6

بعد ستة اشهر من الحادثة

ها هي صالحة تجلس على كرسيها و سط الفتيات و نساء العائلة ، ترتدي فستانها الأبيض مع حجابها الكامل و فوقه طرحة العاروس ، على و جهها زينة خفيفة ، تجعل ملامح وجهها طبيعة .

كان ثوبها ينحدر على طول جسدها و غير مفروش كباقي فساتين العواريس .

ملامحها الناعمة تعكس حزن عميق و لا تزيدها الا جمالا .

فظهر صوت امها من خلفها ؛مروة :   هيا يا ابنتي ؛ حان الوقت .

نهضت صالحة و استدارت نحو امها لتقوم الاخرى بمعانقتها و الاحكام عليها ، تغمس و جهها في طرحة ابنتها لتستنشق اكبر قدر من رائحتها ، للمرة الاخيرة .


مروة : حفظك الله و رعاكِ يا غاليتي ، انتبهي على نفسك و على زوجك و كوني مطيعة و قدوة حسنة ، تماما مثلما ربيتك و علمتك .

صالحة : لن تذهب تربيتك لي ادراج الرياح يا امي ؛ لا تخافي علي . حسنا ؟!

ابعدت مروة نفسها ثم امسكت وجه صالحة بكلتا يديها ، تقبلها يميناً و يساراً و تقبلُ جبهتها بينما تغمض عينيها و تكبح دموعها ، و ترسل دعوات كثيرة لله ليحفظ لها ابنتها الوحيدة و الغالية جدا .


العمة رقية :  ابنتي صالحة ،  تراجعي عن موافقتك هذه ، لن يجبرك والدك على الذهاب و اكمال هذا الزواج ، مالذي سوف ينتظرك غير المذلة .

صالحة : لا يا عمتي ، لا تقولي ذلك ؛  ربنا كريم ، و توقع الافضل سيحققه الله  لا محالة .

العمة سوسن : حبيبتي ، اسال الله ان يحميك و يحرسك ، الف مبروك لك ِ .

اقتربت سوسن و هي تتحدث مع صالحة لتقوم ب احتضانها بدفء و رفق . ثم طبعت قبلة صغيرة على كتف صالحة : ربي يحفظك .

صالحة تبتسم في وجه عمتها : شكرا لك يا عمتي .

بدأت عمتها رقية بالبكاء ، لتقترب صالحة منها و تفتح ذراعيها و تبتسم ، ف تفاعلت رقية معها و لفت ذراعيها حولها تحتضنها بحنان و حزن عميق  .

" صالحة  تتحدث "

ربما عمتي رقية اقسى عماتي مظهراً ، و اكثرهن جدالاً مع امي ، و غالباً ما يكون رأيها عكس رأي امي و لا يعجبها ما تقرره ، لكنها لم تؤذيها من قبل مطلقاً ،  و على عكس مظهرها تكون عمتي رقية الاكثر حناناً بين اخواتها  .
هي صارمة و حاذقة وقد اخبرتنا مسبقا ان  جدي كان يأخذها معه في رحلات الصيد و علمها ركوب الخيل و الرماية و السباحة كذلك ،لقد كانت الابنة المفضلة لديه و ايضا زوجها لرجل يستحقها و يعاملها كملكة في بيتها .

انها اقسى على اولادها من زوجها ، و حنانها يظهر في اللحضات العميقة كهذه .

انها اخف تفاعلا عند الضحك و عند الاحراج و عند المدح ، تختلف كليا عن سائر النساء و كل هذه لتأثير جدي عليها ، انها تحبه كثيرا و عندما مات هي لبست الاسود لعامان كاملان و لم يستطع احد ان يأمرها بالتوقف عن الحداد سوا ابي ، لأنها تربت معه و تعودت على مرافقته دائما في الطفولة مع جدي .

و ايضا ، كانت تتنافس معه كثيرا في الصيد و الجري و كل ما يعلمه جدي لهما . حتى في القاء  الشعر و الكتابة و تلاوة القرأن . كانت مميزة و صيتها في كل مكان و على كل لسان ، ( رقية ال زين ) .

عندما اذهب للمبيت في منزلها ، كنت ارى انضباط كبير من كل ابناءها بنات و فتيان و حتى زوجها ، يسير على ما تقرره و ليس خوف منها بل محبة و تقدير .

بالنسبة لي ، انا اجد ان اسرتها من انجح العائلات في كل القرية . لان زوجها ترك لها الحرية الكاملة ب ادارة شؤون ابنائها و تربيتهم . حتى انه كان يستشيرها في اعماله و عندما يسافر يترك لها كل الأعمال المهمة . سواء كانت في الزراعة ام التجارة .

" نهاية حديث صالحة "

##

انتهت صالحة من التسليم على الجميع في غرفتها و توديعهم ، ف تلفتت تبحث بعينيها : اين عمتي نورا ؟

رقية : انها في الخارج ؛ لقد قتلت نفسها من البكاء ، كان عبد الله ابنها يريدك.  و هو الان مسجون . . لا نستطيع ان نلومها .

صالحة في داخلها : ربما كان عبد الله يريدني ، لكنني لم التفت له من قبل ، و بعد الذي فعله ل ضياء بدأت اكرهه كثيرا ، حتى وان كان قد فعل ذلك لينتقم لصالح لقد كان تصرفه اجرامي و خاطئ ، مثل تصرف علاء تماما .
انا اكره العنف ، و المتسرعين و اكره اللذين لا يفكرون الا ب أنفسهم مثل جاسم تماما .

مثلما كنت احبه كثيرا و اقدره ، انا الأن اكرهه كثيرا و لا احب ان يتم ذكره امامي ، و أتساءل اذا كان هذا الشعور سيختفي لاحقا و مع مرور الزمن !

#

تم فتح الباب لها لتبدأ بالسير في الممر و النساء تمشي خلفها ، و( بدور ) ابنة عمتها رقية تمسك بيدها برفق و تسير معها ،تضغط على يدها برفق و تدعوا لها في داخلها .

.

وصلت صالحة الى الصالة ، فوجدت والدها يقف ب انتظارها مع اخيها صالح التي بدت عيناه حمراء كالدم و الى جواره تقف العمة نوارة ، و التي لم تستطع ان تسيطر على دموعها و حزنها .

ف غطت وجهها ب اشارها ، تعصب عينيها و تحبس الشهقات في فمها ، بينما صالحة تقدمت لتقبل يد و الدها الشيخ علي ، و تسأله رضاه لأخر مرة : رضاك علي يا ابي .

.

وضع الشيخ علي يده  المرتجفة فوق رأس صالحة و مسح عليه برفق ، لتخرج كلماته من شفتيه التي تهتز : الله يرضا عليك يا ابنتي .

استقامت صالحة امامه ثم عانقته و هي تلف ذراعيها حول صدره ليفتح ذراعيه هو الاخر  و يبادل ابنته الإحتضان .

انطلقت شهقات الشيخ علي و هو يهز جسده للجهتين مع اثناء عناقها ، كما لو كان يتذكر هزه لها في الطفولة ، لا احد يستطيع ان يحزر مالذي يفكر فيه هذا الرجل القدير و الذي لم يسبق و ان نزلت دموعه امام هذا الحشد من الناس .

اقتربت اخته رقية منهما و وضعت يدها على كتفه تضغط عليه ب اناملها لينظر في عينيها و يفهم ما تشير اليه اخته ، انها تخبره ب ان يحافظ على اعصابه و ينتبه لمكانته .

تقدمت صالحة لتعانق اخوها صالح فور ان ابتعدت عن والدها ، ف همس لها صالح في اذنها بأن تنتبه لنفسها و ان لا تتردد باللجوء اليه .

ابتعدت صالحة عن عناقه و ابتسمت في وجهه ليفعل صالح المثل مع دموع تقف في عينيه و تشوش عليه الصورة . ثم تحدث و هو يضع يديه على كتفيها : كما قلت لك ، لا اقطعي مراسلتي . هل فهمتي حبيبتي ؟

اومئت صالحة برأسها تبدي له الموافقة و ابتسامتها لم تفارق شفتيها .

ثم اقتربت من عمتها نورا و كانت اخر من ودعته في تلك الليلة .

ثم تم القاء اللباس الاسود فوق ثوب عرسها مع لفحة سوداء تغطي رأسها .

اختفى الشيخ علي من الصالة و فتح صالح الباب الخارجي للمنزل ليجد ابن عمه علاء  يقف في الخارج ، يقف بكل جبروت و ينظر دون اي عاطفة في عينيه .

و ظهرت صالحة من خلف اخيها لتمر من قربه و تنظر اليه نظرتها الخاطفة للمرة الاخيرة . و هكذا و دع صالح اخته ، يراقبها تدير رأسها و جسدها و تدخل في السيارة ، ليعود علاء بخطاه الى الخلف ب اتجاه السيارة دون ان يستدير ، يرسل الى تعابير لا تنذر الخير بتاتاً .

اعتصر صالح كفيه حتى ابيض لونهما ، و يضغط على اسنانه بينما يراقب السيارة و هي تبتعد .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي