الفصل الرابع
الفصل الرابع.
جلس ميران على قدميها، و قال بحماس طفولي:
_ميلان خلث لعب، و لونق خلصت شغل، وقت الدلث دلوقتي.
عضت وجنتيه المنتفختين، فضحك بصوت يبعث البهجة لقلبها الذي لا يعرف السعادة إلا على يديه:
_قبل ما نبدا درس النهارده، قولي الأول اتكلمنا ايه المرة اللي فاتت؟
ميران و هو يلوح بيديه:
_اتكلمنا لما لبنا بعت الطيل الأبابيل، لقليث عثان كانو هيهدمو الكعبة.(اتكلمنا لما ربنا بعت الطير الأبابيل لقريش عشان كانو ا هيهدوا مكة).
رونق بابتسامة:
_شاطر يا روح رونق، النهارده هنتكلم عن ولادة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، بنقول ايه؟
ميران بابتسامة:
_ثلى الله عليه و ثلم.
رونق:_نبينا الكريم، ولد في نفس السنة اللي ربنا بعت فيها الطير الأبابيل، أبوه مات قبل ما ينولد، و أمو آمنة بنت وهب، ماتت لما كان عنده ست سنين.
في ظل اندماج ميران مع كلام والدته، التي أخذت عهدا أن تعلمه ما تعرفه،لعل الله يغفرلها زلتها، دلف سليم بملامح جامدة خالية من أي نظرة حنان، نظر لابنه الذي ارتعش جسده الصغير فور رؤيته:
_على أوضتك.
رمقته رونق بغضب، ثم التفت لميران و قالت بحنان ممررة أناملها على خصلاته المموجة:
_روح على اوضتك يا حبيبي، و هكلم بابا شوية و جاية.
أومأ بصمت، ثم ركض ناحية غرفته دون النظر خلفه، تفحصها سليم بداية من فستانها الصيفي القصير إلى خصلاتها الفحمية التي سرحتها على شكل جديلة، استقرت على كتفها الأيمن:
_بذمتك ده منظر ست؟
قالت بلؤم، رغم ارتعاش جسدها بخوف:
_لامؤاخذة يعني، أصلي معرفش ألبس زي البنات اللي متعود عليهم، لأني نظيفة.
سليم بسخرية:
_نظيفة قولتيلي؟ المهم الليلة عاوزك تجهزي كل حاجة عندي سهرة.
رونق بغضب:
_سهرة ايه و زفت ايه؟ أنت امته هتبطل القرف ده؟
أمسكها من خصلاتها بعنف، فصرخت بصوت مكتوم كي لا يسمع ميران صوتها:
_مش هعيد كلامي مرتين، هتعملي اللي بقولك عليه و الا انتي عارفاني، و الكرباج اللي فالأوضة يشهد.
ثم نفضها بعنف لتسقط أرضا، قالت بصوت مقهور اودعت فيه كل مشاعر الندم الذي يجلدها كل يوم:
_الله يلعن اليوم اللي حبيتك فيه، ربنا ينتقم منك.
نزل لمستواها و قال بفحيح:
_لو مش عاجبك يا رونقي، الباب أهو بيفوت جمل، ارجعي لأبوكي.
ثم أكمل بسخرية:
_آه سوري نسيت أنه اتبرى منك.
ابتلعت تلك الغصة بصغوبة، اختارت خنزيرا معدوم الانسانية بدل والدها الذي فنى حياته لأجلها.
سليم:_يلا قومي جهزي كل حاجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تدين تدان، مقولة نسمعها دوما، لكننا لا نفهم معناها إلا عندما نجرب مرارتها، منذ دقائق فقط كان يستبيح لنفسه عرض صديقه، غافلا عن أن الله يمهل و لا يهمل، لتأتي الضربة في شقيقته، شقيقته التي ظن أنه لن يجتمع بها أبدا بسبب مشاعر الكره التي تجتاحه اتجاه زوج والدته،
(اللي ياكل لوحده يزور يا معلم)
(مقولتليش اسم المزة)
(هي فرسة للدرجادي)
(ما تخلص يا عم سيبنا ندوق)
وصل لتلك الشقة التي شهدت على جرائمه، اجل بات الآن يراها جرائم، بعدما كانت متعة، طرق الباب بعنف، ليفتح له مازن بملامح غاضبة، سرعان ما تحولت لسخرية:
_ايه يا عم مقدرتش تصبر و لا ايه؟
أمسكه من تلابيبه و قال بغضب يتخلله مشاعر الخوف لأول مرة:
_عملتلها ايه يا حيوان.
مازن بدهشة:
_أنت بتخرف بتقول ايه؟ هو عقلك اتلحس؟
دفعه بعنف، ثم بحث عنها في أرجاء المنزل كالمحنون، ليجدها أخيرا مسجاة على سرير الغرفة، و خصلاتها الشقراء تفترش الوسادة، أسرع بتغطيتها، ثم حملها و خرج من الغرفة، ليقابله مازن بملامح مذهولة:
_أنت واخد البت فين؟
فادي بنظرات غاضبة:
_ابعد عن وشي يا مازن، و حسابنا بعدين، عشان تحرم تقرب لأختي يا كلب.
مازن:_أختك!!!!
فادي:_ابعد من وشي.
ابتعد عن طريقه بصدمة جلية على ملامحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تفرك يديها بتوتر و وجه يكاد يشتعل خجلا، بينما ينظر لها بتسلية:.
_ارحمي صوابعك هتقطعيهم، كل ده عشان قولتلك نحدد معاد الفرح؟
ألا يعلم أن مجرد التفكير في أنها ستصبح زوجته حقا بعد أيام، يجعل جسدها الصغير يرتعش، و مشاعر الخجل امتزجت مع مشاعر الغبطة، اللقاء الذي حلمت به منذ نعومة أظفارها، ستحدده هي، فقالت بصوت يكاد لا يكون مسموعا:
_اللي تشوفه أنت و بابا اعملو.
عاصم بحنان، و كفه تتسلل لذقنها لترفعه لمستوى سوداويتيه:
_مش اللي اشوفه أنا، اللي نشوفه أحنا يا وجداني، لأن دي هتكون حياة مشتركة، لازم نتعود ناخد كل قراراتنا مع بعض، عشان محدش فينا يندم.
نظراته تلك التي تعبث بحواسها بطريقة مغرية، تجعل ذلك القلب ينبض بعنف، ربطت لسانها، و اذهبت صوتها.
انتبه عاصم لسيارة حمزة التي دخلت عبر البوابة، فناداه بلهفة:
_حمزة تعالى.
تقدم منهما باستغراب:
_يا سبحان الله لأول مرة تطلبني، فخضم الجلسة الرومانسية دي.
عاصم بسخرية:
_فـايه يا خويا؟
حمزة بمرح:
_فخضم متعرفهاش يا مثقف؟
عاصم:_ لا ياخويا معرفهاش، لأني مش مهووس كتب زيك، المهم شوفلي حل مع أختك دي مش راضية تحدد معاد الفرح.
اشار حمزة لوجدان بسبابته،فتقدمت منه بخجل من نظرات عاصم المركزة، همس لها ببضع كلمات لتتحول نظراتها التي كانت تشع خجلا منذ ثواني إلى أخرى شرسة، فقال عاصم بقلق:
_يخربيتك يا حمزة، بتقنعها بالفرح و لا بالخلع؟
وجدان بنظرات نارية:
_الفرح هيكون بعد أسبوعين يا بشمهندس، مش ناقصة بلاوي هي.
ثم دلفت للداخل بخطوات سريعة، نظر لشقيقه بذهول:
_ايه ده؟
حمزة بغرور:
_سر المهنة، ايدك على خمسة جنيه.
عاصم باستغراب:
_عشان ايه؟
حمزة:_مش أنا أقنعتلك البت بالفرح، لازم تديني الحلاوة، خمسة جنيه يلا.
عاصم:_طب مش هتقولي قولتلها ايه؟
قال بغمزة:
_عزفت على وتر الغيرة، يا عاصم باشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رمشت بعينيها عدة مرات، لتكون ملامحه أول ما تراه، فقالت بصدمة:
_فادي!!!
فادي بجمود:
_الحمد لله على سلامتك، حاسة بايه؟
جلست بصعوبة، و هي تضع يدها على جبينها لتسيطر على ذلك الألم المبرح:
_ايه اللي حصل؟ ايه اللي جابني هنا؟ و انت طلعتلي منين؟
قال بسخرية:
_طلعتلك من بيت مازن، يا محترمة لولا ستر ربنا كنتي ضعتي.
نجوم بعدم فهم:
_إيه التخريف ده؟ أنا آخر حاجة فاكراها أني حسيت بدوخة، و مازن قالي هياخدني على عيادته، بعدين مش فاكرة.
فادي:_البيه اللي كنتي ماشية معاه من ورا أهلك، حطلك مخدر فالعصير، و أخذك على شقته، أظن أني مش محتاج أشرح كمان.
نجوم بحدة:
_كداب، مازن مبيعملش كده، هو بيحبني.
قال بسخرية:
_بيحبك ماشي، طب و دي ايه؟ بصي كويس للصورة.
نظرت للشاشة بتركيز، ثم قالت بسخرية:
_دي صورتي، بس ده مش رقم مازن.
كز على أسنانه بغيظ:
_يا واطي.
ثم اكمل و هو يرمقها بحدة:
_فوقي على نفسك يا نجوم، الراجل ده بيلعب بيكي، و هيرميكي بعد ما ياخد اللي عاوزو منك، هو قالي الكلام ده، انتي مش اول بنت و لا آخر بنت بيعمل فيها كده.
رغم كلامه الذي يثير الشكوك في عقل أي شخص، لكن ذلك القلب الذي أعماه كلام مازن رفض التصديق:
_أنا عارفة أنت بتعمل كل ده ليه، لأنك مش حابب تشوفني مبسوطة، عاوز تنتقم من بابا بيا أنا.
قال بذهول:
_إيه التهريج ده؟ أنتقم منك ليه؟ انتي أختي يا غبية!!!
نجوم بسخرية:
_أخويا بأمارة ايه؟ دنا مشوفتكش غير تلات مرات، جاي دلوقتي تقنعني أنك أنقذتني من الراجل الوحيد اللي حبني بجد.
مسح وجهه بعنف، كيف سيقنعها بحقارته؟ ذنوبه و جرائمه يعاقب عليها الآن، تذكر كلامه للينا، لقد ظلمها فقط ليقضي وقتا ممتعا، لكن لن يستسلم، قال بتصميم:
_هسيبك دلوقتي يا نجوم، بس وعد مني هثبتلك صحة كلامي، هوريكي أن اللي فاكراه ملاك بجناحات واحد معندوش شرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كعادتها كلما قرر زوجها إقامة أحد سهراته الماجنة، ليغيب عقله بين تلك السموم، التي يشربها بتلذذ، لتكون تلك فرصة رفاق السوء، ليطرقو باب غرفتها عنوة، و ينادونها بأبشع الكلمات، التي تشعرها بالغثيان، بينما تجلس هي في زاوية الغرفة تحتضن صغيرها بقوة، تعزله بكل ما تملكه من قوة عن ما يحدث، بينما هم يشغلون تلك الأغاني التي تستحي الأذن أن تسمعها، ترتل هي القرآن بصوت خافت، أمام اذني طفلها.
لكن هذه الليلة، مختلفة هذه الليلة بدل طرق الباب، يحاول من في الخارج فتحه، قال بصوت لايمت لثمل بصلة:
_افتحي أنا عارف أنك صاحية، متخافيش جوزك نايم، ما تفتحي يا رونق.
ارتعش جسدها الصغير، بخوف، ماذا ستفعل لو استطاع فتح الباب؟لكن قبل أن تجد الجواب، سمعت صوت ارتطام شيء قوي بالباب، يا إلهي يبدو أن كلماته البذيئة لم تكفه، ليحاول كسر الباب، حملت صغيرها النائم، ووضعته فوق السرير، ثم دفعت طاولة الزينة بصعوبة، خلف الباب، تعلم أنها لن تصمد طويلا، فعلى مايبدو أنه مصر على الدخول، نظرت حولها بحيرة، ثم قالت بتصميم:
_اذا المرادي نفدت، المرة الجاية مش هقدر، مفيش غير كده.
فتحت الخزانة ثم جمعت ما تطاله يدها من ملابس، و نقود وضعتها في حقيبة صغيرة، ثم فتحت النافذة، و رمت الحقيبة منها، ثم اقتربت من صغيرها لتوقظه:
_ميران حبيب ماما يلا قوم....ميران قوم يلا.
فتح عينيه الصغيرتين، و قال بنعاس:
_في ايه يا ماما.
قالت محاولة التحكم في دموعها:
_هنطلع من هنا، يلا قوم.
أخذت غطاء السرير، ثم ربطته بخصر طفلها، أنزلته ببطئ من النافذة، التي تبعد عن الأرض بمسافة قصيرة، ثم قفزت خلفه في نفس اللحظة التي استطاع فيها ذلك المجرم كسر الباب.
ركضت بكل ما أوتيت من قوة دون وجهة محددة، كل ما تعلمه أنها يجب أن تنجو من براثن أولئك الذئاب البشرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في غرفته تمدد على سريره، يتذكر ما حدث اليوم، بنظرات ثعلبية ماكرة.
مازن:_نجوم حبيبتي انتي كويسة؟
ابتسمت بإشراق و هي ترى خوفه الجلي على ملامحه، جلس بجانبها و أمسك يديها، و قال بقلق:
_خوفت عليكي أوي، ما صدقت راح أخوكي، عشان أجيلك.
نجوم بفضول:
_ايه اللي حصل؟ كل اللي فاكراه أننا كنا رايحين لعيادتك.
ابتسم بارتياح لأنها لا تفقه ما حصل، لتكون هذه فرصته لزرع الأكاذيب في عقلها المغيب، قال بحزن مصطنع:
_أيوة كنا رايحين للعيادة، بس معرفش أخوكي ده طلع فوشي ازاي، أخدك مني و جابك هنا، هو انتي ليه خبيتي عني أن عندك أخ؟ دايما بتقولي عاصم، عاصم و لا مرة اتكلمتي عن فادي.
قالت بارتباك:
_هو بصراحة أخويا من الأم، دي الخاجة الوحيدة اللي بتجمعني بيه، لما اتجوزت ماما ببابا، عاش هو مع أبوه، عشان كده مش بشوفه خالص.
مازن بأسف:
_أنا آسف أني حطيتك فموقف زي ده، أنا خلاص مش هقدر أستحمل نخبي أكتر من كده.
نجوم بترقب:
_قصدك ايه؟
أخذ نفسا عميقا، و بداخله يلعن فادي لأنه اوقعه في هذا المأزق، لكنه لن يتركها قبل أن يأخذ ما يريده منها، قال و سماويته تنظر لعينيها مباشرة:
_نجوم تتجوزيني؟
صمت، صمت أطبق على الغرفة بعدما القى قنبلته، رمشت عدة مرات تستوعب ما قاله منذ ثواني، قالت بعدم تصديق:
_قولت ايه؟
كلما رأى تأثيره القوي عليها، شعر بالانتشاء و لذة الانتصار، ابتسم بعشق زائف:
_تتجوزيني، لأني مش هقدر أحطك فموقف زي ده مرة تانية، مش هقدر أخبي حبي ليكي أكتر من كده.
أومأت بسعادة، و ضحكات الخجل، امتزجت مع دموع السعادة التي لم تؤثر به و لو قليلا:
_أنا موافقة، موافقة يا مازن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرت لذلك التحليل بأعين متسعة، لا تصدق أن ثمرة خطأها تنمو الآن في أحشائها، كيف ستخبره؟ و هو الذي رفض رفضا قاطعا الزواج بها، لم تنتبه لدخول والدتها، التي جذبت ذلك الجهاز عنوة، لتقول بعد ثواني:
_ايه ده يا لينا؟
نظرت لها بجمود كأن ما فعلته شيء طبيعي:
_زي ما انتي شايفة حامل، يا سوزان هانم.
رفعت يدها و هوت بها على وجنتها بقوة، لكنها لم تكتفي بل جذبتها من خصلاتها، و حركتها بعنف:
_حامل يا واطية؟ أعمل ايه أنا دلوقتي؟ هتتحوزي رامز ازاي؟
لم تستغرب لينا رد فعل والدتها، تعلم تمام العلم أن النقود هي همها الوحيد، كيف لا و هي من علمتها طرق إغراء الرجال، دفعتها بقوة، ثم بدأت بالدوران في الغرفة تفكر في حل ينقذها من هذا، لتقول بعد ثواني:
_محدش هيعرف بالمصيبة دي، حتى الزفت أبوه، ألا صحيح هو مين يا هانم يا محترمة؟
قالت ببرود:
_فادي الشرقاوي.
سوزان:_مسمعتش عنه قبل كده، ده بيثبت أنو من حثالة المجتمع، المهم بكره هنروح لدكتور معرفة، هيسقط البيبي، و يعملك ترقيع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحيانا عندما تشعر انك وصلت لطريق مسدود، أين تتشكل أمامك ذنوبك ككوابيس تبتلعك بلا رحمة، يرسل الله لك إشارة لتتوب، يرسل إليك طوق النجاة، لتعود إليه،فيكون لك الاختيار إما أن تركب تلك السفينة التي ستوصلك لبر الأمان، أو تواصل السباحة دون أن تعرف وجهتك.
كان يقود سيارته باتجاه شقته، و الأفكار تتزاحم في عقله، أي انحطاط وصل اليه؟ لقد كان على وشك خسارة شقيقته، الآن فقط فهم (كما تدين تدان)، قطع شروده مرور تلك الغريبة من أمام سيارته، فأوقف السيارة بسرعة قبل أن يصطدم بها، نزل بسرعة، و قال بقلق:
_انتي كويسة يا مدام.
نظرت له رونق بخوف، و كان ذلك واضحا من تشبثها بصغيرها النائم على كتفها، فكررسؤاله بهدوء:
_حضرتك كويسة؟ حصلك حاجة؟ أنا آسف بس كنت شارد مخدتش بالـ..
صمت فجأة عندما لمح مجموعة من الشباب ذوي المظاهر المريبة، قادمين نحوها، فقال بحدة:
_عاوزين ايه منك ليه؟
قال أحدهم بنبرة غير متزنة:
_عاوزين المزة يا برنس، خد الواد مش عاوزينه.
ثم مد يده اتجاه رونق، التي تراجعت للخلف، فأمسكه فادي من تلابيبه و قال بغضب:
_ايدك دي هكسرهالك لو اتمدت مرة تانية، يلا من هنا و الا مش هخليكم تنفعو لست مرة تانية.
بعد ذهابهم، التفت اليها فانكمشت بخوف، لربما طردهم ليخلو الجو له، و تكون فرصته، قال بنبرة هادئة،كي لا يزيد خوفها:
_ممكن أعرف ست زيك بتعمل ايه فالوقت ده فالشارع؟
رونق بحدة عكس ضربات قلبها الخائفة:
_ملكش دعوة.
كز على أسنانه بغيظ:
_هو مال الكل بيقول نفس الجملة النهارده؟ حضرتك أنا بقول ده من باب الانسانية، أنا مش زي ما انتي فاكرة.
ثم أكمل بهمس( او على الأقل بقيت):
_حضرتك رايحة فين و أنا هوصلك.
قالت بنفي:
_مفيش داعي.
فادي:_بس لو سيبتك، هتلاقي شباب زي اللي كانو هنا دلوقتي، و الله أعلم هيعملولك ايه.
قالت بهمس، و دموعها قد وجدت مسارها على وحنتيها:
_أنا مليش مكان أروحله.
خلل أصابعه بين خصلاته بحيرة، ليس من الصائب ان يأخذها لمنزله، و مظهرها المحتشم يوحي أنها سترفض، هذا إن لم تضربه بحقيبتها، فكر قليلا، ثم استل هاتفه، و ضغط على ذلك الرقم بتردد، ثواني ليأتيه صوت زوج والدته:
_السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، فادي في حاجة يا بني؟
قال فادي بتردد:
_ممكن أطلب منك طلب؟
أكمل بنبرة التمس فيها الحنان:
_أيوة طبعا يا بني اتفضل.
فادي:_أنا جاي دلوقتي، و معايا ضيفة.
جلس ميران على قدميها، و قال بحماس طفولي:
_ميلان خلث لعب، و لونق خلصت شغل، وقت الدلث دلوقتي.
عضت وجنتيه المنتفختين، فضحك بصوت يبعث البهجة لقلبها الذي لا يعرف السعادة إلا على يديه:
_قبل ما نبدا درس النهارده، قولي الأول اتكلمنا ايه المرة اللي فاتت؟
ميران و هو يلوح بيديه:
_اتكلمنا لما لبنا بعت الطيل الأبابيل، لقليث عثان كانو هيهدمو الكعبة.(اتكلمنا لما ربنا بعت الطير الأبابيل لقريش عشان كانو ا هيهدوا مكة).
رونق بابتسامة:
_شاطر يا روح رونق، النهارده هنتكلم عن ولادة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، بنقول ايه؟
ميران بابتسامة:
_ثلى الله عليه و ثلم.
رونق:_نبينا الكريم، ولد في نفس السنة اللي ربنا بعت فيها الطير الأبابيل، أبوه مات قبل ما ينولد، و أمو آمنة بنت وهب، ماتت لما كان عنده ست سنين.
في ظل اندماج ميران مع كلام والدته، التي أخذت عهدا أن تعلمه ما تعرفه،لعل الله يغفرلها زلتها، دلف سليم بملامح جامدة خالية من أي نظرة حنان، نظر لابنه الذي ارتعش جسده الصغير فور رؤيته:
_على أوضتك.
رمقته رونق بغضب، ثم التفت لميران و قالت بحنان ممررة أناملها على خصلاته المموجة:
_روح على اوضتك يا حبيبي، و هكلم بابا شوية و جاية.
أومأ بصمت، ثم ركض ناحية غرفته دون النظر خلفه، تفحصها سليم بداية من فستانها الصيفي القصير إلى خصلاتها الفحمية التي سرحتها على شكل جديلة، استقرت على كتفها الأيمن:
_بذمتك ده منظر ست؟
قالت بلؤم، رغم ارتعاش جسدها بخوف:
_لامؤاخذة يعني، أصلي معرفش ألبس زي البنات اللي متعود عليهم، لأني نظيفة.
سليم بسخرية:
_نظيفة قولتيلي؟ المهم الليلة عاوزك تجهزي كل حاجة عندي سهرة.
رونق بغضب:
_سهرة ايه و زفت ايه؟ أنت امته هتبطل القرف ده؟
أمسكها من خصلاتها بعنف، فصرخت بصوت مكتوم كي لا يسمع ميران صوتها:
_مش هعيد كلامي مرتين، هتعملي اللي بقولك عليه و الا انتي عارفاني، و الكرباج اللي فالأوضة يشهد.
ثم نفضها بعنف لتسقط أرضا، قالت بصوت مقهور اودعت فيه كل مشاعر الندم الذي يجلدها كل يوم:
_الله يلعن اليوم اللي حبيتك فيه، ربنا ينتقم منك.
نزل لمستواها و قال بفحيح:
_لو مش عاجبك يا رونقي، الباب أهو بيفوت جمل، ارجعي لأبوكي.
ثم أكمل بسخرية:
_آه سوري نسيت أنه اتبرى منك.
ابتلعت تلك الغصة بصغوبة، اختارت خنزيرا معدوم الانسانية بدل والدها الذي فنى حياته لأجلها.
سليم:_يلا قومي جهزي كل حاجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تدين تدان، مقولة نسمعها دوما، لكننا لا نفهم معناها إلا عندما نجرب مرارتها، منذ دقائق فقط كان يستبيح لنفسه عرض صديقه، غافلا عن أن الله يمهل و لا يهمل، لتأتي الضربة في شقيقته، شقيقته التي ظن أنه لن يجتمع بها أبدا بسبب مشاعر الكره التي تجتاحه اتجاه زوج والدته،
(اللي ياكل لوحده يزور يا معلم)
(مقولتليش اسم المزة)
(هي فرسة للدرجادي)
(ما تخلص يا عم سيبنا ندوق)
وصل لتلك الشقة التي شهدت على جرائمه، اجل بات الآن يراها جرائم، بعدما كانت متعة، طرق الباب بعنف، ليفتح له مازن بملامح غاضبة، سرعان ما تحولت لسخرية:
_ايه يا عم مقدرتش تصبر و لا ايه؟
أمسكه من تلابيبه و قال بغضب يتخلله مشاعر الخوف لأول مرة:
_عملتلها ايه يا حيوان.
مازن بدهشة:
_أنت بتخرف بتقول ايه؟ هو عقلك اتلحس؟
دفعه بعنف، ثم بحث عنها في أرجاء المنزل كالمحنون، ليجدها أخيرا مسجاة على سرير الغرفة، و خصلاتها الشقراء تفترش الوسادة، أسرع بتغطيتها، ثم حملها و خرج من الغرفة، ليقابله مازن بملامح مذهولة:
_أنت واخد البت فين؟
فادي بنظرات غاضبة:
_ابعد عن وشي يا مازن، و حسابنا بعدين، عشان تحرم تقرب لأختي يا كلب.
مازن:_أختك!!!!
فادي:_ابعد من وشي.
ابتعد عن طريقه بصدمة جلية على ملامحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تفرك يديها بتوتر و وجه يكاد يشتعل خجلا، بينما ينظر لها بتسلية:.
_ارحمي صوابعك هتقطعيهم، كل ده عشان قولتلك نحدد معاد الفرح؟
ألا يعلم أن مجرد التفكير في أنها ستصبح زوجته حقا بعد أيام، يجعل جسدها الصغير يرتعش، و مشاعر الخجل امتزجت مع مشاعر الغبطة، اللقاء الذي حلمت به منذ نعومة أظفارها، ستحدده هي، فقالت بصوت يكاد لا يكون مسموعا:
_اللي تشوفه أنت و بابا اعملو.
عاصم بحنان، و كفه تتسلل لذقنها لترفعه لمستوى سوداويتيه:
_مش اللي اشوفه أنا، اللي نشوفه أحنا يا وجداني، لأن دي هتكون حياة مشتركة، لازم نتعود ناخد كل قراراتنا مع بعض، عشان محدش فينا يندم.
نظراته تلك التي تعبث بحواسها بطريقة مغرية، تجعل ذلك القلب ينبض بعنف، ربطت لسانها، و اذهبت صوتها.
انتبه عاصم لسيارة حمزة التي دخلت عبر البوابة، فناداه بلهفة:
_حمزة تعالى.
تقدم منهما باستغراب:
_يا سبحان الله لأول مرة تطلبني، فخضم الجلسة الرومانسية دي.
عاصم بسخرية:
_فـايه يا خويا؟
حمزة بمرح:
_فخضم متعرفهاش يا مثقف؟
عاصم:_ لا ياخويا معرفهاش، لأني مش مهووس كتب زيك، المهم شوفلي حل مع أختك دي مش راضية تحدد معاد الفرح.
اشار حمزة لوجدان بسبابته،فتقدمت منه بخجل من نظرات عاصم المركزة، همس لها ببضع كلمات لتتحول نظراتها التي كانت تشع خجلا منذ ثواني إلى أخرى شرسة، فقال عاصم بقلق:
_يخربيتك يا حمزة، بتقنعها بالفرح و لا بالخلع؟
وجدان بنظرات نارية:
_الفرح هيكون بعد أسبوعين يا بشمهندس، مش ناقصة بلاوي هي.
ثم دلفت للداخل بخطوات سريعة، نظر لشقيقه بذهول:
_ايه ده؟
حمزة بغرور:
_سر المهنة، ايدك على خمسة جنيه.
عاصم باستغراب:
_عشان ايه؟
حمزة:_مش أنا أقنعتلك البت بالفرح، لازم تديني الحلاوة، خمسة جنيه يلا.
عاصم:_طب مش هتقولي قولتلها ايه؟
قال بغمزة:
_عزفت على وتر الغيرة، يا عاصم باشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رمشت بعينيها عدة مرات، لتكون ملامحه أول ما تراه، فقالت بصدمة:
_فادي!!!
فادي بجمود:
_الحمد لله على سلامتك، حاسة بايه؟
جلست بصعوبة، و هي تضع يدها على جبينها لتسيطر على ذلك الألم المبرح:
_ايه اللي حصل؟ ايه اللي جابني هنا؟ و انت طلعتلي منين؟
قال بسخرية:
_طلعتلك من بيت مازن، يا محترمة لولا ستر ربنا كنتي ضعتي.
نجوم بعدم فهم:
_إيه التخريف ده؟ أنا آخر حاجة فاكراها أني حسيت بدوخة، و مازن قالي هياخدني على عيادته، بعدين مش فاكرة.
فادي:_البيه اللي كنتي ماشية معاه من ورا أهلك، حطلك مخدر فالعصير، و أخذك على شقته، أظن أني مش محتاج أشرح كمان.
نجوم بحدة:
_كداب، مازن مبيعملش كده، هو بيحبني.
قال بسخرية:
_بيحبك ماشي، طب و دي ايه؟ بصي كويس للصورة.
نظرت للشاشة بتركيز، ثم قالت بسخرية:
_دي صورتي، بس ده مش رقم مازن.
كز على أسنانه بغيظ:
_يا واطي.
ثم اكمل و هو يرمقها بحدة:
_فوقي على نفسك يا نجوم، الراجل ده بيلعب بيكي، و هيرميكي بعد ما ياخد اللي عاوزو منك، هو قالي الكلام ده، انتي مش اول بنت و لا آخر بنت بيعمل فيها كده.
رغم كلامه الذي يثير الشكوك في عقل أي شخص، لكن ذلك القلب الذي أعماه كلام مازن رفض التصديق:
_أنا عارفة أنت بتعمل كل ده ليه، لأنك مش حابب تشوفني مبسوطة، عاوز تنتقم من بابا بيا أنا.
قال بذهول:
_إيه التهريج ده؟ أنتقم منك ليه؟ انتي أختي يا غبية!!!
نجوم بسخرية:
_أخويا بأمارة ايه؟ دنا مشوفتكش غير تلات مرات، جاي دلوقتي تقنعني أنك أنقذتني من الراجل الوحيد اللي حبني بجد.
مسح وجهه بعنف، كيف سيقنعها بحقارته؟ ذنوبه و جرائمه يعاقب عليها الآن، تذكر كلامه للينا، لقد ظلمها فقط ليقضي وقتا ممتعا، لكن لن يستسلم، قال بتصميم:
_هسيبك دلوقتي يا نجوم، بس وعد مني هثبتلك صحة كلامي، هوريكي أن اللي فاكراه ملاك بجناحات واحد معندوش شرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كعادتها كلما قرر زوجها إقامة أحد سهراته الماجنة، ليغيب عقله بين تلك السموم، التي يشربها بتلذذ، لتكون تلك فرصة رفاق السوء، ليطرقو باب غرفتها عنوة، و ينادونها بأبشع الكلمات، التي تشعرها بالغثيان، بينما تجلس هي في زاوية الغرفة تحتضن صغيرها بقوة، تعزله بكل ما تملكه من قوة عن ما يحدث، بينما هم يشغلون تلك الأغاني التي تستحي الأذن أن تسمعها، ترتل هي القرآن بصوت خافت، أمام اذني طفلها.
لكن هذه الليلة، مختلفة هذه الليلة بدل طرق الباب، يحاول من في الخارج فتحه، قال بصوت لايمت لثمل بصلة:
_افتحي أنا عارف أنك صاحية، متخافيش جوزك نايم، ما تفتحي يا رونق.
ارتعش جسدها الصغير، بخوف، ماذا ستفعل لو استطاع فتح الباب؟لكن قبل أن تجد الجواب، سمعت صوت ارتطام شيء قوي بالباب، يا إلهي يبدو أن كلماته البذيئة لم تكفه، ليحاول كسر الباب، حملت صغيرها النائم، ووضعته فوق السرير، ثم دفعت طاولة الزينة بصعوبة، خلف الباب، تعلم أنها لن تصمد طويلا، فعلى مايبدو أنه مصر على الدخول، نظرت حولها بحيرة، ثم قالت بتصميم:
_اذا المرادي نفدت، المرة الجاية مش هقدر، مفيش غير كده.
فتحت الخزانة ثم جمعت ما تطاله يدها من ملابس، و نقود وضعتها في حقيبة صغيرة، ثم فتحت النافذة، و رمت الحقيبة منها، ثم اقتربت من صغيرها لتوقظه:
_ميران حبيب ماما يلا قوم....ميران قوم يلا.
فتح عينيه الصغيرتين، و قال بنعاس:
_في ايه يا ماما.
قالت محاولة التحكم في دموعها:
_هنطلع من هنا، يلا قوم.
أخذت غطاء السرير، ثم ربطته بخصر طفلها، أنزلته ببطئ من النافذة، التي تبعد عن الأرض بمسافة قصيرة، ثم قفزت خلفه في نفس اللحظة التي استطاع فيها ذلك المجرم كسر الباب.
ركضت بكل ما أوتيت من قوة دون وجهة محددة، كل ما تعلمه أنها يجب أن تنجو من براثن أولئك الذئاب البشرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في غرفته تمدد على سريره، يتذكر ما حدث اليوم، بنظرات ثعلبية ماكرة.
مازن:_نجوم حبيبتي انتي كويسة؟
ابتسمت بإشراق و هي ترى خوفه الجلي على ملامحه، جلس بجانبها و أمسك يديها، و قال بقلق:
_خوفت عليكي أوي، ما صدقت راح أخوكي، عشان أجيلك.
نجوم بفضول:
_ايه اللي حصل؟ كل اللي فاكراه أننا كنا رايحين لعيادتك.
ابتسم بارتياح لأنها لا تفقه ما حصل، لتكون هذه فرصته لزرع الأكاذيب في عقلها المغيب، قال بحزن مصطنع:
_أيوة كنا رايحين للعيادة، بس معرفش أخوكي ده طلع فوشي ازاي، أخدك مني و جابك هنا، هو انتي ليه خبيتي عني أن عندك أخ؟ دايما بتقولي عاصم، عاصم و لا مرة اتكلمتي عن فادي.
قالت بارتباك:
_هو بصراحة أخويا من الأم، دي الخاجة الوحيدة اللي بتجمعني بيه، لما اتجوزت ماما ببابا، عاش هو مع أبوه، عشان كده مش بشوفه خالص.
مازن بأسف:
_أنا آسف أني حطيتك فموقف زي ده، أنا خلاص مش هقدر أستحمل نخبي أكتر من كده.
نجوم بترقب:
_قصدك ايه؟
أخذ نفسا عميقا، و بداخله يلعن فادي لأنه اوقعه في هذا المأزق، لكنه لن يتركها قبل أن يأخذ ما يريده منها، قال و سماويته تنظر لعينيها مباشرة:
_نجوم تتجوزيني؟
صمت، صمت أطبق على الغرفة بعدما القى قنبلته، رمشت عدة مرات تستوعب ما قاله منذ ثواني، قالت بعدم تصديق:
_قولت ايه؟
كلما رأى تأثيره القوي عليها، شعر بالانتشاء و لذة الانتصار، ابتسم بعشق زائف:
_تتجوزيني، لأني مش هقدر أحطك فموقف زي ده مرة تانية، مش هقدر أخبي حبي ليكي أكتر من كده.
أومأت بسعادة، و ضحكات الخجل، امتزجت مع دموع السعادة التي لم تؤثر به و لو قليلا:
_أنا موافقة، موافقة يا مازن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرت لذلك التحليل بأعين متسعة، لا تصدق أن ثمرة خطأها تنمو الآن في أحشائها، كيف ستخبره؟ و هو الذي رفض رفضا قاطعا الزواج بها، لم تنتبه لدخول والدتها، التي جذبت ذلك الجهاز عنوة، لتقول بعد ثواني:
_ايه ده يا لينا؟
نظرت لها بجمود كأن ما فعلته شيء طبيعي:
_زي ما انتي شايفة حامل، يا سوزان هانم.
رفعت يدها و هوت بها على وجنتها بقوة، لكنها لم تكتفي بل جذبتها من خصلاتها، و حركتها بعنف:
_حامل يا واطية؟ أعمل ايه أنا دلوقتي؟ هتتحوزي رامز ازاي؟
لم تستغرب لينا رد فعل والدتها، تعلم تمام العلم أن النقود هي همها الوحيد، كيف لا و هي من علمتها طرق إغراء الرجال، دفعتها بقوة، ثم بدأت بالدوران في الغرفة تفكر في حل ينقذها من هذا، لتقول بعد ثواني:
_محدش هيعرف بالمصيبة دي، حتى الزفت أبوه، ألا صحيح هو مين يا هانم يا محترمة؟
قالت ببرود:
_فادي الشرقاوي.
سوزان:_مسمعتش عنه قبل كده، ده بيثبت أنو من حثالة المجتمع، المهم بكره هنروح لدكتور معرفة، هيسقط البيبي، و يعملك ترقيع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحيانا عندما تشعر انك وصلت لطريق مسدود، أين تتشكل أمامك ذنوبك ككوابيس تبتلعك بلا رحمة، يرسل الله لك إشارة لتتوب، يرسل إليك طوق النجاة، لتعود إليه،فيكون لك الاختيار إما أن تركب تلك السفينة التي ستوصلك لبر الأمان، أو تواصل السباحة دون أن تعرف وجهتك.
كان يقود سيارته باتجاه شقته، و الأفكار تتزاحم في عقله، أي انحطاط وصل اليه؟ لقد كان على وشك خسارة شقيقته، الآن فقط فهم (كما تدين تدان)، قطع شروده مرور تلك الغريبة من أمام سيارته، فأوقف السيارة بسرعة قبل أن يصطدم بها، نزل بسرعة، و قال بقلق:
_انتي كويسة يا مدام.
نظرت له رونق بخوف، و كان ذلك واضحا من تشبثها بصغيرها النائم على كتفها، فكررسؤاله بهدوء:
_حضرتك كويسة؟ حصلك حاجة؟ أنا آسف بس كنت شارد مخدتش بالـ..
صمت فجأة عندما لمح مجموعة من الشباب ذوي المظاهر المريبة، قادمين نحوها، فقال بحدة:
_عاوزين ايه منك ليه؟
قال أحدهم بنبرة غير متزنة:
_عاوزين المزة يا برنس، خد الواد مش عاوزينه.
ثم مد يده اتجاه رونق، التي تراجعت للخلف، فأمسكه فادي من تلابيبه و قال بغضب:
_ايدك دي هكسرهالك لو اتمدت مرة تانية، يلا من هنا و الا مش هخليكم تنفعو لست مرة تانية.
بعد ذهابهم، التفت اليها فانكمشت بخوف، لربما طردهم ليخلو الجو له، و تكون فرصته، قال بنبرة هادئة،كي لا يزيد خوفها:
_ممكن أعرف ست زيك بتعمل ايه فالوقت ده فالشارع؟
رونق بحدة عكس ضربات قلبها الخائفة:
_ملكش دعوة.
كز على أسنانه بغيظ:
_هو مال الكل بيقول نفس الجملة النهارده؟ حضرتك أنا بقول ده من باب الانسانية، أنا مش زي ما انتي فاكرة.
ثم أكمل بهمس( او على الأقل بقيت):
_حضرتك رايحة فين و أنا هوصلك.
قالت بنفي:
_مفيش داعي.
فادي:_بس لو سيبتك، هتلاقي شباب زي اللي كانو هنا دلوقتي، و الله أعلم هيعملولك ايه.
قالت بهمس، و دموعها قد وجدت مسارها على وحنتيها:
_أنا مليش مكان أروحله.
خلل أصابعه بين خصلاته بحيرة، ليس من الصائب ان يأخذها لمنزله، و مظهرها المحتشم يوحي أنها سترفض، هذا إن لم تضربه بحقيبتها، فكر قليلا، ثم استل هاتفه، و ضغط على ذلك الرقم بتردد، ثواني ليأتيه صوت زوج والدته:
_السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، فادي في حاجة يا بني؟
قال فادي بتردد:
_ممكن أطلب منك طلب؟
أكمل بنبرة التمس فيها الحنان:
_أيوة طبعا يا بني اتفضل.
فادي:_أنا جاي دلوقتي، و معايا ضيفة.