بوابة الموت (البداية المبهمة )
بين الحقائق الغامضة ، خيط ضعيف مخفي ، من حاول إقتفاء أثره ، سينجو من براثن الخوف ، و الموت ، سيظل واقفا شامخا يطالع ، كل الخائفين ، المنزوين في هذا الركن البعيد ، يتأملهم بعيون ثافبة ، و ترقب ، و كأنه يخبره بالتريث علي الا ينهي قدره ، فمازال كل شئ بيده ، و ليخبره ان الحقيقة الوحيدة الثابتة ، هي الموت ، لن يستطيعوا الفرار منه مهما طالت أخطائهم ، لكن لكل واحد منهم ميعاد لن يخلفه الموت أبدا ..
شاهد الطيف الاسود الغريب يتشكل أمامه في صورة ضبابية مخيفة ، حاول العودة للخلف لكنه كان مقيدا ، مازل في غرفة مكتبه ، لكن كل شئ حوله تحول لظلام دامس ، جثي علي الارض من الرعب لم يتمالك نفسه من فرط زعره ، إنتفض علي صوت هاتفه علي المكتب ، رفع رأسه ينظر حوله في رهبة وقلق ، جفف زخات الماء التي تندت علي جبهته من القلق ، ٱستعاذ بالله من الشيطان عدة مرات قبل أن يمد يده ليلتقط هاتفه .
شاهد رقمها غلي الهاتف ضغط علي الزر سريعا :-
أيوة ياماما قلقتيني عليكي
لم تأتيه إجابة منها لذا كرر الكلام مرة أخري :-
ماما ألو . . . . . . . . . . . .
ازاح الهاتف عن اذنه ونظر إليه مندهشا ،مازال الخط مفتوح اذا ماذا يحدث ، قراره ب أن يغلق الهاتف ويعيد مهاتفتها مرة أخري ، أم يظل علي الخط هكذا ربما شبكة الهاتف من تفعل هذا ، وبسن هذا وذاك شعور بالقلق يسري في جسده ، وخوف تملك منه دون سبب يذكر ، وسؤال واحد أطلقه تري ماذا حدث لوالدته ! ! ؟
هل أصابها مكروه ! ؟
بدء الشك يراوده عن نفسه !!
وسؤال واحد أطلقه تري ماذا حدث لوالدته !!؟
هل أصابها مكروه !؟
نهض من مكتبه ، وشعور الخوف قد تملك من جسده دون هوادة ، لا يدري ماذا سيفعل فيما هو قادم نحوه ، وضع هاتفه في جيب سرواله ، خطي نحو الباب وما إن أمسك المقبض صدح صوت رنينه ، وقف مكانه ومد يده أخرج الهاتف منه ، نظر إلي شاشته ، إنها والدته لم يصدق عينيه بما يري ، ضغط علي زر الهاتف وقد إرتسمت علامات الرضا الممزوج بالقلق علي وجه ، وضع الهاتف علي أذنه ، بعدما ترك مقبض الباب ، إستدار عائدا للخلف ، جلس علي الاريكة التي كان متسطح عليه منذ قليل ، وقال بلهفة ظهرت جليا في صوته :-
الو ايوة يا ماما كنتي فين ، قلقتيني عليكي ! ؟
لم يأتيه صوتها بس سمع صوت أنفاس قبل أن تجيب :-
ايوى يا ابني ، معلش يابراهيم ، حسيت بصداع ريحت شوية ، مدرتش بنفسي الا وأنا في دنيا تانية ، حتي الموبايل كان جمبي مسمعتوش ! ؟؟
لماذا يشعر ب أن هناك خطب ما يجهله ، سحب نفسا من الهواء ، بعد قليل أطلقه في الفراغ ، ثم إستطردت حديثها قائلة :-
طمني إيه اللي حصل عندك ! ؟ ؟
و إيه صوت الزعيق اللي كان موجود ! ؟ ؟
وضع يده الاخري علي جبهته وحك مابين حاجبيه في ضيق ، أجاب عليها قائلا :-
لا مفيش دي مشكلة بسيطة وإتحلت علطول .
أتاه صوتها مستفهما ومتعجبا :-
بس كده ! ؟ ؟
لماذا يشعر أن سؤالها يحمل الكثير ، خرج منها هذا السؤال ثقيلا ، فهو لم يعهدها هكذا ! !
إجاب بشرود :-
أيوة مفيش حاجة إطمني ، شوية دوشة وعدو علي خير ، كويس انها جات كده ! !
نهض واقفا و أكمل حديثه :-
بصي يا ماما انا مروح دلوقتي ، هكلمك بعدين . .
أتاه صوتها هذه المرة خاليا من أي شئ :-
تمام ماشي يا بني . .
طمني عليك لما توصل . .
هز رأسه بالموافقة :-
حاضر . .
أغلق الهاتف في شرود تام ، رفعه صوب عينيه ، و كأنه يحثه علي الكلام ، أو أنه يريد أن يظهر له من هم خلف الشاشة الصغيرة ، عله يستكشف ما يحاك خلفها ..
خرج من غرفته في الشركة ، ما إن رأه زملائه حتي نظرو له نظرات متشككة ، فما حدث منذ وقت يثير الريبة لديهم ، فهم لديهم كل الحق لكل هذا ، لم يعيرهم إنتباهه وخطي نحو الخارج بخطوات سريعة ، تمني أن تنشق الارض وتبتلعه في الهاوية ، أو يصاب العالم ب مرض النسيان ...
تساءل في نفسه تري ماذا يحمل لي القدر فيما بعد ! ؟؟
هل سأظل هكذا ؟؟
لم يتركه ساعي الشركة ايضا ، ف نظراته تحمل الكثير والكثير من الريبة ، قالها في نفسه :-
أنا ايه اللي حصل مني ل دا كله ! ؟
أنا معملتش حاجة ، وحدش راضي يقول ! ؟
صح جلال حكالي ، كل حاجة ، أمال فيه إيه مخي هيقف من التفكير !
توقف بجانب الطريق ، شعر بثقل قدماه ، لا يدري أين ستسوقه قدماه ، جلس علي جانب الطريق ، فقد أنهكه التعب الذي لا يدري أين مصدره ، فقد فاقت حموله اشد من الجبال .
تنفس ببطء ، وقد تذكر انه لم يبلغ بميعاد رحيله من الشركة ، خبط علي راسه ، لكن سرعان ما هدأ قليلا ، ضحك بجانب فمه وقال لنفسه :-
دا نا طالع وابشركة كلها شيفاني ، كأنهم كانو مستنيني أخرج .
أطلق ضحكة في الفراغ علي نفسه المحطمة ، لا يدري من أين سيلاقي كل تلك المصائب وفي خضم كل هذا ، لاح علي مخيلته صديقه عبد الرحمن ..
بكي في نفسه حزنا تذكر حديثه ، ومزاحه معه ، وسهراتهم وسمرهم مع بعض ، لكن القصة التي تحولت لقذائف من لهب ، أصابت ما أصابت ، وتركت من تركت ، الحقيقة الوحيدة هنا هي أنه مازال علي قيد الحياة ، مجرد شهيق وزفير ، جسد تحول لخراب داخلي ، أصبح ركاما ، أما من الخارج فقد بات عظاما يكسوها لحاء تحول لونه للزرقة ، بفعل جلسات الكهرباء التي غزت جسده مثل جيوش هتلر ، التي حولت الارض الخضراء النابضة بالحياة ، إلي أرض بور متششقة ، رواها بدماء الجنود والمقاتلين دون أن يرف له جفن .
هو مثل تلك الارض ، مجرد جسد يعبر داخل أوردته دماء تكابد للوصول إلي القلب ، تريد أن تكمل مهمتها بنجاح قبل ينقطع هذا الوريد ، أو قبل أن ينكمش بفعل الاذي الذي يعاصره .
روح بدون جسد ، روح غادرت جسده منذ عدة أعوام ، وقف أمامهم وبكي كما لم يبك من قبل ، ترجاهم بحب ، وبعطف ، أن يتركوه ليحيا خارج هذا المكان المخيف الذي يبعث الريبة في النفس، قبل القلب.
جثي علي ركبتيه ينتحب شبابه ورجولته ، يطالعهم بعيون أنهكها الالم والتعب ، يرجاهم وهو يقبل قدما والديه أن يأخذوه معهم ، لا أن يتركوه ، كان إبراهيم معهم يطالعهم ببكاء ، تمني أن يركض إليه ويحتضنه ويقبله في جبينه ، ويمسك بيده هاربا للخارج ، تمني كل هذا ، أراد ان يخبرهم أنه بخير لا يعاني من شئ ، إتركوه يرحل وهو رجل ، يلهو ويبكي كما كان يفعل من ذي قبل ، لكن والداه كأن الشيطان تجسدهم ، وقفوا أمامه بكبرياء يريد التهشم ، يطالعونه برفض كاد أن يجعلهم قتلا في هذا الوقت .
حاول أن يثنيهم عن قرارهم هذا ، طلب منهم أن يغادر ، لكنهم أوقفوه بنظرة من عيونهم ، تلك النظرة لن ينساها أبدا ماحي ، تذكر عيون صاحبه وهو يسنده وسياعده أن يقف علي قدماه فهي أخر ما تبقي له ، ربت علي كتفه بحنو ، هذا أخر ما يعهده من صديقه ، يده الرخوة التي ما عادت تستطيع حمل نملة ، ناهيك علي ملامحمه الهادئة رغم مرح شخصيته ، وشعره الكث الذي كان يرفض تصفيفه ، رغم إهتمامه به ، اما عن وجهه المستدير ولحيته الصغيرة ، كان محط أنظار الجميع ، فهو يتمتع باسلوب مميز في حديثه ، غادر أبواه بعدما قبلا كل منهما رأسه ، قبلة باردة خالية من الحياة ، قبلة واحدة إستطاعت نزع روحه من جسده وتركته خاويا متألما ، أتذكر هذا الٱحتواء الاخير ، الحضن الاخير ، غمرته بين أحضاني ، بكيت في حضنه ، لم يبادلني غمرته ، لم يبادلني شيئا ، لم أستطع ان أفعل له شئيا ، نظرت له بعيون تخبره أنني ليس بيدي شيئا أفعله ، من فضلك تمسك بي كما تمسكت بك ، لن اتركك تجابه كل هذا بمفردك ، أعدك بذلك ..
قالها لي بعيون زائغة ، ماذا بعد أن تخلي عنك من أقرب لك تركوك تصارع أشباح الخوف بمفردك ، ماذا ستفعل حين ذاك ، ضع نفسك مكاني وستعلم ماذا أعني ، هذا القلب الذي ينبض داخلي ، قد تحطم وتبلد ، جفت تلك الدماء التي تمر ٱليه ،
ماذا ستفعل ياصديقي عندما تكتشف أن الايام التي ظننت أنك تحتمي خلف حصن منيع ، تغفو دون خوف او قلق ، تضحك بصوت عال دون رقابة ، تتحرك باريحية وأنت تعلم ان هناك أشخاصا رغم ان لم تفعل لهم شيئا الا أنهم لا يحبونك ، يبغضونك لحب الناس لك ،
ماذا ستفعل وقت ذاك أخبرني ! ؟؟
حينها فقط ستكتشف أن هذا الحصن المنيع ماهو إلا ستار زائف ، يستطيع عدوك ان يري كل شئ دون أن تشعر به ، لقد تهاوت جميع حصوني ياصديقي ، لم يعد هناك شيئا لي ، من ظننت أنني أحتمي بهم ومن أجلهم تخلوا عني ، تركوني وأنا في أمس الحاجة إليهم ، سلبوا مني الامان ، والاطمئنان ، سلبوا قلبي وحياتي ، أجبروني أن أتخلي عن كل ماهو مميز ، من فضلك دعهم يأخذوني من هنا ، هذا ليس مكاني أو موطني ، انا معهم أشعر بالامان ، بدونهم فقدت الامان .
شاهد الطيف الاسود الغريب يتشكل أمامه في صورة ضبابية مخيفة ، حاول العودة للخلف لكنه كان مقيدا ، مازل في غرفة مكتبه ، لكن كل شئ حوله تحول لظلام دامس ، جثي علي الارض من الرعب لم يتمالك نفسه من فرط زعره ، إنتفض علي صوت هاتفه علي المكتب ، رفع رأسه ينظر حوله في رهبة وقلق ، جفف زخات الماء التي تندت علي جبهته من القلق ، ٱستعاذ بالله من الشيطان عدة مرات قبل أن يمد يده ليلتقط هاتفه .
شاهد رقمها غلي الهاتف ضغط علي الزر سريعا :-
أيوة ياماما قلقتيني عليكي
لم تأتيه إجابة منها لذا كرر الكلام مرة أخري :-
ماما ألو . . . . . . . . . . . .
ازاح الهاتف عن اذنه ونظر إليه مندهشا ،مازال الخط مفتوح اذا ماذا يحدث ، قراره ب أن يغلق الهاتف ويعيد مهاتفتها مرة أخري ، أم يظل علي الخط هكذا ربما شبكة الهاتف من تفعل هذا ، وبسن هذا وذاك شعور بالقلق يسري في جسده ، وخوف تملك منه دون سبب يذكر ، وسؤال واحد أطلقه تري ماذا حدث لوالدته ! ! ؟
هل أصابها مكروه ! ؟
بدء الشك يراوده عن نفسه !!
وسؤال واحد أطلقه تري ماذا حدث لوالدته !!؟
هل أصابها مكروه !؟
نهض من مكتبه ، وشعور الخوف قد تملك من جسده دون هوادة ، لا يدري ماذا سيفعل فيما هو قادم نحوه ، وضع هاتفه في جيب سرواله ، خطي نحو الباب وما إن أمسك المقبض صدح صوت رنينه ، وقف مكانه ومد يده أخرج الهاتف منه ، نظر إلي شاشته ، إنها والدته لم يصدق عينيه بما يري ، ضغط علي زر الهاتف وقد إرتسمت علامات الرضا الممزوج بالقلق علي وجه ، وضع الهاتف علي أذنه ، بعدما ترك مقبض الباب ، إستدار عائدا للخلف ، جلس علي الاريكة التي كان متسطح عليه منذ قليل ، وقال بلهفة ظهرت جليا في صوته :-
الو ايوة يا ماما كنتي فين ، قلقتيني عليكي ! ؟
لم يأتيه صوتها بس سمع صوت أنفاس قبل أن تجيب :-
ايوى يا ابني ، معلش يابراهيم ، حسيت بصداع ريحت شوية ، مدرتش بنفسي الا وأنا في دنيا تانية ، حتي الموبايل كان جمبي مسمعتوش ! ؟؟
لماذا يشعر ب أن هناك خطب ما يجهله ، سحب نفسا من الهواء ، بعد قليل أطلقه في الفراغ ، ثم إستطردت حديثها قائلة :-
طمني إيه اللي حصل عندك ! ؟ ؟
و إيه صوت الزعيق اللي كان موجود ! ؟ ؟
وضع يده الاخري علي جبهته وحك مابين حاجبيه في ضيق ، أجاب عليها قائلا :-
لا مفيش دي مشكلة بسيطة وإتحلت علطول .
أتاه صوتها مستفهما ومتعجبا :-
بس كده ! ؟ ؟
لماذا يشعر أن سؤالها يحمل الكثير ، خرج منها هذا السؤال ثقيلا ، فهو لم يعهدها هكذا ! !
إجاب بشرود :-
أيوة مفيش حاجة إطمني ، شوية دوشة وعدو علي خير ، كويس انها جات كده ! !
نهض واقفا و أكمل حديثه :-
بصي يا ماما انا مروح دلوقتي ، هكلمك بعدين . .
أتاه صوتها هذه المرة خاليا من أي شئ :-
تمام ماشي يا بني . .
طمني عليك لما توصل . .
هز رأسه بالموافقة :-
حاضر . .
أغلق الهاتف في شرود تام ، رفعه صوب عينيه ، و كأنه يحثه علي الكلام ، أو أنه يريد أن يظهر له من هم خلف الشاشة الصغيرة ، عله يستكشف ما يحاك خلفها ..
خرج من غرفته في الشركة ، ما إن رأه زملائه حتي نظرو له نظرات متشككة ، فما حدث منذ وقت يثير الريبة لديهم ، فهم لديهم كل الحق لكل هذا ، لم يعيرهم إنتباهه وخطي نحو الخارج بخطوات سريعة ، تمني أن تنشق الارض وتبتلعه في الهاوية ، أو يصاب العالم ب مرض النسيان ...
تساءل في نفسه تري ماذا يحمل لي القدر فيما بعد ! ؟؟
هل سأظل هكذا ؟؟
لم يتركه ساعي الشركة ايضا ، ف نظراته تحمل الكثير والكثير من الريبة ، قالها في نفسه :-
أنا ايه اللي حصل مني ل دا كله ! ؟
أنا معملتش حاجة ، وحدش راضي يقول ! ؟
صح جلال حكالي ، كل حاجة ، أمال فيه إيه مخي هيقف من التفكير !
توقف بجانب الطريق ، شعر بثقل قدماه ، لا يدري أين ستسوقه قدماه ، جلس علي جانب الطريق ، فقد أنهكه التعب الذي لا يدري أين مصدره ، فقد فاقت حموله اشد من الجبال .
تنفس ببطء ، وقد تذكر انه لم يبلغ بميعاد رحيله من الشركة ، خبط علي راسه ، لكن سرعان ما هدأ قليلا ، ضحك بجانب فمه وقال لنفسه :-
دا نا طالع وابشركة كلها شيفاني ، كأنهم كانو مستنيني أخرج .
أطلق ضحكة في الفراغ علي نفسه المحطمة ، لا يدري من أين سيلاقي كل تلك المصائب وفي خضم كل هذا ، لاح علي مخيلته صديقه عبد الرحمن ..
بكي في نفسه حزنا تذكر حديثه ، ومزاحه معه ، وسهراتهم وسمرهم مع بعض ، لكن القصة التي تحولت لقذائف من لهب ، أصابت ما أصابت ، وتركت من تركت ، الحقيقة الوحيدة هنا هي أنه مازال علي قيد الحياة ، مجرد شهيق وزفير ، جسد تحول لخراب داخلي ، أصبح ركاما ، أما من الخارج فقد بات عظاما يكسوها لحاء تحول لونه للزرقة ، بفعل جلسات الكهرباء التي غزت جسده مثل جيوش هتلر ، التي حولت الارض الخضراء النابضة بالحياة ، إلي أرض بور متششقة ، رواها بدماء الجنود والمقاتلين دون أن يرف له جفن .
هو مثل تلك الارض ، مجرد جسد يعبر داخل أوردته دماء تكابد للوصول إلي القلب ، تريد أن تكمل مهمتها بنجاح قبل ينقطع هذا الوريد ، أو قبل أن ينكمش بفعل الاذي الذي يعاصره .
روح بدون جسد ، روح غادرت جسده منذ عدة أعوام ، وقف أمامهم وبكي كما لم يبك من قبل ، ترجاهم بحب ، وبعطف ، أن يتركوه ليحيا خارج هذا المكان المخيف الذي يبعث الريبة في النفس، قبل القلب.
جثي علي ركبتيه ينتحب شبابه ورجولته ، يطالعهم بعيون أنهكها الالم والتعب ، يرجاهم وهو يقبل قدما والديه أن يأخذوه معهم ، لا أن يتركوه ، كان إبراهيم معهم يطالعهم ببكاء ، تمني أن يركض إليه ويحتضنه ويقبله في جبينه ، ويمسك بيده هاربا للخارج ، تمني كل هذا ، أراد ان يخبرهم أنه بخير لا يعاني من شئ ، إتركوه يرحل وهو رجل ، يلهو ويبكي كما كان يفعل من ذي قبل ، لكن والداه كأن الشيطان تجسدهم ، وقفوا أمامه بكبرياء يريد التهشم ، يطالعونه برفض كاد أن يجعلهم قتلا في هذا الوقت .
حاول أن يثنيهم عن قرارهم هذا ، طلب منهم أن يغادر ، لكنهم أوقفوه بنظرة من عيونهم ، تلك النظرة لن ينساها أبدا ماحي ، تذكر عيون صاحبه وهو يسنده وسياعده أن يقف علي قدماه فهي أخر ما تبقي له ، ربت علي كتفه بحنو ، هذا أخر ما يعهده من صديقه ، يده الرخوة التي ما عادت تستطيع حمل نملة ، ناهيك علي ملامحمه الهادئة رغم مرح شخصيته ، وشعره الكث الذي كان يرفض تصفيفه ، رغم إهتمامه به ، اما عن وجهه المستدير ولحيته الصغيرة ، كان محط أنظار الجميع ، فهو يتمتع باسلوب مميز في حديثه ، غادر أبواه بعدما قبلا كل منهما رأسه ، قبلة باردة خالية من الحياة ، قبلة واحدة إستطاعت نزع روحه من جسده وتركته خاويا متألما ، أتذكر هذا الٱحتواء الاخير ، الحضن الاخير ، غمرته بين أحضاني ، بكيت في حضنه ، لم يبادلني غمرته ، لم يبادلني شيئا ، لم أستطع ان أفعل له شئيا ، نظرت له بعيون تخبره أنني ليس بيدي شيئا أفعله ، من فضلك تمسك بي كما تمسكت بك ، لن اتركك تجابه كل هذا بمفردك ، أعدك بذلك ..
قالها لي بعيون زائغة ، ماذا بعد أن تخلي عنك من أقرب لك تركوك تصارع أشباح الخوف بمفردك ، ماذا ستفعل حين ذاك ، ضع نفسك مكاني وستعلم ماذا أعني ، هذا القلب الذي ينبض داخلي ، قد تحطم وتبلد ، جفت تلك الدماء التي تمر ٱليه ،
ماذا ستفعل ياصديقي عندما تكتشف أن الايام التي ظننت أنك تحتمي خلف حصن منيع ، تغفو دون خوف او قلق ، تضحك بصوت عال دون رقابة ، تتحرك باريحية وأنت تعلم ان هناك أشخاصا رغم ان لم تفعل لهم شيئا الا أنهم لا يحبونك ، يبغضونك لحب الناس لك ،
ماذا ستفعل وقت ذاك أخبرني ! ؟؟
حينها فقط ستكتشف أن هذا الحصن المنيع ماهو إلا ستار زائف ، يستطيع عدوك ان يري كل شئ دون أن تشعر به ، لقد تهاوت جميع حصوني ياصديقي ، لم يعد هناك شيئا لي ، من ظننت أنني أحتمي بهم ومن أجلهم تخلوا عني ، تركوني وأنا في أمس الحاجة إليهم ، سلبوا مني الامان ، والاطمئنان ، سلبوا قلبي وحياتي ، أجبروني أن أتخلي عن كل ماهو مميز ، من فضلك دعهم يأخذوني من هنا ، هذا ليس مكاني أو موطني ، انا معهم أشعر بالامان ، بدونهم فقدت الامان .