الفصل الأول 1
السيره الذاتيه
لا ارغب في ذلك ، لكن سأقدم لكم نفسي غصباً، انا يوسف نور الدين طالب و مهندس شبكات معاً،
اعلم انه وضع غريب إلى حدٍ ما لكن نعم انا كذلك ولن افاجئك اذا اخبرتك اني في كلية الاعلام و كنت في القسم الادبي اثناء الدراسه الثانويه ، تداخلت عيناك و ظهرت عليك ملامح الحول أعتذر لكن هذه هي حياتي، لا يُوجد بها شيئ يسير كما يجب ، لكن فلننظر إلى الجانب المشرق انا لم أُجن بعد او أُصاب بالخبل رغم أن هذا ما يراه الجميع لكن ما أدراهم بى أنا أرى نفسي في غاية التعقل و المنطقي، صحيح أنك ستقرأ بعض الاشياء العجيبة في الاسطر القادمة لكنني لازلت بعقلي صدقني ......
فلنترك حالتي الذهنية و لنعد لوصف ذاتي العظيمة، لست بالشخص فارع الطول او القريب من الارض فلنقل ان طولي مناسب ، ذو وجه ابيض يشبه وجه الشوام و شعر قصير يشبه شعر الموزمبيقين ، أرجوك لا تضيق حاجبيك هكذا اخبرتك من قبل ان حياتي مبعثره تستحق الاشفاق فلتعتد علي ، في النهاية انا لست بالشخص القبيح او فائق الوسامه انا شخص عادي ذو ملامح مريحة و ابتسامة بشوشة رغم الوحدة التي لا تفارقني بتاتاً، فضولي إلى درجة الجنون، لكن ليس الفضول الذي يدفعك إلى معرفة أخبار الغير و خباياهم ، فأنا لا افضل الاختلاط بكثرة مع اشباهي من الكائنات البشرية، لكن أكره أن اكون ثمرة الجوافة التي لا تفقه شيئاً وسط تجمع من العلماء، لهذا اتطلع إلى كل شيئ سواء كان علمي او تاريخي، و هذا كان السبب الرئيسي في هوسي بأشياء عديدة مثل تكنولوجيا المعلومات و علم النفس.......
و إن لانطوائيتي الجميله دورا كبيرا في تعمقي في هذه المجالات، لكن ولعي كان شديداً لدرجة انني ....... ، حسناً فلنتوقف عن تقديم ذاتي العظيمة إلى هنا ولنبدأ في اولى اوسمة الشرف التي رقتني إلى مصاف العظماء ممن حملوا لواء الجنون على مر العصور.
***
شارف هذا الفصل المجيد الممتلئ بالاجواء الروحانية التي تخرج اعمق ما فيك من افكار و تضفي
على ملامحك السكون و الهدوء للتفكر فيما مضى و فيما هو أتٍ لكن في الاغلب يكون التفكر فيما
مضى ، سواء علاقاتك السابقه بأناسٍ لم يعد لهم حيزأً كافياً في حياتك ، او حبيب تتذكر كيف تباعدت العلاقه بينكما لتصيرا مجرد تجربة عابرة في حياة كليكما، او انك لازلت من الاقلاء المحتفظين بأحبائهم لكنك تواجه النكد في علاقتك من حينٍ لاخر ، أو الاسوء و هو ان تكون "سنجل" بائس لم يتذوق الارتباط من قبل و يتمنى هذا الاحتضان الذي يضفي الدفئ في نفسه وسط غارات الشتاء البارده ، المهم انه فصل العبوس و الندم و المشاعر المتضاربة لهذا اعشقه عشقا جماً ، انه فصل الشتاء ياسادة.
كالعاده أقف الساعه الحادية عشر ليلاً منتظر الحافلة التي ستقلني إلى المنزل عائداً من احد دوراتي
التدريبية ، و ما ادراك بالحافلات الليلية ، فلتجرب ان تفتح النافذة بجانبك و تدع النسيم البارد يداعب وجهك بينما تستمع إلى أنغام موسيقاك الهادئة العميقة التي تشعرك بالسكون و العمق ، بينما من في المقعد خلفك يسبك بأفظع الشتائم في سره و يتمنى لو يلقيك من هذه النافذة التي جمدت وجهه هو الاخر ، لكن ماذا يقول فأنت خالي من الدماء منزوع المشاعر من هذا الجيل الضائع الذي تسبب في خراب البلاد.....
كانت هذه الليلة شديدة البرودة إلى حدٍ ما فلم يكن في انتظار الحافلة سواي و هذا الشخص المشرد
الذي خزلته الانسانية و لم يتركوا له سوى مقاعد الانتظار ليقضي عليها ليلته أسفل هذه الخرقة البالية التي تُسرب البرودة إليك من كل جانب ، حسناً لقد صار هذا المشهد معتاداً و كالعادة تموت المشاعر بمضي الوقت فلم يعد احد يكترث ، حتى نحن صرنا نحزن في صمت دون فعل شئ......
وضعت يداي في جيب سترتي السوداء و لعنت هذا العالم المتناقض في صمت .......
تأخرت الحافلة فصرت اوزع نظراتي يميناً و يساراً بحثاً عن اي وسيلة اخرى تقلني عدى سيارات الاجره فأنا لست مبذراً إلي هذه الدرجة......
***
تشبثت نظراتي بفتاة ذات شعر داكن متطاير بفعل نفحات الرياح الباردة, ترتدي كمامه طبية على
وجهها و رقعة طبية على عينها اليسرى ، انبعث بداخلي هذا الشعور بالارتياب الذي يصيبنا كلما التقينا بشخص ذو كمامه طبيه ، فهذه الكمامات يرتديها ضعاف المناعة في اليابان عند اصابتهم بالزكام ، لكن نحن هنا نتشارك الهواء سوياً معبأ بالامراض أم لا سنتشاركه أيضا لهذا من الطبيعي ان تجد أحدهم يطلق العنان لعطساته في وجهك دون ان يعتذر، نعم إنها شخصٌ مريبٌ بالفعل سأتحاشاها قدر المستطاع.......
كانت تتقدم نحو المحطه فقررت ان اسير نحو أقرب المحطات التاليه ، وبالفعل تجاوزتها
بمسافة سنتيمترات قليلة ثم توقفت عندما شعرت بإحتكاكٍ خفيف بجانبي الايمن ، التفت ناحيتها
لأجدها تنظر إلي هي الاخرى و تتلفظ ببعض العبارات مع ملامح آسفة ، لم استطع الاستماع إلى
عباراتها بوضوح بسبب الألحان الكأيبة التي كنت أستمع إليها بسماعات الاذن ، فقررت أن أنهي الحديث سريعا بقولي: لا مشكله.
و رمقتها بنظرة متفحصة أخيرة ثم أدرت وجهي و تابعت طريقي و انا افكر في وقفتها الغريبة هذه؛
فليس من الطبيعي أن تعتذر لاأحدهم دون أن ترفع يداك بمعنى الاسف او أي شيئ من هذا القبيل، لكن ان تقف هذه الوقفة المنضبطة واضعاً كلتا يديك خلف ظهرك، إذاً هذا ليس إعتذاراً عابراً بل هو مخطط له من قبل.....
تفقدت اشيائي سريعاً فلم أجد محفظتي كما توقعت......
فإلتفت نحوها مرة أخرى لأجدها ترفع سكيناً عالياً ثم تطعنها بكل قوتها في جسد هذا الشخص المشرد النائم على مقاعد الانتظار ، لم يصدر اي صوت لتكميمها فمه و ظلت تطعنه عدة طعنات متلاحقة و سريعة في آنٍ واحد لدرجة أصابتني بالذهول و الشلل في الوقت ذاته ، لكنها لم تتوقف و استمرت في طعناتها مع تشبث الرجل بذراعها حتى يبعدها عن فمه ليستنجد بأحدهم ، لكن هناك من يراه بالفعل.....
يجب ان افعل شيئاً، فاستجمعت قواي وصحت بعلو صوتي متسائلاً: مالذي تفعلينه ، انتِ ؟
إلتفتت إليّ بحده اصابتني بالجمود التام ، ثم نزعت سترتها البيضاء التي تلطخت بالدماء و ألقتها
فوق جسد الرجل برفقة سكينها و ركضت بكل سرعتها لتختفي وسط المباني القريبة......
***
طاوعتني قدماي على الحركه اخيراً و ركضت صوب الرجل الغارق في الدماء ، و سألته هذا السؤال
الأبله المعتاد : هل انت بخير ؟
لو كان هذا الشخص بعافيته لاذاقني من السباب و اللعنات ما يشبعني لعدة اشهر لكنه كان يلفظ
أنفاسه الاخيرة......
اتصلت على الفور بالطوارئ و اخبرتهم بما حدث و أرشدتهم إلى عنوان المحطه ، و بعد ان انتهيت
صرت انقب يميناً و يساراً بحثاً عن محفظتي و بالفعل وجدتها في جيب المعطف فأخذتها
ووضعت غطاء سترتي على رأسي وركضت بكل سرعتي صوب المباني القريبة انا الآخر......
بعد عدة أمتار من الركض ارتفع رنين هاتفي مره أخرى معلنا عن اتصالٍ من الطوارئ ، رددت للتأكيد عليهم أنه ليس بلاغ كاذب او احتيال و انني سأتحمل العواقب إذا كنت ادعي شئاً لم يحدث ، أدركت حينها ان هذا الرجل قد فارق الحياة بالفعل, يائساً من أن يَهم احد لنجدته و استمر العالم في خذلانه إلى النهاية......
حسناً ربما استراح بالفعل من هذا العالم القاسي لكن مهما كان لم يكن يستحق مثل هذه النهاية البشعة
........
بعد أن إنتهت متصلة الطوارئ من استجوابي ، قرروا المجيئ أخيراً و أخبرتني أن أنتظرهم في موقع
الحادث ، فأخبرتها أنني بجانب الجثة بالضبط ، ثم اخرجت شريحة هاتفي و هشمتها إلى قطعٍ
صغيرة و ألقيتها في أحد صناديق النفايات بالقرب مني ، فأنا في دائرة الاشتباه على اي حال لن
استطيع العوده إلى هناك, فماذا إذا عدت لاجدهم بإنتظاري هل سأخبرهم أنني ذهبت لاقضي حاجتي أم ماذا، ثم أنني لا أدري هل تركت هذه اللعينه أي دليلٍ أخر يُدينني هناك أم لا.
على ذكر هذه اللعينة ، لم تكن ترتدي المعطف حينما قابلتها و لم تكن تمسك به بين أصابعها، من أين حصلت عليه ؟
هل كان موجوداً في المحطة منذ البداية ؟
و إذا كان كذلك ، فهي كانت تقصد هذا الرجل بالتحديد و تعلم جيداً أنه يتواجد هناك في هذا الوقت ،
لكن المحطة كانت فارغة منذ جِئتها لماذا لم تقتله إلا بعد مجيئي أنا ، هل هذه الجريمة مصممة خصيصاً للإيقاع بي ؟
نعم و من مغفل أفضل مني في هذه الدنيا للايقاع به في مثل هذه الجرائم الشنعاء.....
إذن هذه القاتلة شخص يعرفني عن كثب و تعرف مواعيد قدومي إلى هذه المحطة ، هل هي أحد
أصدقاء الجامعة أم أحد أفراد الدوره التدريبية ام فتاة عرفتها معرفة عابرة ؟
و لماذا تحمل ضغينة ضدي ، هل كسرت قلبها دون أن اشعر ، لا اظن ذلك فأنا لم أتعمق في أي علاقة جدية من قبل.
إستقليت سيارة أجرة رغماً عني ، و عدت إلى منزل شقيقتي الذي أقطن به في فترات الدراسة بينما
تأخذ هي مكاني في بيتنا لتفسح المجال لطفلها الصغير ليعيث في الارض فساداً و يُخرب كل ما يقع في مرمى بصره.....
لم تكن شقة شقيقتي بالفاخره بل هي اقرب ما يكون من سكن الطلاب الذكور و أنتم تعرفون كيف تنجو أي شقة مسكينة من بين يدي أوغاد العلم الذين يحولونها إلى حلبة مصارعة أو شقة شهيدة كانت ضحية تحولت إلى ركام بسبب حربٍ ضروس لا ناقة لها ولا جمل بها......
ألقيت حقيبتي على أقرب مقعدٍ مني ، و هرولت إلى دورة المياة لانظف يداي من بقع الدماء قبل أن
تجف.
ثم أرحت جسدي المرهق على السرير و اغلقت عيني و ذهبت في نومٍ عميق ، ليس بروداً مني لكنني حقاً مرهق و أمامي هموماً أخرى في الغد.
***
لا ارغب في ذلك ، لكن سأقدم لكم نفسي غصباً، انا يوسف نور الدين طالب و مهندس شبكات معاً،
اعلم انه وضع غريب إلى حدٍ ما لكن نعم انا كذلك ولن افاجئك اذا اخبرتك اني في كلية الاعلام و كنت في القسم الادبي اثناء الدراسه الثانويه ، تداخلت عيناك و ظهرت عليك ملامح الحول أعتذر لكن هذه هي حياتي، لا يُوجد بها شيئ يسير كما يجب ، لكن فلننظر إلى الجانب المشرق انا لم أُجن بعد او أُصاب بالخبل رغم أن هذا ما يراه الجميع لكن ما أدراهم بى أنا أرى نفسي في غاية التعقل و المنطقي، صحيح أنك ستقرأ بعض الاشياء العجيبة في الاسطر القادمة لكنني لازلت بعقلي صدقني ......
فلنترك حالتي الذهنية و لنعد لوصف ذاتي العظيمة، لست بالشخص فارع الطول او القريب من الارض فلنقل ان طولي مناسب ، ذو وجه ابيض يشبه وجه الشوام و شعر قصير يشبه شعر الموزمبيقين ، أرجوك لا تضيق حاجبيك هكذا اخبرتك من قبل ان حياتي مبعثره تستحق الاشفاق فلتعتد علي ، في النهاية انا لست بالشخص القبيح او فائق الوسامه انا شخص عادي ذو ملامح مريحة و ابتسامة بشوشة رغم الوحدة التي لا تفارقني بتاتاً، فضولي إلى درجة الجنون، لكن ليس الفضول الذي يدفعك إلى معرفة أخبار الغير و خباياهم ، فأنا لا افضل الاختلاط بكثرة مع اشباهي من الكائنات البشرية، لكن أكره أن اكون ثمرة الجوافة التي لا تفقه شيئاً وسط تجمع من العلماء، لهذا اتطلع إلى كل شيئ سواء كان علمي او تاريخي، و هذا كان السبب الرئيسي في هوسي بأشياء عديدة مثل تكنولوجيا المعلومات و علم النفس.......
و إن لانطوائيتي الجميله دورا كبيرا في تعمقي في هذه المجالات، لكن ولعي كان شديداً لدرجة انني ....... ، حسناً فلنتوقف عن تقديم ذاتي العظيمة إلى هنا ولنبدأ في اولى اوسمة الشرف التي رقتني إلى مصاف العظماء ممن حملوا لواء الجنون على مر العصور.
***
شارف هذا الفصل المجيد الممتلئ بالاجواء الروحانية التي تخرج اعمق ما فيك من افكار و تضفي
على ملامحك السكون و الهدوء للتفكر فيما مضى و فيما هو أتٍ لكن في الاغلب يكون التفكر فيما
مضى ، سواء علاقاتك السابقه بأناسٍ لم يعد لهم حيزأً كافياً في حياتك ، او حبيب تتذكر كيف تباعدت العلاقه بينكما لتصيرا مجرد تجربة عابرة في حياة كليكما، او انك لازلت من الاقلاء المحتفظين بأحبائهم لكنك تواجه النكد في علاقتك من حينٍ لاخر ، أو الاسوء و هو ان تكون "سنجل" بائس لم يتذوق الارتباط من قبل و يتمنى هذا الاحتضان الذي يضفي الدفئ في نفسه وسط غارات الشتاء البارده ، المهم انه فصل العبوس و الندم و المشاعر المتضاربة لهذا اعشقه عشقا جماً ، انه فصل الشتاء ياسادة.
كالعاده أقف الساعه الحادية عشر ليلاً منتظر الحافلة التي ستقلني إلى المنزل عائداً من احد دوراتي
التدريبية ، و ما ادراك بالحافلات الليلية ، فلتجرب ان تفتح النافذة بجانبك و تدع النسيم البارد يداعب وجهك بينما تستمع إلى أنغام موسيقاك الهادئة العميقة التي تشعرك بالسكون و العمق ، بينما من في المقعد خلفك يسبك بأفظع الشتائم في سره و يتمنى لو يلقيك من هذه النافذة التي جمدت وجهه هو الاخر ، لكن ماذا يقول فأنت خالي من الدماء منزوع المشاعر من هذا الجيل الضائع الذي تسبب في خراب البلاد.....
كانت هذه الليلة شديدة البرودة إلى حدٍ ما فلم يكن في انتظار الحافلة سواي و هذا الشخص المشرد
الذي خزلته الانسانية و لم يتركوا له سوى مقاعد الانتظار ليقضي عليها ليلته أسفل هذه الخرقة البالية التي تُسرب البرودة إليك من كل جانب ، حسناً لقد صار هذا المشهد معتاداً و كالعادة تموت المشاعر بمضي الوقت فلم يعد احد يكترث ، حتى نحن صرنا نحزن في صمت دون فعل شئ......
وضعت يداي في جيب سترتي السوداء و لعنت هذا العالم المتناقض في صمت .......
تأخرت الحافلة فصرت اوزع نظراتي يميناً و يساراً بحثاً عن اي وسيلة اخرى تقلني عدى سيارات الاجره فأنا لست مبذراً إلي هذه الدرجة......
***
تشبثت نظراتي بفتاة ذات شعر داكن متطاير بفعل نفحات الرياح الباردة, ترتدي كمامه طبية على
وجهها و رقعة طبية على عينها اليسرى ، انبعث بداخلي هذا الشعور بالارتياب الذي يصيبنا كلما التقينا بشخص ذو كمامه طبيه ، فهذه الكمامات يرتديها ضعاف المناعة في اليابان عند اصابتهم بالزكام ، لكن نحن هنا نتشارك الهواء سوياً معبأ بالامراض أم لا سنتشاركه أيضا لهذا من الطبيعي ان تجد أحدهم يطلق العنان لعطساته في وجهك دون ان يعتذر، نعم إنها شخصٌ مريبٌ بالفعل سأتحاشاها قدر المستطاع.......
كانت تتقدم نحو المحطه فقررت ان اسير نحو أقرب المحطات التاليه ، وبالفعل تجاوزتها
بمسافة سنتيمترات قليلة ثم توقفت عندما شعرت بإحتكاكٍ خفيف بجانبي الايمن ، التفت ناحيتها
لأجدها تنظر إلي هي الاخرى و تتلفظ ببعض العبارات مع ملامح آسفة ، لم استطع الاستماع إلى
عباراتها بوضوح بسبب الألحان الكأيبة التي كنت أستمع إليها بسماعات الاذن ، فقررت أن أنهي الحديث سريعا بقولي: لا مشكله.
و رمقتها بنظرة متفحصة أخيرة ثم أدرت وجهي و تابعت طريقي و انا افكر في وقفتها الغريبة هذه؛
فليس من الطبيعي أن تعتذر لاأحدهم دون أن ترفع يداك بمعنى الاسف او أي شيئ من هذا القبيل، لكن ان تقف هذه الوقفة المنضبطة واضعاً كلتا يديك خلف ظهرك، إذاً هذا ليس إعتذاراً عابراً بل هو مخطط له من قبل.....
تفقدت اشيائي سريعاً فلم أجد محفظتي كما توقعت......
فإلتفت نحوها مرة أخرى لأجدها ترفع سكيناً عالياً ثم تطعنها بكل قوتها في جسد هذا الشخص المشرد النائم على مقاعد الانتظار ، لم يصدر اي صوت لتكميمها فمه و ظلت تطعنه عدة طعنات متلاحقة و سريعة في آنٍ واحد لدرجة أصابتني بالذهول و الشلل في الوقت ذاته ، لكنها لم تتوقف و استمرت في طعناتها مع تشبث الرجل بذراعها حتى يبعدها عن فمه ليستنجد بأحدهم ، لكن هناك من يراه بالفعل.....
يجب ان افعل شيئاً، فاستجمعت قواي وصحت بعلو صوتي متسائلاً: مالذي تفعلينه ، انتِ ؟
إلتفتت إليّ بحده اصابتني بالجمود التام ، ثم نزعت سترتها البيضاء التي تلطخت بالدماء و ألقتها
فوق جسد الرجل برفقة سكينها و ركضت بكل سرعتها لتختفي وسط المباني القريبة......
***
طاوعتني قدماي على الحركه اخيراً و ركضت صوب الرجل الغارق في الدماء ، و سألته هذا السؤال
الأبله المعتاد : هل انت بخير ؟
لو كان هذا الشخص بعافيته لاذاقني من السباب و اللعنات ما يشبعني لعدة اشهر لكنه كان يلفظ
أنفاسه الاخيرة......
اتصلت على الفور بالطوارئ و اخبرتهم بما حدث و أرشدتهم إلى عنوان المحطه ، و بعد ان انتهيت
صرت انقب يميناً و يساراً بحثاً عن محفظتي و بالفعل وجدتها في جيب المعطف فأخذتها
ووضعت غطاء سترتي على رأسي وركضت بكل سرعتي صوب المباني القريبة انا الآخر......
بعد عدة أمتار من الركض ارتفع رنين هاتفي مره أخرى معلنا عن اتصالٍ من الطوارئ ، رددت للتأكيد عليهم أنه ليس بلاغ كاذب او احتيال و انني سأتحمل العواقب إذا كنت ادعي شئاً لم يحدث ، أدركت حينها ان هذا الرجل قد فارق الحياة بالفعل, يائساً من أن يَهم احد لنجدته و استمر العالم في خذلانه إلى النهاية......
حسناً ربما استراح بالفعل من هذا العالم القاسي لكن مهما كان لم يكن يستحق مثل هذه النهاية البشعة
........
بعد أن إنتهت متصلة الطوارئ من استجوابي ، قرروا المجيئ أخيراً و أخبرتني أن أنتظرهم في موقع
الحادث ، فأخبرتها أنني بجانب الجثة بالضبط ، ثم اخرجت شريحة هاتفي و هشمتها إلى قطعٍ
صغيرة و ألقيتها في أحد صناديق النفايات بالقرب مني ، فأنا في دائرة الاشتباه على اي حال لن
استطيع العوده إلى هناك, فماذا إذا عدت لاجدهم بإنتظاري هل سأخبرهم أنني ذهبت لاقضي حاجتي أم ماذا، ثم أنني لا أدري هل تركت هذه اللعينه أي دليلٍ أخر يُدينني هناك أم لا.
على ذكر هذه اللعينة ، لم تكن ترتدي المعطف حينما قابلتها و لم تكن تمسك به بين أصابعها، من أين حصلت عليه ؟
هل كان موجوداً في المحطة منذ البداية ؟
و إذا كان كذلك ، فهي كانت تقصد هذا الرجل بالتحديد و تعلم جيداً أنه يتواجد هناك في هذا الوقت ،
لكن المحطة كانت فارغة منذ جِئتها لماذا لم تقتله إلا بعد مجيئي أنا ، هل هذه الجريمة مصممة خصيصاً للإيقاع بي ؟
نعم و من مغفل أفضل مني في هذه الدنيا للايقاع به في مثل هذه الجرائم الشنعاء.....
إذن هذه القاتلة شخص يعرفني عن كثب و تعرف مواعيد قدومي إلى هذه المحطة ، هل هي أحد
أصدقاء الجامعة أم أحد أفراد الدوره التدريبية ام فتاة عرفتها معرفة عابرة ؟
و لماذا تحمل ضغينة ضدي ، هل كسرت قلبها دون أن اشعر ، لا اظن ذلك فأنا لم أتعمق في أي علاقة جدية من قبل.
إستقليت سيارة أجرة رغماً عني ، و عدت إلى منزل شقيقتي الذي أقطن به في فترات الدراسة بينما
تأخذ هي مكاني في بيتنا لتفسح المجال لطفلها الصغير ليعيث في الارض فساداً و يُخرب كل ما يقع في مرمى بصره.....
لم تكن شقة شقيقتي بالفاخره بل هي اقرب ما يكون من سكن الطلاب الذكور و أنتم تعرفون كيف تنجو أي شقة مسكينة من بين يدي أوغاد العلم الذين يحولونها إلى حلبة مصارعة أو شقة شهيدة كانت ضحية تحولت إلى ركام بسبب حربٍ ضروس لا ناقة لها ولا جمل بها......
ألقيت حقيبتي على أقرب مقعدٍ مني ، و هرولت إلى دورة المياة لانظف يداي من بقع الدماء قبل أن
تجف.
ثم أرحت جسدي المرهق على السرير و اغلقت عيني و ذهبت في نومٍ عميق ، ليس بروداً مني لكنني حقاً مرهق و أمامي هموماً أخرى في الغد.
***