الفصل الثالث
الفصل الثالث
كانت الصغيرات يجلسن مع رؤى على إحدى المقاعد الخشبية بجانب الطريق بانتظار قدوم والدهن، كانت الفتاتان قد تمكن الجوع منهما، لكنهما آثرا عدم الحديث إلى أن رأت رؤى أن ترسل أخيها ليجلب لها بعض الطعام من أحد المحال القريبة حتى تطعم الصغار لحين وصول والدهم،
رؤى: أبيه معلش ممكن بس تجيب أي حاجة مغلفة أكلها للبنات على باباهم ميوصل
محمد: حاضر خليكِ معاهم على ما اروح اجيب من المحل اللي جنبنا هناك ده
تومئ برأسها بمعنى نعم، يعود بعد دقائق معدودة وقد جلب لهم بعض علب العصير، مع بعض من الطعام، تأخذه وتحاول إطعام الصغار تأكل معهم حتى اطمئنا وأكلا معها، لم يمر وقت طويل حتى رن هاتف محمد برقم مديره ظل معه على الهاتف حتى وصلا للمكان الصحيح،
-هرع من السيارة ينادى على طفلتاه بلهفة وخوف شديدين، ومن خلفه حسام، ومروان، الذي يدرس المكان جيدا، ولم يغفل عن دراسة وجوه الأشخاص الموجودون في المكان بأكمله، أما والدهم ضمهم لأحضانه وهو يطمئن عليهم
أحمد: سما، نور، انتوا كويسين حصلكم حاجة؟
كانت نور تبكى بشدة وتتمسك بأحضان والدها، أما سما رغم تمسكها بحضن والدها إلا أنها كانت قوية قليلا حتى أخبرته أنهم بخير وعن مساعدة رؤى وأخيها لهما،
سما بشهقة وبكاء: الحمد لله يا بابا، عموا ورؤى ساعدونا
انتبه أحمد لهم عندما أخرج الصغيرتان من أحضانه وأودعهم لحسام، ومروان، حتى يتسنى له شكرهما
أحمد: شكرا يا محمد، انا مش عارف اشكرك ازاي على اللي انت عملته، بس بجد شكرا ليك
محمد: من غير شكر أستاذ أحمد، أي حد مكاني كان عمل كدة، وبعدين حضرتك مديري وانا بحترمك جدا فده شيء مش محتاج شكر
مروان: معلش أستاذ محمد ممكن تقولنا ايه اللي حصل بالضبط، ازاي لقيتو البنات؟
محمد: وقد بدأ في سرد ماحدث منذ رؤية رؤى للصغيرة نور....
حسام: مروان كفاية كدا ويلا نرجع لأم إيمان بتقولي نجلاء هتتجنن من القلق
مروان: خلاص يلا بينا، بس معلش أستاذ محمد لو احتجناك هنطلبك لأن اتعمل محضر باختفاء البنات، وسنحتاجك تقولنا اللي حصل رسمي
محمد: مفيش مشكلة يا فندم، رقمي مع احمد بيه، وانا بشتغل عنده في الشركة، وقت حضرتك تحتاجني تلاقيني موجود
يغادر الجميع كلا إلى وجهته،
وعند وصول محمد ورؤى لمنزلهم أخبرته انه قد تأخر على مخطوبته وعليه الذهاب
رؤى: روح انت يا أبيه عشان تأخرت أوي على جميلة وهتزعل
محمد: رايح اهو يا رؤى، بس لما ارجع عاوز اسمع تقرير مفصل عن يومك في الجامعة
رؤى: انا هستناك عشان احكيلك يا أبيه لأن في حاجة ضايقتني وعاوزة اقول لك عليها
محمد: تمام يا قمراية هروح ومش هتأخر، يلا سلام عليكم؛
رؤى: وعليكم السلام، في حفظ الله
**********************************
كانت تسير ذهابا وإيابا والقلق ينهش قلبها، تريد الاطمئنان لكن هيهات
إيمان: نجلاء يا حبيبتي ممكن تهدي وتقعدي، انا كلمت حسام وقال انهم جايبين البنات في الطريق
نجلاء: مش قادرة يا إيمان، مش هرتاح غير لما اشوف ولادي واخدهم في حضني
حياة: احنا عارفين بس ممكن تقعدي عشان خاطر اللي في بطنك، يا بنتي ده مش كويس عشانك
ناهد: سيبوها يا بنات هيا مش هتقعد ولا هترتاح، انتوا تايهين عنها، وبعدين قلب الأم دي غريزة يا حبايبي، انا لو مطمنتش انهم مع ابوهم وأعمامهم مكنتش هرتاح، لكن دي أمهم
لم تمر ثوان معدودة إلا وكانت الفتيات يركضن لأحضان والدتهن، تجلس بهن أرضا محتضنة إياهم بشدة غير عابئة بحملها، ولا آلامها، كانت تحتضنهم وتقبلهم، تتفحص وجوههم وأجسادهم خوفا من أن قد يكون مصابا ألم بهن
نجلاء: حبايبي حد عمل لكم حاجة، في حاجة بتوجعكم، حد أذاكم؟
أحمد وهو ينزل لمستواها: اديهم فرصة يردوا عليكي يا حبيبتي عشان يطمنوكي
سما: احنا كويسين يا ماما، بس كنا خائفين
نور: انا كنت خائفة أكثر من سما يا ماما، كنت خائفة متلقنيش
نجلاء وقد سالت دمعاتها: حبايب قلبي الحمد لله اللي رجعكوا ليا سالمين
مروان: انا عاوز اتكلم مع البنات يا احمد، لازم اوصل للي عملوا كدة بأسرع وقت، الخطر لسة ما انتهاش
أحمد: حاضر يا مروان
نجلاء بمقاطعة: مروان ممكن تأجل الموضوع شوية، بس البنات يغسلوا ويغيروا هدومهم، وبعدين اسألهم
أحمد: استني شوية يا مروان
مروان: مفيش مشكلة، انا هنا اهو، المهم ان حبايب عموا كويسين وبخير
تهم بالنهوض لكن لم تستطع بسبب جلوسها الخاطئ لتجد من يدعمها من الخلف ويساعدها بالنهوض، لم يكن سوى رفيق دربها، تنظر له نظرة مليئة بالحب، والتقدير،
أحمد: عارف انك مش هتقدرى تقومي
نجلاء: ترفع رسها بنظرة يملها الأمان والحب، وانا متأكدة إنك مش هتسيبني لوحدي
يأخذا الصغار معا للغرفة الخاصة بهن، تركها تحمم الصغار ونزل للأسفل للحديث مع مروان وحسام في أمر هام، وها هي عقب انتهائها من تنظيف الصغار جلست لجوارهن وبداخلها عزم على معرفة ما حدث، ومن كان خلف خطف صغارها
نجلاء: نور، سما، حبايب ماما انا عاوزة اعرف كل اللي حصل بالضبط، وازاي خرجتوا من المدرسة؟ وازاي قدرتوا تهربوا؟
نور: انا كنت مع سما بنلعب في الحوش بتاع المدرسة مستنيين عموا سعيد، جه واحد وقال لنا ان ماما مستنيانا برة عشان نروح
سما: بعدها خرجنا معاه لقينا عربية سوداء كبيرة، وكان في واحدة لابسة لبس مش زي بتاعك ومعاها ناس كبار، بس لما جه عموا سعيد من بعيد نده علينا خوفنا من الناس دي
نور: انا سما جينا نجري منهم خدونا غصب عننا، وركبوا العربية، وكانوا هينيمونا يا ماما، وانا كنت خائفة، بس سما هي خلتنا نهرب
سما: أيوة انا كان معايا الدبوس الكبير بتاعك يا ماما، انتي حطتيه ليا الصبح مع الشنطة، بس انا قمت طلعته وعورت اللي كان ماسكني جامد، ولما وقفوا العربية أخذت نور وجربنا بعيد، لحد ما نور تعبت، قولت لها اقعدي في مكان واستخبي وانا هروح اكلم بابا من أي حد زي ما انتي قولتي لي قبل كدة يا ماما اني لو تهت اطلب مساعدة من حد كبير، وحفظت رقم بابا كمان، بس قبل ما اروح لقيت أبلة رؤى وأخوها جم عند نور، وهما اللي ساعدونا واتصلوا ببابا
نجلاء: مخفتيش يا سما انهم ممكن يعملوا فيكم حاجة، خصوصا انكم صغيرين!
سما: يا ماما انا كنت خائفة بس خوفت على نور كانت بتعيط، وبعدين بابا قال لي متخافيش خالص وعلمني إني لازم اكون قوية عشان احمي اخواتي
كانت تستمع لكلام صغيرتها لم تكن تصدق أن طفلة بعمرها واعية لما يحدث; بل وتسجل جميع النصائح وتطبقها، كيف تعاملت مع هذا الموقف الخطير بعقلية كبيرة وليست عقلية طفلة صغيرة، تأخذهم بأحضانها وهي تتحدث معهم
نجلاء: انا مبسوطة منكم وزعلانة كمان
نور: ازاي يا ماما!
نجلاء: شوفوا اول حاجة مبسوطة ان سما قوية وعاقلة وسمعت نصايح بابا أحمد ودافعت عن نفسها وحمت نور أختها، وزعلانة أنكم لما واحد مش عرفينه جه قال لكم كلموا ماما روحتوا معاه، وانتوا عارفين ان عموا سعيد هو اللي بيجي كل يوم يأخذكم من المدرسة صح، بعد كدة اوعوا تروحوا لحد غريب تانى اتفقنا
نور: حاضر يا ماما
سما: ...
نجلاء: سكتي ليه يا سما!
سما: ماما انا اسفة، مش هروح مع خد غريب تانى، وعد
نجلاء بابتسامة بسيطة، برافوا عليكوا، دلوقتى هننزل ناكل وعاوزاكوا تحكوا كل حاجة لعموا مروان بالتفصيل
نور، سما: حاضر يا ماما
تأخذ الفتاتين للأسفل ويخبران الجميع ما حدث كما أخبرا والدتهن
*******************************************
بعد مدة ليست بالقليلة بعد حديث الفتيات كانوا يتحدثون بالداخل بمفردهم يتشاورون في هذا الأمر، مع قلق شديد ينهش قلوبهم عن كون هذا الخاطف لا زال طليقا ولم يعلم عنه شيء، يقطع حديثهم وسيل أفكارهم رنين الهاتف..
احمد: مين يا حسام؟ !
حسام: ده سليم، اكيد بيرن عليا عشان اروح اجيب والده من المطار، أكيد هما على وصول
مروان: سليم ده الشريك الجديد؟ !
حسام: أيوة هو، بس شخصية محترمة، راجل اد كلمته، وانا بحترمه جدا
أحمد: معاك حق، مجال رجال الأعمال صعب دلوقتى تلاقى شخصية زي سليم، على العموم روح انت هاتهم الأول يا حسام هو معتمد عليك، وخلي ايمان وطنط فاطمة هنا على ما ترجع
حسام: تمام، يدوب الحق اوصل انا، سلام
يغادر ويبقى احمد ومران بالداخل يتناقشان حول كيفية حماية الصغار من التعرض للحادث مرة أخرى،
وبعد قليل من الوقت كان قد وصل حسام للمطار بانتظار خروج عائلة السيد مصطفى والد سليم، لم تمر سوى دقائق معدودة وقد ظهروا في الأنحاء، يتجه لاستقبالهم لمعرفته السابقة به عن طريق العمل،
حسام: وهو يصافحه، حمدا لله على السلامة يا مصطفى بيه، نورتوا مصر
مصطفى وهو يصافحه بابتسامة: منورة بأهلها يا حسام يا ابني، معلش تعبناك معانا
حسام: ولا تعب ولا حاجة، متقولش كدة حضرتك في مقام والدي ده غير ان سليم صديق عزيز، نورتي يا طنط، ازيك يا انسة هنا،
بعد الترحيب بعضهم البعض استقلوا السيارة،
لم يمر وقت طويل وكانوا قد وصلوا وجهتهم ،منزلهم القديم الذي يحمل ذكريات الماضي، منزل كبير بحديقة واسعة تحفه من جميع الجهات بأشجارها الخضراء اليانعة التي تدل على الاهتمام البالغ بها، والورود المزهرة بألوانها المتعددة التي تخطف الأنظار، وتسلب اللب، والعشب الأخضر الذي يفترش الأنحاء كفراش يبطن أرضها المزهرة، يقطع تأملهم صوت حسام وهو يرحب بهم عند وصولهم: حمدا لله على السلامة يا جماعة
ليهم الجميع بالنزول تباعا وهم يتأملون منزلهم الذي تركوه منذ زمن وها قد عادوا لمنبع ذكرياتهم مرة أخرى،
حسام: حمدا لله على السلامة مرة ثانية يا جماعة، استأذن انا عشان لازم اروح اجيب المدام ووالدتي
مصطفى باعتذار: معلش يا ابني عطلناك
حسام: لا ولا عطلة ولا حاجة، استأذن انا ولو حضرتك احتاجت حاجة كلمني، بعد إذنكم
يغادر وتبقي العائلة تشرد الأم للماضي، سنوات مضت لكن هذا اليوم لازال يتجدد أمامها بذكرياته الجميلة كأنه اليوم، مجموعة من الصغار يلعبن ويلهون على العشب الأخضر، والكبار يعدون حفلة الشواء بجو مليء بالحب والألفة، تفق من شرودها على ربتة من يد زوجها يحثها على الدخول، تمسح دمعة فرت سريعا من مقلتيها، يتجهون للداخل وسط صخب هنا وفرحتها بالمنزل الذي شعرت بالحنين إليه، وومضة لمشهد محبب جعل قلبها ينبض بالفرحة،
هنا: تقول بفرحة وهي تدور ببهو المنزل، الله على الدفا اللي هنا يا بابا، اول مرة احس بالراحة كدة يا ماما
فاطمة: لازم تحسي بالراحة والدفا يا هنا، مش ده البيت اللي اتولدتي وعشتي فيه أجمل أيام طفولتك
هنا: بس انا يا ماما مش فاكرة حاجة غير شوية صور وخلاص مش واضحة
مصطفى: اكيد لازم تكون مش واضحة يا هنا، انتي كنتي صغيرة لسة، يلا نطلع نرتاح شوية لأني بجد تعبت من السفر
هنا: خلاص يا بابا انا هاطلع استكشف واختار أوضة حلوة، وشرحة وبرحة كدة قبل الهكسوس ما يجوا
يمسد على يد زوجته ويحثها على الصعود معه حتى تهدأ قليلا من سيل الذكريات التي تدفقت لقلبها كضخ القلب للدماء
مصطفى: اهدى عشان خاطري، بإذن الله كل حاجة ترجع زي الأول واحسن
تومئ برأسها ويصعدون للراحة قليلا
*-***************************************
على الجانب الآخر كان يقف بشرفة غرفته يتطلع للفراغ حوله، يتراءى للناظر أنه يستمتع بالمظهر الخلاب أمامه، لكنه أبعد ما يكون عن التمتع بما يراه، يشعر أن القادم ليس بالأمر السهل، لكن لابد من تنفيذ رغبة والده لأن هذا الأمر الصحيح، يكاد يجزم أن الماضي لن يتركهم يهنئون، يفق من شروده على صوت هاتفه يعلوا بجواره ينبأه بخبر وصول عائلته بسلام إلى موطنهم،
سليم: الو، أيوة يا حسام
حسام: تمام يا صاحبي الجماعة وصلوا بالسلامة، عقبالك انت كمان لما اجي اخدك من المطار
سليم بابتسامة: تسلم يا صاحبي مردودة لك ان شاء الله، وبعدين متقلقش هكون عندك قريب جدا بأمر الله، وانت اللي تيجي تخدني كمان
حسام: يا راجل، سواق حضرتك انا
سليم: بضحكة، لا صاحبي يا ابو الصحاب
حسام: طبعا يا سليم
سليم: احمد عامل ايه؟ سلم لي عليه كتير
حسام: كويس شوية مشاكل كدة بس ربنا ستر الحمد لله
سليم: مشاكل ايه!
حسام: موضوع كدة لما تيجي ابقي اقولك عليه، يلا سلام بقي دلوقتى، هكلمك بعدين
سليم: تمام، سلام
بعد غلق الهاتف يعود لشروده مرة أخرى
****************************************
في هذا المنزل البسيط كانت تجلس بانتظار عودة زوجها من الخارج، هذه هي عادته في مثل هذا اليوم من كل عام، يبقى بالخارج ولايعود سوى في وقت متأخر، بعد وهلة من الوقت كان يدخل المنزل بخطي واسعة، تلاحظ هي هذا الأمر، لم تذهب خلفه مباشرة حتى لا تتسبب له بالإحراج، تعلم أنه لا يريدها أن تراه وهو على هذه الحال، لكن يكفيها في هذا الوقت أنها اطمأنت عليه، وبعد فترة ليست بالقصيرة تقرر الدخول لغرفتهما لترى هل هدأ أم لا
.........: كيفك دلوقتى يا حامد
حامد: يرفع رأسه إليها بعينين ضائعتين ولم يجب سوى بكلمتين فقط، زين يا ورد
ورد: بابتسامة بسيطة، خابرة انك زين يا ابو حنين، بس قولت اطمن على حبيبي، وسندي، وعزوتي، وابو ولادي
حامد: تسلمي لي يا ورد، عارف انك حاسة بيا ومستحملاني يا زينة الحريم، ربنا يخليكِ ليا ولا يحرمني منك واصل
ورد: ولا يحرمني منك ابدا، حنين نامت لما انت تأخرت كانت عاوزة تنام في حضنك زي كل ليلة، لكن انا خابرة اليوم ده ايه ليك، فنيمتها
حامد: تسلمي
تهم بالمغادرة، يشعر أنه يجرحها هكذا، هي تقدره وتقدر وضعه وهو لا يهتم، لكنه يجذب يدها ويخبرها أن تبقى لجواره، لكن بداخله جرح لم يندمل
انتهى الفصل ياريت يا جماعة اعرف رأيكم بصراحة
لأن لو فضل التفاعل كدة هوقفها اسفة
كانت الصغيرات يجلسن مع رؤى على إحدى المقاعد الخشبية بجانب الطريق بانتظار قدوم والدهن، كانت الفتاتان قد تمكن الجوع منهما، لكنهما آثرا عدم الحديث إلى أن رأت رؤى أن ترسل أخيها ليجلب لها بعض الطعام من أحد المحال القريبة حتى تطعم الصغار لحين وصول والدهم،
رؤى: أبيه معلش ممكن بس تجيب أي حاجة مغلفة أكلها للبنات على باباهم ميوصل
محمد: حاضر خليكِ معاهم على ما اروح اجيب من المحل اللي جنبنا هناك ده
تومئ برأسها بمعنى نعم، يعود بعد دقائق معدودة وقد جلب لهم بعض علب العصير، مع بعض من الطعام، تأخذه وتحاول إطعام الصغار تأكل معهم حتى اطمئنا وأكلا معها، لم يمر وقت طويل حتى رن هاتف محمد برقم مديره ظل معه على الهاتف حتى وصلا للمكان الصحيح،
-هرع من السيارة ينادى على طفلتاه بلهفة وخوف شديدين، ومن خلفه حسام، ومروان، الذي يدرس المكان جيدا، ولم يغفل عن دراسة وجوه الأشخاص الموجودون في المكان بأكمله، أما والدهم ضمهم لأحضانه وهو يطمئن عليهم
أحمد: سما، نور، انتوا كويسين حصلكم حاجة؟
كانت نور تبكى بشدة وتتمسك بأحضان والدها، أما سما رغم تمسكها بحضن والدها إلا أنها كانت قوية قليلا حتى أخبرته أنهم بخير وعن مساعدة رؤى وأخيها لهما،
سما بشهقة وبكاء: الحمد لله يا بابا، عموا ورؤى ساعدونا
انتبه أحمد لهم عندما أخرج الصغيرتان من أحضانه وأودعهم لحسام، ومروان، حتى يتسنى له شكرهما
أحمد: شكرا يا محمد، انا مش عارف اشكرك ازاي على اللي انت عملته، بس بجد شكرا ليك
محمد: من غير شكر أستاذ أحمد، أي حد مكاني كان عمل كدة، وبعدين حضرتك مديري وانا بحترمك جدا فده شيء مش محتاج شكر
مروان: معلش أستاذ محمد ممكن تقولنا ايه اللي حصل بالضبط، ازاي لقيتو البنات؟
محمد: وقد بدأ في سرد ماحدث منذ رؤية رؤى للصغيرة نور....
حسام: مروان كفاية كدا ويلا نرجع لأم إيمان بتقولي نجلاء هتتجنن من القلق
مروان: خلاص يلا بينا، بس معلش أستاذ محمد لو احتجناك هنطلبك لأن اتعمل محضر باختفاء البنات، وسنحتاجك تقولنا اللي حصل رسمي
محمد: مفيش مشكلة يا فندم، رقمي مع احمد بيه، وانا بشتغل عنده في الشركة، وقت حضرتك تحتاجني تلاقيني موجود
يغادر الجميع كلا إلى وجهته،
وعند وصول محمد ورؤى لمنزلهم أخبرته انه قد تأخر على مخطوبته وعليه الذهاب
رؤى: روح انت يا أبيه عشان تأخرت أوي على جميلة وهتزعل
محمد: رايح اهو يا رؤى، بس لما ارجع عاوز اسمع تقرير مفصل عن يومك في الجامعة
رؤى: انا هستناك عشان احكيلك يا أبيه لأن في حاجة ضايقتني وعاوزة اقول لك عليها
محمد: تمام يا قمراية هروح ومش هتأخر، يلا سلام عليكم؛
رؤى: وعليكم السلام، في حفظ الله
**********************************
كانت تسير ذهابا وإيابا والقلق ينهش قلبها، تريد الاطمئنان لكن هيهات
إيمان: نجلاء يا حبيبتي ممكن تهدي وتقعدي، انا كلمت حسام وقال انهم جايبين البنات في الطريق
نجلاء: مش قادرة يا إيمان، مش هرتاح غير لما اشوف ولادي واخدهم في حضني
حياة: احنا عارفين بس ممكن تقعدي عشان خاطر اللي في بطنك، يا بنتي ده مش كويس عشانك
ناهد: سيبوها يا بنات هيا مش هتقعد ولا هترتاح، انتوا تايهين عنها، وبعدين قلب الأم دي غريزة يا حبايبي، انا لو مطمنتش انهم مع ابوهم وأعمامهم مكنتش هرتاح، لكن دي أمهم
لم تمر ثوان معدودة إلا وكانت الفتيات يركضن لأحضان والدتهن، تجلس بهن أرضا محتضنة إياهم بشدة غير عابئة بحملها، ولا آلامها، كانت تحتضنهم وتقبلهم، تتفحص وجوههم وأجسادهم خوفا من أن قد يكون مصابا ألم بهن
نجلاء: حبايبي حد عمل لكم حاجة، في حاجة بتوجعكم، حد أذاكم؟
أحمد وهو ينزل لمستواها: اديهم فرصة يردوا عليكي يا حبيبتي عشان يطمنوكي
سما: احنا كويسين يا ماما، بس كنا خائفين
نور: انا كنت خائفة أكثر من سما يا ماما، كنت خائفة متلقنيش
نجلاء وقد سالت دمعاتها: حبايب قلبي الحمد لله اللي رجعكوا ليا سالمين
مروان: انا عاوز اتكلم مع البنات يا احمد، لازم اوصل للي عملوا كدة بأسرع وقت، الخطر لسة ما انتهاش
أحمد: حاضر يا مروان
نجلاء بمقاطعة: مروان ممكن تأجل الموضوع شوية، بس البنات يغسلوا ويغيروا هدومهم، وبعدين اسألهم
أحمد: استني شوية يا مروان
مروان: مفيش مشكلة، انا هنا اهو، المهم ان حبايب عموا كويسين وبخير
تهم بالنهوض لكن لم تستطع بسبب جلوسها الخاطئ لتجد من يدعمها من الخلف ويساعدها بالنهوض، لم يكن سوى رفيق دربها، تنظر له نظرة مليئة بالحب، والتقدير،
أحمد: عارف انك مش هتقدرى تقومي
نجلاء: ترفع رسها بنظرة يملها الأمان والحب، وانا متأكدة إنك مش هتسيبني لوحدي
يأخذا الصغار معا للغرفة الخاصة بهن، تركها تحمم الصغار ونزل للأسفل للحديث مع مروان وحسام في أمر هام، وها هي عقب انتهائها من تنظيف الصغار جلست لجوارهن وبداخلها عزم على معرفة ما حدث، ومن كان خلف خطف صغارها
نجلاء: نور، سما، حبايب ماما انا عاوزة اعرف كل اللي حصل بالضبط، وازاي خرجتوا من المدرسة؟ وازاي قدرتوا تهربوا؟
نور: انا كنت مع سما بنلعب في الحوش بتاع المدرسة مستنيين عموا سعيد، جه واحد وقال لنا ان ماما مستنيانا برة عشان نروح
سما: بعدها خرجنا معاه لقينا عربية سوداء كبيرة، وكان في واحدة لابسة لبس مش زي بتاعك ومعاها ناس كبار، بس لما جه عموا سعيد من بعيد نده علينا خوفنا من الناس دي
نور: انا سما جينا نجري منهم خدونا غصب عننا، وركبوا العربية، وكانوا هينيمونا يا ماما، وانا كنت خائفة، بس سما هي خلتنا نهرب
سما: أيوة انا كان معايا الدبوس الكبير بتاعك يا ماما، انتي حطتيه ليا الصبح مع الشنطة، بس انا قمت طلعته وعورت اللي كان ماسكني جامد، ولما وقفوا العربية أخذت نور وجربنا بعيد، لحد ما نور تعبت، قولت لها اقعدي في مكان واستخبي وانا هروح اكلم بابا من أي حد زي ما انتي قولتي لي قبل كدة يا ماما اني لو تهت اطلب مساعدة من حد كبير، وحفظت رقم بابا كمان، بس قبل ما اروح لقيت أبلة رؤى وأخوها جم عند نور، وهما اللي ساعدونا واتصلوا ببابا
نجلاء: مخفتيش يا سما انهم ممكن يعملوا فيكم حاجة، خصوصا انكم صغيرين!
سما: يا ماما انا كنت خائفة بس خوفت على نور كانت بتعيط، وبعدين بابا قال لي متخافيش خالص وعلمني إني لازم اكون قوية عشان احمي اخواتي
كانت تستمع لكلام صغيرتها لم تكن تصدق أن طفلة بعمرها واعية لما يحدث; بل وتسجل جميع النصائح وتطبقها، كيف تعاملت مع هذا الموقف الخطير بعقلية كبيرة وليست عقلية طفلة صغيرة، تأخذهم بأحضانها وهي تتحدث معهم
نجلاء: انا مبسوطة منكم وزعلانة كمان
نور: ازاي يا ماما!
نجلاء: شوفوا اول حاجة مبسوطة ان سما قوية وعاقلة وسمعت نصايح بابا أحمد ودافعت عن نفسها وحمت نور أختها، وزعلانة أنكم لما واحد مش عرفينه جه قال لكم كلموا ماما روحتوا معاه، وانتوا عارفين ان عموا سعيد هو اللي بيجي كل يوم يأخذكم من المدرسة صح، بعد كدة اوعوا تروحوا لحد غريب تانى اتفقنا
نور: حاضر يا ماما
سما: ...
نجلاء: سكتي ليه يا سما!
سما: ماما انا اسفة، مش هروح مع خد غريب تانى، وعد
نجلاء بابتسامة بسيطة، برافوا عليكوا، دلوقتى هننزل ناكل وعاوزاكوا تحكوا كل حاجة لعموا مروان بالتفصيل
نور، سما: حاضر يا ماما
تأخذ الفتاتين للأسفل ويخبران الجميع ما حدث كما أخبرا والدتهن
*******************************************
بعد مدة ليست بالقليلة بعد حديث الفتيات كانوا يتحدثون بالداخل بمفردهم يتشاورون في هذا الأمر، مع قلق شديد ينهش قلوبهم عن كون هذا الخاطف لا زال طليقا ولم يعلم عنه شيء، يقطع حديثهم وسيل أفكارهم رنين الهاتف..
احمد: مين يا حسام؟ !
حسام: ده سليم، اكيد بيرن عليا عشان اروح اجيب والده من المطار، أكيد هما على وصول
مروان: سليم ده الشريك الجديد؟ !
حسام: أيوة هو، بس شخصية محترمة، راجل اد كلمته، وانا بحترمه جدا
أحمد: معاك حق، مجال رجال الأعمال صعب دلوقتى تلاقى شخصية زي سليم، على العموم روح انت هاتهم الأول يا حسام هو معتمد عليك، وخلي ايمان وطنط فاطمة هنا على ما ترجع
حسام: تمام، يدوب الحق اوصل انا، سلام
يغادر ويبقى احمد ومران بالداخل يتناقشان حول كيفية حماية الصغار من التعرض للحادث مرة أخرى،
وبعد قليل من الوقت كان قد وصل حسام للمطار بانتظار خروج عائلة السيد مصطفى والد سليم، لم تمر سوى دقائق معدودة وقد ظهروا في الأنحاء، يتجه لاستقبالهم لمعرفته السابقة به عن طريق العمل،
حسام: وهو يصافحه، حمدا لله على السلامة يا مصطفى بيه، نورتوا مصر
مصطفى وهو يصافحه بابتسامة: منورة بأهلها يا حسام يا ابني، معلش تعبناك معانا
حسام: ولا تعب ولا حاجة، متقولش كدة حضرتك في مقام والدي ده غير ان سليم صديق عزيز، نورتي يا طنط، ازيك يا انسة هنا،
بعد الترحيب بعضهم البعض استقلوا السيارة،
لم يمر وقت طويل وكانوا قد وصلوا وجهتهم ،منزلهم القديم الذي يحمل ذكريات الماضي، منزل كبير بحديقة واسعة تحفه من جميع الجهات بأشجارها الخضراء اليانعة التي تدل على الاهتمام البالغ بها، والورود المزهرة بألوانها المتعددة التي تخطف الأنظار، وتسلب اللب، والعشب الأخضر الذي يفترش الأنحاء كفراش يبطن أرضها المزهرة، يقطع تأملهم صوت حسام وهو يرحب بهم عند وصولهم: حمدا لله على السلامة يا جماعة
ليهم الجميع بالنزول تباعا وهم يتأملون منزلهم الذي تركوه منذ زمن وها قد عادوا لمنبع ذكرياتهم مرة أخرى،
حسام: حمدا لله على السلامة مرة ثانية يا جماعة، استأذن انا عشان لازم اروح اجيب المدام ووالدتي
مصطفى باعتذار: معلش يا ابني عطلناك
حسام: لا ولا عطلة ولا حاجة، استأذن انا ولو حضرتك احتاجت حاجة كلمني، بعد إذنكم
يغادر وتبقي العائلة تشرد الأم للماضي، سنوات مضت لكن هذا اليوم لازال يتجدد أمامها بذكرياته الجميلة كأنه اليوم، مجموعة من الصغار يلعبن ويلهون على العشب الأخضر، والكبار يعدون حفلة الشواء بجو مليء بالحب والألفة، تفق من شرودها على ربتة من يد زوجها يحثها على الدخول، تمسح دمعة فرت سريعا من مقلتيها، يتجهون للداخل وسط صخب هنا وفرحتها بالمنزل الذي شعرت بالحنين إليه، وومضة لمشهد محبب جعل قلبها ينبض بالفرحة،
هنا: تقول بفرحة وهي تدور ببهو المنزل، الله على الدفا اللي هنا يا بابا، اول مرة احس بالراحة كدة يا ماما
فاطمة: لازم تحسي بالراحة والدفا يا هنا، مش ده البيت اللي اتولدتي وعشتي فيه أجمل أيام طفولتك
هنا: بس انا يا ماما مش فاكرة حاجة غير شوية صور وخلاص مش واضحة
مصطفى: اكيد لازم تكون مش واضحة يا هنا، انتي كنتي صغيرة لسة، يلا نطلع نرتاح شوية لأني بجد تعبت من السفر
هنا: خلاص يا بابا انا هاطلع استكشف واختار أوضة حلوة، وشرحة وبرحة كدة قبل الهكسوس ما يجوا
يمسد على يد زوجته ويحثها على الصعود معه حتى تهدأ قليلا من سيل الذكريات التي تدفقت لقلبها كضخ القلب للدماء
مصطفى: اهدى عشان خاطري، بإذن الله كل حاجة ترجع زي الأول واحسن
تومئ برأسها ويصعدون للراحة قليلا
*-***************************************
على الجانب الآخر كان يقف بشرفة غرفته يتطلع للفراغ حوله، يتراءى للناظر أنه يستمتع بالمظهر الخلاب أمامه، لكنه أبعد ما يكون عن التمتع بما يراه، يشعر أن القادم ليس بالأمر السهل، لكن لابد من تنفيذ رغبة والده لأن هذا الأمر الصحيح، يكاد يجزم أن الماضي لن يتركهم يهنئون، يفق من شروده على صوت هاتفه يعلوا بجواره ينبأه بخبر وصول عائلته بسلام إلى موطنهم،
سليم: الو، أيوة يا حسام
حسام: تمام يا صاحبي الجماعة وصلوا بالسلامة، عقبالك انت كمان لما اجي اخدك من المطار
سليم بابتسامة: تسلم يا صاحبي مردودة لك ان شاء الله، وبعدين متقلقش هكون عندك قريب جدا بأمر الله، وانت اللي تيجي تخدني كمان
حسام: يا راجل، سواق حضرتك انا
سليم: بضحكة، لا صاحبي يا ابو الصحاب
حسام: طبعا يا سليم
سليم: احمد عامل ايه؟ سلم لي عليه كتير
حسام: كويس شوية مشاكل كدة بس ربنا ستر الحمد لله
سليم: مشاكل ايه!
حسام: موضوع كدة لما تيجي ابقي اقولك عليه، يلا سلام بقي دلوقتى، هكلمك بعدين
سليم: تمام، سلام
بعد غلق الهاتف يعود لشروده مرة أخرى
****************************************
في هذا المنزل البسيط كانت تجلس بانتظار عودة زوجها من الخارج، هذه هي عادته في مثل هذا اليوم من كل عام، يبقى بالخارج ولايعود سوى في وقت متأخر، بعد وهلة من الوقت كان يدخل المنزل بخطي واسعة، تلاحظ هي هذا الأمر، لم تذهب خلفه مباشرة حتى لا تتسبب له بالإحراج، تعلم أنه لا يريدها أن تراه وهو على هذه الحال، لكن يكفيها في هذا الوقت أنها اطمأنت عليه، وبعد فترة ليست بالقصيرة تقرر الدخول لغرفتهما لترى هل هدأ أم لا
.........: كيفك دلوقتى يا حامد
حامد: يرفع رأسه إليها بعينين ضائعتين ولم يجب سوى بكلمتين فقط، زين يا ورد
ورد: بابتسامة بسيطة، خابرة انك زين يا ابو حنين، بس قولت اطمن على حبيبي، وسندي، وعزوتي، وابو ولادي
حامد: تسلمي لي يا ورد، عارف انك حاسة بيا ومستحملاني يا زينة الحريم، ربنا يخليكِ ليا ولا يحرمني منك واصل
ورد: ولا يحرمني منك ابدا، حنين نامت لما انت تأخرت كانت عاوزة تنام في حضنك زي كل ليلة، لكن انا خابرة اليوم ده ايه ليك، فنيمتها
حامد: تسلمي
تهم بالمغادرة، يشعر أنه يجرحها هكذا، هي تقدره وتقدر وضعه وهو لا يهتم، لكنه يجذب يدها ويخبرها أن تبقى لجواره، لكن بداخله جرح لم يندمل
انتهى الفصل ياريت يا جماعة اعرف رأيكم بصراحة
لأن لو فضل التفاعل كدة هوقفها اسفة