الفصل الثالث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث.
دخل لغرفته على أطراف أصابعه، نظر لشقيقه النائم بعمق غافل عما حوله، ابتسم بخبث، ثم فتح هاتفه، ليشغل تلك النغمة العالية، التي جعلت عاصم ينتفض فزعا:
_إيه ده إيه اللي حصل؟
لم يستطع حمزة التحكم في ضحكاته، على حالة شقيقه، الذي يقع في نفس المقلب كل مرة، رمقه عاصم بحدة أخافته، فقال و هو يتراجع للخلف:
_اهدى كده يا أبو ماجد و صلي عاانبي.
لكن ذلك لم يزده إلا غضبا، ليركض خلفه محاولا الإمساك به:
_و ربنا لوريك يا كلب، استنى عليا.
حمزة بسخرية:
_طب استر نفسك الأول يا شبح.
لم يفهم مقصده إلا أن سمع تلك الشهقة الأنثوية، التفت ليجد وجدان تغطي عينيها، نظر لنفسه ليجد أن جذعه العلوي عاري تماما، كز على أسنانه بغيظ، لكن قبل أن يتخذ أي رد فعل، رمى حمزة القميص في وجهه:
_البس خضيت البت، يخربيتك.
قالت وجدان بخجل:
_هروح أحضر الفطار، عن إذنكو.
حمزة برجاء:
_خوديني معاكي يا جوجو، لأن الجو مش أمان هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تجعل الآخرين، شماعة تعلق عليها أخطائك، لأننا نملك من العقل ما نستطيع به التفريق بين الخطأ و الصواب....لأننا بعد الموت و بين جنبات القبر المظلم، سنحاسب على أفعالنا بمفردنا، لا شفيع غير نبينا الكريم، لا أم، لا أب، لا حبيب، لا أحد.
دخلت سيارتها من بوابة الفيلا، في نفس الوقت الذي خرجت فيه سيارة شقيقها، من البديهي أن يسألها أين كانت، و من أين عادت، لكنه تجاهلها تماما مما أدمى قلبها.
انتبهت لنظرات الحرس و الخدم الساخرة، يشوبها الاشمئزاز، نظرات اعتادت عليها.
دلفت لداخل القصر بسرعة لتجد والدتها تجلس خلف طاولة الطعام، تقلب جهازها اللوحي بلامبالاة، اكملت خطواتها إلى غرفتها،لكنها توقفت على سؤالها.
سوزان:_كنتي فين من امبارح يا لينا؟
قالت بسخرية:
_مش شايفة أن سؤالك متأخر حبتين يا سوزان هانم؟
رمقتها بحدة لم تؤثر بها:
_لما أسألك تجاوبي، كنتي فين امبارح؟
لينا ببرود:_كنت سهرانة فبيت جودي، و نمت هناك.
سوزان:_طب جهزي نفسك، ريناد هانم هتيجي الليلة هالعشا، مع ابنها رامز.
يا للسخرية والدتها لا تنفك تعرضها على كل صديقاتها ذوات النفوذ، فقالت ببرود:
_صففة جديدة يعني؟ ريحي نفسك يا سوزان هانم و طلعيني من حساباتك، جواز على طريقتك مش هتجوز.
سوزان:_أنا مش بطلب منك، انا بقولك، أنا لسه منسيتش عاصم الصياد اللي ضيعتيه من ايدينا.
لينا بسخرية:
_عاصم الصياد؟ المعقد ده اللي مبصش حتى لوشي؟ لا و فالآخر راح اتجوز بنت عمه اللي مفيهاش ريحة الأنوثة.
سوزان:_أهي اللي مفيهاش ريحة الأنوثة دي عملت اللي انتي مقدرتيش تعمليه، المهم الليلة عاوزاكي تجنني رامز، لأن فلوسه هيعيشوكي ملكة طول عمرك.
نظرت لها بحنق، ثم صعدت لغرفتها بخطوات غاضبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طوال فترة تناولهم الإفطار، و هي تتجاهله بل و تشيعه بنظرات حانقة بين الفينة و الأخرى، أمسك كفها بحنان:
_وجداني زعلانة ليه؟
سحبت كفها، و أكملت ما تفعله بعبوس، تحت أنظار حمزة الذي رفع يده و قال بهمس:
_واحد اتنين تلاتة.
فور إنهائه العد، قالت وجدان بغضب:
_أنت ازاي تخرج بره أوضتك من غير قميص؟ إيه مفيش حريم معاك فالبيت و لا إيه؟
عاصم بدهشة:
_حريم!!! محسساني أني عايش فجناح جواري و أنا مش عارف، بعدين هو أنا طلعت بمزاجي؟ كلو من الغبي معدوم الإحساس اللي ما يتسمى.
قالت بعبوس:
_إفرض نجوم شافتك و انت كده؟
عاصم بتسلية:
_و فيها ٱإيه؟
رفعت السكين في وجهه، قائلة بشراسة:
_سمعني كده تاني يا ابن عمي.
رفع يديه للأعلى بخوف مصطنع:
_المرة الجاية هنام بالقميص، عشان لما الغبي التاني يجي يعمل مقلب أكون جاهز، و هقفل الزراير كمان، بس نزلي السكينة الشيطان شاطر.
وقف حمزة يستند على باب المطبخ، و قال بسخرية:
_البت دي عندها ميول إجرامية فظيعة، ابقى خد بالك يا عصومي لاحسن تفيق الصبح تلاقي نفسك فالجنة ترفرف.
جذب عاصم السكين من يد وجدان، و قال بنظرات شريرة:
_هو أنا مقولتلكش؟ أصلي هبعتك هناك قبلي يا ابو نسب.
تراجع للخلف بابتسامة متوترة:
_كده يا عصومي هتقتل أخوك الصغير؟ هتبقى مجرم على آخر الزمن، و تتحكم إعدام، و تترمل البونية قبل ما تدخل الدنيا.
وجدان:_خلاص يا عاصم سامحه المرادي عشان خاطري. بعدين النهارده دوره فالدرس، و أنا مش عاوزة يضيع عليا.
عاصم بحب:
_عشان خاطرك بس يا وجداني.
حمزة بهمس:
_نحنوح من يومك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج من الغرفة، يجر خطاه بخمول، نظر له ميران بابتسامة بريئة:
_ثباح الخيل يا بابا.
لم يجبه بل جلس خلف طاولة الطعام الصغيرة، و قال ببرود، دون النظر اليها:
_اعملي قهوة، لأني مصدع.
قالت و هي تطعم ميران بحنان:
_أخلص أكل ميران و اعملك، تكون أخدت دوش.
ضرب الطاولة بقوة، مما جعل ميران ينتفض بفزع، و يتمسك بوالدته:
_لما أقولك تعملي زفت قهوة، تقومي من سكات و تعمليها، عشان مزعلكيش يا رونق، يلا فزي قومي، و انت اتنيل كمل أكلك لوحدك.
نزلت دموع الصغير من قسوة والده التي لا يستطيع عقله الصغير تبريرها، فيكتفي بالدخول بين ذراعي والدته التي تحاول بقواها الواهية حمايته من بطش زوجها، الذي تحول من العاشق الذي تركت عائلتها لاجله، إلى رجل سادي يتلذذ بتعذيبها، بعدما تغيب الخمور عقله، وقفت بسرعة، و اشعلت الموقد بيد و اليد الأخرى تمسك بها ميران، كي لا ينال من غضب والده ما لا يستطيع جسده الصغير تحمله.
وضعت الفنجان أمامه، ثم جذبت ميران لخارج المطبخ، هروبا من براثنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضعت الوسادة على رأسها بسبب صوت المذياع العالي، لكن دون جدوى، نزعت الغطاء بعنف، و خرجت من الغرفة بهيئتها المشعثة، لتجد وجدان تحضر الغداء بابتسامة وديعة، و صوت القرآن ينتشر في الأرجاء ليريح النفوس من أعبائها، و يجعل القلوب تخشع.
نجوم بغضب:
_إيه ده يا وجدان؟ هو الواحد ميقدرش ينام يوم فالبيت ده؟
وجدان بابتسامة صافية:
_صباح الخير أولا، تانيا الظهر هيأذن بعد شوية،يعني وقت النوم عدى خلاص، روحي اغسلي وشك و اتوضي عشان نصلي الجمعة، و نحضر الدرس بتاع حمزة.
نجوم بنزق:
_بقولك ايه بلاش دور العابدة الزاهدة ده، لأنه قلبلي معدتي وربنا.
نظرت لها وجدان بابتسامة هادئة:
_حبيبة قلبي أنا لا بعمل دور و لا حاجة، أنا عاوزة مصلحتك، بدل النوم ده اللي ممنوش فايدة خلينا نصلي و نذكر ربنا أحسن، لأن يوم الجمعة يوم مبارك.
نظرت لها بغيظ، ثم عادت لغرفتها بغضب، سمعت رنين هاتفها بنغمته المميزة، ففتحته بلهفة:
_مازن حبيبي صباح الخير.
مازن:_صباح العسل على أحلى بنت فيكي يا مصر، أهو كده الصباح و لا بلاش.
ابتسمت بغرور، فأكمل هو بنبرة عاشقة اصطنعها بمهارة:
_وحشتيني أوي، نفسي أشوفك.
قالت بعبوس:
_ياريت بس مقدرش اطلع.
مازن باستغراب:
_ليه؟
نجوم:_ابن عمي عاصم الزفت، مانعني من الطلعة.
مازن بغضب:
_طب و الحل؟
نجوم:_أ...
قاطعها دخول وجدان، فأسرعت بإغلاق الهاتف بفزع، ثم رمقتها بتوتر:
_انتي ازاي تدخلي كده؟
وجدان مضيقة عينيها بشك:
_كنتي بتكلمي مين؟و ليه قفلتي اول ما دخلت؟
نجوم بغضب:
_و انتي مالك؟ و آخر مرة تدخلي كده.
تهربها من الإجابة لم يمر على وجدان، لكنها آثرت الصمت حتى تتأكد من شكوكها، التي تدعو الله أن تكون واهية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس كلا من عاصم و وجدان مقابل حمزة بحماس، ينتظرون الدرس الذي سيلقيه، منذ صغرهم يقوم كل واحد منهم بعد صلاة الجمعة بإلقاء ما يعرفه من أمور دينية كانت، أو علمية،و هذا الأسبوع دور حمزة.
قال حمزة بسخرية:
_طب اعملو مسافة بين بعض يا حلوين،لأني النهارده هحكي قصة حب السيدة زينب بنت الرسول عليه الصلاة و السلام،و أبا العاص رضي الله عنه، تحسبا لأي شحنات ديناميكية رومانسية، ابعدوا عن بعض.
ابتعد عاصم و هو يرمق شقيقه بحنق، أما وجدان فكادت تذوب خجلا من تلميحاته المخجلة.
أخذ نفسا عميقا ثم بدأ يسرد ما يعرفه عن القصة:
_القصة يا إخوان بدأت لما أبا العاص رضي الله عنه و أرضاه راح لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم.
تمتم كلا من عاصم ووجدان:
_عليه افضل الصلاة وازكى السلام.
حمزة:_طلب منه ايد السيدة زينب رضي الله عنها، و رسولنا الكريم راح لبنته و قالها ابن خالتك طلب ايدك، ساعتها ابتسمت رضي الله عنها.
نظر عاصم لوجدان بهيام، فقال حمزة بسخرية:
_مش اللي فبالك يا ابو نسب، البت أول ما عرفت أنك طالب ايدها أغمى عليها من الخضة يا عيني.
عاصم بغيظ:
_هو انت لازم تقطع برزقي دايما؟
حمزة:_الله عاوزني أكذب و أخش النار عشانك، لا يا عم مش بعزقة هي، المهم نكمل، و طبعا اتجوزو بعدها، و خلفو علي و أمامة، بس بعدين بدأت المشاكل لما رسولنا الكريم بقا نبي، صلى الله عليه و سلم.
عاصم/وجدان:_عليه افضل الصلاه و ازكى السلام.
حمزة:_فالسيدة زينب طبعا صدقت أبوها، و دخلت للاسلام، و لما رجع أبا العاص و عرف اتعصب و ثار، قالتله السيدة زينب ( لم يكون أبي كذابا) و قالتله أن صاحبه أبا بكر الصديق كمان دخل للاسلام، جاوبها و قال مش أنا اللي أخذل قومي، و عدى عالكلام ده عشرين سنة، حتى وصلت غزوة بدر، و نزل أبا العاص و رسولنا الكريم للحرب، و وقع أبا العاص فالأسر، فالسيدة زينب عشان تفديه ادت عقد أمها السيدة خديجة رضي الله عنها، لما شافها نبينا الكريم افتكر مراته، و سأل لمين الفداء ده، قالوله فداء السيدة زينب لأبا العاص، وقف نبينا الكريم، و طلب أنه يتحرر أبا العاص، فالكل وافق، و رجع العقد للسيدة زينب، بس قبل ما يسيبوه طلب منن أنه يطلق بنته عشان ربنا حرم جواز مشرك بمسلمة، فوافق أبا العاص، و عدى عالكلام ده ست سنين، حاول كتير من الخاطبين الجواز بيها بس هي كانت ترفض، لحبها لأبا العاص، و فليلة من الليالي كان راجع أبا العاص رضي الله عنه، بالقافلة، فمجموعة من المسلمين هاجموه و أخدو القافلة، فهرب أبا العاص و لجأ للسيدة زينب، فسألته اذا جه عشان يعلن اسلامه، قالها أنو جاي يستغيث بيها، فهي أغاثته، و نادت وسط القوم أن أبا العاص لجأ ليها و هي أغاثته، نبينا الكريم طلب منهم يرجعوله ماله فهما وافقو، فقال لقد أجرنا من أحرتي يا زينب، وقتها أبا العاص أخذ القافلة و رجعها للقوم، و رجع لنبينا الكريم و أعلن إسلامه، و رجع سيدةةزينب، بعد سنة انتقلت لجوار ربها، و من حزنه عليها مات بعدها بسنة.
ترقرقت الدموع في عيني وجدان، أما عاصم فقال بتأثر:
_أكتر من عشرين سنة، حبهم منقصش و لا ذرة.
حمزة بابتسامة:
_عشان كان التعامل بما يرضي الله حتى لو كان من طرف السيدة زينب، قبل دخول جوزها للاسلام، المودة و الرحمة، و الثقة كانت أساس بيت المسلمين، دول اللي بيحافظوا عالحب. و كمان تعامل رسولنا الكريم مع المشاكل اللي بتحصل، طيبته و رحمته قدرت تكسب القلوب، حتى لو بعد سنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت التجهيزات على قدم و ساق، لاستقبال الغائبين، خاصة عاصم الذي كان يشرف على التجهيزات بنفسه، فهاهو كبير العائلة، سليمان الصياد و أبنائه سيعودون، ليخفف عن كاهله أعباء العائلة.
فور دخولهم من باب الفيلا ركض أربعتهم إلى جدهم، مما جعل الأباء ينظرون لهم باستنكار.
ماجد بسخرية:
_هو احنا هوا و لا ايه؟
أشرف:_شكلها راحت علينا خلاص.
أكمل:_بيقولك ما أعز من الولد إلا ولد الولد، بس شكلها كده و العكس صحيح.
قال حمزة بمرح:
_الغيرة هتنط من عيونك يا ابو عصومي.
ضربه ماجد بخفة، ثم قال بسخرية:
_أهو الحاجة الوحيدة الىي ارتحت منها هي ثقالتك، و بياختك.
اندست وجدان بين ذراعي أشرف تشم رائحته التي اشتاقتها:
_وحشتني أوي يا بابا.
نظرت فاطمة في جميع الاتجاهات بخيبة، نظرة شقت قلب نجوم لنصفين، ففي حين تنتظر هي معانقتها لتطفئ شوقها، تبحث هي عن ابن لم يكلف خاطره للسؤال عنها.
بعد إطفاء نيران الشوق، التف الجميع حول الطاولة التي أشرف كلا من عاصم و حمزة على تجهيزها، فيما تولت وجدان تحضير أصناف الطعام الشهية.
قال الجد سليمان و هو يتلذذ بالطعام:
_الله أكتر حاجة وحشتني الأكل من تحت ايد الوجدان.
ابتسمت وجدان بخجل، تعشق هذة الاسم الذي دوما ما يطلقه عليها، لأنها تخترق الوجدان بطيبتها و برائتها.
حمزة بغرور:
_أكيد مكانتش هتقدر تحضر كل ده من غيري.
عاصم بسخرية:
_لا و الله؟
حمزة:_آه والله هتنكر أني حضرت السلطات بإيدي.
وجدان بابتسامة ساخرة:
_قصدك السلطات اللي نصهم خل، و ملح أهم فالمطبخ لو عاوز تاكل منهم.
قال بحنق، تحت أصوات ضحكات الجميع:
_هو انتو لازم تحبطوني دايما؟
عاصم:_بنردلك شوية من عمايلك، على سيرة العمايل جدي ما تحدد معاد الفرح، لأني بعد شوية هبقى مجرم.
حمزة:_يا عيني عالحلو لما يتبهدل، ما تحددش يا جدو سيبه كده زي البيت الواقف.
تمنت وجدان في هذه اللحظة أن تنشق الأرض و تبتلعها، و كان ذلك واضحا من وجنتيها اللتان ستنفجران خجلا.
الجد سليمان بابتسامة:
_مفيش مشكلة يا عاصم، اتفاهم أنت و مراتك على معاد، و قولولي.
ابتسم عاصم بحماس، ثم غمز وجدان بمكر، فقال أشرف بحدة:
_عاصم اتلم.
قال بحزن مصطنع:
_يعني أخلص من الرخم يطلعلي...
ثم أكمل بخوف من نظراته الحادة:
_أمرك.
حمزة:_ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
قال بعتاب:
_كده يا نجومي هنت عليكي؟ يومين بحالهم مشوفكيش.
قالت بأسف:
_حبيبي عارفة أني قصرت، بس رجوع بابا و باقي العيلة خلاني آخد بالي من تصرفاتي.
أمسك كفها و قال بحنان:
_أنا عارف أني بحطك فموقف صعب، بس هانت كلها شوية وقت، و كل الأمور هتتحل.
قال كلمته الأخيرة بغموض، لم تسمح لها تلك الأحلام الوردية التي تنسجها متى ما رأته بالانتباه لها، ثم أكمل بابتسامة:
_هطلبلك عصير مانجا اللي بتحبيه.
تصرفاته البسيطة تجعل قلبها الأعمى يرفرف بسعادة، غافلا عن سمومه التي تظهر جلية من عينيه، جاء النادل بعد دقائق، ثم وضع العصير خاصتها، و القهوة، و أومأ لمازن الذي ابتسم ببرود، ثم أشار له بالمغادرة.
ارتشفت العصير بابتسامة خجلة من نظراته المتفحصة التي رجحتها كنظرات عاشق، لا نظرات ذئب يراقب فريسته باستمتاع، ثواني معدودة لتتشوش الرؤية فجأة، فقالت بعدم اتزان:
_مازن ايه اللي بيحصل.
مازن بخوف مصطنع:
_مالك يا حبيبيتي؟
نجوم:_حاسة بدوخة.
وقف بسرعة ثم أسندها تحت أنظار رواد المطعم، فقال بخوف مصطنع كي لا يثير شكوكهم:
_هنروح المشفى يا قلبي يلا.
استندت على كتفه، و سارت تجر أقدامها التي تحمل جسدها بصعوبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تحضر له المشروب، فيما يدخن هو سجائره بشرود، قطعه سؤالها المفاجئ:
_فادي هو احنا امته هنتجوز؟
نظر لها لثواني يستوعب ما قالته، سرعان ما انفجرت ضحكاته، مما أثر حنقها، قال بعدما سيطر بصعوبة على نوبة الضحك:
_سمعيني كده؟ نتجوز أنا و انتي؟ هو انتي عبيطة و لا بتستعبطي؟ عاوزاني أنا اتجوزك بعد كل اللي حصل طب على الأقل بصي للي لابساه يا هانم.
نظرت لقميص النوم الذي ترتديه، ثم قالت بغصة:
_عشان ده بقولك لازم نتجوز، فادي أنا خلاص مش قادرة استحمل الوضع ده.
أشار للباب،و قال ببرود:
_الباب أهو، الداهية اللي جابتك هتوديكي، و متخافيش هنسى أني عرفتك من الأساس.
قالت بعدم تصديق و دموعها تنهمر بلا توقف:
_أنا سلمتك نفسي، أنا دمرت مستقبلي عشانك.
فادي:_و أنا ايه اللي يثبتلي أني أول واحد؟
لينا:_أنت عارف أنك أول واحد.
وقف أمامها ثم مسح دموعها بإبهامه، قائلا بنبرة تشوبها السخرية:
_يا لولو هو انتي فاكراني غبي؟ مانا عارف أن في عمليات تخلي بنت الليل بنت بنوت تاني، العملية اللي جايز عملتيها قبل ما تعرفيني، و هتعمليها عشان تخدعي اللي هيجي بعـ....
قاطعه رنين هاتفه بإشعار الرسائل، فتحه بلا مبالاة لتتسع عينيه بصدمة، قرأ محتوى الرسالة بتردد(أهو زي ما وعدتك الفريسة وقعت فالفخ مستنيك فالشقة)، قال بذهول:
_نجوم!!!!!!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي