذي يوشك أن يوكل به ابنه الأمير، وقال:
-  ما الأمر يا سيد الأوليمب؟
تنهد "زيوس" وهو يرتفع عن الأرض أكثر، ثابتًا في الهواء وحرملته الذهبية تضرب الهواء خلفه، وقال وهو ينظر إلى الأمير الذي يتابع بانتباه:
-  على الأمير أن يهبط إلى العالم السفلي لإنقاذ بناتي "ثالوث الجَمال"، في مقابل أن يختار من بين الاثنتين غير المتزوجات منهن إحداهن زوجة له.
قال الملك "أكرمان" بشفتين مرتعشتين وهو يعلم أن نجاح الأمر من المستحيلات:
- نجاح الأمير في القيام بالأمر مستحيل يا سيد الأوليمب.
نظر "زيوس" إلى الملك وقال بنبرة حادة:
-  مستحيل إن لم أمده بالقوة اللازمة.
تساءل الملك "أكرمان":
-  كيف يا سيد الأوليمب؟
وضع "زيوس" يديه إلى صدره وقال بثقة:
-  سأمده بقوة تجعله نصف إله، وبقوة روحه ونقاء قلبه؛ يستطيع أن يتخطّى كل الصعاب ومجابهتها دون تردد.
قبل أن يتفوّه الملك "أكرمان" بشيء آخر؛ قطع ابنه الأمير عنه الحرج وقال بثقة:
-  أمرك مطاع يا كبير آلهة الأوليمب.
زفر الملك "أكرمان" في يأس بسبب قرار ابنه لأنه يعلم أنه لن يتراجع عن فعل الأمر، بينما ابتسم "زيوس" وهو ينظر نحو الأمير بإعجاب، والصواعق حولهم تضرب الأرض وتدور في إعصار يحتوي الأمير "أوركان" وحده في قلبه ليرتفع عن الأرض سابحًا في قلب الإعصار الذي أخذ يمده بقوة الأوليمب التي سخرها له "زيوس" كي يستطيع أن يكمل الأمر على الوجه الأكمل.

* * *

عاد الملك "أكرمان" إلى قلعته المهيبة، واحتجب بجناحه الخاص لا يقابل أحدًا ولا يسمح لأحد بالدخول إليه، وفي الوقت نفسه، تسلل أحد خدام العالم السفلي إلى القلعة في صورة بشري من الخدم، وراح يتفوّه بالأكاذيب افتراءً على الملك، وبسببه انتشرت الأخبار في أرجاء القلعة أنّ الملك قدم ابنه البِكر قربانًا لآلهة الأوليمب، وهذا سيجعل الآلهة الكلدانيّة -بعد عودتها مرة أخرى- في غضب عارم قد يودي بحياة الملك نفسه، تسلل الشيطان الخادم إلى جناح أحد التوأمين (الأمير "بينيغوس" والأمير "عاموس") وهما ابنا الملك "أكرمان" من زوجته "حيروت" الكلدانية، دخل إلى جناح الأمير "بينيغوس" ليجده في فراشه غارقًا في سباتٍ عميق، أيقظه برفق، فنهض الأمير "بينيغوس" مفزوعًا وصاح قائلًا:
-  ماذا هناك؟
تباكي الشيطان قائلًا:
-  سيدي انتشرت الأخبار في القلعة أنّ جلالة الملك "أكرمان" قدم الأمير "أوركان" قربانًا لآلهة الأوليمب.
شهق الأمير "بينيغوس" مفزوعًا وتساءل قائلًا:
-  ماذا يجب عليّ أن أفعل؟
رسم الشيطان ملامح الحزن على وجهه وقال:
-  سيدي عليكَ أن تهرب قبل أن يأخذكَ الملك إلى الصخرة الملعونة على أطراف المدينة ويقدمكَ أيضًا قربانًا لهم، لا زلتَ صغيرًا وأمامكَ العمر المديد لتعود وتصبح الملك الأجدر بحكم المملكة.
نهض الأمير "بينيغوس" من فراشه وساعده الشيطان على ارتداء ملابسه، قال الأمير قبل أن يخرج:
-  عليّ إخبار أخي "عاموس" أولًا، وآخذه ونهرب معًا.
ابتسم الشيطان وهو ينظر إلى الأمير "بينيغوس" قائلًا:
-  أحسنتَ التفكير أيها الأمير.
خرج الأمير من جناحه هارعًا إلى الجناج المجاور حيث أخيه الأمير "عاموس"، بينما اتخذ الشيطان طريقه في الرواق المفضي إلى جهة أخرى ليكمل عمله مع باقي من بالقلعة.
دخل الأمير "بينيغوس" إلى جناح أخيه الأمير "عاموس" ليجده غارقًا في سباته هو الآخر فوق فراشه الوثير، أيقظه فنهض مفزوعًا، صرخ فيه الأمير "عاموس" بغضب عارم:
-  كيف توقظني بهذا الشكل أيها الأحمق!
قال الأمير "بينيغوس" بصوت خافت:
-  ششش.. اخفض صوتكَ كي لا يسمعنا أحد.
شعر الأمير "عاموس" بالقلق وقال مخفضًا صوته:
-  ماذا هناك يا "بينيغوس"؟ أقلقتني.
تلفت الأمير "بينيغوس" حوله وعندما تأكد من عدم وجود أحد قال بنفس النغمة الخافتة:
-  انتشرت في القلعة أخبار سيئة.
تساءل الأمير "عاموس":
-  ما هي؟

* * *
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي