9
# جاسم
كثيرا ما اشعر بها تنظر في وجهي و تراقبني ، و كان كلما يحل الصمت بيننا تخترع سؤال حتى لا ينتهي الدرس ، كانت تصيبني بالحيرة ، و تجعلني مرات كثيرة اخجل .
جاسم : انظري في القرأن . انت تشردين .
سالي : اعتذر اذا كان نظري لك يقلقك ، لكنني ارقب تحرك شفتيك اثناء اللفظ حتى اقلدها. فبعض الحروف لا تخرج من فمي ، لغتكم ثقيلة .
جاسم : اها . اذا لك اعتذاري .
سالي : هل يمكن ان اسألك سؤالاً ؟
.
جاسم : تفضلي .
سالي : كيف تعلمت الانجليزية ؟
جاسم : اخذت دورات تعلبمية مكثفة ، و كانت الاشرطة المسجلة تساعدني .
سالي : لا عجب ان لفظ عندك متقن و صحيح . انت مثير للدهشة .
جاسم : حددي معنى مثير للدهشة .
سالي : للإعجاب ، انا معجبة بك .
نظرت اليها : الا تخجلين ؟
سالي : ماذا قلت انا ؟
جاسم : معجبة بك .
سالي : اذا ؟! هذه حقيقة .
جاسم : اظن انه يجب علينا ان نوقف الدرس الأن .
سالي : انتظر ، لماذا غضبت ؟
جاسم : لا احب هذا الحديث . فلن يأخذنا لطريق صحيح .
سالي : مهلا ، انا لا اعني كلامي شاعريا ، انا عنيت ذلك مهنيا ، ف انت تتحدث بطلاقة و انا اعاني ، انا مدحتك و لم اتغزل بك . اظن انك تعرف لغتنا لكنك تجهل الكثير عن ثقافتنا .
جاسم: و كيف هذا ؟
سالي : ليس كل من قال انه معجب بك يعني شعور الحب ، الاعجاب هو اعتراف الانسان لك ب امكانياتك . و التقدير . انا اقدرك يا جاسم .
شعرت بالخجل منها و من نفسي : شكرا لك . و انا اقدرك كذلك ، ف انتِ مثابرة . و لا تستسلمين .
سالي : انا مسرورة ، شكرا لك . اتساءل ، كيف يبدو الحجاب علي ؟ هل هو جميل ؟
نظرت اليها ؛ و كانت تلفه بطريقة مهملة لكنها اخفت شعرها بالكامل . و لوهلة اعجبني عليها كثيرا و تحدثت دون ان اراقب كلماتي : اجل ، انه جميل .
هي فقط ابتسمت ، و توسع بؤبؤ عينيها الذي يحيط به لونهما الاخضر اللامع ، و تساءلت بين نفسي ، كم مرة نظرت اليها بشكل مباشر هكذا ؟ انها جميلة جداً ، يا سبحان الله .
سالي : ماذا تقولون عندما يعجبكم شيء ؟
جاسم : ماشاء الله .
سالي : المعنى ؟
جاسم : لان الله صور او خلق كل ما يحيط بنا ، حتى الرزق و الاموال و الطبيعة ، فعندما نرى امراً مثيراً للإعجاب ، نقول ما شاء الله ، حتى لا يصيبه الحسد .
سالي : انتم تؤمنون بالحسد !
جاسم : انه موجود . فمن يحسدك ربما عينه الحاسدة تؤذيك . انه كما درسنا في سورة الفلق .
سالي بسرعة : ماشاء الله ما شاء الله ما شاء الله.
جاسم يضحك : ماذا تفعلين ؟
سالي تبتسم : حتى لا احسدك .
هزز رأسي بيأس ، و لم اسألها مالذي تحسديني بشأنه .
سالي : اخبرني عن دعاء تستخدمه عندما تريد شيء بشدة .
جاسم : اللهم اجعله من نصيبي ، و اجعل فيه كل الخير لي ، ينفعني في ديني و دنياي و آخرتي .
سالي : هذا طويل ، انتظر علي ان ادونه . هيا كرر ما قلته .
بعد شهرين اجلس معها في كافيتيريا ، و كنت قد تعودت عليها كثيرا .
سالي : هل تدخن ؟
جاسم : لا .
سالي : هل العرب لا يدخنون ؟
جاسم : هناك الكثير منهم يدخنون ، الامر لا يتعلق بعرب او اسلام .
سالي : اذا لماذا انت لا تدخن ،كباقي الشباب ؟
جاسم : الهي صبرني ، سالي انا سوف اصبح طبيب ، و انا اكره الدخان كذلك . توقفي عن اثارة غضبي .
سالي : سوف اتوقف عنه اذا .
جاسم : اتدخنين ؟
سالي : اهدأ ، لست مدمنة عليه .
جاسم : سالي ، رائحتك ممتلئة بالدخان ، و انا كنت اتعجب ، ظننت انها لا تنبعث منك .
سالي : اسفة .
جاسم : اعتذري لنفسك ، انت تدمرين جسدك .
سالي : انت محق .
جاسم : اي طبيبة ستكونين بحق الإله ؟
سالي : اطفال ، احب الاطفال .
جاسم : اذا ابدأي بكونك قدوة حسنة ، الاطفال يستطيعون ان يشعروا اذا كان الطبيب يهتم بصحتهم ام لا ، عن طريق اهتمامه بنفسه .
سالي : اووه ، هذا كلام عميق ، لم احسب الامر هكذا . القهوة اليوم على حسابي .
جاسم : لن اسمح لفتاة ان تدفع عني .
سالي : انت تستمر بالرفض ،لماذا اخبرني ؟
جاسم : هكذا ، انا لم اتعود على ان تدفع فتاة عني .
سالي : هذا تمييز عنصري.
جاسم : لا ، انت مخطئة ، بل هذا تقدير و احترام للذات و حس بالمسؤولية . لن اسمح لفتاة ان تدفع عني الا اذا نفذت نقودي فجأة او كنت في مأزق . و لكنني سأعيدها لاحقا .
بدأت سالي تضحك : هذا لطيف . هذا يذكرني عندما تسير انت قرب ممشى السيارات و تجعلني امشي على الرصيف . هذا لطيف ايضاً تجعلني اشعر طفلة عندما تفعل ذلك .
جاسم : انها عادة فقط .
سالي : ما شاء الله .
ضحكت على ما قالته ، و على الامور البسيطة التي تعجبها فتقول ما شاء الله ، على الرغم انها ليست مسلمة . جعلتني اغير رأيي و اعيد النظر بغير المسلمين ، لديهم قلوب مرهفة و طيبة ، و عندهم قدة كبيرة على الإحسان ، و يساعدون المحتاجين . اعجبتني اميريكا من خلال سالي ، ف بمرحلة لقاءاتنا كنت اصدف مواقف كثيرة تتعامل معها هي ، بشكل مثير للإعجاب . و للمشاعر . هذا يجعلني اتذكر ما قاله ابي لي ، نحن المسلمين و المسيحيين كالاخوة ، نعبد الله و نعترف بوجوده ، و اخبرني ذات مرة ان يمتلك ثلاثة اصدقاء مسيحيين ، و تحدث كثيرا عن اخلاقهم الحميدة .
كان يقول لي ايضا ان بعض المسلمين و ليس كلنا ، نأخذ الدين عادة و ننسى انه عبادة ، ف نسيء لبعضنا و نغتاب بعضنا و نؤذي بعضنا و نعود للإسغفار و نظن ان الله سيغفر لنا ، و ننسى ان نعتذر لمن اسأنا لهم ، الإسلام أخلاق يا بني ، لا تشتم و لا تلعن و لا تمنع السائل و لا تقهر اليتيم و لا تؤذِ انثى او تكسرها ، لا تسخر من شكل احدهم و لا تنظر بدونية لأي مركز اجتماعي أو عرق أو لون . فكلنا بشر و نحن عند الله سواسيا الا بالتقوى . و احذر من الظلم ، فدعوة المظلوم مستجابة و ان كان غير مسلم .
و هكذا مرت سنة و ترفعت للسنة الثالثة ، و كنت اذوب من الشوق لأهلي و أرضي ، لكن دراستي التي كنت انغمس بها تأكل هذا الشعور و تخنقه ببطئ .
اعتدت على كل اصدقائي من مختلف الاديان و الاعراق و البلدان و الثقافات ، لم اعد منطوياً و اصبحت اكثر تقبلاً للنقاش و المزاح . و للأسف تشكل في قلبي فراغ كلما غابت سالي عني ، اصبحت اتخيلها امامي في كل مكان ، و اشتاق اليها و ابحث عنها . و تبا لقلبي الذي لم استطع ان اسيطر عليه .
اصبحت حزيناً بسبب التفكير المتواصل بحبي لها ، ماضييّ لا يتركني و شأني ، و يدخلني في وضع للإختيار ، ف إذا تقدمت لها يجب ان انسى اهلي و اذا اخترت اهلي يجب ان انساها .
مر على عدم رؤيتها اسبوع كامل ، كنت معتاداً ان اجدها حولي ما ان التفت ، و الان اكاد افقد صوابي بسببها . اسمع الان صوت المطر يضرب نوافذ غرفتي ، بينما انظر الى سرير رائد الفارغ ، و اتساءل اين هو و في اي ورطة اوقع نفسه . و رغم برودة الجو التي تسللت الى الداخل نهضت و ارتديت معطفي استعد للخروج ، اذ لم اعد قادراً على البقاء . و لا اعرف ما السبب .
خرجت من السكن احمل مضلتي فوق رأسي ، و لم اكن اتوقع هذه الغزارة من الامطار ، التي جعلت مضلتي تهتز . و بينما الطريق شبه خالٍ من البشر ، الا ان هناك من علق تحت الامطار و يهرول قدر المستطاع ليصل الى محطته .
مشيت قليلا ، و استمتعت برائحة المطر و روائح المخبوزات و مطاعم اللحم و الدجاج المشوي ، و التي تنبعث كلما سرت من قرب احدها . ثم دققت النطر امامي لأجد سالي و هي مبللة بالكامل تقف ضد الحائط و تلف ذراعيها حول صدرها ، فظننت انني اتخيلها و لكن كلما هرولت نحوها ادركت انها حقيقة ، و شعرت بالخوف الشديد عليها لوقوفها في هذا الجو و لهذه الحالة .
وضعت مضلتي فوقنا نحن الاثنان و استندت ضد الحائط ب مرفقي : تبا يا سالي ، ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت وجهها الصغير و المستدير لتلتقي عيناها الخضراء بعيناي ، و كانت تبدو حمراء ،كما حال شفتيها بسبب البرد . فخرج صوتها المبحوح ليقطع قلبي : جاسم . كيف وجدتني ؟
خلعت معطفي على الفور و وضعته حولها ثم لفحتي الصوفية و التي حاكتها امي لي ، قمت بلفها حول رأسها كما تلف الفتاة الحجاب ، ثم جعلت اطرافها تنعقد خلف عنقها و فعلت كل هذا بهدوء و يد واحدة بينما هي تراقبني و تقوس شفتيها بحزن .
هيا بنا : هذا ما قلته لها ، ف اخذتها الى اقرب متجر للملابس، ، لتغير ملابسها بالكامل ، ثم خرجت هي بعد ان ارتدت بنطال و كنزه صوفيه طويلة تصل اسفل ركبتيها مع قبعة صوفيه .
سالي : شكرا لك .
جاسم : على ماذا ؟ لم افعل شيء . هيا لنشرب شيء دافء ، الى جانب هذا المحل يوجد مخبز للكرواسون مع الشاي و القهوة . هيا بنا .
جلسنا في المقهى و اكلت سالي كثيرا مما طلبناه ، و اصابني الحزن حين ادركت انها جائعة . و بشكل مباشر كعادتي انا سألت : لماذا كنت في هذه الحالة ؟ و اين اختفيت طوال الاسبوع الفائت.
.
ابتسمت لي كعادتها : واه ، لم اظن انك ستلاحظ غيابي .
جاسم : لا تغيري الموضوع ، انت لست بخير ، اليس كذلك .
هزت رأسها : لم اكن بخير اكثر من الان ، رؤيتك هكذا بعد ان ظننت انه من المستحيل ان التقي بك و خاصة بهذا الجو ، تجعلني بخير بغض النظر عما حدث معي .
جاسم : ارجوك سالي ، اخبريني مالامر ؟
حركت سالي رأسها بالموافقة و افرغت حلقها ثم تحدثت : ربما ستقول انني دراماتيكية ، و انني لست واعية ، مثل ما قال الجميع و انا لا انتظر منك ان تقول عكس ذلك ، . .
جاسم : مالامر ؟
سالي : الامر هو انني رفضت عرض زواج لمدة طويلة ، و عندما بدات عائلة الشاب المتقدم تزعجني و تتدخل ب اموري ، انا نهضت و اخبرتهم . .
جاسم : ماذا ؟
اكملت و هي في غاية التوتر و تبعد نظرها عن عيناي : اخبرتهم ان يجدوا غيري . فغضب ابي مني على وقاحتي و اخبرته انني سأتزوج من احب ، و اخبرته انني احبك .
فتحت عيناي بصدمة : ماذا ؟
سالي : اظن انه من من الغريب ان تسمعني اخبر احدهم انني احبك قبل ان اخبرك . اجل هذا غريب.
جاسم : توقفي سالي . . هل تمزحين معي ؟.
سالي : لا .
جاسم : لماذا لم تخبريني .
احمرت عينا سالي و تحدثت بنبرة باكية : لانك لا تحبني . انت عليك ان تعود لوطنك و تتزوج ، هل نسيت ؟
جاسم : لم انسى ، و هذا ما يجعلني اتألم فقط لمجرد التفكير بك . . . انا ايضا احبك ، جدا . و هذا يقتلني .
سالي : انت تحبني ؟
جاسم : كما سمعت .
نزلت دموعي من عيناي فور اعترافي لها ، لم اكن اعلم ان البوح بما اشعر سيكون مريحاً بهذا الشكل ،
اراها امامي تمسح وجهها و دموعها و ملامحها تتقلب كلما ارادت ان تنطق بشيء و تسكت .
فنطقت سالي اخيرا بعد ان حل صمت طويل بيننا : تزوجني اذا .
و هذا ماحدث فعلا ، دون ان اقول كيف و دون ان افكر ب اي شيء اخر ، انا طعت قلبي و الفتاة التي احب .
كثيرا ما اشعر بها تنظر في وجهي و تراقبني ، و كان كلما يحل الصمت بيننا تخترع سؤال حتى لا ينتهي الدرس ، كانت تصيبني بالحيرة ، و تجعلني مرات كثيرة اخجل .
جاسم : انظري في القرأن . انت تشردين .
سالي : اعتذر اذا كان نظري لك يقلقك ، لكنني ارقب تحرك شفتيك اثناء اللفظ حتى اقلدها. فبعض الحروف لا تخرج من فمي ، لغتكم ثقيلة .
جاسم : اها . اذا لك اعتذاري .
سالي : هل يمكن ان اسألك سؤالاً ؟
.
جاسم : تفضلي .
سالي : كيف تعلمت الانجليزية ؟
جاسم : اخذت دورات تعلبمية مكثفة ، و كانت الاشرطة المسجلة تساعدني .
سالي : لا عجب ان لفظ عندك متقن و صحيح . انت مثير للدهشة .
جاسم : حددي معنى مثير للدهشة .
سالي : للإعجاب ، انا معجبة بك .
نظرت اليها : الا تخجلين ؟
سالي : ماذا قلت انا ؟
جاسم : معجبة بك .
سالي : اذا ؟! هذه حقيقة .
جاسم : اظن انه يجب علينا ان نوقف الدرس الأن .
سالي : انتظر ، لماذا غضبت ؟
جاسم : لا احب هذا الحديث . فلن يأخذنا لطريق صحيح .
سالي : مهلا ، انا لا اعني كلامي شاعريا ، انا عنيت ذلك مهنيا ، ف انت تتحدث بطلاقة و انا اعاني ، انا مدحتك و لم اتغزل بك . اظن انك تعرف لغتنا لكنك تجهل الكثير عن ثقافتنا .
جاسم: و كيف هذا ؟
سالي : ليس كل من قال انه معجب بك يعني شعور الحب ، الاعجاب هو اعتراف الانسان لك ب امكانياتك . و التقدير . انا اقدرك يا جاسم .
شعرت بالخجل منها و من نفسي : شكرا لك . و انا اقدرك كذلك ، ف انتِ مثابرة . و لا تستسلمين .
سالي : انا مسرورة ، شكرا لك . اتساءل ، كيف يبدو الحجاب علي ؟ هل هو جميل ؟
نظرت اليها ؛ و كانت تلفه بطريقة مهملة لكنها اخفت شعرها بالكامل . و لوهلة اعجبني عليها كثيرا و تحدثت دون ان اراقب كلماتي : اجل ، انه جميل .
هي فقط ابتسمت ، و توسع بؤبؤ عينيها الذي يحيط به لونهما الاخضر اللامع ، و تساءلت بين نفسي ، كم مرة نظرت اليها بشكل مباشر هكذا ؟ انها جميلة جداً ، يا سبحان الله .
سالي : ماذا تقولون عندما يعجبكم شيء ؟
جاسم : ماشاء الله .
سالي : المعنى ؟
جاسم : لان الله صور او خلق كل ما يحيط بنا ، حتى الرزق و الاموال و الطبيعة ، فعندما نرى امراً مثيراً للإعجاب ، نقول ما شاء الله ، حتى لا يصيبه الحسد .
سالي : انتم تؤمنون بالحسد !
جاسم : انه موجود . فمن يحسدك ربما عينه الحاسدة تؤذيك . انه كما درسنا في سورة الفلق .
سالي بسرعة : ماشاء الله ما شاء الله ما شاء الله.
جاسم يضحك : ماذا تفعلين ؟
سالي تبتسم : حتى لا احسدك .
هزز رأسي بيأس ، و لم اسألها مالذي تحسديني بشأنه .
سالي : اخبرني عن دعاء تستخدمه عندما تريد شيء بشدة .
جاسم : اللهم اجعله من نصيبي ، و اجعل فيه كل الخير لي ، ينفعني في ديني و دنياي و آخرتي .
سالي : هذا طويل ، انتظر علي ان ادونه . هيا كرر ما قلته .
بعد شهرين اجلس معها في كافيتيريا ، و كنت قد تعودت عليها كثيرا .
سالي : هل تدخن ؟
جاسم : لا .
سالي : هل العرب لا يدخنون ؟
جاسم : هناك الكثير منهم يدخنون ، الامر لا يتعلق بعرب او اسلام .
سالي : اذا لماذا انت لا تدخن ،كباقي الشباب ؟
جاسم : الهي صبرني ، سالي انا سوف اصبح طبيب ، و انا اكره الدخان كذلك . توقفي عن اثارة غضبي .
سالي : سوف اتوقف عنه اذا .
جاسم : اتدخنين ؟
سالي : اهدأ ، لست مدمنة عليه .
جاسم : سالي ، رائحتك ممتلئة بالدخان ، و انا كنت اتعجب ، ظننت انها لا تنبعث منك .
سالي : اسفة .
جاسم : اعتذري لنفسك ، انت تدمرين جسدك .
سالي : انت محق .
جاسم : اي طبيبة ستكونين بحق الإله ؟
سالي : اطفال ، احب الاطفال .
جاسم : اذا ابدأي بكونك قدوة حسنة ، الاطفال يستطيعون ان يشعروا اذا كان الطبيب يهتم بصحتهم ام لا ، عن طريق اهتمامه بنفسه .
سالي : اووه ، هذا كلام عميق ، لم احسب الامر هكذا . القهوة اليوم على حسابي .
جاسم : لن اسمح لفتاة ان تدفع عني .
سالي : انت تستمر بالرفض ،لماذا اخبرني ؟
جاسم : هكذا ، انا لم اتعود على ان تدفع فتاة عني .
سالي : هذا تمييز عنصري.
جاسم : لا ، انت مخطئة ، بل هذا تقدير و احترام للذات و حس بالمسؤولية . لن اسمح لفتاة ان تدفع عني الا اذا نفذت نقودي فجأة او كنت في مأزق . و لكنني سأعيدها لاحقا .
بدأت سالي تضحك : هذا لطيف . هذا يذكرني عندما تسير انت قرب ممشى السيارات و تجعلني امشي على الرصيف . هذا لطيف ايضاً تجعلني اشعر طفلة عندما تفعل ذلك .
جاسم : انها عادة فقط .
سالي : ما شاء الله .
ضحكت على ما قالته ، و على الامور البسيطة التي تعجبها فتقول ما شاء الله ، على الرغم انها ليست مسلمة . جعلتني اغير رأيي و اعيد النظر بغير المسلمين ، لديهم قلوب مرهفة و طيبة ، و عندهم قدة كبيرة على الإحسان ، و يساعدون المحتاجين . اعجبتني اميريكا من خلال سالي ، ف بمرحلة لقاءاتنا كنت اصدف مواقف كثيرة تتعامل معها هي ، بشكل مثير للإعجاب . و للمشاعر . هذا يجعلني اتذكر ما قاله ابي لي ، نحن المسلمين و المسيحيين كالاخوة ، نعبد الله و نعترف بوجوده ، و اخبرني ذات مرة ان يمتلك ثلاثة اصدقاء مسيحيين ، و تحدث كثيرا عن اخلاقهم الحميدة .
كان يقول لي ايضا ان بعض المسلمين و ليس كلنا ، نأخذ الدين عادة و ننسى انه عبادة ، ف نسيء لبعضنا و نغتاب بعضنا و نؤذي بعضنا و نعود للإسغفار و نظن ان الله سيغفر لنا ، و ننسى ان نعتذر لمن اسأنا لهم ، الإسلام أخلاق يا بني ، لا تشتم و لا تلعن و لا تمنع السائل و لا تقهر اليتيم و لا تؤذِ انثى او تكسرها ، لا تسخر من شكل احدهم و لا تنظر بدونية لأي مركز اجتماعي أو عرق أو لون . فكلنا بشر و نحن عند الله سواسيا الا بالتقوى . و احذر من الظلم ، فدعوة المظلوم مستجابة و ان كان غير مسلم .
و هكذا مرت سنة و ترفعت للسنة الثالثة ، و كنت اذوب من الشوق لأهلي و أرضي ، لكن دراستي التي كنت انغمس بها تأكل هذا الشعور و تخنقه ببطئ .
اعتدت على كل اصدقائي من مختلف الاديان و الاعراق و البلدان و الثقافات ، لم اعد منطوياً و اصبحت اكثر تقبلاً للنقاش و المزاح . و للأسف تشكل في قلبي فراغ كلما غابت سالي عني ، اصبحت اتخيلها امامي في كل مكان ، و اشتاق اليها و ابحث عنها . و تبا لقلبي الذي لم استطع ان اسيطر عليه .
اصبحت حزيناً بسبب التفكير المتواصل بحبي لها ، ماضييّ لا يتركني و شأني ، و يدخلني في وضع للإختيار ، ف إذا تقدمت لها يجب ان انسى اهلي و اذا اخترت اهلي يجب ان انساها .
مر على عدم رؤيتها اسبوع كامل ، كنت معتاداً ان اجدها حولي ما ان التفت ، و الان اكاد افقد صوابي بسببها . اسمع الان صوت المطر يضرب نوافذ غرفتي ، بينما انظر الى سرير رائد الفارغ ، و اتساءل اين هو و في اي ورطة اوقع نفسه . و رغم برودة الجو التي تسللت الى الداخل نهضت و ارتديت معطفي استعد للخروج ، اذ لم اعد قادراً على البقاء . و لا اعرف ما السبب .
خرجت من السكن احمل مضلتي فوق رأسي ، و لم اكن اتوقع هذه الغزارة من الامطار ، التي جعلت مضلتي تهتز . و بينما الطريق شبه خالٍ من البشر ، الا ان هناك من علق تحت الامطار و يهرول قدر المستطاع ليصل الى محطته .
مشيت قليلا ، و استمتعت برائحة المطر و روائح المخبوزات و مطاعم اللحم و الدجاج المشوي ، و التي تنبعث كلما سرت من قرب احدها . ثم دققت النطر امامي لأجد سالي و هي مبللة بالكامل تقف ضد الحائط و تلف ذراعيها حول صدرها ، فظننت انني اتخيلها و لكن كلما هرولت نحوها ادركت انها حقيقة ، و شعرت بالخوف الشديد عليها لوقوفها في هذا الجو و لهذه الحالة .
وضعت مضلتي فوقنا نحن الاثنان و استندت ضد الحائط ب مرفقي : تبا يا سالي ، ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت وجهها الصغير و المستدير لتلتقي عيناها الخضراء بعيناي ، و كانت تبدو حمراء ،كما حال شفتيها بسبب البرد . فخرج صوتها المبحوح ليقطع قلبي : جاسم . كيف وجدتني ؟
خلعت معطفي على الفور و وضعته حولها ثم لفحتي الصوفية و التي حاكتها امي لي ، قمت بلفها حول رأسها كما تلف الفتاة الحجاب ، ثم جعلت اطرافها تنعقد خلف عنقها و فعلت كل هذا بهدوء و يد واحدة بينما هي تراقبني و تقوس شفتيها بحزن .
هيا بنا : هذا ما قلته لها ، ف اخذتها الى اقرب متجر للملابس، ، لتغير ملابسها بالكامل ، ثم خرجت هي بعد ان ارتدت بنطال و كنزه صوفيه طويلة تصل اسفل ركبتيها مع قبعة صوفيه .
سالي : شكرا لك .
جاسم : على ماذا ؟ لم افعل شيء . هيا لنشرب شيء دافء ، الى جانب هذا المحل يوجد مخبز للكرواسون مع الشاي و القهوة . هيا بنا .
جلسنا في المقهى و اكلت سالي كثيرا مما طلبناه ، و اصابني الحزن حين ادركت انها جائعة . و بشكل مباشر كعادتي انا سألت : لماذا كنت في هذه الحالة ؟ و اين اختفيت طوال الاسبوع الفائت.
.
ابتسمت لي كعادتها : واه ، لم اظن انك ستلاحظ غيابي .
جاسم : لا تغيري الموضوع ، انت لست بخير ، اليس كذلك .
هزت رأسها : لم اكن بخير اكثر من الان ، رؤيتك هكذا بعد ان ظننت انه من المستحيل ان التقي بك و خاصة بهذا الجو ، تجعلني بخير بغض النظر عما حدث معي .
جاسم : ارجوك سالي ، اخبريني مالامر ؟
حركت سالي رأسها بالموافقة و افرغت حلقها ثم تحدثت : ربما ستقول انني دراماتيكية ، و انني لست واعية ، مثل ما قال الجميع و انا لا انتظر منك ان تقول عكس ذلك ، . .
جاسم : مالامر ؟
سالي : الامر هو انني رفضت عرض زواج لمدة طويلة ، و عندما بدات عائلة الشاب المتقدم تزعجني و تتدخل ب اموري ، انا نهضت و اخبرتهم . .
جاسم : ماذا ؟
اكملت و هي في غاية التوتر و تبعد نظرها عن عيناي : اخبرتهم ان يجدوا غيري . فغضب ابي مني على وقاحتي و اخبرته انني سأتزوج من احب ، و اخبرته انني احبك .
فتحت عيناي بصدمة : ماذا ؟
سالي : اظن انه من من الغريب ان تسمعني اخبر احدهم انني احبك قبل ان اخبرك . اجل هذا غريب.
جاسم : توقفي سالي . . هل تمزحين معي ؟.
سالي : لا .
جاسم : لماذا لم تخبريني .
احمرت عينا سالي و تحدثت بنبرة باكية : لانك لا تحبني . انت عليك ان تعود لوطنك و تتزوج ، هل نسيت ؟
جاسم : لم انسى ، و هذا ما يجعلني اتألم فقط لمجرد التفكير بك . . . انا ايضا احبك ، جدا . و هذا يقتلني .
سالي : انت تحبني ؟
جاسم : كما سمعت .
نزلت دموعي من عيناي فور اعترافي لها ، لم اكن اعلم ان البوح بما اشعر سيكون مريحاً بهذا الشكل ،
اراها امامي تمسح وجهها و دموعها و ملامحها تتقلب كلما ارادت ان تنطق بشيء و تسكت .
فنطقت سالي اخيرا بعد ان حل صمت طويل بيننا : تزوجني اذا .
و هذا ماحدث فعلا ، دون ان اقول كيف و دون ان افكر ب اي شيء اخر ، انا طعت قلبي و الفتاة التي احب .