الفصل٣

محى بعض من خصل شعرها عن وجهها وأخذ يفحص ملامحها بتمعن شديد و تتبدل نظراته بين عيناها وثغرها الصغير .. بعد لحظات من التأمل بها فاق من شروده وقام بوضع الأوراق فوق المنضدة و صعد إلى غرفته وعاد إليها بغطاء صيفي خفيف وضعه عليها ثم تركها وصعد إلى غرفته
***
في الصباح الباكر ذهب دانييل بك إلى والد جين الذي يدعى اكسيل دام بيير .. جلس داخل غرفة الصالون حيث جاءت الخادمة وضعت اثنان من فنجان القهوة أعلى المنضدة وتابعت السير إلى الخارج .. فيما دخل اكسيل بك وجلس على المقعد ويبدو عليه الحرج الشديد من دانييل بسبب هروب ابنته من المنزل .. ويفكر ماذا يقول له الأن ؟ ! ذات الحيرة الذي بها دانييل فهو ايضا محرج من هروب ابنه ..
تناول دانييل أول رشفة من القهوة ثم تنحنح بقوة وقال بحرج :
-جوزيف اضطر للمغادرة إلى المدينة من أجل العمل .. وسنأجل موعد الزفاف
شعر اكسيل بالهدوء كثيرا من حديثه و تناول فنجان القهوة وهو يقول مبتسما :
-حسنا دانييل بك .. نأجل موعد الزفاف حتى تعود ابنتي من المدينة ايضًا
ثم تناول رشفة من القهوة وتحدث الاثنان في أمور عملهم والمزارع المشتركة بينهم .. بينما وقفت ميلين خلف الباب تستمع إلى حديثهم و استمعت إلى ضحكاتهم معا مما شعرت بالغضب من أجل ابنتها ثم اقتحمت المكان وهي تقول بتذمر :
-تضحك وابنتك مختفيه ؟ !
نهض الاثنان عن اماكنهم وتطلع دانييل إليها متعجبا فيما غضب زوجها منها .. فقد افسدت كل شيء الأن ثم وضع فنجان القهوة أعلى الطاولة وقال من بين أسنانه :
-دانييل بك جاء إلى هنا ليؤجل موعد الزفاف
-وما فائدة الزواج وابنتك مختفية ؟!
قذفتها من فاها بحده ليفهم دانييل ما تقصده تلك السيدة .. أن ابنتهم ايضًا هربت و تركت المنزل و بدون تردد تحدث بحرج :
-جوزيف ترك المنزل ولم أعلم مكانه بعد..
نظر الاثنان إليه في دهشة فيما وضع دانييل فنجان القهوة و تطلع إليهم بحرج ثم تحدث بهدوء :
-جين الكثير من الشباب يتمنوها .. و لكن جوزيف رفض لأنه يود أن يراها أولا .. واذا رآها سيعلم انها لا زالت قاصر و سيرفض الزواج منها نهائيا
هدأت ميلين من روعها ثم تساءلت :
-ماذا سنفعل اذا ؟!
ليرد زوجها بهدوء :
-سنؤجل موعد الزفاف حتى نعصر عليهم
***
استيقظت جين بوجه عابس و وجدت الغطاء عليها فعلمت أن جوزيف من وضعه .. ثم نهضت عن الاريكة متكأه على العصى تبحث عن المرحاض حتى وجدته ودخلت مغلقة الباب خلفها .. و بعد لحظات خرجت وهي تمسح على وجهها بيديها ثم دلفت إلى المطبخ وفتحت الثلاجة وتناولت الكثير من الطعام وضعته بشكل مرتب على طاولة المطبخ الدائرية وفعلت ما يحلوا لها و كأنها داخل منزلها .. عقب انتهائها من ترتيب المائدة جلست على المقعد تتناول الفطار ..
هبط جوزيف الدرج يتحدث في الهاتف مع صديقة وأكد عليه ألا يخبر والده بمكانه و رقم هاتفه الثاني .. ثم انهى معه المكالمة واتجه نحو المطبخ تفاجأ بـ جين تتناول فطورها و وقف يتطلع إليها بجمود .. وبمجرد أن رأته ابتلعت طعامها بحرج ثم نهضت متكأه على المقعد قائلة :
-أسفه بشأن طعامك .. فقد هلكت جوعا ولم أكل الليلة الماضية
اومأ برأسه بخفة ثم طلب منها أن تكمل طعامها فجلست وهي تتابعه بعينيها حتى تناول بعض من الماء و هم أن يخرج لكن اوقفته بـ حديثها الناعم :
-لابد من الفطار قبل المغادرة إلى العمل
التفت ينظر إليها في غرابة ثم تقدم نحوها وجلس على المقعد وشاركها في تناول الفطار .. ومن حين لأخر كانت تنظر إلى يده التي جرحت بسببها ثم تابعت تناول الطعام في صمت .. أخذ هو يرمقها بعدة نظرات سريعة و رآها وهي تطلع إلى يده المجروحة كما أنه قرأ السؤال بارز داخل عيناها ليجيب عليه دون أن تنطق به :
-يدي أفضل بكثير من الليلة الماضية
لتنظر إليه بابتسامة هادئة ثم نهضت عن المقعد و وضعت العصير داخل أحد الأكواب ثم وضعت كوب من العصير أمامه .. نظر إلى كوب العصير للحظات ثم لاحت ابتسامة حزينة على ثغره .. انتبهت إلى ابتسامته وجلست على المقعد متسائلة بفضول :
-لماذا تبتسم ؟!
توقف عن تناول الفطار ونظر إلى الأمام شاردا في الماضي قائلا :
-لقد ذكرتني بوالدتي .. كانت تضع لي كوب العصير وأنا أفطر
اتسعت ابتسامتها فيما تناول جوزيف القليل من العصير ثم نهض متمتمًا بالشكر لها على الفطار .. ثم خرج من المطبخ و وقف عندما وجد الاريكة غير منظمة والوسادة الصغيرة ملقيه على الأرض .. زفر بحنق فهو يعشق النظام ويحب كل شيء مرتب أمامه التفتت لينظر إليها من الخارج وتحدث بهدوء :
-يا فتاة أنا أحب النظام .. من فضلك رتبي الاريكة .. وفي الأعلى الكثير من الغرف نامي حيث شئتِ
ثم غادر المنزل وتركها ترتب المطبخ بعد ذلك رتبت الاريكة وتناولت الغطاء وصعدت إلى الطابق الثاني متكأه على العصى .. فتحت باب أول غرفة واضأت المصباح الكبير لتجد الغرفة غير مهيئ للنوم داخلها فخرجت وفتحت غرفة جوزيف واضأت المصباح لتنبهر بنظام وجمال الغرفة وارتاحت إليها .. فوضعت الغطاء على الفراش برفق ثم مسحت على الملاءة وخرجت من الغرفة بل من المنزل بأكمله لتقوم بشراء بعض الثياب لها وايضا طعام
***
ذهب جان إلى السيارات النقل خاصتهم وتابع المحاصيل وهم يحملونها على السيارات .. وعقب انتهائهم ذهب إلى الكوخ الذي يقع في منتصف حديقة القصر ليجد عمه بيرنارد يجلس على المكتب ويفحص بعض أوراق المحاصيل التي قد خرجت للتو .. شعر جان بالضيق لأن عمه دائما يتدخل في عمله ويراجع كل شيء بعد أن يراجعه جان ..
جلس على المقعد المجاور إلى المكتب و ابتسم بمجاملة متسائلًا :
-لماذا تفحص الأوراق ؟! .. لقد فحصتهم من قبل
-لابد من مراجعة الأوراق جيدا يا بني
زفر جان بتذمر غير واضح لأنه لا يستطيع أن يتطاول معه بالحديث لأنه عمه .. بمجرد أن انهى الفحص خرج من الكوخ و وقف جان يرتب الأوراق المتناثرة ثم وضعها داخل درج المكتب وأغلق الدرج بالمفتاح .. بعد ذلك خرج واوصد باب الكوخ جيدا ثم اتجه نحو القصر و عقب دخوله اتجه مباشرة إلى المطبخ ..
وجد أديل والمساعدة مكفي وزوجة عمه لويز .. فطلب من أديل شخصيا كوب عصير الفراولة وتأتي به إلى حيث الجناح الخاص به ثم غادر تاركا أديل مرتبكة وتشعر بالخجل .. بينما تطلعت لويز إليها بنظرة حادة غاضبة بعد أن علمت من ابنتها أوجيني أن جان يتحدث معها كثيرا ..
فيما جهزت أديل العصير و وضعت الكوب فوق صينية صغيرة ثم خرجت من المطبخ مهرولة .. وجاءت تصعد الدرج اوقفها صوت أوجيني الحاد :
-إلى أين يا فتاة المزرعة ؟!
التفتت إليها وتحدثت بصوت منخفض مغلف بالخجل :
-جان بك طلب مني العصير
أشارت لها بكفها أن تغادر ثم جلست أوجيني على الاريكة .. صعدت أديل و وقفت تدق الباب ليفتح جان بعد لحظات فأطرقت رأسها وهي تمد يدها بـ صينية العصير لكن لم يأخذها جان .. وتنحى جانبًا عازمًا عليها بالدخول قائلًا بحسم :
-تفضلي ضعيها أعلى سطح المكتب
ضغطت على الصينية بقوة وقد شعرت بالخجل والارتباك معًا فهذه المرة الأولى لها أن تدخل غرفته .. بعد ذلك أدعت بالهدوء على عكس ما تشعر به من خجل و دلفت إلى الداخل .. نظرت حولها بحثا عن المكتب حتى رأته لتتقدم نحوه مهروله ووضعت صينية العصير عليه في ذات الوقت أغلق جان باب الغرفة و تقدم نحوها ..
التفتت قاصده المغادرة لكنها تفاجأت به أمامها وشعرت بيده تحيط خصرها .. ازدردت لعابها بصوت مسموع وقلبها يدق برهبة شديدة في صدرها الذي يعلو ويهبط باضطراب ..
أخذ هو يستنشق رائحة شعرها وهي ضعيفة بين يديه وهذا ما يريده .. يريدها دائما ضعيفة أمامه وبين يديه ليكون هو قوتها وحمايتها دائما .. عندما شعرت بيده الأخرى تمسح على وجنتها بلطف قالت بشفتين مرتعشتين :
-عفوا جان بك .. علي الذهاب فورا
ابتسم بخفة وقال بصوت منخفض :
-لقد دخلتِ قفص الأسد يا فتاة
ثم وضع يده أسفل ذقنها ليرفع رأسها إليه ناظرًا إلى ملامح وجهها بحب و بتمعن شديد وهي تتساءل بتوتر واضح :
-ماذا تريد مني ؟!
-ماذا ؟! .. لم تفهمي شيئا حتى الأن ؟! .. وحديثي معك لم يصل إلى قلبك ؟!
أغمضت عيناها وهي تبتلع لعابها بصوت مسموع وتحدثت بنبرة تعلوها الرهبة :
-دعني أذهب أرجوك
مسح على شفتيها المنتفخة بـ ابهامه وهو يتغزل بهما بحب :
-دعيني انتِ اتذوق تلك الشفاه وامتص رحيقهما لأشعر انني على قيد الحياة
أخذ قلبها يقرع كالطبول بشدة و صدرها يعلوا ويهبط .. أطرقت رأسها خجلا من حديثه الجريء معها وحاولت التحرر من يديه المشددة على خصرها لكن بلا جدوى فقد شدد عليها أكثر وضمها إليه وأخذ يستنشق عبير عنقها وخلف أذنيها وهي تترجى أن يتركها لكن لا يريد تركها قط .. هو يريدها أن تكون بين ضلوعه ليشعر بمتعة الحياة والنشوة التي تأتي إلى صدره فور رؤيته لـ تلك الفتاة الجميلة الذي اذا بدأ في وصفها فسيحتاج إلى مائة عام على عمره كي يكفيه ..
ثم نظر إلى عنقها الوردي ليرى نبضاتها تدق برهبة شديدة داخل عنقها .. و وجد نفسه يطبع قبلة هادئة على تلك النبضات لتشعر بدفء شفتيه ويشعر هو بنبضاتها تتسارع وتزداد ثم ابتعد عنها بهدوء وحررها من بين يديه ..
جاءت تتجه نحو الباب قبض على معصمها لتغلق عينيها بقوة وباليد الأخرى مسحت حبات العرق الباردة التي انتشرت على جبهتها .. فيما حمل جان كوب العصير ثم وضع سبابتها داخله لتنظر إليه في ذهول ثم أخرج أصبع يدها بعد أن لطخة بالعصير وقام بوضعه على شفتيه وأخذ يتذوق العصير الممزوج بجمال وعبير يدها .. بعد ذلك تركها وأخذ يمسح على شفتيه بلسانه .. فيما ركضت أديل نحو الباب وجاءت تفتح تفاجأت بأوجين تفتح الباب فتشبثت أديل في ثيابها بقوة تنظر إلى الأرض بخوف ممزوج بالارتباك .. بينما انتقلت اوجيني بـ نظراتها المندهشة بينهما وتساءلت بحده :
-ماذا تفعلين هنا يا فتاة المزرعة ؟!
عقدت بين حاجبيها وأخذت تحرك شفتيها فقط ولا تستطيع أن تتكلم وكأن الحديث توقف بحلقها .. ليجيب جان نيابة عنها :
-كنا نتحدث سويا .. ولا تدخلي أوجيني
- اذهبي أنتِ إلى عملك
قذفت ذاك الأمر من فاها بحنق شديد لتخرج أديل على وجه السرعة مهرولة ثم أغلقت أوجيني الباب ووقفت تطلع إليه بوجه محتقن بينما هو تناول رشفة من العصير وهو ينظر إليها ببرود .. تساءلت بحده مفرطة :
-لما أنت مهتم بأمر تلك الفتاة ؟!
-قلت لكِ لا تدخلي
تقدمت نحوه و وقفت في مواجهته وهي تقول بتحدي :
-سأتدخل يا جان في كل كبيرة وصغيرة تخصك .. ولم تستطيع منعي
وضع الكوب على المكتب وضغط عليه بقوة حتى برزت أوردته .. فيما هدأت أوجيني وتشبثت في قميصه وقالت بنعومة واضحة ة:
-جان نحن مكتوبان لبعضنا منذ نعومة أظافرنا .. هل نسيت ؟!
لا يزال يضغط على الكوب بقوة أكثر ويتطلع إلى الفراغ بحده بالغة جعلت عيناه تتبدل إلى اللون الأحمر فـ قبلته أوجيني على ذقنه برقة ثم أحاطت خصره واستندت برأسها على صدره وهي تقول بجدية :
-أحبك كثيرا يا جان
رخى أعصابه وترك الكوب قبل أن ينكسر بين يده ثم تنهد بهدوء لتشعر بصدره يرتفع ثم هبط مجددا وصدمها بحديثه الذي يخرج من قلبة قبل شفتيه :
-أنا أحب أديل ولا أحبك .. أحب أديل منذ قدم الزمان ..
لتبتعد عنه وتطلع إليه في دهشة مفرطة ولم تفهم من حديثه شيئا حيث تابع :
-فالله قبل أن يخلقني يعلم انني سأحب تلك الفتاة .. ولهذا أنا احبها منذ قرون
صاحت في وجهه بعصبية :
-هل جننت ! .. تحب خادمة !
-بمجرد أن تكون حبيبتي ستكون سيدة القصر وليست خادمة .. والأن أخرجي من غرفتي
ضربت كف على كف ثم خرجت من الغرفة مغلقة الباب خلفها بقوة .. تناول جان ما تبقى من العصير على مرة واحده ثم التقط أنفاسه بصوت مسموع حتى هدأ قليلا .. وجلس على المقعد المخصص للمكتب يفحص بعض الأوراق
***
دلفت الجميلة تالة إلى المكتب باشتياق واضح على ملامح وجهها لرؤية جوزيف الذي وصل إلى الشركة للتو .. تتميز بالوسامة وتمتلك شعر أشقر حرير وأخذت لقت نجمة فرنسا من قبل .. وقفت أمام المكتب تطلع إليه بشغف لينظر إليها بابتسامة هادئة متسائلا :
-أنهيتِ شغلك تالة ؟
وضعت مستند أمامه وهي تحرك رأسه بالإيجاب ثم جلست على المقعد المجاور إلى المكتب .. بينما صدح صوت هاتف جوزيف لينظر إلى شاشته التي تضيء باسم والده فأغلق الهاتف نهائيا وشرد في الفراغ بوجه محتقن .. مما لاحظت تالة شروده وتساءلت في قلق واضح :
-أأنت بخير جوزيف ؟!
ليفيق من شروده حيث ينظر إليها وهو يهز رأسه نافيا ثم حك جبينه بقوة قائلا بتذمر :
-لقد تركت منزل والدي هربان كالفتيات ..
رفعت حاجبيها قليلا في دهشة و تساءلت بفضول :
-لماذا هربت ؟!
-يود والدي أن اتزوج من فتاة دون أن اراها
لتشعر بغصة في قلبها وتحدثت بلهفة :
-لا جوزيف .. لا توافق أبدا
-هذا ما أخبرته به يا تالة .. لكن هو مُصر على ذاك الزواج
ما أن انهى كلماته دخل صديقة المقرب ارنو وشاعره الخاص .. دائمًا ما يكتب له الشعر ويتحدث ببعض كلمات الحب عله يتعثر في الحب لكن بلا جدوى .. طلب جوزيف من تالة أن تتركهم بمفردهما لتنفذ رغبته و غادرت وهي غاضبه لكونها تخاف أن يضغط والده عليه و يتزوج ..
جلس ارنو على المقعد التي كانت تحتله تالة منذ لحظات بينما جوزيف معه في كل ما يزعجه والزواج من تلك الفتاة المجهولة .. ليرد ارنو على حديثه بهدوء تام :
-هنيئا لك يا صديقي على الزواج .. فلكل رجل امرأة تعشقه والأن حان دورك
-لكن ارنو أن لم أراها من قبل
ليبتسم ارنو ويتحدث وهو يشير إلى قلبة :
-اذا عشق القلب العين تخلي مسؤوليتها .. وتترك العشق للقلب وحده .. دع قلبك يعشق الفتاة حتى تتقبلها زوجة
استند جوزيف بظهره إلى المقعد وهو يخرج تهنيده قوية من صدره ثم تساءل بجدية :
-واذا لم يتقبلها قلبي ؟! .. ماذا أفعل وقتها ؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي