٢٩

لم أستطيع البقاء مع نيل أو حتي تناول طعامي بعد حديث لوك لذلك عدت لغرفتي لأظل وحدي ، ظللت أفكر بأنني سيئة و يجب أن اتغير ، حدثت بيري و بكيت لها لتطمئنني و تقول بأن لوك مؤخرة و لا يجب علي الإستماع له ،  بالرغم من شعوري البسيط بالتحسن إلا أنني مازلت أشعر بالاختناق

لذلك قررت بأن أصعد للأعلى ، أجلس في الهواء الطلق قليلاً ربما اتحسن ، ارتديت حذائي و جاكيت خفيف فوق التيشيرت الأبيض ، حين وصلت لم يكن هناك أحد يجلس هناك ، فقط الهدوء و هواء الفجر البارد ، أخذت مقعد قريب من السور و وضعت ذراعي فوق الحافة ، أرحت ذقني فوق ذراعي و ظللت احدق في الأفق

الطبيعة تسحرني بكل تفصيلة صغيرة بها ، منذ صغري أحببت الذهاب للأماكن المفتوحة ، كالحديقة أو الشاطئ فهناك كنت أنسي كل شيء ، فقط أفكر بكم هي جميلة تلك اللحظات الصغيرة التي سوف اقضيها في الطبيعة أو في جزء صغير منها ، لم يختلف الأمر بعد كبري فمازلت أحب التواجد في نفس الأماكن ، و أحب النظر للنجوم و الغيوم صباحًا ، لا أحب الشمس و لكن لا بأس بذلك

أخرجت هاتفي و سماعاتي من جيبي و قمت بتشغيل الأغاني بشكل عشوائي ، حين أكون حزينة لا أقوم بتشغيل نوع محدد من الأغاني ، احب ترك الهاتف ليفاجئني ، عدت لوضع وجنتي فوق ذراعي و شاهدت السماء و هي تتحول من الأزرق الداكن لدرجة أفتح ، الشمس على وشك الشروق

من بين كل الأغاني أتت أغنية لـ أديل ، مغنية نايت المفضلة 'شخص مثلك' أنها سخرية القدر مني ، كنت قد استمعت لتلك الاغنية مرات كثيرة قبل الآن و لكنها الآن لمست شيء بداخلي ، لمست قلبي الذي جُرح بسبب نايت، قلبي الذي أحاول بكل ما بداخلي من طاقة أن اتجاهل الألم الذي يعتصره ، قلبي الذي يترجاني بأن أبكي و أظهر حزني و أزيل من مكنونه القليل و لكن عقلي يرفض ذلك

يخبرني بأننا لن نستفيد من كل تلك المشاعر التافهة ، بأن البكاء لن يصلح كسر قلبي و بأنه لن يعيدني بالزمن لكى لا أقع لنايت ، يظل يكرر بأن نايت كان شخص عادي و بأن أشياء كتلك تحدث مع الكثيرين و بأنني يجب أن اتخطاه و أركز على نفسي و حياتي .

بين منطقية عقلي و ألم و ساذجة قلبي كنت أنا بالمنتصف ، لا حول لي ولا قوة ، قبل دخول نايت لحياتي كان قلبي يستمع لعقلي الذي يتحكم بكل شيء ، و لكن كل ذلك تغير فلقد تمرد الأخير و رمي بكل القوانين و القواعد التي وضعها عقلي فقط لكي يكون مع نايت

نايت، كيف هو الآن؟ هل يفكر بي مثلما أفعل الآن؟ يتذكر احديثنا الليلية و وعودنا التي تلونها لبعضنا؟ هل يتذكر وعد الخنصر الذي فعلناه بينما كنت أنام فوق صدره و أصابعه تداعب شعري؟ كل مرة نظرت لعينيه التي اسرت قلبي و أخبرته بأنني أحبه ، هل يتذكر تفاصيلي كما أفعل أنا؟

أقسم بأنني أكاد أشعر بملمس شعره بين أصابعي ، أستطيع سماع ضحكته و رؤية مظهره الضاحك بوضوح ، كيف تتشكل تجعدات صغيره بجانب عينيه ، الطريقة التي تختفي عينيه خلف اهدابه

اهدابه...هل حين ينظر في المرآة يتذكر تغزلي بهم؟ ، وبجمال عسليتاه؟ هل يتذكرني من الأساس؟ لا أظن ذلك فأنا دائمًا من يبالغ.

كانت الأغنية قد انتهت و أتت غيرها و لكنني كنت اكتفيت من سماع الأغاني ، فتحت هاتفي و نظرت له قليلًا أعيد قراءة نفس الكلمة مراراً "هل تريد إزالة تلك الأغنية؟ -نعم ، لا" عقلي ردد بأنها مجرد أغنية و لن تضر كما لن تنفع بينما بكي قلبي لأحذفها لكى لا تداهمنا كل تلك المشاعر و الذكريات ، نعم كان هو خياري

أغلقت الهاتف و مسحت وجهي ثم اعتدلت لأنظر للشروق ، أخذت صورة للسماء البنفسجية لأنزلها على تويتر مع كتابة وجدتها عميقة للغاية "أتمني أن تشرق شمسي مرة أخرى فما عدت أطيق ظلمة الليل"

عدت أشاهد بهدوء و صبر حتي سطعت شمس الصباح و استيقظت بعض الطيور ، استنشقت الهواء بقوة ، مرة و الثانية بينما أغلق عيني من ثم فتحتها و ألقيت نظرة أخيرة على السماء الصافية ، إبتسمت بخفة لأنني شعرت بتحسن ملحوظ بمجرد النظر لذلك المنظر الطبيعي الخلاب

--

"لنستعمل الخريطة!"اقترحت على رايان و ماندي لينظروا لي كما لو أنني قلت اغبي شيء على الإطلاق "إن لم تلاحظي ميا نحن في عام ألفين و عشرون و لا أحد يستعمل الخرائط بعد الآن!"سخر رايان لأقلب عيني بينما أضع هاتفي في وجهه"أسمح لي إياه الجد الخرف أن أخبرك بأن كل هاتف ذكي يوجد به تطبيق للخرائط و هو دقيق و سهل الاستعمال"قلت بنفس نبرته ليحرك فمه كما لو أنه يسب و لكنه لا يصدر أي صوت

"هل انتهيتم؟"سألت فتاة تقف معنا لأومأ لها ، حين نظرت وجدتها كايتلن المبتسمة "صباح الخير أولًا ، ثانيًا هل تودون القدوم معنا؟ سوف نتناول الإفطار في مطعم قريب من هنا"تحدثت بلطف لأتبادل النظرات مع ماندي كما لو كنت أخبرها بعيني بأن ترفض لأنني لن أستطيع رفض طلب حبيبة شين اللطيفة مثله ، و لكن قبل أن تتحدث وافق رايان بشدة و حتي بأنه سار بإتجاه الشباب حيث أشارت له كايتلن

"هـ..هل يعلم الباقين بأمر دعوتكِ لنا؟"سألت بتردد لتنظر لي مبتسمة بتفهم "تقصدين لوك؟ هو لن يأتي معنا سوف يظل هنا ، لا تقلقي شين لن يضع أيًا منكم في هكذا موقف " لا عجب بأن الجميع يحب شين فهو لطيف و يهتم بغيره كثيرًا
---

"هل يمكنني سؤالكِ شيئًا ؟"تحدث مالكوم الذي أصبح يسير بجانبي الآن - تركنا رايان و تقدم ليكون أمامنا مع ماندي و كريستال - همهمت لمالكوم بهدوء "لماذا فعلتِ ذلك بـ لوك؟ أعني أنتِ لا تبدين سيئة لتلك الدرجة ، بل أظنكِ لطيفة"ازدرت لعابي بتوتر ، هل أملك إجابة لذلك السؤال؟ لا أظن ليس لدي مبرر

"لا أعلم ، فقط أخي كان يفعل ذلك و كان يخبرنا بأنه مزاح ، لم أكن أعلم بأنني كنت احطم لوك بفعلتي"قلت بهدوء اتجنب النظر لمالكوم ، عند التفكير بالأمر تتملكني رغبة بضرب ديلان لأنه هو سبب كل ذلك

"هل يمكنكِ سرد الأمر من وجهة نظرك؟ أريد معرفة ما حدث من طرفك أنتِ فـ ربما أستطيع توضيح الأمور لـلوك"صمت قليلاً مترددة من سرد ما حدث ، بالطبع لوك قد أخبرهم و لكنني لا أحب سرد تلك القصة ، فهي تجعلني أشعر بالسوء و الحزن و أنا بالفعل أشعر بهم

"لقد كنا نذهب لمنزلهم كثيرًا و كذلك هم يأتون لنا ، كان ديلان أخي يحب السخرية من لوك ، يخبره بأنه متوحد لعدم امتلاكه أصدقاء ، و بأنه أميرة ماما المدللة و الكثير غيره ، كنت أشارك أخي في لعبته القذرة و اسخر من لوك أيضًا كان أحيانًا يبكي و لكنه لم يشي بنا يومًا" صمت أسحب نفس مهزوز ، يمكنني تذكر ملامح لوك الباكية بسبب تنمرنا عليه ، أنا لعينة

"في يوم آتي جايك و أخبرنا بأن لوك معجب بي و لكنه أجبن من أن يعترف ، لم يكن جايك يعلم بأننا نتنمر على لوك و لم يكن أي أحد يتوقع ما سوف نفعله أنا و ديلان.."توقفت مرة أخرى ابتلع الغصة التي في حلقي ، الذكري تؤلمني أنا التي فعلتها فـ يا ترى ما هو إحساس لوك الذي فُعل به كل هذا

"لقد اذللتيه"قال مالكوم لأنفي برأسي "لقد كسرته ، كسرت شيء بداخله لن يعود ليلتأم مرة أخرى ؛ ثقته بنفسه . يمكنني معرفة أنني قد حطمت ثقة لوك بنفسه و بأن ذلك يلازمه للآن ، لم أكن أدرك ذلك وقتها أنا أقسم لك! لم أعلم بأنني حين أفعل ذلك سوف أكسر قلبه هكذا ، ظننت بأنني سوف أقول الخبر و نضحك معًا من ثم يعود كل شيء كما كان و لكن حين رأيت نظرة لوك لي يومها علمت بأن لا شيء سيعود كما كان"

تلك النظرة أنا أتذكرها جيدًا ، عندما أخبرني ديلان بأن اسخر من إعجاب لوك أمام باقي أصدقائنا و جيراننا أنا وافقت ظنًا بأنه مزاح عادي ، مقلب كما قال ديلان ، و لكن عندما رأيت نظرة الخيبة ، الخذلان و الانكسار في عيني لوك علمت بأن ذلك لم يكن مزاح ، بأنني قد خسرت لوك و للأبد ، لقد كنا أصدقاء جيدين في تلك الفترة -بين السابعة و العاشرة من عمرنا- و لكن بعد تلك الحادثة تغير كل شيء ، حين ركض لوك لمنزله يومها علمت بأنه سوف يبكي كثيرًا

و أعتقد بأن هذا ما حدث ، لم يخبر لوك أحدًا بما حدث بالرغم من أنه كان يجب عليه فعل ذلك و لكنه صمت و أظن بأنه للآن لم يخبر والدته أو إخوته بما فعلناه

"هل حاولتِ الإعتذار؟ تصليح الأمر؟"سأل مالكوم بأهتمام ، نظرت لقدمي بخجل من نفسي "لقد حاولت و لكن أظن بأن محاولاتي قد أتت متأخرة"قلت بصوت خفيض ليتنهد ماك

"لقد ذهبت له بعد يومين لأنني أردت إعطاءه وقت ليتعافى ، ليتقبل وجودي حوله و لكن حين ذهبت لمنزله أخبرني جايك بأنه سافر مع والده لـ أستراليا ، سافر في تلك الرحلة التي لم يريد الذهاب لها ، انتظرت عودته و لكنه لم يفعل هو فضل البقاء هناك للأبد ، عندما لم يجيب على رسائلي و حتي بريدي ، كنت أوصي ليزا بأن ترسل له سلامي و تخبره بأنني آسفة هي لم تعلم لما و لكنها أخبرتني بأنها توصلهم له على أي حال"أضفت بهدوء ، أخذت نفس عميق أحاول دفع إحساسي بالذنب بعيدًا ، طوال السنوات أخبرت نفسي بأنني قد فعلت كل ما أقدر عليه لأجعل لوك يسامحني و لكن أظن بأن ذلك لم يكن كافي

"تشعرين بالذنب صحيح؟"سأل مالكوم بعد صمت قصير نفيت برأسي "أشعر بالقرف من نفسي كلما تذكرت ذلك ، ربما لوك يكرهني بسبب ما فعلته و لكن صدقني حين أخبرك بأنني اكرهني أكثر من ذلك"نظرت لماك بعيني الدمعه و على شفتاي إبتسامة ساخرة ، إن كان لوك يظن بأنني أكبر أعدائه فأنا أكبر عدو لي

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي