9

# جاسم


كثيرا ما اشعر بها تنظر في وجهي و تراقبني ، و كان كلما يحل الصمت بيننا تخترع سؤال حتى لا ينتهي الدرس ، كانت تصيبني بالحيرة ، و تجعلني مرات كثيرة اخجل .


جاسم : انظري في القرأن . انت تشردين .

سالي : اعتذر اذا كان نظري لك يقلقك ، لكنني ارقب تحرك شفتيك اثناء اللفظ حتى اقلدها.  فبعض الحروف لا تخرج من فمي ، لغتكم ثقيلة .


جاسم : اها . اذا لك اعتذاري .


سالي : هل يمكن ان اسألك سؤالاً ؟
.
جاسم : تفضلي .

سالي : كيف تعلمت الانجليزية ؟

جاسم : اخذت دورات تعلبمية مكثفة ، و كانت الاشرطة المسجلة تساعدني .


سالي : لا عجب ان لفظ عندك متقن و صحيح . انت مثير للدهشة .

جاسم : حددي معنى مثير للدهشة .

سالي : للإعجاب ، انا معجبة بك .


نظرت اليها  : الا تخجلين ؟


سالي : ماذا قلت انا ؟


جاسم : معجبة بك .


سالي : اذا ؟! هذه حقيقة .


جاسم : اظن انه يجب علينا ان نوقف الدرس الأن .


سالي :  انتظر ، لماذا غضبت ؟


جاسم : لا احب هذا الحديث . فلن يأخذنا لطريق صحيح .



سالي : مهلا ، انا لا اعني كلامي شاعريا ، انا عنيت ذلك مهنيا ، ف انت تتحدث بطلاقة و انا اعاني ، انا مدحتك و لم اتغزل بك . اظن انك تعرف لغتنا لكنك تجهل الكثير عن ثقافتنا .


جاسم: و كيف هذا ؟


سالي : ليس كل من قال انه معجب بك يعني شعور الحب ، الاعجاب هو اعتراف الانسان لك ب امكانياتك .  و التقدير . انا اقدرك يا جاسم .



شعرت بالخجل منها و من نفسي : شكرا لك . و انا اقدرك كذلك ، ف انتِ مثابرة . و لا تستسلمين .


سالي : انا مسرورة ، شكرا لك . اتساءل ، كيف يبدو الحجاب علي ؟ هل هو جميل ؟


نظرت اليها ؛  و كانت تلفه بطريقة مهملة لكنها اخفت شعرها بالكامل . و لوهلة اعجبني عليها كثيرا و تحدثت دون ان اراقب كلماتي : اجل ، انه جميل .


هي فقط ابتسمت ، و توسع بؤبؤ عينيها الذي يحيط به لونهما الاخضر اللامع ، و تساءلت بين نفسي ، كم مرة نظرت اليها بشكل مباشر هكذا ؟ انها جميلة جداً ، يا سبحان الله .


سالي : ماذا تقولون عندما يعجبكم شيء ؟

جاسم : ماشاء الله .


سالي : المعنى ؟


جاسم : لان الله صور او خلق كل ما يحيط بنا ، حتى الرزق و الاموال و الطبيعة ، فعندما نرى امراً مثيراً للإعجاب ، نقول ما شاء الله ، حتى لا يصيبه الحسد .


سالي : انتم تؤمنون بالحسد !


جاسم : انه موجود . فمن يحسدك ربما عينه الحاسدة تؤذيك . انه كما درسنا في سورة الفلق .


سالي بسرعة : ماشاء الله ما شاء الله ما شاء الله.



جاسم يضحك  : ماذا تفعلين ؟


سالي تبتسم : حتى لا احسدك .


هزز رأسي بيأس ، و لم اسألها مالذي تحسديني بشأنه .


سالي : اخبرني عن دعاء تستخدمه عندما تريد شيء بشدة .


جاسم : اللهم اجعله من نصيبي ، و اجعل فيه كل الخير لي ، ينفعني في ديني و دنياي و آخرتي .


سالي : هذا طويل ، انتظر علي ان ادونه . هيا كرر ما قلته .



بعد شهرين اجلس معها في كافيتيريا  ، و كنت قد تعودت عليها كثيرا .

سالي : هل تدخن ؟

جاسم : لا .

سالي : هل العرب لا يدخنون ؟

جاسم : هناك الكثير منهم يدخنون ، الامر لا يتعلق بعرب او اسلام .


سالي : اذا لماذا انت لا تدخن ،كباقي الشباب ؟


جاسم : الهي صبرني ، سالي انا سوف اصبح طبيب ، و انا اكره الدخان كذلك . توقفي عن اثارة غضبي .


سالي : سوف اتوقف عنه اذا .


جاسم : اتدخنين ؟


سالي : اهدأ ، لست مدمنة عليه .



جاسم : سالي ، رائحتك ممتلئة بالدخان ، و انا كنت اتعجب ، ظننت انها لا تنبعث منك .


سالي : اسفة .


جاسم : اعتذري لنفسك ، انت تدمرين جسدك .


سالي : انت محق .


جاسم : اي طبيبة ستكونين بحق الإله ؟

سالي : اطفال ، احب الاطفال .


جاسم : اذا ابدأي بكونك قدوة حسنة ، الاطفال يستطيعون ان يشعروا اذا كان الطبيب يهتم بصحتهم ام لا ، عن طريق اهتمامه بنفسه .


سالي : اووه ، هذا كلام عميق ، لم احسب الامر هكذا  . القهوة اليوم على حسابي .


جاسم : لن اسمح لفتاة ان تدفع عني .


سالي : انت تستمر بالرفض ،لماذا اخبرني ؟


جاسم : هكذا ، انا لم اتعود على ان تدفع فتاة عني .


سالي : هذا تمييز عنصري.


جاسم : لا ، انت مخطئة ، بل هذا تقدير و احترام للذات و حس بالمسؤولية . لن اسمح لفتاة ان تدفع عني الا اذا نفذت نقودي فجأة او كنت في مأزق . و لكنني سأعيدها لاحقا .


بدأت سالي تضحك  : هذا لطيف . هذا يذكرني عندما تسير انت قرب ممشى السيارات و تجعلني امشي على الرصيف . هذا لطيف ايضاً  تجعلني اشعر  طفلة عندما تفعل ذلك .


جاسم : انها عادة فقط .


سالي : ما شاء الله .


ضحكت على ما قالته ، و على الامور البسيطة التي تعجبها فتقول ما شاء الله ، على الرغم انها ليست مسلمة . جعلتني اغير رأيي و اعيد النظر بغير المسلمين ، لديهم قلوب مرهفة و طيبة ، و عندهم قدة كبيرة على الإحسان ، و يساعدون المحتاجين . اعجبتني اميريكا من خلال سالي ، ف بمرحلة لقاءاتنا كنت اصدف مواقف كثيرة تتعامل معها هي ، بشكل مثير للإعجاب .  و للمشاعر . هذا يجعلني اتذكر ما قاله ابي لي ، نحن المسلمين و المسيحيين كالاخوة ، نعبد الله و نعترف بوجوده ، و اخبرني ذات مرة ان يمتلك ثلاثة اصدقاء مسيحيين ، و تحدث كثيرا عن اخلاقهم الحميدة .


كان يقول لي ايضا ان بعض المسلمين و ليس كلنا ، نأخذ الدين عادة و ننسى انه عبادة ، ف نسيء لبعضنا و نغتاب بعضنا و نؤذي بعضنا و نعود للإسغفار و نظن ان الله سيغفر لنا ، و ننسى ان نعتذر لمن اسأنا لهم ، الإسلام أخلاق يا بني ، لا تشتم و لا تلعن و لا تمنع السائل و لا تقهر اليتيم و لا تؤذِ انثى او تكسرها ، لا تسخر من شكل احدهم و لا تنظر بدونية لأي مركز اجتماعي أو عرق أو لون .  فكلنا بشر و نحن عند الله سواسيا الا بالتقوى . و احذر من الظلم ، فدعوة المظلوم مستجابة و ان كان غير مسلم .



و هكذا مرت سنة و ترفعت للسنة الثالثة ، و كنت اذوب من الشوق لأهلي و أرضي ، لكن دراستي التي كنت انغمس بها تأكل هذا الشعور و تخنقه ببطئ .


اعتدت على كل اصدقائي من مختلف الاديان و الاعراق و البلدان و الثقافات ، لم اعد منطوياً و اصبحت اكثر تقبلاً للنقاش و المزاح . و للأسف تشكل في قلبي فراغ كلما غابت سالي عني ، اصبحت اتخيلها امامي في كل مكان ، و اشتاق اليها و ابحث عنها . و تبا لقلبي الذي لم استطع ان اسيطر عليه .


اصبحت حزيناً بسبب التفكير المتواصل بحبي لها ، ماضييّ لا يتركني و شأني ، و يدخلني في وضع للإختيار ، ف إذا تقدمت لها يجب ان انسى اهلي و اذا اخترت اهلي يجب ان انساها .

مر على عدم رؤيتها اسبوع كامل ، كنت معتاداً ان اجدها حولي ما ان التفت ، و الان اكاد افقد صوابي بسببها . اسمع الان صوت المطر يضرب نوافذ غرفتي ، بينما انظر الى سرير  رائد الفارغ ، و اتساءل اين هو و في اي ورطة اوقع نفسه . و رغم برودة الجو التي تسللت الى الداخل نهضت و ارتديت معطفي استعد للخروج ، اذ لم اعد قادراً على البقاء . و لا اعرف ما السبب .


خرجت من السكن احمل مضلتي فوق رأسي ، و لم اكن اتوقع هذه الغزارة من الامطار ، التي جعلت مضلتي تهتز . و بينما الطريق شبه خالٍ من البشر ، الا ان هناك من علق تحت الامطار و يهرول قدر المستطاع ليصل الى محطته .

مشيت قليلا ، و استمتعت برائحة المطر و روائح المخبوزات و مطاعم اللحم و الدجاج المشوي ، و التي تنبعث كلما سرت من قرب احدها . ثم  دققت النطر امامي لأجد سالي  و هي مبللة بالكامل  تقف ضد الحائط و تلف ذراعيها حول صدرها ، فظننت انني اتخيلها و لكن كلما هرولت نحوها ادركت انها حقيقة ، و شعرت بالخوف الشديد عليها لوقوفها في هذا الجو و لهذه الحالة .




وضعت مضلتي فوقنا نحن الاثنان و استندت ضد الحائط ب مرفقي : تبا يا سالي ، ماذا تفعلين هنا ؟

رفعت وجهها الصغير و المستدير لتلتقي عيناها الخضراء بعيناي ، و كانت تبدو حمراء ،كما حال شفتيها بسبب البرد  . فخرج صوتها المبحوح ليقطع قلبي : جاسم . كيف وجدتني ؟


خلعت معطفي على الفور و وضعته حولها ثم لفحتي الصوفية و التي حاكتها امي لي ، قمت بلفها حول رأسها كما تلف الفتاة الحجاب ، ثم جعلت اطرافها تنعقد خلف عنقها و فعلت كل هذا بهدوء و يد واحدة بينما هي تراقبني و تقوس شفتيها بحزن .



هيا بنا : هذا ما قلته لها ، ف اخذتها الى اقرب متجر للملابس، ، لتغير ملابسها بالكامل ، ثم خرجت  هي بعد ان ارتدت بنطال و كنزه صوفيه طويلة تصل اسفل ركبتيها مع قبعة صوفيه .

سالي : شكرا لك .

جاسم : على ماذا ؟ لم افعل شيء . هيا لنشرب شيء دافء ، الى جانب هذا المحل يوجد مخبز للكرواسون مع الشاي و القهوة . هيا بنا .



جلسنا في المقهى و اكلت سالي كثيرا مما طلبناه ، و اصابني الحزن حين ادركت انها جائعة . و بشكل مباشر كعادتي انا سألت : لماذا كنت في هذه الحالة ؟ و اين اختفيت طوال الاسبوع الفائت.

.
ابتسمت لي كعادتها : واه ، لم اظن انك ستلاحظ غيابي .

جاسم : لا تغيري الموضوع ، انت لست بخير ، اليس كذلك .

هزت رأسها  : لم اكن بخير اكثر من الان ، رؤيتك هكذا بعد ان ظننت انه من المستحيل ان التقي بك و خاصة بهذا الجو ، تجعلني بخير بغض النظر عما حدث معي .


جاسم : ارجوك سالي ، اخبريني مالامر ؟


حركت سالي رأسها بالموافقة و افرغت حلقها ثم تحدثت  : ربما ستقول انني دراماتيكية ، و انني لست واعية ، مثل ما قال الجميع و انا لا انتظر منك ان تقول عكس ذلك ، . .

جاسم : مالامر ؟


سالي : الامر هو انني رفضت عرض زواج لمدة طويلة ، و عندما بدات عائلة الشاب المتقدم تزعجني و تتدخل ب اموري ، انا نهضت و اخبرتهم . .


جاسم : ماذا ؟


اكملت و هي في غاية التوتر و تبعد نظرها عن عيناي : اخبرتهم  ان يجدوا غيري . فغضب ابي مني على وقاحتي و اخبرته انني سأتزوج من احب ، و اخبرته  انني احبك .

فتحت عيناي بصدمة : ماذا ؟


سالي : اظن انه من من الغريب ان تسمعني اخبر احدهم انني احبك قبل ان اخبرك . اجل هذا غريب.

جاسم  : توقفي سالي . . هل تمزحين معي ؟.


سالي : لا .

جاسم : لماذا لم تخبريني .

احمرت عينا سالي و تحدثت بنبرة باكية : لانك لا تحبني . انت عليك ان تعود لوطنك و تتزوج ، هل نسيت ؟


جاسم  :  لم انسى ، و هذا ما يجعلني اتألم فقط لمجرد التفكير بك . . . انا ايضا احبك ، جدا . و هذا يقتلني .


سالي : انت تحبني ؟


جاسم : كما سمعت .


نزلت دموعي من عيناي فور اعترافي لها ، لم اكن اعلم ان البوح بما اشعر سيكون مريحاً بهذا الشكل ،


اراها امامي تمسح وجهها و دموعها و ملامحها تتقلب كلما ارادت ان تنطق بشيء و تسكت .


فنطقت سالي اخيرا بعد ان حل صمت طويل بيننا :  تزوجني اذا .


و هذا ماحدث فعلا ، دون ان اقول كيف و دون ان افكر ب اي شيء اخر ، انا طعت قلبي و الفتاة التي احب .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي