7

" جاسم "


اعلم أنني قمت بفعل شيء فضيع . و اعلم انه لا احد سوف يسامحني . في الأصل انا مذنب ، مذنب من كل الجهات ، و كنت طوال تلك السنين اشعر بالعار من نفسي و مازلت .


لأنني رجل أناني ، فقبل ان اسافر انا كنت احب حور كثيرا ، فمنذ ان كنت طفلاً ، كنت اعلم انها لي و أنني لها ، لذلك انا كنت مرتاح البال و لا افكر بالبحث عن فتاة  لأجل المستقبل . ثم سافرت لدراسة الطب في اميريكا و هناك : انا بدأت حياة جديدة . لكنني لم اكن انوي على ذلك .


لقد كنت شابا مثاليا ، و طالب مجتهد ، لا يلتفت إلى شيء غير دراسته ، امشي في الرواق و الباحة لا انظر  لليسار و لا لليمين ، اغض البصر كلما مرت فتاة من جانبي و كلما تحدثت احداهن إلي .


كانت لغتي الانكليزية ممتازة لكنني كنت احتاج لترجمة في بعض الأمور  . تعرفت على بعض الأصدقاء العرب و كان بعضهم اكثر جرأة مني .  و شريكي في السكن كان عربي ايضا و اسمه رائد  . و هكذا انا لم اشعر بالوحدة .



رائد يكون شاب معاصر و يختلط كثيرا ، لم يكن محافظ على عكسي . اخذني إلى اماكن كثيرة مختلطة و اخبرني انني يجب ان اخرج من قوقعتي هذه و اختلط ، لأن الطبيب سيضطر لمعالجة كل الناس في المستقبل و لمسهم .


اخذت كلامه بعين الإعتبار  و شاركته بالفعل ، و هكذا كبرت دائرة اصدقائي المختلطة من الجنسين . لقد صححت له بعض الامور ايضا ، و كنت كثيرا ازعجه بموضوع تفويته لمواعيد الصلاة ؛ عندما لا يستيقظ معي لصلاة الفجر ، كنت اضربه ب المنشفة المبللة إثر الوضوء على رأسه فيقفز من سريره و هو يشتمني . و لأنني تعودت على لسانه الطويل و اللاذع لم اتعب نفسي بالرد عليه .



حتى جاء يوم و دخل الى الغرفة ثملاً و معه بعض الاصدقاء ، و من ضمنهم فتيات ، لقد غضبت منه كثيرا ، و أجلت نقاشي معه و انا اخذ اغراضي و اخرج من الغرفة . عدت في اليوم التالي و دخلت في شجار كبير معه ، ف اعتذر و وعدني بعدم تكرير ما فعله .



و جاء يوم و ذهبنا في رحلة جامعية الى الغابة ، و هناك انا ضعت ، و حدث ذلك بسبب ضياع مجموعة من الفتيات ، ف انتشرنا للبحث عن هذه المجموعة .


تخلفت عن المجموعة لأقضي حاجتي و عندما نظرت حولي انا لم اجد اي منهم . ثم حل الضلام و بدات السماء تمطر بغزارة . و عندها انا قررت ان الوذ بنفسي تحت جذع شجرة كبير .


ثم سمعت صوت بعيد يطلب النجدة ، و ظننت انني اتوهم حتى بدأ الصوت يقترب ل أخرج من مكاني و ابحث عنه ، عندها . .  انا رأيتها


رأيت فتاة شقراء مبتلة بالكاملة ، و كانت تلف ذراعيها حول صدرها و ترتجف من شدة البرد ، تتلفت يمين و يسار بينما تمشي و تطلب النجدة .


لوحت لها  و اطلقت صوت عالي لمناداتها : هااااااي .
ثم  رفعت رأسها نحوي لتراني ، ف ردت علي و هي تضحك و تبكي بالوقت ذاته : لقد وجدت احدهم ، الحمد لله .

انا بقيت في مكاني على هذا الارتفاع و انا اشاهدها تصعد المنحدر الموحل لتصل الي ، و كان حذائها و بنطالها يمتلئ بالوحل حتى ركبتيها ، و عندما اقتربت لتصل ، هي مدت يدها إلي لكي اقوم بسحبها ، و في ذلك الوقت انا لم اكن افكر بما هو محرم او ممنوع ، كل ما فكرت به انها شخص يحتاج للمساعدة و لا يوجد احد هنا غيري . فمددت يدي لها و احكمت على كفها بخاصتي ثم سحبتها ، لنجلس كلانا على الاعشاب اسفلنا .


وضعت يديها على العشب تعتصره ب اصابعها و اجهشت بالبكاء : لقد كنت خائفة كثيرا ، يا الهي شكرا لك .

جاسم : هل هناك احد معك ؟

نظرت الفتاة نحوي بعينيها الخضراء ثم هزت رأسها نافية و ابتلعت ما في حلقها : لقد تخلفت عن صديقاتي ثم لم استطع ان اجدهم .



جاسم : نفس وضعي ، فلو لم اتخلف عنهم انا الاخر ، لما التقينا هنا . انها تمطر من جديد ، علينا ان نحتمي من المطر  .

ركضت نحو جذع الشجرة و هي تبعتني ، لنجلس هناك و نستند ضد الحائط الموحل ، ننتظر المساعدة .



تحدثت الفتاة : انا اسمي سالي ، و انت ؟

لم انظر تجاهها : اسمي جاسم .

سالي : كاسم .

نظرت اليها : جاسم ، استخدمي حرف ال j .
لقد كنت غاضبا بينما هي ابتسمت و حاولت تكرارا ان تلفظ اسمي حتى تمكنت من ذلك .


سالي : جاسم ، ان اسمك صعب لكنني تمكنت من نطقه اخيرا ،  ماذا يعني ؟

لم ارد عليها ، لأنني لم ارد ان اتحدث معها او خلق حوار ، مع فتاة . لكنها استمرت ب ازعاجي . لقد فهمت سالي انني لا ارغب بالحديث ، لكنها لم تتوقف ف علمت انها متوترة و خائفة بسبب حديثها السريع و انقطاع انفاسها بين الجمل ، ربما لم ارد عليها لكنني كنت استمع لكل ما تقوله ، لدرجة ان صوتها اصبح يؤنس هذه الليلة الطويلة المضلمة .


علمت انها في سنتها الثانية و ستتخرج للثالثة ، بينما انا ما ازال في الاولى و تخرجت للثالثة . هي اكبر مني بعام واحد . لكن هذا لا يبدو عليها مطلقا .


ارعدت السماء و قامت هي بالصراخ ل اغمض عيناي و انطق بقلة صبر : استغفر الله العظيم .


نظرت سالي الي و فتحت عيناها ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعيدة : انت مسلم !


جاسم : اذا ؟!

سالي : لماذا لم تقل ذلك ، كنت خائفة منك حد الموت ، ظننت انك من طائفة تمتص الدماء و تأكل لحم البشر .

.
ضحكت على ما قالته : هل انت غبية؟  انت سوف تصبحين طبيبة و تؤمنين بهذه الاشياء ؟ 

.
سالي : اذا انت تستطيع ان تضحك اخيرا .

عقدت حاجباي و نظرت اليها و هي تبتسم ، لتكمل حديثها : لدي الكثير من الاصدقاء المسلمين ، لكنهم ودودون اكثر منك ، اظن انني اعرف السبب .


جاسم : ما هو ؟

سالي : لأنني فتاة ، انت لا تختلي ب احداهن ، لكن اهدأ و استرخي انا لن اقترب منك ، اعدك .

ضحكت مجددا على ما قالته لي ، انها فتاة تعد شاب بعدم الاقتراب منه و ليس العكس ، بدا لي الامر غريبا ، لكنه مريح .


جاسم : حسنا ، شكرا لك .


لكنها لم تتوقف عن الحديث . سالي :  انا احب الاسلام و لقد اطلعت على بعض الامور لديكم ، و هناك شيء اعجبني و شيء اخر ازعجني كثيرا . سوف ابدا بالذي ازعجني : انه الزواج لأكثر من مرة ، انا اجد ان هذا  غير عادل . و الامر الثاني الذي اعجبني : كمية الوصاية بالانثى ، و الخوف و الغيرة عليها ، و عدم تركها تسير  على الشارح بقرب خط السيارات ،  و كيف انها تكون محمية . .


قاطعتها : هل قرأتي القرأن ؟

سالي :  لا ، انا فقط عرفت هذه الامور من هذا و ذاك .

جاسم : الزواج اكثر من مرة في الإسلام ليس شرط او واجب ، و الاسلام لا يبيح للرجل ان يتزوج كيفما يشاء ، فلكل شيء حدود ، و ايضا من الحرام ان يتزوج بينما زوجته لم تقصر من حقه ب شيء ، و الزواج بدون موافقتها حرام .


سالي : اووه ، هذا جميل .


جاسم : الإسلام يحتاج للدراسة و الشرح ، لا يمكنك جمع المعلومات من هذا و ذاك .


سالي : انا اسفة .

جاسم : لا بأس ، فهناك مسلمون يجهلون دينهم كذلك ، انا لا ألومك .


سالي : اود كثيرا ان اعرف عنه اكثر .


جاسم : مالذي يجعلك مهتمة بالإسلام ؟

سالي : اشعر بالراحة بقربهم . . . المسلمون ، انا اشعر انني فضولية ، و ارغب بمعرفة كل شيء ، اميريكا بلد حر و انت لا تستطيع ان تمنعني .


كانت تتحدث بسرعة ، فضحكت على ما قالته : و لناذا سأمنعك ؟ افعلي ما تشائين .

سالي : شكرا .

كانت سالي مؤدبة جدا ، و محترمة و تخجل كثيرا . لقد نامت اخيرا و حل الصمت بالمكان ،  ثم غفوت انا ل استيقظ،في الصباح على اصوات الكلاب البوليسية و صراخ اصدقائي و هم ينادون اسمي . و هكذا تم انقاذنا و عدنا بسلام .


اتذكر عندما افترقت عنها : هي نظرت نحوي و شكرتني ثم لوحت لي مبتعدة .


لم اشعر أنني استحق الشكر لذلك ابقيت على صمتي .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي