12

في الوقت الذي غادرت فيه صالحة ، فتحت نساء منزل الشيخ علي جلسة من البكاء و كأنه عزاء ، ف احتضنت حسناء مروة التي بدأت تقلب كفيها ببعضها كما لو تنفض منها الغبار  : ابنتي ذهبت و لن اراها طوال حياتي .


مروة تذرف الدموع بصمت ف حاوطت ابنتها بدور خصرها وبدأت تبكي على صدرها ، بينما نوارة تخبئ وجهها ب إشارِها المفلول و تبكي بحرقة و ألم .


اما  الشيخ علي اغلق الباب على نفسه و بكى في صمت ، على فراق ابنته الحزين و على الحالة التي وصلوا اليها بسبب جاسم .


ابنته في القرية ذاتها ، في المكان الذي تمنت ان تكون فيه منذ الابد ، لكن بطريقة مختلفة مع بشر اختلفت القوانين معهم ، و انقلبت الموازين . ما عادوا احبابً


تذكر الشيخ علي ما حدث بعد ان عادت صالحة الى المنزل من بيت الشيخ محمود و تذكر كيف لطمها على خدها بعد ان اخبرته بما حدث  : ليت يدي قطعت قبل ان تمتد عليكِ يا ابنتي الغالية .


اثارت صالحة اعجاب و ذهول الجميع ، اذ كيف لفتاة لم تتجاوز سن السادسة عشرَ بعد ، تمتلك عقلاً راجحاً و عزيمة و شجاعة لم يَقدم عليها الرجال . اذ دخلت الى منزل من اصبحوا اعداءها و منعت انفجار وريد الدم الذي لا يعلم سوى الله متى سينتهي و كم من الضحايا ستقع له .

تم منع حسان من دخول منزل اخيه الشيخ محمود ، و ذلك بعد ان خالف ما أمر به محمود و جَرجرَ علاء معه ليقع هو الاخر تحت غضب ابيه ، و لكن هذه المرة ، تم ارسال علاء ليجلس في بيت عمه مروان في المدينة . اذ تم إرساله بعد اسبوع من وصول صالحة للقصر ليفكر في اعماله و يصلح من نفسه  .

تم عزل ديوان الاسرتان ( و الديوان عبارة عن مجلس كبير يجتمع فيه رجال و شيوخ القرية ) ، و لم يعد احد يحضر مجلس الاخر  و الاقرباء من ضمنهم ، تم عزل الاراضي ب أسوار و فصل المشاريع التجارية و انهاء مشاريع الزواج التي كانت قائمة كذلك الامر .


اوقفت صالحة مكيدة حسان و تهور علاء ، لكنها لم تستطع ايقاف البغضاء و الخلافات .


ابناء العمومة تفرقوا و عاد الجميع الى اشغالهم ، علم كل من في القرية ماسبب المشكلة و مافعله جاسم ابن الشيخ علي و الذي تبرأ منه امام الجميع على الملأ .

شعر الشيخ علي بالخجل مما فعله ابنه ، لكنه مُجبر على التصرف بشكل صحيح و عادل  و ان كان الوقوف امام الجميع مخجلاً و ان كان التخلي عن ابنه مؤلماً. فما حدث لحور ليس بعادلاً على الاطلاق .

.
و على ذكر حور  ، دخلت هذه الفتاة المسكينة بصدمة نفسية جعلتها تنعزل عن الجميع و لا تتحدث الى احد . و كان ذلك بعد ان اعادوها الى منزل والدها لتعود الى غرفتها التي قضت فيها كل ليالي حياتها ثم ودعتها في يوم عرسها باكية ، بعد ان ظنت انها فارقتها للإبد .

عندما دخلت حور الى غرفتها نظرت في الارجاء بعينيها المحمرة ، فقوست فمها و عقدت حاجبيها بمجرد ان عادت اليها دون الشعور بما كانت تشعر سابقاً : هل غيرتم شيء فيها ؟

مريم : لا يابنتي ، انها كما هي . .

حور : اشعر  ان هناك شيء مختلف ، شيء يخنقني ؛ ماذا فعلتم ؟

مريم : أُقسم اننا لم نفعل اي شيء فيها يا عزيزتي .

وضعت حور يديها حول رأسها و اغمضت عينيها لتبدأ بالصراخ ، بينما تخفض من جذعها العلوي بوضعية الركوع ، كما لو انها لم تعد قادرة على حمل رأسها فوق جسدها .

ف هرعت امها نحوها تحتضنها و تسندها خوفا عليها من السقوط . و دون ان تحتاج لطلب المساعدة ، كان صوت حور عالي و كافٍ لجعل اهل البيت يجتمعون .

.
هذا ما حدث مع حور ، بعد يوم من نقل صالح و ضياء الى المستشفى . و منذ ذلك الوقت هي حبيسة غرفتها لا تغادرها و لا تطيق رؤية احد .

. و بعد ان عاينتها طبيبة نساء العائلة اخبرتهم انها في صدمة نفسية لم تستطع ان تتقبلها ، و ان على الجميع مداراتها حتى تستعيد قوتها العقلية .


و هكذا تم تسديد ضربة قاضية للشيخ محمود ، اذ بعد ان سَمِعَ عن حالة حور ، عاد الى المستشفى ليتفقد وضع ضياء و هناك  تم إعلامه أن إبنه ضياء اصبح مقعداً و لن يستطيع السير مجدداً . فـ فقد السيطرة على نبضات قلبه من قسوة الخبر عليه ، ليسقط على الارض ب ازمة قلبية لم تنل منه ، اذ تم اسعافه في الوقت المناسب من قِبَل الأطباء و الحمد لله .

يقول المثل :  ضربتان على الرأس حتماً ستؤلمك . و طابق المثل وضع الشيخ محمود اذ تم امتحانه ب ابناءِه و في الوقت ذاته . كان الله بِعونه و عون أُمهما  و عونهما .  

عمر الشيخ علي و الشيخ محمود في هذا الوقت ، لا يتجاوز الأربعين عاماً . تزوجوا صغاراً و انجبوا ابنائهما و كبروا معهم . كانا خيرُ شريكان ، خيرُ أخوان ، خيرُ قريبان ، لم يختلفا طوال حياتهما معاً ، و لكن حدث ما لم يكن في الحسبان و اختلفا بعد ان افترقا و ذلك بسبب جمعهما لأبناءهما معاً .

سوسن في المطبخ مع رقية و ابنتها بيداء التي تحضر الشاي للضيوف : لو انه لم يخطبها لجاسم لما حدث هذا بينهنا . لكان الأن محمود في صف علي .

رقية : مسكينان ، لم يحسبا هذا الحساب ، لو انهما يعلمان بشذوذ جاسم عن وعده لما اتخذا هذه الخطوة من البداية .

سوسن : لقد نذراهما لبعضهما منذ ان ولدت المسكينة حور .  كان الله بعونها لا يمكنني تخيل وضعها الأن .

رقية : لابد و ان صالحة ستهتم بها ، لا تقلقي عليها .

سوسن : انا قلقة على صالحة اكثر ، لا اعلم ماذا قد تواجه ، ليس كل اخوات محمود محبين لأُمها و لنا . ثم أن هناك بنات اعمامه ، اللواتي حاولن منافستها عليه منذ البداية .

فتحت رقية عينيها بغضب : كيف تعلمين بهذا ؟ هل كان بينهنا علاقة من قبل ؟

سوسن ارتبكت و بدور ابنة رقية كذلك الامر ، اذ بدأت تنظر الى امها و عمتها بتوجس و تدعو الله ان لا تسألها أُمها عن شيء .

سوسن : لا ، لا اعوذ بالله ، ماذا تقولين يا اختي ؟ . و لكن . . لقد سمعت من مريم ان ضياء لا يريد ان يتزوج الا ابنة الشيخ علي اخوكِ و اخي رعاه الله و حفظه . و من لا يريد نسبه ؟

رقية : اه . اذا كان هذا الامر  اذاً معكِ حق .

نظرت سوسن الى بدور التي تحاول ان  تخفي ضحكتها قدر الإمكان .

رقية : اسأل الله ان يشافيه ، انه مسكين كونه فقد قدرته على المشي بهذا السن الصغير ، و مسكينة صالحة كذلك .

سوسن : لن يستطيع فعلها ؟

اخفظت رقية صوتها  : اغلقي فمك ، كيف تتحدثين هكذا امام ابنتي .

سوسن : المعذرة .

بدور تحدث نفسها " لا يا الهي ، اظن انني سأموت من الضحك ، في هذا الوضع التعيس " .

غيرت سوسن الموضوع : ماذا تظنين انه سيحدث لعبدالله ؟

رقية : لا اعلم ، لكن لا اظن ان عائلته ستبقى هنا .

سوسن : هذا يعني ان اختنا نوارة سوف تغادر .

رقية : حسبي الله و نعمه الوكيل .


#

رقية اكبر اخوات الشيخ علي : عمرها 37 عامً

نوارة الثانية : عمرها 35 عاماً

سوسن الثالثة و عمرها 30 عاماً و هي الصديقة لكل ابناء خواتها و اخوها .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي