11
العودة للزمن الأصلي للرواية حيث مسار الاحداث :
الشهر الأول ، لعام 2001 ، اي بعد 6 اشهر من هروب جاسم .
صالحة : خرجت من منزل اهلي ، و ركبت السيارة التي قادها علاء طوال الطريق إلى هنا لأخذي . كنت احلم بهذا اليوم دائما ، اليوم الذي سأكون فيه عاروس لضياء ، مع الزغاريط و الموسيقا و قرع الطبول بينما ضياء يأتي بنفسه و يجلس في بيت اهلي قليلا للإحتفال ثم يأخذني معه في سيارة لن يركب فيها سوانا مع السائق . ثم الى بيت اهله ليكتمل الإحتفال . و تنختم قصة حبنا في غرفتنا و عش زواجنا لنكمل حياتنا سعداء للأبد .
هذا ما كنت اتخيله و ارسمه طوال فترة حبي لضياء ، و تحطم كل شيء منذ ان تركنا جاسم و هرب ، ليزداد الواقع صعوبة و يخسر ضياء عافيته و يصبح مقعداً .
.
كيف اصبحت عاروس ضياء ؟ . . حسناً ، كما هو الحال دائماً فـ ردات فعل الإنسان غير متوقعة ، فضياء الشاب الهادئ و المثقف و الذي كان يريد ان يحل الامور بين اهله و اهلي دون خسائر ، تغيرت وجهة نظره فور ان استعاد شتات نفسه بعد تقبله لما حدث له .
و كحكم عشائر هو طالب بثأره و ان يُقتَص حقه من عبد الله الذي سبب له الأذى ، رغم تنازل والدي عن حق صالح قانوناً و عشائرياً ، الا ان بيت عمي محمود كانت لهم وجهة نظر مختلفة .
و عندما بدأوا البحث عن عبد الله ابن عمتي نوارة ، انقلبت الدنيا رأس على عقب ، تم اخفاء عبد الله رغماً عنه اذ كان يريد ان يواجه بيت عمي لوحده ضد كل رجالهم ، ف اميكه والده وخبأه مرغماً له . لكن بيت عمي لم يتوقفوا ، اذ بدأ العم حسان و ابناء عمومته و اخوته بصحبة علاء بتخريب كل ما تقع عليه اعينهم من املاك لأراضينا و أراضي زوج عمتي نورا .
و رغم كل ما كان يحدث ، لم يسمح ابي ل أخي صالح ان يتعرض لأحدهم او يواجههم ، فكان اخي يتقلب على نار من القهر و الصبر ، و لولا خوفه من غضب ابي و تدهور صحة امي لكان قد واجههم قبل ان يتمادوا .
و في احد الايام حدثت مشاجرة كبيرة بين ابناء عمتي رقية و ابناء عم ابي و رغم كل الاصابات التي حدثت الا انه لم يمت احد كذلك و الحمد لله ، فقررت انا انهاء كل شيء و ان اهب نفسي لبيت عمي كهدنة لأيقاف العداوة .
ف آرتديت حجابي و ردائي الاسود وغطيت وجهي حتى لا يتم كشفي قبل دخولي إلى منزل عمي محمود . وعندما وصلت وجدت بوابتهم الكبيرة مفتوحة على مصراعيها ،
فمشيت من بين نسائهم و اطفالهم و ضيوفهم من الرجال و توقفت بالصالة لأجد عمي محمود يستلقي على كرسي عريض جادا بمساعدة خالتي مريم . لقد بدا لي حينها متعباً و مريضاً كما سمعت عنه ، ف تقطع قلبي و انهمرت دموعي حزناً عليه ، و لكن هذا لم يمنعني من التقدم ، فتوجهت اليه و توقفت امامهما لأنزع غطاء وجهي و اتحدث بينما الصدمة على وجهيهما واضحة .
#
صالحة : السلام عليكم .
رفع العم محمود رأسه ليفتح عيناه بصدمة بينما خالتي مريم وضعت يدها على صدرها و شهقت . و انتظرت ردهما حتى ظننت انني لن اجده .
مريم : و عليكم السلام ، ماذا تفعلين هنا يا صالحة ؟
تحدثت صالحة بذكاء : جئت اتحدث الى الشيخ محمود ، شيخنا و زعيم عشيرتنا . و انا اعلم حق المعرفة انه لا يرد سائلاً ، و يكرم كل من يطئ عتبة بيته .
نظرت مريم الى زوجها محمود تحاول التماس ردة فعله على كلام صالحة ، و بما أنه لم يبدي اي استياء سمحت لها بـ أن تكمل حديثها . رغم الخوف الذي كاد يخطف عافيتها بسبب حضور صالحة المفاجئ ، الا ان ملامح صالحة الواثقة اعطتها املاً .
صالحة : اولا ، سمعت انك مريض يا عمي ، اسأل الله ان يعافيك .
تحدث الشيخ محمود بصوته المبحوح : عافاك الله ، ماذا جئت تفعلين هنا يا بُنَية ؟
صالحة : في فترة مرضك ، استغل العم حسان و علاء صمتك و عزلتك ، و لم يتركوا شبرا او نفرا من اقرباءنا الا و أذوه ، و النظرة التي على وجهك الان تظهر لي عدم معرفتك بما يفعلون .
لم تجد صالحة رداً ف اكملت : و انا هنا لوضع حد ، لكل مايحدث يا عمي .
خافت مريم على ابنة اختها : صالحة ، لا تتمادي .
محمود : هل جُن الشيخ علي بعد ان هرب كبيره ليرسل ابنته تتفاوض عنه ؟
صالحة : ابي لا يعلم بوجودي . انا هنا لرفع جزية ، و تقديم تضحية ، و جئت دون علم احد لأنهم لن يسمحوا لي .
ضحك محمود : اسمعي يا مريم ، اولا اخوها الكبير يتصرف من رأسه و الان اخته ، اظن ان هذا يجري في العائلة .
مريم : سامحها يا ابا ضياء ، و سوف اجعلها تغادر ،
نهضت مريم من مكانها : هيا يا صالحة . .
فقاطعها محمود : لا ، دعيها تكمل . .
ابتسمت صالحة : شكرا لك على كرمك يا عمي . انت تعرف الفصلية اليس كذلك ؟
محمود : اجل .
صالحة : انا سأكون فصلية .
تفتحت عينا الشيخ محمود بصدمة و لم تكن ردة فعل زوجته اقل منه ، فبدأت بلطم وجهها بخفة اثناء همسها بكلمات خائفة ممتزجة بدعاء .
محمود : عودي الى منزل اهلك .
صالحة : ان لم تقبل بي يا عمي ، سينتهي الامر بمقتل شباب كُثر ، ف انت تعلم ان حسان و علاء اذوا الكثير ، و الان التربص قائم من الطرفين . انت لن تستطيع ان توقف احداً الا بحل علني و عشائري . لان الشباب هذه الايام لم يعد ايقافهم سهلاً .
مريم : اسمحلي يا ابَ ضياء ، لكنها محقة .
وجه الشيخ محمود كلامه ل زوجته مريم : لماذا لم تخبريني بتمرد علاء و حسان ؟
مريم : هددتهما ب اخبارك ، فقال علاء انه لن يعود حتى يأخذ بثأر اخيه و اختفى مع عمه حسان .
اومئ الشيخ محمود و هز رأسه بعتاب ثم تحدث مع صالحة : هل انت قادرة على تحمل علاء ؟
صالحة : انا لم اتي لأصبح له .
الشيخ محمود : لماذا اتيت اذاً ؟
صالحة : انا جئت اقدم نفسي لـ ضياء .
الشيخ محمود : فصلية و تشترط ؟؟
صالحة : انا اعتذر على ما سأقوله لك ، لكن ضياء كان يحبني و انا كنت انتظره حتى يفي بوعده لي . انا لا اجرؤ ان اناقشك او اخالف لك امراً ، و لكن يا شيخي ، ماذا ستكون ردة فعله ب ان ترسلني لأخيه .
رفع الشيخ محمود صوته : مرييييم
نهضت زوجته ترتجف : نعم يا ابَ ضياء
الشيخ محمود : هل ما تقوله ابنة اختك صحيح ؟
مريم : ضياء اخبرني انه يريد صالحة عاروس له بالحلال ، لكني لم اعلم انه كان يتحدث مع صالحة ، ربما خاف ان تعلم انت بالأمر و تعاقبه لذلك لم يخبرني .
صالحة : لم يحدث شيء مخالف للشرع يا عمي ، هو حدثني مرة واحدة من خلف الباب لا غيرها . و انا وثقت بوعده .
الشيخ محمود : عودي الى منزلك ، واعلمي اهلك بأن فصليتهم تم قبولها .
.
رخت صالحة الغطاء على وجهها و استدارت لتخرج من الباب حيث اتت لترتسم ابتسامة اسفل حجابها الاسود الذي كان يخفي ملامحها .
نهض الشيخ محمود من كرسيه ، ليقف على قدميه مستخدماً عكازاً لم يحتج اليه من قبل ، و السبب : تدهور صحته على ما اصاب ابنه ضياء .
خبط محمود عصاه على الارض و صرخ : اجمعوا كل من في القصر . اجتمعووووووا . . .
وقف كل من كان في القصر و الجوار امامه ليتحدث : اريدكم ان تبحثوا عن حسان و علاء و ان تجعلوهما يقفان امامي هنا قبل بزوخ الفجر ، اريدهم احياء ام اموات . .
شهقت مريم بعد ان سمعت كلمته الاخيرة : يا ويلتي ، يا ويلتي . . هل تريد قتل ابنك ؟
محمود : الذي يخالف امري ، و يتصرف من دون مشورتي و يتصرف كقطاع الطرق ، ليس من صلبي . لن يكون ابني و لن يكون اخي . و اخر فرصة لهما انتم من تستطيعون تقديمها لهم ، اما يكونان هنا قبل بزوخ الفجر ، و اما أبحت قتلهما لمن تمت اذيتهم .
جلست مريم على الارض مع بناتها ، و اخوات محمود يبكين معها و يجتمعن حولها . بينما الرجال و الفتيان خرجوا من القصر بحثاً عن علاء و حسان والخوف من عاقبتهما تُقلق الجميع ، فمنهم من يكون حسان اخاه و منهم من يكون حسان عمه و منهم من يكون حسان خاله ، و كذلك الامر ينطبق على علاء ، فمنهم ابناء اعمامه و ابناء عماته و اعمامه .
وكما ذكرت صالحة من قبل : فالشيخ محمود يكون زعيم القرية لأكبر عشيرة فيها ، عشيرة آل زين و لا يجرؤ احد على مخالفة امره . فقد تمت تزكيته و المعاهدة على طاعته من قِبل جميع السكان داخل القرية .
#
تعود صالحة للحاضر بعد ان اوقف علاء السيارة امام قصر اهله ، فرفع نظره نحو المرآة ليرى انعكاسها : انت خبيثة حقاً .
صالحة : ان كنت تسمي حمايتك من القتل خبث ، ف انت جاحداً حقاً .
علاء : كنت سأقتلهم جميعاً و لن يحدث شيء لي .
صالحة : ان كنت تظن نفسك ناجٍ من عقاب والدك ، لم تكن لتنجو من عقاب الله.
علاء : و هل سينجوا اخاك الجبان من عقاب الله ؟
صالحة : هذا علمه عند الله وحده . اما بالنسبة للقتل ، انت تعلم انه من الكبائر ، و فور ان تبدأ به لن ينتهي حتى لا يبقى احد او يتم ازاحة عشيرتنا عن الزعامة .
فتحت صالحة باب السيارة : يبدوا انك تُمهد لعمك الطريق دون ان تدرك الى أين يأخذك ، انتبه لتصرفاتك و لما يطلبه منك ، ف عمك حسان نواياه ليست سليمة .
خرجت صالحة و اثارت غضب علاء بكلامها ليلحق بها : من انت لتتحدثين عن عمي هكدا ؟ انت هنا لن تكوني الا خادمة ، انتبهي على لسانكِ و اخفضي نظركِ ، فإن لمحت تصرفاً منك و لم يعجبني لن تلومي الا نفسكِ .
صالحة : شكرا لك يا ابن خالتي . انا سوف . . .
.
امسكت صالحة خدها بعد ان قام علاء بصفعها ، ف نظرت اليه و عيناها غرقت بالدموع لترى نظراته الغاضبة من خلف اكليلها الناعم . ثم وضعت اصبعها في اذنها التي بدأت تصدر طنيناً من قوة صفعته .
علاء : ادخلي الى قبرك ، اتمنى ان تقضي فيه اياماً طويلة .
ركب علاء سيارته و انطلق بها ، لتبقى صالحة امام بوابة القصر وحيدة في الضلام . تسحب الهواء ثم تطلقه من فمها كمحاولة للهدوء و صرف رغبتها الشديدة بالبكاء .
ثم تقدمت نحو الباب الذي وجدته مفتوحاً، لتدفعه و تدخل من خلاله الى الباحة الكبيرة ، فرفعت غطائها ثم الأكليل تبحث عن اي شخص امامها . و لم تجد احداً على الإطلاق .
.
لقد كانت صالحة تتخيل استقبالاً يختلف عن هذا ، كانت تتخيل نفسها تدخل الى هذا المنزل مثل اي عاروس في الدنيا . تمسك بمرفق عريسها و تعبر من خلال طريق مغطى بالورود . مع ابتسامات و ترحيب كل الناس من حولها .
.
وصلت صالحة الى اعلى السلم داخل ااقصر ، فوجدت خالتها مريم تقف ب إنتضارها بوجهها المصفر و ملامحها الحزينة .
و فور ان وقفت امامها قامت ب احتضانها و هي تبكي : حبيبتي . .
صالحة : لا تبكي يا خالتي ، عليكِ ان تفرحي لي ، اذ تزوجت حبيبي . حتى و ان لم يعد يريدني هو لم يحب فتاة غيري .
مريم : ااه يا ابنتي ، و الف ااه ، حسبنا الله و نعمه الوكيل .
صالحة : خالتي ، لا تنسي اني فصلية ، لا تقتربي مني الا اذا تم السماح لك ، حسنا .
ابتعدت مريم عنها و امسكت يدها : هيا حبيبتي ، دعيني اخذك الى غرفتك .
#
توجهت صالحة مع خالتها الى الغرفة المخصصة لها و لضياء ، ثم تركتها مريم و رحلت بعد ان اغلقت الباب برفق ، لترفع كفيها للأعلى و تدعوا الله لهما .
.
نظرت صالحة حولها فوجدت ضياء يجلس في زاوية مضلمة و ينظر اليه ، ف اصابها الفزع لوهلة لكن بعد ان ادركت من هو ارتاحت على الفور .
ابعدت صالحة عبائتها السوداء مع الاشار لتبقى بردائها الابيض ، ثم اقتربت منه لترفع اكليلها ثم تجلس على ركبتيها امامه .
ضياء : ماذا جئت تغعلين هنا ؟
صالحة : اهكذا تستقبل حبيبتك ؟
ضياء : لم يعد لدي شيء اقدمه لها .
صالحة : قلبك يكفيني ، انا لا اريد شيء سواه.
ضياء : كاذبة ، انت هنا لحماية ابن عمتك ، الذي يريدك .
صالحة : من اين جئت بهذا الكلام .
ضياء : هل تظنين انني غبي ؟ ، انت تعلمين جيداً انه لم يطعني في هدا المكان الا لسبب واحد .
انهمرت دموع صالحة : اقسم انني لم اعلم ذلك .
ضياء : لقد همسها في اذني ، عندما طعنني ، قال انه لن يسمح لي بأن اضفر بكِ . و انظري الان . . . انت هنا و انا لن استطيع فعل شيء معك . هل تظنين بقدومك الى هنا بأنك ستعوضيني مافقدت ؟ ام انك ستمنعيني عن قتله ؟
صالحة : انا جئت لأنني لا استطيع ان اعيش من دونك ، كلما فعلته لأبقى الى جانبك و . .
ضياء : و ماذا ؟ تخدمينني حتى اموت ؟
صالحة : و اساعدك على الشفاء . انا لن استسلم حتى اراك تقف على قدميك من جديد .
تأثر ضياء بما قالته والصدق في عينيها ، فرفع يده محاولًا الوصول إلى وجهها ، لكنه أوقف نفسه ، ليحرك كرسيه ويخرج من الغرفة ، لِتنهار الأخرى على الأرض باكية .
الشهر الأول ، لعام 2001 ، اي بعد 6 اشهر من هروب جاسم .
صالحة : خرجت من منزل اهلي ، و ركبت السيارة التي قادها علاء طوال الطريق إلى هنا لأخذي . كنت احلم بهذا اليوم دائما ، اليوم الذي سأكون فيه عاروس لضياء ، مع الزغاريط و الموسيقا و قرع الطبول بينما ضياء يأتي بنفسه و يجلس في بيت اهلي قليلا للإحتفال ثم يأخذني معه في سيارة لن يركب فيها سوانا مع السائق . ثم الى بيت اهله ليكتمل الإحتفال . و تنختم قصة حبنا في غرفتنا و عش زواجنا لنكمل حياتنا سعداء للأبد .
هذا ما كنت اتخيله و ارسمه طوال فترة حبي لضياء ، و تحطم كل شيء منذ ان تركنا جاسم و هرب ، ليزداد الواقع صعوبة و يخسر ضياء عافيته و يصبح مقعداً .
.
كيف اصبحت عاروس ضياء ؟ . . حسناً ، كما هو الحال دائماً فـ ردات فعل الإنسان غير متوقعة ، فضياء الشاب الهادئ و المثقف و الذي كان يريد ان يحل الامور بين اهله و اهلي دون خسائر ، تغيرت وجهة نظره فور ان استعاد شتات نفسه بعد تقبله لما حدث له .
و كحكم عشائر هو طالب بثأره و ان يُقتَص حقه من عبد الله الذي سبب له الأذى ، رغم تنازل والدي عن حق صالح قانوناً و عشائرياً ، الا ان بيت عمي محمود كانت لهم وجهة نظر مختلفة .
و عندما بدأوا البحث عن عبد الله ابن عمتي نوارة ، انقلبت الدنيا رأس على عقب ، تم اخفاء عبد الله رغماً عنه اذ كان يريد ان يواجه بيت عمي لوحده ضد كل رجالهم ، ف اميكه والده وخبأه مرغماً له . لكن بيت عمي لم يتوقفوا ، اذ بدأ العم حسان و ابناء عمومته و اخوته بصحبة علاء بتخريب كل ما تقع عليه اعينهم من املاك لأراضينا و أراضي زوج عمتي نورا .
و رغم كل ما كان يحدث ، لم يسمح ابي ل أخي صالح ان يتعرض لأحدهم او يواجههم ، فكان اخي يتقلب على نار من القهر و الصبر ، و لولا خوفه من غضب ابي و تدهور صحة امي لكان قد واجههم قبل ان يتمادوا .
و في احد الايام حدثت مشاجرة كبيرة بين ابناء عمتي رقية و ابناء عم ابي و رغم كل الاصابات التي حدثت الا انه لم يمت احد كذلك و الحمد لله ، فقررت انا انهاء كل شيء و ان اهب نفسي لبيت عمي كهدنة لأيقاف العداوة .
ف آرتديت حجابي و ردائي الاسود وغطيت وجهي حتى لا يتم كشفي قبل دخولي إلى منزل عمي محمود . وعندما وصلت وجدت بوابتهم الكبيرة مفتوحة على مصراعيها ،
فمشيت من بين نسائهم و اطفالهم و ضيوفهم من الرجال و توقفت بالصالة لأجد عمي محمود يستلقي على كرسي عريض جادا بمساعدة خالتي مريم . لقد بدا لي حينها متعباً و مريضاً كما سمعت عنه ، ف تقطع قلبي و انهمرت دموعي حزناً عليه ، و لكن هذا لم يمنعني من التقدم ، فتوجهت اليه و توقفت امامهما لأنزع غطاء وجهي و اتحدث بينما الصدمة على وجهيهما واضحة .
#
صالحة : السلام عليكم .
رفع العم محمود رأسه ليفتح عيناه بصدمة بينما خالتي مريم وضعت يدها على صدرها و شهقت . و انتظرت ردهما حتى ظننت انني لن اجده .
مريم : و عليكم السلام ، ماذا تفعلين هنا يا صالحة ؟
تحدثت صالحة بذكاء : جئت اتحدث الى الشيخ محمود ، شيخنا و زعيم عشيرتنا . و انا اعلم حق المعرفة انه لا يرد سائلاً ، و يكرم كل من يطئ عتبة بيته .
نظرت مريم الى زوجها محمود تحاول التماس ردة فعله على كلام صالحة ، و بما أنه لم يبدي اي استياء سمحت لها بـ أن تكمل حديثها . رغم الخوف الذي كاد يخطف عافيتها بسبب حضور صالحة المفاجئ ، الا ان ملامح صالحة الواثقة اعطتها املاً .
صالحة : اولا ، سمعت انك مريض يا عمي ، اسأل الله ان يعافيك .
تحدث الشيخ محمود بصوته المبحوح : عافاك الله ، ماذا جئت تفعلين هنا يا بُنَية ؟
صالحة : في فترة مرضك ، استغل العم حسان و علاء صمتك و عزلتك ، و لم يتركوا شبرا او نفرا من اقرباءنا الا و أذوه ، و النظرة التي على وجهك الان تظهر لي عدم معرفتك بما يفعلون .
لم تجد صالحة رداً ف اكملت : و انا هنا لوضع حد ، لكل مايحدث يا عمي .
خافت مريم على ابنة اختها : صالحة ، لا تتمادي .
محمود : هل جُن الشيخ علي بعد ان هرب كبيره ليرسل ابنته تتفاوض عنه ؟
صالحة : ابي لا يعلم بوجودي . انا هنا لرفع جزية ، و تقديم تضحية ، و جئت دون علم احد لأنهم لن يسمحوا لي .
ضحك محمود : اسمعي يا مريم ، اولا اخوها الكبير يتصرف من رأسه و الان اخته ، اظن ان هذا يجري في العائلة .
مريم : سامحها يا ابا ضياء ، و سوف اجعلها تغادر ،
نهضت مريم من مكانها : هيا يا صالحة . .
فقاطعها محمود : لا ، دعيها تكمل . .
ابتسمت صالحة : شكرا لك على كرمك يا عمي . انت تعرف الفصلية اليس كذلك ؟
محمود : اجل .
صالحة : انا سأكون فصلية .
تفتحت عينا الشيخ محمود بصدمة و لم تكن ردة فعل زوجته اقل منه ، فبدأت بلطم وجهها بخفة اثناء همسها بكلمات خائفة ممتزجة بدعاء .
محمود : عودي الى منزل اهلك .
صالحة : ان لم تقبل بي يا عمي ، سينتهي الامر بمقتل شباب كُثر ، ف انت تعلم ان حسان و علاء اذوا الكثير ، و الان التربص قائم من الطرفين . انت لن تستطيع ان توقف احداً الا بحل علني و عشائري . لان الشباب هذه الايام لم يعد ايقافهم سهلاً .
مريم : اسمحلي يا ابَ ضياء ، لكنها محقة .
وجه الشيخ محمود كلامه ل زوجته مريم : لماذا لم تخبريني بتمرد علاء و حسان ؟
مريم : هددتهما ب اخبارك ، فقال علاء انه لن يعود حتى يأخذ بثأر اخيه و اختفى مع عمه حسان .
اومئ الشيخ محمود و هز رأسه بعتاب ثم تحدث مع صالحة : هل انت قادرة على تحمل علاء ؟
صالحة : انا لم اتي لأصبح له .
الشيخ محمود : لماذا اتيت اذاً ؟
صالحة : انا جئت اقدم نفسي لـ ضياء .
الشيخ محمود : فصلية و تشترط ؟؟
صالحة : انا اعتذر على ما سأقوله لك ، لكن ضياء كان يحبني و انا كنت انتظره حتى يفي بوعده لي . انا لا اجرؤ ان اناقشك او اخالف لك امراً ، و لكن يا شيخي ، ماذا ستكون ردة فعله ب ان ترسلني لأخيه .
رفع الشيخ محمود صوته : مرييييم
نهضت زوجته ترتجف : نعم يا ابَ ضياء
الشيخ محمود : هل ما تقوله ابنة اختك صحيح ؟
مريم : ضياء اخبرني انه يريد صالحة عاروس له بالحلال ، لكني لم اعلم انه كان يتحدث مع صالحة ، ربما خاف ان تعلم انت بالأمر و تعاقبه لذلك لم يخبرني .
صالحة : لم يحدث شيء مخالف للشرع يا عمي ، هو حدثني مرة واحدة من خلف الباب لا غيرها . و انا وثقت بوعده .
الشيخ محمود : عودي الى منزلك ، واعلمي اهلك بأن فصليتهم تم قبولها .
.
رخت صالحة الغطاء على وجهها و استدارت لتخرج من الباب حيث اتت لترتسم ابتسامة اسفل حجابها الاسود الذي كان يخفي ملامحها .
نهض الشيخ محمود من كرسيه ، ليقف على قدميه مستخدماً عكازاً لم يحتج اليه من قبل ، و السبب : تدهور صحته على ما اصاب ابنه ضياء .
خبط محمود عصاه على الارض و صرخ : اجمعوا كل من في القصر . اجتمعووووووا . . .
وقف كل من كان في القصر و الجوار امامه ليتحدث : اريدكم ان تبحثوا عن حسان و علاء و ان تجعلوهما يقفان امامي هنا قبل بزوخ الفجر ، اريدهم احياء ام اموات . .
شهقت مريم بعد ان سمعت كلمته الاخيرة : يا ويلتي ، يا ويلتي . . هل تريد قتل ابنك ؟
محمود : الذي يخالف امري ، و يتصرف من دون مشورتي و يتصرف كقطاع الطرق ، ليس من صلبي . لن يكون ابني و لن يكون اخي . و اخر فرصة لهما انتم من تستطيعون تقديمها لهم ، اما يكونان هنا قبل بزوخ الفجر ، و اما أبحت قتلهما لمن تمت اذيتهم .
جلست مريم على الارض مع بناتها ، و اخوات محمود يبكين معها و يجتمعن حولها . بينما الرجال و الفتيان خرجوا من القصر بحثاً عن علاء و حسان والخوف من عاقبتهما تُقلق الجميع ، فمنهم من يكون حسان اخاه و منهم من يكون حسان عمه و منهم من يكون حسان خاله ، و كذلك الامر ينطبق على علاء ، فمنهم ابناء اعمامه و ابناء عماته و اعمامه .
وكما ذكرت صالحة من قبل : فالشيخ محمود يكون زعيم القرية لأكبر عشيرة فيها ، عشيرة آل زين و لا يجرؤ احد على مخالفة امره . فقد تمت تزكيته و المعاهدة على طاعته من قِبل جميع السكان داخل القرية .
#
تعود صالحة للحاضر بعد ان اوقف علاء السيارة امام قصر اهله ، فرفع نظره نحو المرآة ليرى انعكاسها : انت خبيثة حقاً .
صالحة : ان كنت تسمي حمايتك من القتل خبث ، ف انت جاحداً حقاً .
علاء : كنت سأقتلهم جميعاً و لن يحدث شيء لي .
صالحة : ان كنت تظن نفسك ناجٍ من عقاب والدك ، لم تكن لتنجو من عقاب الله.
علاء : و هل سينجوا اخاك الجبان من عقاب الله ؟
صالحة : هذا علمه عند الله وحده . اما بالنسبة للقتل ، انت تعلم انه من الكبائر ، و فور ان تبدأ به لن ينتهي حتى لا يبقى احد او يتم ازاحة عشيرتنا عن الزعامة .
فتحت صالحة باب السيارة : يبدوا انك تُمهد لعمك الطريق دون ان تدرك الى أين يأخذك ، انتبه لتصرفاتك و لما يطلبه منك ، ف عمك حسان نواياه ليست سليمة .
خرجت صالحة و اثارت غضب علاء بكلامها ليلحق بها : من انت لتتحدثين عن عمي هكدا ؟ انت هنا لن تكوني الا خادمة ، انتبهي على لسانكِ و اخفضي نظركِ ، فإن لمحت تصرفاً منك و لم يعجبني لن تلومي الا نفسكِ .
صالحة : شكرا لك يا ابن خالتي . انا سوف . . .
.
امسكت صالحة خدها بعد ان قام علاء بصفعها ، ف نظرت اليه و عيناها غرقت بالدموع لترى نظراته الغاضبة من خلف اكليلها الناعم . ثم وضعت اصبعها في اذنها التي بدأت تصدر طنيناً من قوة صفعته .
علاء : ادخلي الى قبرك ، اتمنى ان تقضي فيه اياماً طويلة .
ركب علاء سيارته و انطلق بها ، لتبقى صالحة امام بوابة القصر وحيدة في الضلام . تسحب الهواء ثم تطلقه من فمها كمحاولة للهدوء و صرف رغبتها الشديدة بالبكاء .
ثم تقدمت نحو الباب الذي وجدته مفتوحاً، لتدفعه و تدخل من خلاله الى الباحة الكبيرة ، فرفعت غطائها ثم الأكليل تبحث عن اي شخص امامها . و لم تجد احداً على الإطلاق .
.
لقد كانت صالحة تتخيل استقبالاً يختلف عن هذا ، كانت تتخيل نفسها تدخل الى هذا المنزل مثل اي عاروس في الدنيا . تمسك بمرفق عريسها و تعبر من خلال طريق مغطى بالورود . مع ابتسامات و ترحيب كل الناس من حولها .
.
وصلت صالحة الى اعلى السلم داخل ااقصر ، فوجدت خالتها مريم تقف ب إنتضارها بوجهها المصفر و ملامحها الحزينة .
و فور ان وقفت امامها قامت ب احتضانها و هي تبكي : حبيبتي . .
صالحة : لا تبكي يا خالتي ، عليكِ ان تفرحي لي ، اذ تزوجت حبيبي . حتى و ان لم يعد يريدني هو لم يحب فتاة غيري .
مريم : ااه يا ابنتي ، و الف ااه ، حسبنا الله و نعمه الوكيل .
صالحة : خالتي ، لا تنسي اني فصلية ، لا تقتربي مني الا اذا تم السماح لك ، حسنا .
ابتعدت مريم عنها و امسكت يدها : هيا حبيبتي ، دعيني اخذك الى غرفتك .
#
توجهت صالحة مع خالتها الى الغرفة المخصصة لها و لضياء ، ثم تركتها مريم و رحلت بعد ان اغلقت الباب برفق ، لترفع كفيها للأعلى و تدعوا الله لهما .
.
نظرت صالحة حولها فوجدت ضياء يجلس في زاوية مضلمة و ينظر اليه ، ف اصابها الفزع لوهلة لكن بعد ان ادركت من هو ارتاحت على الفور .
ابعدت صالحة عبائتها السوداء مع الاشار لتبقى بردائها الابيض ، ثم اقتربت منه لترفع اكليلها ثم تجلس على ركبتيها امامه .
ضياء : ماذا جئت تغعلين هنا ؟
صالحة : اهكذا تستقبل حبيبتك ؟
ضياء : لم يعد لدي شيء اقدمه لها .
صالحة : قلبك يكفيني ، انا لا اريد شيء سواه.
ضياء : كاذبة ، انت هنا لحماية ابن عمتك ، الذي يريدك .
صالحة : من اين جئت بهذا الكلام .
ضياء : هل تظنين انني غبي ؟ ، انت تعلمين جيداً انه لم يطعني في هدا المكان الا لسبب واحد .
انهمرت دموع صالحة : اقسم انني لم اعلم ذلك .
ضياء : لقد همسها في اذني ، عندما طعنني ، قال انه لن يسمح لي بأن اضفر بكِ . و انظري الان . . . انت هنا و انا لن استطيع فعل شيء معك . هل تظنين بقدومك الى هنا بأنك ستعوضيني مافقدت ؟ ام انك ستمنعيني عن قتله ؟
صالحة : انا جئت لأنني لا استطيع ان اعيش من دونك ، كلما فعلته لأبقى الى جانبك و . .
ضياء : و ماذا ؟ تخدمينني حتى اموت ؟
صالحة : و اساعدك على الشفاء . انا لن استسلم حتى اراك تقف على قدميك من جديد .
تأثر ضياء بما قالته والصدق في عينيها ، فرفع يده محاولًا الوصول إلى وجهها ، لكنه أوقف نفسه ، ليحرك كرسيه ويخرج من الغرفة ، لِتنهار الأخرى على الأرض باكية .