الفصل السادس والعشرون

الفصل السادس والعشرون ..
________________________

ناولها الدفتر المفتوح برضى تام ، وابتسامة جميلة ..
رددت وهي تأخذ الدفتر من يده :
-  شكرا لك انت لطيف للغاية .
اخذت الدفتر منه وهو يضع القلم على الطاولة ،
وقد قضت لمسة يده الخاطفة على شعورها بالإمتنان ..
لتجده وهو يقول لها بجدية :
-  لا يمكنك أن تضحي لأجل عملك ،
للدرجة التي تجعلك توافقي على مصادقة مسافر وحيد يبحث عن بعض التسلية .
تخلت عن موقفها الدفاعي للحظة ،
ولكن اجراس التخدير عادت ترن في راسها ثانية ..
وقد نبهتها نبرة جوابه الدافئة لشئ ما لم تدركه بعد .

نظرت الى وجهه وهي غير واثقة من نفسها ،
فانسدلت خصلة من شعرها الذهبي على خدها عندما هزت راسها استنكارا وهي تقول بحدة :
-  انت تعرف ان هذا ليس صحيحا ،
هناك هدف واحد دفعني الى التدخل هذه الليلة وهذا الهدف لا يشملك بالطبع وساكون شاكرة لك اذا .....
لم يتسن لها الوقت حتى تكمل جملتها وتطلب منه الرحيل ..
لانه قاطعها بصوت خفيض لكن منفعل :
-  هل من عادتك ان تقدمي نفسك للرجال ثم تتركينه و ترحلي ؟
صدمتها كلماته القاسية ،
بينما كان هو يراقب تورد وجنتيها بعينين ساخرتين ،
حاولت جاهدة ان تبحث عن كلمات ملائمة تستعيد بها كرامتها ،
وادركت بحزن ان تصرفها كان متسرعا وقد اسيء فهمه في جزيرة يتقيد رجالها بطقوس مجتمع بدائي .
نظرت لملابسه التي يرتديها بحزن ،
فهو يرتدي ملابس عصرية ومن الواضح انه
مثقف ومتحرر ظاهريا ..
ولكنها اخطات عندما اعتقدت بانه سيقدر ويتفهم دوافعها ،
اذا كانت محاولتها التقرب منه غلطة فقد ضاعفتها عندما سمحت له بعبور باب غرفتها بهذه البساطة .
اقرت في سرها أن هذا التخبط التي اصيبت به من جراء
تخلي فرانسيسكو غير المتوقع عنها ، .
لذلك ازدادت وحدتها وقبلت بمرافقته الليلة ،
ودعمته سرعة الاضواء المغناطيسية بينهم .
أخذت نفسًا عميقًا ، ليزداد توهج وجهها بالاحمر القاني من الغضب ،
ثم اندفعت لتدفعه قائلة بغيظ شديد :
-  كيف تجرؤ وتقول انني عرضت نفسي عليك ، أيها الأحمق ؟
لم يرتد إنشًا واحدًا للخلف ، فقوته الجسدية كانت كافية لتجعلها ثابتًا كحائط صلب ..
ثم اجابها بابتسامة ساخرة وهدوء شديد :
-  الم تفعلي ذلك ؟

كان سؤاله ناعما كالحرير ،
بينما ارتجفت عندما احست بقوته الوحشية وادركت ان بامكانه ان يمتلكها اذا اراد ذلك ، وبكل سهولة الآن .
اجفلها عندما تابع :
-  اتنكرين انك انت التي اخترتني من بين كل الشبان الذين في المقصف ،
بل وطلبتِ مني مشاركتك في الجلوس مع رجل غريب ؟
لقد كانت دعوة وقحة للغاية !
رددت بوهن :
-  اني انكر ذلك ! فأنا لم أقصد أبدًا أن ....
توقفت عن الحديث عندما ترقرقت في عينيها دموع الغضب ،
عندها اجتاحتها نظراته من راسها حتى اخمص قدميها .
قال لها بقسوة بالغة :
-  بامكانك ان تكرري ذلك مئة مرة ،
و مع ذلك ستفشلين في اقناعي ، فشلًا ذريعًا .
تأوهت بألم داخلي :
-  اوه !
اطلقت تنهيدة عالية وهي تحاول ان تجد
طريقة تهرب بها من هذا المازق ،
فلن يسمعها احد اذا صرخت نظرا لموقع غرفتها
المنعزل ،
والى جانب ذلك سيحاول بالطبع ان يسكتها ويده الكبيرة ذلك تطبق على فمها .
ضمت حاجبيها بدهشة من تخيلاتها ..
فهو إلى الآن لم يحاول لمسها حتى !
لتنتبه سريعًا لجملة إلى الان ..
و مع انه غير مسرور من تصرفاتها ويبدو انه يجاهد للسيطرة على اعصابه ، إلا أن قلقها بدأ يتزايد من هذا الرجل بالفعل .
صوته كان هادئًا وهو يقول لها :
-  اعتقدت انك غيرت رايك بالنسبة لتمضية بقية السهرة معي ،
فأنتِ تحاولين إقناعي أنكِ امراة باردة ،
او انك تحاولين خداع نفسك وخداعي ، أليس كذلك ؟!
هل لو كنت مراهقا طائشا هل كنتِ ستروين لي هذه الاكذوبة
نفسها ؟ لا ... لا اعتقد ذلك على الإطلاق ...
اجفلتها كلماته ولكن عليها ان تكون صادقة ، فقالت بصوت عنيف وصارم :
-  بالطبع لا أعتقد ذلك أنا الأخرى ..
لأنك لو كنت مراهقا فعلا لاستطاع إدوارد ان يعالج امرك بسهولة ،
ولكن انت ........
توقفت عندما نظر دريك اليها بترقب ..
فرددت بنزق .. تبا على هذا الرجل !
هل بالفعل هي كانت منجذبة اليه حقا كما يدعي ؟
ولكن الان ليس بالوقت المناسب على الإطلاق كي تستجوب دوافعها الذهبية
..
وجدته يضم ذراعيه على صدره وينتظرها وهو ينظر نحوها بارتياب .
ثم قال لها بنعومة وهو يقترب منها :
-  نعم ؟ وماذا عني يا لورين ؟





رفعت راسها بتحد وتمنت لو انه لا يرى دموعها الغاضبة هذه ،
فحاولت أن تخرج صوتها ثابت دون اهتزاز :
-  من الواضح ان إدوارد كان سيخسر لو حدثت اي مواجهة بينكما .....
ثم حركت عينيها بسرعة حتى لا تسقك دموعها وهي تُكمل :
-  جسديًا وكلاميا .. لانه ليس بصحة جيدة الليلة .
كان الاتهام البادي في عينيها الكبيرتين
السلاح الوحيد الذي ستتحدى به اصراره ،
رغم انها تدرك حجم المخاطرة التي اخذتها على
عاتقها وتوسلت الا تكون قد اخطات في الحكم على مبادئه ،
حاولت إجلاء صوتها وهي تقول له :
-  لديك مظهر سيد نبيل اعتقدت انك ستتصرف كواحد منهم ..
وترحل بعد ان ترضي غرورك .
ردد بضيق ظهر على صوته :
-  ثم اكتشفتِ انني رجُلًا نذل بدل ذلك .
قالت له وهي تحاول أن تخفي دمعة خائنة سقطت من عينيها عنوة :
-  لقد قمتُ بإستعمال كلمة أظن انها تقال ،
كي تصف شخصا وحشيا وغير أخلاقي ..
ولكنها لا تصف الرجل القاسي المتعجرف بشكل عام .
ضحك بعبث متعمد وهو يقول :
-  استطيع ان ارضي غروري عند الضرورة فقط ،
وصدقيني يا لورين فأنا لا أسعى الى تحدي اي امراة .
لمست يده ذقنها وداعبت شعرها بنعومة ،
وهو يبعد بعض الخصل من على جبينها قائلًا :
-  في الحقيقة لقد قدمت الي دعوة تقدمها النساء الى الرجال منذ بداية التاريخ ... وانا اخترت ان اقبلها دون تراجع ..
رددت بذعر :
-  لا ….
ثم حاولت ان تبتعد عنه بقدر ما استطاعت ،
لكن ضيق الغرفة جلعها تتوقف قرب سريرها المرتب بخوف كبير وهي تقول :
-  لقد كنت على خطأ ، حين قررت التدخل .
ردد بحزن ظهر على ملا محه :
-  لقد اردت ان أقبل دعوتك بجدية .
حدق فيها وضاقت عيناه ،
واستطاعت هي ان تشعر بحرارة جسده وبخيبة امله معًا وهو يقول :
-  لقد مضى وقت طويل منذ ان قضيت الليل برفقة امراة جميلة مثلك يا لورين .
واضاف بصوت مرتفع :
-  والان و بعد ان شجعتني تريدين طردي من غرفتك ؟
ثم بدأ بالتذمر ، وهو يضع كفه على جبهته ليفكر ،
ثم قال بعدما استغرقت عدة لحظات في التفكير :
-  ربما بامكاننا ان نتفاوض ؟
اذا كان قد ادرك نظرة الرعب في عينيها فسيتجاهلها بالتاكيد ،
اقترب منها خطوة واحدة وهو يقول :
-  اذا كانت صفقة العمل مع ستافروس غير كافية ،
عليك ان تحددي السعر بنفسك ،
فانا دائما مستعد لان ادفع جيدا حتى احصل على افضل ما في السوق .
وخزها الم حاد داخل قلبها ،
لقد كان دريك قريبا جدًا منها ، بل وساحرا بشكل مؤلم ،
بدت كتفاه عريضتين واصابتها فكرة الشعور به بالاشمئزاز .
كانت غاضبة من نفسها لانها سمحت لتلك الرغبة بتملكها لهذه الدرجة ،
التي جعلت رجلًا مثله يعتقد أنها عاهرة ذو ثمن خاص ..
لقد ازداد كرهها له ، بعد أن عاملها كامراة تبيع نفسها لمن يدفع اكثر ..
رفعت يدها وصفعته على خده الايسر بعنف شديد بحركة سريعة و بعنف شديد .
لم تر بريق الغضب في عينيه الداكنتين الا بعد فوات الاوان ،
ولم يعد في وسعها التراجع عندما احاطها بذراعيه ومنعها من الحراك .
ثم تمتم بخفوت جعلها ترتجف :
نفذت العقاب قبل ان تحدث الجريمة اليس كذلك ؟

ثم عانقها بقوة ، جعلهتا تتجمد في مكانها !
ولكنها استعادت نفسها استعدادا للدفاع
عن نفسها ضد اعتادء عنيف ،
ولكنها دهشت للغاية عندما قبلها بلطف بالغ .
لم يعانقها فرانسيسكو بتلك العاطفة طوال وجودهما معا ،
ولم تتجاوب مع خطيبها بذلك الاحساس المريح قط .
كانت تعرف تمام المعرفة ان علاقتهما كانت تفتقر الى هذا العنصر من الأريحية ، بل والعاطفة الحسية .. ولكنها كانت تقول لنفسها دائمًا ،
ان هذا يعود لاحترام فرانسيسكو لمبادئها ولطريقة تربيتها الصارمة
فقد كان يعرف انها في التاسعة و العشرين من عمرها ..
ولطالما اعتقدت انه اراد ان تكون علاقتهما متحفظة الى ان يتزوجها نظرًا لرغبتها التي افصحت عنها أكثر من مرة ..
رددت بهمس قاتل لحواسها :
-  لا يوجد كلمة تحذيرية .. حتى كلمة واحدة فقط .
اخبرتها حاستها السادسة انه يتظاهر بالهدوء على الرغم من لهجته الساخرة وهو يبعد خصلات شعرها الثائرة عن وجهها وهو يقول :
-  يستغل جميع الرجال حب والدة واحدة ،
ولكن الامر يعتمد على رغبة امهاتهم في منح ذلك لهم ..
انت ما تزالين صغيرة وجميلة لتلعبي دور والدة إدوارد ..
ألا يقدر الرجل الناضج نوعا كهذا من الحب ....
او حتى يتفهمه من انسانة مثلك .
المتها نظرة الاحتقار التي في عينيه إليها ،
فبلعت ريقها بصعوبة وهي تحاول ان تسيطر على ضربات قلبها السريعة .
ثم قالت بحدة :
-  لقد اوضحت لي جيدا الأن ،
نوع الحب الذي تقدره سيد إرنستو .
ابتعد عن وجهها قليلًا وهو يقول لها :
-  اعتقد انني لقنتك درسا مهمًا الليلة .
جرحت نبرته كبرءها وزادت من توترها ،
فحاولت جاهدة ان ترد اعتبارها لكن من دون جدوى ،
لانه ابتعد عنها وفتح الباب واختفى فجاة !
تاركًا اياها تحدق في الفراغ من خلفه .

_________________





استيقظت لورين في الصباح اليوم التالي ،
و بعد أن قضت ليلة مرهقة وحزينة وغاضبة ،
بل ومليئة بالمشاعر المختلطة والغريبه كذلك ..
تأوهت بصوت عال ..
وهي تستعيد احداث الامسية الماضية في ذهنها ..
تأففت بضيق وهي تترنح في مشيتها وهي في طريقها الى دورة المياه ..
حدقت الى وجهها في المراة بازدراء ،
بعد ان لاحظت الدوائر السوداء التي تحيط بعينيها .
كم كانت غبية عندما سمحت لنفسها بالتدخل في امر هكذا لا يعنيها على الإطلاق !
ولكنها كانت تريد ان تنقذ إدوارد باي طريقة فهذه كانت نيتها من البداية بالفعل ..
فحينما راته يعاني من الغضب خافت على صديقها ..
ولكن ما كانت النتيجة لتهورها ذلك ؟

هزت كتفيها وهي تتذكر وسامة ذلك اليوناني المتعجرف ،
الذي اساء فهم تصرفها ،
بعدما كفلت نفسها وجوده في الفندق رغم القوانين الصارمة ..
كل ما تأمله الان هو ألا ترى ذلك اليوناني القاسي مرة ثانية ،
فلا يمكن لاي رجل حتى ولو كان بهذا العناد والقوة ان يتحدى قوانين الا غريكو الصارمة . ..
تأففت بضيق من نفسها ..
فكم من الوقت ستاخذ حتى تتوصل الى تفهم حقيقة فسخ خطوبتها ؟
حتى وإن كانت بهذه الطريقة المؤذية للغاية ..
نظرت لنفسها عبر المرآة وهي تتسأل أيضًا ..
كم ستاخذ من الوقت حتى تتخلص من حزنها او تخففه على الاقل !
فمنذ أن كانت طفلة وحيدة لم تعرف والدها ابدا ،
ولم تلاحظ الا الان كم كانت تعتمد على آلن ومن بعد فرانسيسكو
ليكون الرجل الاساسي والوحيد في حياتها .
الرجل الاساسي ؟
الذلك كانت بمثابة فاجعة !
تلك الخسارة اكثر من خسارته كزوج كفوء يستطيع حيازة قلبها ؟
لم تكن المشكلة في آلن فقط هكذا ، لقد كانت تعتمد أيضًا على تيوان ، وكانت تشعر بالآمان وهي في كنفه
لم تكن المشكلة في آلن فقط هكذا ، لقد كانت تعتمد أيضًا على تيوان ، وكانت تشعر بالآمان وهي في كنفه ..
لذلك رحيل فرانسيسكو لم يكن مجرد انفصال حبيبين مثل آلن ، التي لم تشعر بهذا السوء حين انفصلت عنه ، ولكن فرانسيسكو كان فراقه مختلف ومؤلم للغاية ..
هل لأنها احبته اليس كذلك ؟
انطبعت هذه الكلمات في ذهنها مرة ثانية بشكل يتعذر محوه لتعيدها على عقلها بألم كبير :
-  اتمنى ان تفهمي وتفرحي لاجلي .
استحضرت في ذهنها صورة وجهه الجميل
وعينيه البنيتين وشعره البني المتوج ،
ثم ابعدت من مخيلتها الصورة التي اهتزت بطبيعتها الصادقة ، وهي تقول لنفسها .
أن صعوبة رحيل فرانسيسكو كانت لشعورها بالآمان معه والاعتماد عليه ، فقد حل محل تيوان وليس آلن كما اعتقدت .. وهذه في حد ذاتها نقطة مهمة يجب أن تعتاد عليها حتى تتجاوز هذا الألم ..
اخذت حماما وتبرجت قليلا قبل ان ترتدي
بدلة عملها المرتبة ،
شقت طريقها عبر الطابق الارضي الى غرفة الطعام .
وهناك سؤال يدور في عقلها ..
لقد علمت الآن احتياجها لفرنسيسكوا الذي ألمها رحيله جدًا ..
ولكن هل احبها فرانسيسكو فعلا ؟!
أم أن ارتباطه بها كان احتياجًا أيضًا ولكن من نوع آخر !
تساءلت وهي تجلس الى طاولتها المنعزلة ،
والمثبتة بعيدا في زاوية الغرفة قرب المدخل الرئيسي .
لو انه احبها لكان اعترض على قبولها العمل في كريت ،
فقد فاتحته بالموضوع بحذر ،
مع انها كانت متحمسة للفكرة ، ولزيارة الاماكن التي تحدثت عنها صوفيا جدتها ،
وكانت مستعدة لنسيانها لو انه ابدى اي اعتراض .
حاولت أن تتجاوز هذه الأفكار التي سيطرت على عقلها هكذا منذ أن فتحت عينيها في الصباح ..
ثم وقفت للتوجه الى قاعة الاستقبال ..
جمعت اورقها عندما دقت الساعة الثانية عشرة وكانت على وشك ان تضعها في حقيبتها عندما رن الهاتف في مكتبها الصغير .
تلقت المحادثة بعملية :
-  لورين معك ..
-  لورين ؟
بدا صوت المسؤولة عن الادلاء السياحيين في اراكليون متصلبا .
فأجبتها بتعجب :
-  نعم يا كايت ؟
تسارعت نبضات قلبها ، وهي تتذكر ما حدث بالأمس !
قالت لورين لها بخفوت :
-  لا يمكن ان يكون هناك متاعب .
قالت كايت بحذر :
-  لقد وقعت في الفخ هذه المرة !
وبرر تانيب كايت الصارم مخاوفها ولم يفدها ،
استرجاع احداث الاسبوع الفائت في شي ،
سألتها بلطف :
-  هل هناك مشكلة ؟
نطقت جملتها وهي تحاول ان تخفي قلقها الزائد .
لتجيبها كايت بكل حزم وجدية :
-  ليست هنا مشكلة كبيرة ..
الا اذا كنت تعتبرين استضافة اليونانيين في غرفتك خطا جسيما !
ثم اكملت كايت بصوت مرتفع وحاد :
-  ماذا كنت تحاولين ان تفعلي يا لورين ؟
ان تحولي الفندق الى مكان للتسلية ؟
صرخت لورين وهي تشعر بالغثيان مما تسمعه :
-  اوه كلا .. ما الذي تتفوهين به ؟!

شعرت بالحزن الشديد عندما عرفت ان احد الموظفين ،
قد لاحظ تصرفها ليلة امس واساء فهمها .
شدت اصابعها حول سماعة الهاتف بغضب وهي تحاول أن تحافظ على رابطة جأشها وهي تقول :
-  كايت ارجوك اسمعيني جيدا ..
لقد كان رجُلًا يونانيًا واحدًا ولم استضفه في غرفتي ،
لقد رافقني الى هناك عندما اغمي علي في الصالة ،
ثم رحل بلا رجعه .
رددت كايت بحنق شديد :
-   يا لسوء الحظ !
هل ستفرق معكِ واحد او مئة ؟!
هل انتِ مدركة تماما لموقفنا هنا يا لورين ؟!
لقد اتصل المدير بنا هذا الصباح وهو يطلب استبدالك
فورا ..
لقد أرادك ان ترحلي من ال غريكو اليوم والا لن يجدد عقد عملنا .
شعرت وكانها اصيبت بضربة شمس وبدات تلهث من وقع الصدمة ، قائلة :
-  هل تعنين انكم لن تعطوني اي فرصة حتى اوضح .. ما حدث سألتها كايت بسخرية :
-  تفسير ؟!
اتردين بالفعل أن توضحي ماذا يا لورين ...
لقد اعترفت لتوك انك اخذت احد الضيوف الى غرفتك !
بصرف النظر عن وجود شاهد عيان لقد اتصلت بلندن
وسوف أحل مكانك بنفسي بشكلٍ مؤقت ..
اما بالنسبة لعملك .. ستدفع لك الشركة حتى نهاية
الاسبوع هذا ، وسوف تسمح لكِ بالعودة الى انجلترا الليلة ..
ثم اردفت بلا شفقة :
-  لقد خرقت القانون يا لورين .. وعرضت سمعة ال غريكو للخطر الشديد بمصاحبتك لأحد اليونانين داخل الفندق ، بل وفي غرفة نومك دون الانتباه للقوانين التي تعرفينها جيدًا ..
لذا قد انتهى عملك في الوكالة اليونانية للرحلات .. هل هذا واضح ؟
رددت بصوت ثابت حاولت إخراجه بشق الأنفس :
-  نعم يا كايت هذا واضح جدا .
لقد طلب منها بعض الجهد ولكنها استطاعت ان تسيطر على ارتجاف
صوتها ،
في محاولة منها ألا تظهر شعورها لزميلتها السابقة والعديمة الشفقة .
كانت الاحداث تجري بسرعة وبتواتر لم تستطيع التحكم به ،
ولكنها ورغم ذلك وحاولت ان تستجمع افكارها ،
بشكل منظم وسريع أيضًا ..
لتخرجها كايت من أفكارها بقولها :
-  هذا افضل بامكانك ان تستاجري سيارة لتقلك الى المطار ،
وتاخذي تذكرة السفر من مكتب الحجز ..
وكما تعرفين ، تقلع الطائرة في الساعة السادسة .
جلست لورين على الكرسي غير
مصدقة لما يحدث لها في يوم وليلة !
ولكن لأي هدف ؟
كانت ضحية سلسلة من الأحداث المتراكمة التي لامفر منها ،
هذا هو قدرها ، مصيرها ، وحظها العثر .
فكرت للحظة بان تتصل بلندن وتفسر لهم ظروفها ،
ولكنها لاحظت انها ستهدر مالها عبثا ..
فلدى الوكالة اليونانية للرحلات ما يكفي من المتاعب .
ماذا عليها ان تفعل الان ؟
وقفت تدور حول نفسها في حيرة شديدة وعجز عن إيجاد فعل سليم ..
فلو عادت إلى انجلترا ما الذي يجب عليها فعله حينها ،
هي لن تستطيع العودة للمجلة فبالفعل قد عين تيوان أخرى مكانها ،
فكرت أن تتصل بتيوان ومؤكد سيساعدها ، ولكنها قد علمت مؤخرًا أن طفلة الذى ولدِ حديثًا مريض بشدة ، لذلك لن تستطيع أن تُثقل عليه الآن ..
توجهت الى غرفتها ،
وبدأت تحزم حقائبها وما زال السؤال الذي فُرض عليها الأن يتردد بشكل سئ في عقلها ..
ماذا ستفعل اذا عادت الى انجلترا ؟
ليس هناك سوى البيت الذي كانت ستعيش فيه كزوجة فرانسيسكو !
ارتجفت على الرغم من دفء النهار ، ولكن كل هذا الهموم التي تكالبت عليها في الصباح ، جعلتها هاشة ، خائفة ، ترتجف ،
وهي تتخيل وجهي فرانسيسكو وحبيبته اذا دقت على بابهما ،
كيف باستطاعتها ان تفكر فيه بيتا بعد كل ما حدث .

رددت بقلة حيلة :
-  فندق !
لا سيكون غاليا الأن ، ويجب عليّ ادخار الأموال حتى أستطيع العثور على عمل آخر ..
اذن غرفة في مكان ما هذا هو الحل الانسب حتى يتمكن فرانسيسكو من جمع بعض المال ليشتري كامل حصتها في البيت ..
ماذا لو كانت حبيته موظفة ؟
عندئذ بامكانها ان تستلم حقها في اقرب وقت ..
ولكن هذا الاحتمال ضعيف .
قررت ان تمضي الساعات القليلة المتبقية ،
في المشي بمحاذاة الشاطيء الهادىء المواجه للفندق ..
انتهت من حزم حقائبها ودخلت المصعد بجسد مهترئ ، وعقل يدور حول نفسه بمئة احتمال وفكرة ،
وبقلب حائر ومهموم خرجت من المصعد للتجه نحو الشاطئ ، وهي تخطو ببطء وهم قد أثقل قدميها ..
تسألت في عقلها ..
ماذا لو بقيت في كريت ؟ هذا خيار معقول لكن عليها ان تجد عملا تعيل بها نفسها أولًا ،
ومع انها مستعدة لقبول اي شيء لكن الوظائف المتاحة للاجانب محدودة للغاية ..
اما الاعمال المتوافرة في الحانات والفنادق فهي تعج بفتيات اوروبا الشمالية اللواتي اتين للاستمتاع بالطقس الدافيء .
عليها أولًا ان تجد مكانا اخر تقيم فيه كي تبحث عن عمل ،
رددت بثِقل :
-  يا إلهي فإن معظم الغرف قد اجرت للسياح .
توقفت واستدارت لتواجه امواج البحر العالية والزرقاء ،
تحت السماء الصافية ..
هذه الارض التي احبتها جدتها فوق كل شيء ،
مع انها لم تعد اليها على الأطلاق .
بعد ان تحدت جدتها ارادة والدها اليوناني المستبد
لتتزوج رجلا انجليزي أحبته للغاية ، وتخلت به عن عائلتها بأكمالها ..
يا إلهي كم تفتقد حب صوفيا و دعمها ، و تفهمها ، وتعاطفها .
همست والحزن يتملك قلبها ، حتى كادت أن تبكي من عجزها :
-  يا للهول ماذا علي ان افعل ؟
-  يجب ان تضبطي لسانك ، وتشجعيه على
قول الحقيقة .

______________________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي