الفصل الثالث وعشرون
صعد يوسف درجات السلم القليله يشعر بالأرهاق..
توقفت عينيه على فاطمه الجالسه أرضاً أمام باب الشقه التابعه لعائلته تضم ساقيها إليها، ضيق هو ما بين عينيه وهو يهدر باستنكار مفعم بالتعجب:
_ بتعملي إيه هنا !
أرتسمت أبتسامة متلهفه على ثغر فاطمه و نهضت تنفض ثوبها الأسود وهي تتقدم منه تتلمس ذراعه بكفها قائله بتوسل يثير الشفقه:
_ يوسف أنا مش قادره أعيش من غيرك ، يوسف أنت إلي غيرتني مين..
تحشرجت نبرتها في آخر كلمه و شعرت بالعجز عن متابعة كلماتها و العبرات تنهمر من عينيها المتورمتين، ظهر التأثر على ملامح يوسف و ظل صامتاً وهو يري جسدها ينتفض وقد صدرت منها شهقه متشنجه أثر البكاء..
٠٠٠٠
جالساً بجانب شقيقته وفاء ينظر إلي هاتف الأخيرة التي راحت تهدر بحماس:
_ لو التلفون هيبقي هديه منك حيث كده أنا عايزة ده
قالت ذلك وهي تشير له نحو صورة الهاتف المتواجدة أمام عينيه على شاشة هاتفها ، أومأ مروان برأسه و أجابها قائلاً بإيجاز:
_ تمام يا وفاء إلي أنتي عايزاه..
التوي ثغر وفاء بابتسامه مشرقه و رفعت رأسها ،وقع بصرها على مروه التي تقدمت منهم بملامح كئيبه، عقدت وفاء حاجبيها و تسألت بتوجس:
_ مالك يا مروه؟, شكلك متغير كده ليه..
صمتت مروه وهي تجلس على أحد المقاعد و رمت مروه بنظره مختنقه ولم تعلق، دارت وفاء بنظراتها بينهم قائله بنبره ساخره:
_ مالكم في إيه، هي الرحله مكنتش حلوه ولا ايه !
حانت من مروان التفاته نحو تلك الجالسه ثم عاد ينظر أمامه بملامح جامده وقد سحب علبة السجائر خاصته..
مطت وفاء حاجبيها وهي تري هاتفها يصدح عالياً، وقع بصرها على الإسم مما جعلها تقبض على هاتفها و نهضت من مكانها قائله بتأفف زائف:
_ أنا مبحبش جو الكأبه بتاعكم ده
أنهت كلماتها و تحركت نحو الداخل تاركه مروه تنظر نحو زوجها الذي ينفث دخان لفافة التبغ غير مبالي بها، قطبت حاجبيها بشده و هدرت بخفوت:
_ السجاير الكتير غلط
قالت تلك الكلمات وقد تعلقت عينيها بالمطفئه الملئيه بأعقاب السجائر، لوي مروان فمه ولم يجيبها..
أعادت مروه خصله من خصلات شعرها إلي الخلف ولم تستطع السيطره على حالها لذلك هدرت بمقت:
_ هو أنا هوا، مالك بتعاملني كده ليه، دي مش عيشه دي
ألقي مروان عليها نظره بطرف عينيه ثم عاد ينظر أمامها قائلاً بنبرة بارده:
_ أنا طبعي كده
رفعت مروه حاجب و نزلت الآخر باستهزاء و مقلتيها واضح بهم الحزن ، ظلت صامته للحظات ثم قالت بنبره حانقه حاولت جعلها خافته حتي لا يصل الصوت إلي عائلته:
_ لا أنت مش طبعك كده يا مروان، أنت اوقات بحس باهتمامك و أوقات تانيه كتير بحسك بتتلكك عشان عايز تعاملني كده..
خفضت نبرتها في آخر كلمتين و هي تري وفاء تعود من الداخل قائله بنبرة مبتهجه:
_ مروان، غنيم عازمنا بره بكره و مصمم..
أغمضت وفاء جفونها و عادت و فتحتهم ثم نهضت من مكانها وهي تقول بنبره متحشرجه:
_ هروح أساعد طنط
راقبت وفاء إياها حتي دلفت المطبخ ثم نظرت إلي شقيقها الذي وضع عقب السيجارة في المطفئه ببرود ، هدرت هي بعتاب تنهر إياه:
_ حرام عليك إلي بتعمله فيها ده ، حرام عليك بجد يا مروان ، مكنتش تتجوزها طالما هتعاملها كده..
ألقي عليها مروان نظره جافه ثم تحدث قائلاً ببرود متناهي:
_ متدخليش في إلي ملكيش فيه
نطق بتلك الكلمات وهو يسحب علبة السجائر خاصته و هاتفه و مفاتحيه ثم نهض متحركاً نحو باب الشقه تحت نظرات وفاء التي هدرت بامتعاض:
_ رايح فين ، ماما بتحضر الأكل
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها حيث خرج و أغلق الباب خلفه مما جعلها تلوي فمها قائله بنبرة حانقه:
_ مستفز، بجد
٠٠٠٠٠٠
أرتمت حفصة جالسه على ذلك المقعد و هي تستمع إلي حديث الطبيب الذي كانت ملامحه ثابته وهو يخبرها بعبارات اعتيادية من أجل المواساه في وفاة والدها الذي فقدته مثلما فقدت والدتها..
تشوشت الرؤية أمامها و العبرات الحاره تنساب من عينيها بغزاره و أصوات متدخله من الجيران الواقفين على أعتاب الشقه يتهامسون تحدثت أحدهما بشفقه:
" أمها و أبوها مستحملوش إلي حصل مع بنتهم"
و آخر تقدم من الطبيب يشير له نحو الخارج قائلاً بوجوم:
_ لا حول ولا قوة الا بالله كان رجل طيب، أتفضل يا دكتور
قال تلك الكلمات وهو يشير إلي الطبيب نحو الخارج، و قد تحركت السيدات يقفون جانباً و أحدهما تلوي فمها قائله بنبره فضوليه حائره:
_ آمال فين جوزها يا أختي !
لوت تلك الجاره الواقفه جانباً فمها وهي تنظر نحوهم شذراً قائله بنبره مستاءه:
_ أنتي في إيه ولا إيه يا اختي منك ليها ، الراجل مات و أنتوا واقفين تتكلموا في كلام فارغ زيكم
قالت تلك الكلمات وهي تتقدم نحو حفصة التي كان جسدها ينتفض وصدرها يعلو ويهبط بعنف محاوله التقاط أنفاسها و العبرات الحاره تنهمر من عينيها بلا توقف تقبض بكفيها على طرف ثوبها بطريقه عنيفه..
ربطت تلك الجاره على كتفها بدعم، في حين وصل إلي مسامعها حديث أحدي الواقفات بتهكم:
_ دول بيقولوا جوزها اتجوزها عشان الكلام إلي طالع عليها..
مطت أحدهما شفتيها و تحركت تخرج من باب الشقه المفتوح وهي تقول بعدم اكتراث:
_ الله يرحمه، أنا ماشيه عندي طبيخ
تبادلت السيدات النظرات فيما بينهم يحدقون بتلك التي أصبحت منكمشه على حالها تحاوط جسدها بذراعيها و شفتيها ترتجفان بقوه و العبرات تنهمر واحده تلوي الأخري على وجنتيها الملتهبيتن..
رحلت السيدات واحده تلوي الأخري و لم يتبقي سوي تلك الجاره العطوفه التي وضعت كفها على كتفها تدعم إياها بصمت..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
زفر صفوان طويلاً وهو واقفاً هكذا يتابع فاطمه الجالسه أرضاً بداخل قطعة الأرض الزراعية..
_هتبقي كويسه أن شاء الله يا ابني..
خرجت تلك الكلمات من السيده سميحه التي ربطت على كتفه من الخلف، استدار هو يرمقها بنظراته و تمتم قائلاً بثقه:
_ بأمر الله يا أمي
التوي ثغر والدته بابتسامة بسيطه وهي تدور ببصرها في تلك البلده الريفيه الملئيه بالأشجار و الأراضي الزراعية الخضراء، زفرت الهواء تملئ رئتيها وهي تقول بارتياح:
_ المكان هنا مريح جداً، أيه رأيك تاخد فاطمه و صفاء و تروح تزور خالك كامل !
حانت من صفوان نظره نحو تلك الجالسه بالخلف تدور ببصرها في المكان بنظرات خاويه خاليه من الحياه ثم عاد ينظر نحو والدته قائلاً بنبرة جاده:
_ مش هينفع أنا راجع القاهره النهارده..
مطت السيده سميحه شفتيها و تحدثت قائله بإدراك:
_ عايز ترجع عشانها مش كده !
صمت صفوان ولم يجيبها بين تابعت والدته قائله باستهجان:
_ ما هي متلحقه عند ابوها ، سيبها وخليك هنا مع بنت عمك
قالت آخر كلماتها برجاء محاوله إقناعه ولكن صفوان تحدث قائلاً بنبره ثابته:
_ مينفعش ، أنا كمان سايب الشغل و مش مهتم بيه بقالي فتره..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
وضعت مروه تلك الحقيبه على الفراش ثم فتحت إياها و تحركت تفتح خزانة الملابس تخرج منها ثيابها المطويه بعناية تضع إياهم في الحقيبه..
وصل إلي مسامعها صوت فتح باب الشقه، لم تبالي و إستمرت في متابعة عملها تضع الثياب في الحقيبه..
_ إيه ده !
خرجت تلك الكلمات من مروان الذي دلف إلي الغرفه للتو، استدارت مروه تحدقه بنظرات جامده قائله بنبره جافه:
_ راحه لماما ، بصفة مستمره
قالت تلك الكلمات وهي تستدير تغلق الحقيبه بينما هو عقد حاجبيه وظل صامتاً للحظات ثم تحدث بنبرة ساخره:
_ بصفة مستمره ! ،، يعني عايزه تتطلقي !
ابتلعت مروه غصتها و استدارت ترمقه بنظرات واجمه، و تحدثت قائله بنبره مقتضبه :
_ إلي أنت شايفه صح أعمله يا مروان
أصبحت ملامح مروان مكفهره و هدر قائلاً بغلظه:
_ يعني إيه إلي أنا شايفه صح أعمله !، أنتي بتلمي هدومك ليه و سايبه البيت ليه !
تنفست مروه بصوت مسموع تحاول السيطرة على أعصابها و لكن هيهات فقد هدرت بنفاذ صبر:
_ أنا تعبت يا مروان ، أنت حتي مش بتسمح ليا أكون صريحه معاك..
لم يدعها مروان أن تكمل كلماتها و قاطع إياها قائلاً بفظاظه:
_ بطلي كلام أهبل، و روحي حضري الأكل عشان جعان
قال تلك الكلمات وهو يضرب بكفه على حقيبة ملابسها ثم تابع قائلاً بتبرم متضايق:
_ و شيلي الشنطه دي من هنا
حدقته مروه بنظراتها وقد أنكمشت ملامحها وهي تهدر بخفوت مختنقه:
_ أنا مش عايزه استمر معاك يا مروان، أنا من وقت ما اتجوزتك و أنا معتقدش كنت سعيده في يوم و أنت حتي مبتحبنيش!
قطب هو حاجبيه بشده وقد شعر بالحنق من كلماتها فهو قد مر بيوم سيء في العمل لذلك وجد حاله ينطق بنفاذ صبر حاد:
_ بحبك يا مروه و سعيد معاكي، حلو كده بطلي زن بقي و روحي حضري حاجه تتاكل
نطق بتلك الكلمات ثم أنحني يسحب حقيبتها من على الفراش واضعاً إياها جانباً تحت نظراتها وملامحها التي أنكمشت بحزن واضح..
كادت أن تتحدث و لكن وجدته يستلقي على الفراش واضعاً ذراعيه أسفل رأسه وهو يقول بنبره هادئه للغايه:
_ خدي الباب في إيدك و أنتي طالعه يا مروه
كورت مروه قبضتيها بشده تشعر باحتراق روحها و قلبها الذي ينبض بحب ذلك الرجل الغير مبالي بها ..
٠٠٠٠٠٠٠
صعد صفوان درجات الدرج و قد وصل إلي مسامعه، توقفت عينيه على تلك الجاره التي خرجت من شقتها للتو و التي عقدت حاجبيها وهي تهدر باستفهام زائف:
_ أنت زوج حفصة مش كده ؟!
أومأ صفوان برأسه إيجاباً وهو يتوقف أمام شقة والد حفصة، لوت تلك المرأة شفتيها قائله بلوم:
_ أنت كنت فين، ازي محضرتش الدفنه !
تسمر صفوان في وقفته و أنكمشت ملامحه على الفور وهو يقول بفزع:
_ دفنة مين !
تعجبت المرأه من عدم معرفته بالأمر لكنها أجابته على الفور قائله بحزن:
_ الحاج محسن مات..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
صمت قاتل وهي جالسه أمام هكذا صامته بملامح شاحبه تنظر حولها بنظرات خاويه كمن فقدت الشعور بالحياه ، تستند بكفيها على تلك الطاوله..
لم يستطع هو تحمل رؤيتها بتلك الحاله لذلك هدر بنبره خافته:
_ حفصة..
نقرت هي بكفها المرتعش على الطاولة تحاول مقاومة حالها من ذرف الدموع ، ثم تحدثت قائله بنبره مبحوحه متألمه:
_ كل حاجه جايه ورا بعضها مبقتش قادره ، بقيت لوحدي..
توقفت عن متابعة كلماتها وقد ارتجفت شفتيها وهي تبتلع غصتها المريره ثم عادت تدور بعينيها الزائغتين المتحجر بهم العبرات في ذلك المكان الخالي شعرت بكفه الخشن الموضوع علي كفها قائلاً بنبره حانيه يحاول مواساتها:
_ أنا موجود يا حفصة معاكي
أرتجف كفها أسفل كفه الخشن و نظرت له بوجوم صامته، أخذت نفس عميق ثم سحبت كفها تمسح تلك العبره الحاره التي أنسابت على وجهها و أبعدت نظراتها بعيداً عنه، مسح هو على وجهه ثم تابع قائلاً بعتاب جامد:
_ بس أنتي ليه مردتيش ولا قولتلي ، أنا أتصلت بيكي كذا مره مقولتيش؟ أزي مكنش موجود معاكي..
توقف عن متابعة كلماته عندما نظرت هي له بمقلتيها اللامعتين بالدموع الحبيسه،خرجت منها تلك الكلمات بتهدج:
_مبقاش ليا غيرك فعلا ً
تلك الكلمات البسيطة جعلته يشعر بحاجتها إليه و تركت أثرها داخل قلبه الذي أصبح يخفق من أجلها !!..
ثواني معدودة و لم تستطع كبت دموعها و انفجرت في بكاء مرير و بطريقه متقطعه بائسه أثر بكائها راحت تتحدث بلا توقف عن حياتها محركه كفيها المرتعشين وهو كان مستمع جيد حيث تركها تفرغ ما بداخلها..
٠٠٠٠٠٠٠
بعد مرور شهر و نصف
سقوط الأمطار في ذلك الوقت لم يكن متوقع ، وقفت فاطمة أسفل الأمطار تستقبل إياها بصدر رحب و هناك نصف ابتسامة مرسومه على ثغرها غافله عن ذلك الواقف جانباً يراقب إياها و الأبتسامة الباهته مرسومه على ثغره..
_ لسه بتحبها !
خرجت تلك الكلمات من صفاء الواقفه خلفه، استدار ذلك الواقف إليها و ظهر الإرتباك في مقلتيه لكنه أخفي ذلك قائلاً بثبات:
_ كان زمان
رسمت صفاء ابتسامة صغيره على ثغرها وهي تقول بنبره متهكمه:
_ مش باين يا، آمال لسه متجوزتش ليه!
تجاهل إسماعيل الرد عليها ثم أشار إلي تلك الواقفه في وسط الأمطار قائلاً بقلق يخفيه:
_ خليها تدخل جوه كده هتتعب
نطق هو بتلك الكلمات ثم تحرك مبتعداً تحت نظرات صفاء الذي التوي ثغرها بابتسامة جانبيه..
٠٠٠٠٠٠
وقفت حفصة جانباً أسفل تلك البنايه تحتمي من الأمطار تنتظر صفوان حتي يأتي بسيارته..
توقفت عينيها على تلك الفتاه و الشاب وهم يسيرون وسط الأمطار وصوت ضحكاتهم يملئ أرجاء المكان، التوي ثغرها بابتسامة باهته..
ولم تشعر بحالها سوي وهي تقف أسفل الأمطار الغزيره تفرد ذراعيها و عينيها معلقه بالسماء تردد باشتياق نابع من أعماق قلبها:
_ وحشتوني أوي يا حبايبي
_ حفصة هتبردي ، اركبي يلا
نطق صفوان بتلك الكلمات بنبره مرتفعه وهو قابع بداخل سيارته يحدق بتلك الواقفه وسط الأمطار..
رفعت حفصة رأسها تلقي نظره عليه وهي تشعر ببرودة الأمطار على جسدها فقد أصبحت ثيابها مبتله، تحركت سريعاً وفتحت الباب خاصةً السياره ودلفت إلي الداخل مغلقه الباب وهي تنظر له و أسنانها تصطك ببعضها قائله بنبره مرتجفه:
_ صفوان شكراً على وجودك جمبي
كانت تلك عباره صادقه نابعه من داخلها، ظل هو يحدقها بنظراته و التوي ثغره بابتسامة جانبيه ومد كفه إلي الأسفل يسحب معطفه الثقيل من الخلف و وضعه عليها برفق قائلاً بخفوت:
_ مفيش بينا شكر
نطق بتلك الكلمات ثم انطلق بالسيارة وسط نظراتها الغريبه المصوبه نحوه وهي تحاوط حالها بالمعطف، تحركت شفتيها تنطق بتساؤول خافت:
_ مزهقتش مني !
نظر صفوان إليها نظره من طرف عينيه مستغرب سؤالها لكنه عاود النظر إلي الطريق قائلاً بتعجب:
_ سؤال غريب، لكن لأ
شعرت حفصة بالبرودة تسيطر على جسدها فحاوطت حالها أكثر بالمعطف وهي تقول بنبرة مرتجفه مترقبه:
_ لأ إيه..
ألقي عليها صفوان نظره أخري ثم تحدث قائلاً بصوت أجش:
_ إجابة سؤالك لأ
ظلت صامته للحظات ورفعت كفها تمسح بعض قطرات الماء المتواجده على وجهها وهي تقول بنبره متحشرجه:
_ شكراً
وزع هو نظراته بينها وبين الطريق رافعاً أحد حاجبيه قائلاً بسخريه:
_ مش كفايه شكر بقي !
أومأت برأسها ثم حاوطت حالها بالمعطف وهي تنظر من نافذة السيارة المتجمع عليها قطرات الماء، وصلها صوته الأجش ناطقاً باهتمام:
_ جعانه؟
وعلي عكس المتوقع وجدها تنظر نحوه و أومأت برأسها قائله بخفوت:
_ اه جداً بصراحه
قطب هو حاجبيه وهو يدير عجلة القياده قائلاً بهدوء:
_ تمام، إيه رأيك ناكل بره ولا نطلب أكل !
مطت هي شفتيها و ظلت صامته للحظات ثم أجابت بعد تفكير:
_ نطلب أكل و ناخده و نروح بيت بابا ناكل هناك
أومأ صفوان برأسه ثم صوب نظراته نحو الطريق وهو يقول بنبره حانيه:
_ زي ما تحبي
٠٠٠٠٠٠
وقفت مروه أمام طاولة الطعام تتابع إياه وقد جلس و شرع في تناول طعامه..
ألقي هو عليها نظره ثم قال بتعجب:
_ مقعدتيش تاكلي ليه !
لوت مروه شفتيها ثم قالت باستياء:
_ مستنيه أنك تخلص أكل
رمش مروان بعينيه عدة مرات و أستغفر بصوت مسموع ثم سحبها من مرفقها قائلاً بنفاذ صبر:
_ أقعدي يا مروه كلي ، مش ناقصه هرمونات الحمل بتاعتك النهارده
سحبت مروه مقعد و جلست عليه ثم وضعت كفها أسفل ذقنها حركت شفتيها ترغب في الحديث ولكن وجدته يدس قطعة اللحم في فمها قائلاً بخفوت:
_ تاكلي من غير رغي كتير
مضغطت هي قطعة اللحم بصعوبه واضعه كفها على فمها وهي تنظر نحوه بضيق، ثم هدرت بانزعاج:
_ مروان أنت عمرك ما هتحبني..
لم يدعها مروان أن تتابع كلماتها ثم دس قطعه أخري في فمها قائلاً باستهزاء:
_ أنا مش عارف أحب نفسي أصلا، كلي و اسكتي
سعلت هي عدة مرات وهي تمضغ ما في فمها بصعوبه ترمي إياه بنظرات حانقه وجدته يستعد لوضع قطعة أخري في فمها لكنها منعت إياه تقبض على ذراعه قائله باستياء:
_ كفايه بقي، متحاولش تمنعني من التعبير عن إلي جوايا..
ملئ مروان ملعقته بالأرز وهو ينظر لها بطرف عينيه قائلاً بملل:
_ عبري يا مروه ، عبري
ظلت صامته للحظات وقد دمعت مقلتيها وهي تقول بتأثر:
_ مروان أنت ليه مش عايز تحبني زي ما بحبك ليه محسسني أني مليش قيمه..
رفع مروان حاجب و نزل الآخر وهو يبتلع ما في فمه من طعام ثم تحدث قائلاً باستنكار زائف:
_ ملكيش قيمه !
أومأت هي برأسها و ضمت شفتيها للأمام و تلك العبره تنساب على وجهها، لوي هو فمه قائلاً بضيق:
_ مش قولت النكد وراثي عندكم
نطق بتلك الكلمات وهو يدفع مكانه ناهضاً من مكانه قائلاً بضجر:
_ مش واكل خالص عشان ترتاحي، هروح أعملي فنجان قهوه..
أنكمشت ملامحها و هدرت عفوياً بنبرة مرتفعه حانقه:
_ القهوه دي أنت بتشربها اكتر ما بتتكلم معايا
توقف مروان عن متابعة سيره واستدار نحوها عاقداً ذراعيه أمامه، نهضت هي من مكانها و تقدمت نحوه تقول بعتاب حانقه:
_ مالك بتبص كده ليه ، أنا معايا حق على فكره
حدق مروان بملامحها العابسه التوي ثغره بابتسامة و مال عليها وعينيه معلقه بثغرها..
دقائق، و كانت تدفع إياه ووجهها مشتعل خجلاً ، عضت على شفتيها بشده وقالت بخجل:
_ مروان هو أنا ليا مكانه عندك حتي !
حرك هو رأسه يميناً و يساراً بقلة حيله ثم ضرب كفوفه في بعضهم قائلاً بنفاذ صبر:
_ هروح أعمل قهوه احسن
كاد أن يتحرك لكن وجدها تقبض على ذراعه قائله بخفوت تستعطفه:
_ طب جاوبني أنا ولا القهوه !
ظل يحدقها للحظات بنظراته ولم يستطع تمالك حاله حيث صدحات ضحكاته عالياً و تحدثت قائلاً:
_ القهوه
أنكمشت ملامحها بعبوس و تركت ذراعه و تحركت مسرعه نحو الداخل وهي تقول بحنق:
_ عمرك ما هتحبني أنا عارفه
التوي ثغر مروان بابتسامة على زوجته البلهاء ضرب كفوفه في بعضهم قائلاً بقلة حيله:
_ الصبر من عندك يارب
٠٠٠٠٠
جلست حفصة على ذلك المقعد تدور ببصرها في الشقه التابعه لعائلتها..
وجدته يتقدم نحوها ينزل أكمام قميصه قائلاً بضيق:
_ بس أنتي مكلتيش كويس
تنهدت حفصة طويلا ونهضت تجمع أطباق الطعام البلاستيكية تضع إياهم في الحقيبه البلاستيكيه قائله بخفوت:
_ الحمدلله كده تمام، تشرب حاجه !
حرك صفوان رأسه نافياً وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله يلقي عليه نظره وهو يقول بنبرة هادئه:
_ يلا عشان نرجع البيت
أومأت حفصة برأسها ثم سحبت وشاح رأسها و تحركت نحو الداخل وهي تقول بخفوت:
_ هلبس الطرحه بس
بضع دقائق و كانت تخرج من تلك الغرفه بحثت بعينيها عنه لم تجده وقع بصرها عليه واقفاً في الشرفه..
تقدمت نحوها وهي تقول بنبره خافته:
_ يلا
ابتلعت باقي كلماتها وهي تستمع إلي ذلك الصوت الأنثوي صاحبته تتحدث بعذوبه:
_ بجد أهل حفصة كانوا طيبين جداً
توقفت عينيها على صفوان الذي يبتسم بتكلف لتلك الواقفه في الشرفه المجاوره لم تشعر بحالها سوي وهي تهدر بنبره واضح بها الضيق:
_ أنا جاهزة يا صفوان
استدار صفوان يحدقها بنظراته مبتسماً في حين تحدثت تلك الواقفه في شرفتها قائله بلطف غريب:
_ عامله ايه يا حفصة؟
نظرت حفصة نحوها ثم ألقت نظره مفعمه بالضيق على زوجها وقالت بنبره بارده:
_ الحمدلله، يلا يا صفوان اتأخرنا
تدخلت تلك الفتاه في الحديث وقالت بنبرة رقيقه وعينيها معلقه بصفوان:
_ حلو إسم صفوان..
ألقي صفوان نظره عابره عليها و لم يعقب في حين كانت تلك الواقفه بجانبه تشتعل غيظاً و شعور غريب يسيطر عليها لم ترغب أن تعرف معناه لكنه كان واضح على ملامحها..
يتبع
توقفت عينيه على فاطمه الجالسه أرضاً أمام باب الشقه التابعه لعائلته تضم ساقيها إليها، ضيق هو ما بين عينيه وهو يهدر باستنكار مفعم بالتعجب:
_ بتعملي إيه هنا !
أرتسمت أبتسامة متلهفه على ثغر فاطمه و نهضت تنفض ثوبها الأسود وهي تتقدم منه تتلمس ذراعه بكفها قائله بتوسل يثير الشفقه:
_ يوسف أنا مش قادره أعيش من غيرك ، يوسف أنت إلي غيرتني مين..
تحشرجت نبرتها في آخر كلمه و شعرت بالعجز عن متابعة كلماتها و العبرات تنهمر من عينيها المتورمتين، ظهر التأثر على ملامح يوسف و ظل صامتاً وهو يري جسدها ينتفض وقد صدرت منها شهقه متشنجه أثر البكاء..
٠٠٠٠
جالساً بجانب شقيقته وفاء ينظر إلي هاتف الأخيرة التي راحت تهدر بحماس:
_ لو التلفون هيبقي هديه منك حيث كده أنا عايزة ده
قالت ذلك وهي تشير له نحو صورة الهاتف المتواجدة أمام عينيه على شاشة هاتفها ، أومأ مروان برأسه و أجابها قائلاً بإيجاز:
_ تمام يا وفاء إلي أنتي عايزاه..
التوي ثغر وفاء بابتسامه مشرقه و رفعت رأسها ،وقع بصرها على مروه التي تقدمت منهم بملامح كئيبه، عقدت وفاء حاجبيها و تسألت بتوجس:
_ مالك يا مروه؟, شكلك متغير كده ليه..
صمتت مروه وهي تجلس على أحد المقاعد و رمت مروه بنظره مختنقه ولم تعلق، دارت وفاء بنظراتها بينهم قائله بنبره ساخره:
_ مالكم في إيه، هي الرحله مكنتش حلوه ولا ايه !
حانت من مروان التفاته نحو تلك الجالسه ثم عاد ينظر أمامه بملامح جامده وقد سحب علبة السجائر خاصته..
مطت وفاء حاجبيها وهي تري هاتفها يصدح عالياً، وقع بصرها على الإسم مما جعلها تقبض على هاتفها و نهضت من مكانها قائله بتأفف زائف:
_ أنا مبحبش جو الكأبه بتاعكم ده
أنهت كلماتها و تحركت نحو الداخل تاركه مروه تنظر نحو زوجها الذي ينفث دخان لفافة التبغ غير مبالي بها، قطبت حاجبيها بشده و هدرت بخفوت:
_ السجاير الكتير غلط
قالت تلك الكلمات وقد تعلقت عينيها بالمطفئه الملئيه بأعقاب السجائر، لوي مروان فمه ولم يجيبها..
أعادت مروه خصله من خصلات شعرها إلي الخلف ولم تستطع السيطره على حالها لذلك هدرت بمقت:
_ هو أنا هوا، مالك بتعاملني كده ليه، دي مش عيشه دي
ألقي مروان عليها نظره بطرف عينيه ثم عاد ينظر أمامها قائلاً بنبرة بارده:
_ أنا طبعي كده
رفعت مروه حاجب و نزلت الآخر باستهزاء و مقلتيها واضح بهم الحزن ، ظلت صامته للحظات ثم قالت بنبره حانقه حاولت جعلها خافته حتي لا يصل الصوت إلي عائلته:
_ لا أنت مش طبعك كده يا مروان، أنت اوقات بحس باهتمامك و أوقات تانيه كتير بحسك بتتلكك عشان عايز تعاملني كده..
خفضت نبرتها في آخر كلمتين و هي تري وفاء تعود من الداخل قائله بنبرة مبتهجه:
_ مروان، غنيم عازمنا بره بكره و مصمم..
أغمضت وفاء جفونها و عادت و فتحتهم ثم نهضت من مكانها وهي تقول بنبره متحشرجه:
_ هروح أساعد طنط
راقبت وفاء إياها حتي دلفت المطبخ ثم نظرت إلي شقيقها الذي وضع عقب السيجارة في المطفئه ببرود ، هدرت هي بعتاب تنهر إياه:
_ حرام عليك إلي بتعمله فيها ده ، حرام عليك بجد يا مروان ، مكنتش تتجوزها طالما هتعاملها كده..
ألقي عليها مروان نظره جافه ثم تحدث قائلاً ببرود متناهي:
_ متدخليش في إلي ملكيش فيه
نطق بتلك الكلمات وهو يسحب علبة السجائر خاصته و هاتفه و مفاتحيه ثم نهض متحركاً نحو باب الشقه تحت نظرات وفاء التي هدرت بامتعاض:
_ رايح فين ، ماما بتحضر الأكل
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها حيث خرج و أغلق الباب خلفه مما جعلها تلوي فمها قائله بنبرة حانقه:
_ مستفز، بجد
٠٠٠٠٠٠
أرتمت حفصة جالسه على ذلك المقعد و هي تستمع إلي حديث الطبيب الذي كانت ملامحه ثابته وهو يخبرها بعبارات اعتيادية من أجل المواساه في وفاة والدها الذي فقدته مثلما فقدت والدتها..
تشوشت الرؤية أمامها و العبرات الحاره تنساب من عينيها بغزاره و أصوات متدخله من الجيران الواقفين على أعتاب الشقه يتهامسون تحدثت أحدهما بشفقه:
" أمها و أبوها مستحملوش إلي حصل مع بنتهم"
و آخر تقدم من الطبيب يشير له نحو الخارج قائلاً بوجوم:
_ لا حول ولا قوة الا بالله كان رجل طيب، أتفضل يا دكتور
قال تلك الكلمات وهو يشير إلي الطبيب نحو الخارج، و قد تحركت السيدات يقفون جانباً و أحدهما تلوي فمها قائله بنبره فضوليه حائره:
_ آمال فين جوزها يا أختي !
لوت تلك الجاره الواقفه جانباً فمها وهي تنظر نحوهم شذراً قائله بنبره مستاءه:
_ أنتي في إيه ولا إيه يا اختي منك ليها ، الراجل مات و أنتوا واقفين تتكلموا في كلام فارغ زيكم
قالت تلك الكلمات وهي تتقدم نحو حفصة التي كان جسدها ينتفض وصدرها يعلو ويهبط بعنف محاوله التقاط أنفاسها و العبرات الحاره تنهمر من عينيها بلا توقف تقبض بكفيها على طرف ثوبها بطريقه عنيفه..
ربطت تلك الجاره على كتفها بدعم، في حين وصل إلي مسامعها حديث أحدي الواقفات بتهكم:
_ دول بيقولوا جوزها اتجوزها عشان الكلام إلي طالع عليها..
مطت أحدهما شفتيها و تحركت تخرج من باب الشقه المفتوح وهي تقول بعدم اكتراث:
_ الله يرحمه، أنا ماشيه عندي طبيخ
تبادلت السيدات النظرات فيما بينهم يحدقون بتلك التي أصبحت منكمشه على حالها تحاوط جسدها بذراعيها و شفتيها ترتجفان بقوه و العبرات تنهمر واحده تلوي الأخري على وجنتيها الملتهبيتن..
رحلت السيدات واحده تلوي الأخري و لم يتبقي سوي تلك الجاره العطوفه التي وضعت كفها على كتفها تدعم إياها بصمت..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
زفر صفوان طويلاً وهو واقفاً هكذا يتابع فاطمه الجالسه أرضاً بداخل قطعة الأرض الزراعية..
_هتبقي كويسه أن شاء الله يا ابني..
خرجت تلك الكلمات من السيده سميحه التي ربطت على كتفه من الخلف، استدار هو يرمقها بنظراته و تمتم قائلاً بثقه:
_ بأمر الله يا أمي
التوي ثغر والدته بابتسامة بسيطه وهي تدور ببصرها في تلك البلده الريفيه الملئيه بالأشجار و الأراضي الزراعية الخضراء، زفرت الهواء تملئ رئتيها وهي تقول بارتياح:
_ المكان هنا مريح جداً، أيه رأيك تاخد فاطمه و صفاء و تروح تزور خالك كامل !
حانت من صفوان نظره نحو تلك الجالسه بالخلف تدور ببصرها في المكان بنظرات خاويه خاليه من الحياه ثم عاد ينظر نحو والدته قائلاً بنبرة جاده:
_ مش هينفع أنا راجع القاهره النهارده..
مطت السيده سميحه شفتيها و تحدثت قائله بإدراك:
_ عايز ترجع عشانها مش كده !
صمت صفوان ولم يجيبها بين تابعت والدته قائله باستهجان:
_ ما هي متلحقه عند ابوها ، سيبها وخليك هنا مع بنت عمك
قالت آخر كلماتها برجاء محاوله إقناعه ولكن صفوان تحدث قائلاً بنبره ثابته:
_ مينفعش ، أنا كمان سايب الشغل و مش مهتم بيه بقالي فتره..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
وضعت مروه تلك الحقيبه على الفراش ثم فتحت إياها و تحركت تفتح خزانة الملابس تخرج منها ثيابها المطويه بعناية تضع إياهم في الحقيبه..
وصل إلي مسامعها صوت فتح باب الشقه، لم تبالي و إستمرت في متابعة عملها تضع الثياب في الحقيبه..
_ إيه ده !
خرجت تلك الكلمات من مروان الذي دلف إلي الغرفه للتو، استدارت مروه تحدقه بنظرات جامده قائله بنبره جافه:
_ راحه لماما ، بصفة مستمره
قالت تلك الكلمات وهي تستدير تغلق الحقيبه بينما هو عقد حاجبيه وظل صامتاً للحظات ثم تحدث بنبرة ساخره:
_ بصفة مستمره ! ،، يعني عايزه تتطلقي !
ابتلعت مروه غصتها و استدارت ترمقه بنظرات واجمه، و تحدثت قائله بنبره مقتضبه :
_ إلي أنت شايفه صح أعمله يا مروان
أصبحت ملامح مروان مكفهره و هدر قائلاً بغلظه:
_ يعني إيه إلي أنا شايفه صح أعمله !، أنتي بتلمي هدومك ليه و سايبه البيت ليه !
تنفست مروه بصوت مسموع تحاول السيطرة على أعصابها و لكن هيهات فقد هدرت بنفاذ صبر:
_ أنا تعبت يا مروان ، أنت حتي مش بتسمح ليا أكون صريحه معاك..
لم يدعها مروان أن تكمل كلماتها و قاطع إياها قائلاً بفظاظه:
_ بطلي كلام أهبل، و روحي حضري الأكل عشان جعان
قال تلك الكلمات وهو يضرب بكفه على حقيبة ملابسها ثم تابع قائلاً بتبرم متضايق:
_ و شيلي الشنطه دي من هنا
حدقته مروه بنظراتها وقد أنكمشت ملامحها وهي تهدر بخفوت مختنقه:
_ أنا مش عايزه استمر معاك يا مروان، أنا من وقت ما اتجوزتك و أنا معتقدش كنت سعيده في يوم و أنت حتي مبتحبنيش!
قطب هو حاجبيه بشده وقد شعر بالحنق من كلماتها فهو قد مر بيوم سيء في العمل لذلك وجد حاله ينطق بنفاذ صبر حاد:
_ بحبك يا مروه و سعيد معاكي، حلو كده بطلي زن بقي و روحي حضري حاجه تتاكل
نطق بتلك الكلمات ثم أنحني يسحب حقيبتها من على الفراش واضعاً إياها جانباً تحت نظراتها وملامحها التي أنكمشت بحزن واضح..
كادت أن تتحدث و لكن وجدته يستلقي على الفراش واضعاً ذراعيه أسفل رأسه وهو يقول بنبره هادئه للغايه:
_ خدي الباب في إيدك و أنتي طالعه يا مروه
كورت مروه قبضتيها بشده تشعر باحتراق روحها و قلبها الذي ينبض بحب ذلك الرجل الغير مبالي بها ..
٠٠٠٠٠٠٠
صعد صفوان درجات الدرج و قد وصل إلي مسامعه، توقفت عينيه على تلك الجاره التي خرجت من شقتها للتو و التي عقدت حاجبيها وهي تهدر باستفهام زائف:
_ أنت زوج حفصة مش كده ؟!
أومأ صفوان برأسه إيجاباً وهو يتوقف أمام شقة والد حفصة، لوت تلك المرأة شفتيها قائله بلوم:
_ أنت كنت فين، ازي محضرتش الدفنه !
تسمر صفوان في وقفته و أنكمشت ملامحه على الفور وهو يقول بفزع:
_ دفنة مين !
تعجبت المرأه من عدم معرفته بالأمر لكنها أجابته على الفور قائله بحزن:
_ الحاج محسن مات..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
صمت قاتل وهي جالسه أمام هكذا صامته بملامح شاحبه تنظر حولها بنظرات خاويه كمن فقدت الشعور بالحياه ، تستند بكفيها على تلك الطاوله..
لم يستطع هو تحمل رؤيتها بتلك الحاله لذلك هدر بنبره خافته:
_ حفصة..
نقرت هي بكفها المرتعش على الطاولة تحاول مقاومة حالها من ذرف الدموع ، ثم تحدثت قائله بنبره مبحوحه متألمه:
_ كل حاجه جايه ورا بعضها مبقتش قادره ، بقيت لوحدي..
توقفت عن متابعة كلماتها وقد ارتجفت شفتيها وهي تبتلع غصتها المريره ثم عادت تدور بعينيها الزائغتين المتحجر بهم العبرات في ذلك المكان الخالي شعرت بكفه الخشن الموضوع علي كفها قائلاً بنبره حانيه يحاول مواساتها:
_ أنا موجود يا حفصة معاكي
أرتجف كفها أسفل كفه الخشن و نظرت له بوجوم صامته، أخذت نفس عميق ثم سحبت كفها تمسح تلك العبره الحاره التي أنسابت على وجهها و أبعدت نظراتها بعيداً عنه، مسح هو على وجهه ثم تابع قائلاً بعتاب جامد:
_ بس أنتي ليه مردتيش ولا قولتلي ، أنا أتصلت بيكي كذا مره مقولتيش؟ أزي مكنش موجود معاكي..
توقف عن متابعة كلماته عندما نظرت هي له بمقلتيها اللامعتين بالدموع الحبيسه،خرجت منها تلك الكلمات بتهدج:
_مبقاش ليا غيرك فعلا ً
تلك الكلمات البسيطة جعلته يشعر بحاجتها إليه و تركت أثرها داخل قلبه الذي أصبح يخفق من أجلها !!..
ثواني معدودة و لم تستطع كبت دموعها و انفجرت في بكاء مرير و بطريقه متقطعه بائسه أثر بكائها راحت تتحدث بلا توقف عن حياتها محركه كفيها المرتعشين وهو كان مستمع جيد حيث تركها تفرغ ما بداخلها..
٠٠٠٠٠٠٠
بعد مرور شهر و نصف
سقوط الأمطار في ذلك الوقت لم يكن متوقع ، وقفت فاطمة أسفل الأمطار تستقبل إياها بصدر رحب و هناك نصف ابتسامة مرسومه على ثغرها غافله عن ذلك الواقف جانباً يراقب إياها و الأبتسامة الباهته مرسومه على ثغره..
_ لسه بتحبها !
خرجت تلك الكلمات من صفاء الواقفه خلفه، استدار ذلك الواقف إليها و ظهر الإرتباك في مقلتيه لكنه أخفي ذلك قائلاً بثبات:
_ كان زمان
رسمت صفاء ابتسامة صغيره على ثغرها وهي تقول بنبره متهكمه:
_ مش باين يا، آمال لسه متجوزتش ليه!
تجاهل إسماعيل الرد عليها ثم أشار إلي تلك الواقفه في وسط الأمطار قائلاً بقلق يخفيه:
_ خليها تدخل جوه كده هتتعب
نطق هو بتلك الكلمات ثم تحرك مبتعداً تحت نظرات صفاء الذي التوي ثغرها بابتسامة جانبيه..
٠٠٠٠٠٠
وقفت حفصة جانباً أسفل تلك البنايه تحتمي من الأمطار تنتظر صفوان حتي يأتي بسيارته..
توقفت عينيها على تلك الفتاه و الشاب وهم يسيرون وسط الأمطار وصوت ضحكاتهم يملئ أرجاء المكان، التوي ثغرها بابتسامة باهته..
ولم تشعر بحالها سوي وهي تقف أسفل الأمطار الغزيره تفرد ذراعيها و عينيها معلقه بالسماء تردد باشتياق نابع من أعماق قلبها:
_ وحشتوني أوي يا حبايبي
_ حفصة هتبردي ، اركبي يلا
نطق صفوان بتلك الكلمات بنبره مرتفعه وهو قابع بداخل سيارته يحدق بتلك الواقفه وسط الأمطار..
رفعت حفصة رأسها تلقي نظره عليه وهي تشعر ببرودة الأمطار على جسدها فقد أصبحت ثيابها مبتله، تحركت سريعاً وفتحت الباب خاصةً السياره ودلفت إلي الداخل مغلقه الباب وهي تنظر له و أسنانها تصطك ببعضها قائله بنبره مرتجفه:
_ صفوان شكراً على وجودك جمبي
كانت تلك عباره صادقه نابعه من داخلها، ظل هو يحدقها بنظراته و التوي ثغره بابتسامة جانبيه ومد كفه إلي الأسفل يسحب معطفه الثقيل من الخلف و وضعه عليها برفق قائلاً بخفوت:
_ مفيش بينا شكر
نطق بتلك الكلمات ثم انطلق بالسيارة وسط نظراتها الغريبه المصوبه نحوه وهي تحاوط حالها بالمعطف، تحركت شفتيها تنطق بتساؤول خافت:
_ مزهقتش مني !
نظر صفوان إليها نظره من طرف عينيه مستغرب سؤالها لكنه عاود النظر إلي الطريق قائلاً بتعجب:
_ سؤال غريب، لكن لأ
شعرت حفصة بالبرودة تسيطر على جسدها فحاوطت حالها أكثر بالمعطف وهي تقول بنبرة مرتجفه مترقبه:
_ لأ إيه..
ألقي عليها صفوان نظره أخري ثم تحدث قائلاً بصوت أجش:
_ إجابة سؤالك لأ
ظلت صامته للحظات ورفعت كفها تمسح بعض قطرات الماء المتواجده على وجهها وهي تقول بنبره متحشرجه:
_ شكراً
وزع هو نظراته بينها وبين الطريق رافعاً أحد حاجبيه قائلاً بسخريه:
_ مش كفايه شكر بقي !
أومأت برأسها ثم حاوطت حالها بالمعطف وهي تنظر من نافذة السيارة المتجمع عليها قطرات الماء، وصلها صوته الأجش ناطقاً باهتمام:
_ جعانه؟
وعلي عكس المتوقع وجدها تنظر نحوه و أومأت برأسها قائله بخفوت:
_ اه جداً بصراحه
قطب هو حاجبيه وهو يدير عجلة القياده قائلاً بهدوء:
_ تمام، إيه رأيك ناكل بره ولا نطلب أكل !
مطت هي شفتيها و ظلت صامته للحظات ثم أجابت بعد تفكير:
_ نطلب أكل و ناخده و نروح بيت بابا ناكل هناك
أومأ صفوان برأسه ثم صوب نظراته نحو الطريق وهو يقول بنبره حانيه:
_ زي ما تحبي
٠٠٠٠٠٠
وقفت مروه أمام طاولة الطعام تتابع إياه وقد جلس و شرع في تناول طعامه..
ألقي هو عليها نظره ثم قال بتعجب:
_ مقعدتيش تاكلي ليه !
لوت مروه شفتيها ثم قالت باستياء:
_ مستنيه أنك تخلص أكل
رمش مروان بعينيه عدة مرات و أستغفر بصوت مسموع ثم سحبها من مرفقها قائلاً بنفاذ صبر:
_ أقعدي يا مروه كلي ، مش ناقصه هرمونات الحمل بتاعتك النهارده
سحبت مروه مقعد و جلست عليه ثم وضعت كفها أسفل ذقنها حركت شفتيها ترغب في الحديث ولكن وجدته يدس قطعة اللحم في فمها قائلاً بخفوت:
_ تاكلي من غير رغي كتير
مضغطت هي قطعة اللحم بصعوبه واضعه كفها على فمها وهي تنظر نحوه بضيق، ثم هدرت بانزعاج:
_ مروان أنت عمرك ما هتحبني..
لم يدعها مروان أن تتابع كلماتها ثم دس قطعه أخري في فمها قائلاً باستهزاء:
_ أنا مش عارف أحب نفسي أصلا، كلي و اسكتي
سعلت هي عدة مرات وهي تمضغ ما في فمها بصعوبه ترمي إياه بنظرات حانقه وجدته يستعد لوضع قطعة أخري في فمها لكنها منعت إياه تقبض على ذراعه قائله باستياء:
_ كفايه بقي، متحاولش تمنعني من التعبير عن إلي جوايا..
ملئ مروان ملعقته بالأرز وهو ينظر لها بطرف عينيه قائلاً بملل:
_ عبري يا مروه ، عبري
ظلت صامته للحظات وقد دمعت مقلتيها وهي تقول بتأثر:
_ مروان أنت ليه مش عايز تحبني زي ما بحبك ليه محسسني أني مليش قيمه..
رفع مروان حاجب و نزل الآخر وهو يبتلع ما في فمه من طعام ثم تحدث قائلاً باستنكار زائف:
_ ملكيش قيمه !
أومأت هي برأسها و ضمت شفتيها للأمام و تلك العبره تنساب على وجهها، لوي هو فمه قائلاً بضيق:
_ مش قولت النكد وراثي عندكم
نطق بتلك الكلمات وهو يدفع مكانه ناهضاً من مكانه قائلاً بضجر:
_ مش واكل خالص عشان ترتاحي، هروح أعملي فنجان قهوه..
أنكمشت ملامحها و هدرت عفوياً بنبرة مرتفعه حانقه:
_ القهوه دي أنت بتشربها اكتر ما بتتكلم معايا
توقف مروان عن متابعة سيره واستدار نحوها عاقداً ذراعيه أمامه، نهضت هي من مكانها و تقدمت نحوه تقول بعتاب حانقه:
_ مالك بتبص كده ليه ، أنا معايا حق على فكره
حدق مروان بملامحها العابسه التوي ثغره بابتسامة و مال عليها وعينيه معلقه بثغرها..
دقائق، و كانت تدفع إياه ووجهها مشتعل خجلاً ، عضت على شفتيها بشده وقالت بخجل:
_ مروان هو أنا ليا مكانه عندك حتي !
حرك هو رأسه يميناً و يساراً بقلة حيله ثم ضرب كفوفه في بعضهم قائلاً بنفاذ صبر:
_ هروح أعمل قهوه احسن
كاد أن يتحرك لكن وجدها تقبض على ذراعه قائله بخفوت تستعطفه:
_ طب جاوبني أنا ولا القهوه !
ظل يحدقها للحظات بنظراته ولم يستطع تمالك حاله حيث صدحات ضحكاته عالياً و تحدثت قائلاً:
_ القهوه
أنكمشت ملامحها بعبوس و تركت ذراعه و تحركت مسرعه نحو الداخل وهي تقول بحنق:
_ عمرك ما هتحبني أنا عارفه
التوي ثغر مروان بابتسامة على زوجته البلهاء ضرب كفوفه في بعضهم قائلاً بقلة حيله:
_ الصبر من عندك يارب
٠٠٠٠٠
جلست حفصة على ذلك المقعد تدور ببصرها في الشقه التابعه لعائلتها..
وجدته يتقدم نحوها ينزل أكمام قميصه قائلاً بضيق:
_ بس أنتي مكلتيش كويس
تنهدت حفصة طويلا ونهضت تجمع أطباق الطعام البلاستيكية تضع إياهم في الحقيبه البلاستيكيه قائله بخفوت:
_ الحمدلله كده تمام، تشرب حاجه !
حرك صفوان رأسه نافياً وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله يلقي عليه نظره وهو يقول بنبرة هادئه:
_ يلا عشان نرجع البيت
أومأت حفصة برأسها ثم سحبت وشاح رأسها و تحركت نحو الداخل وهي تقول بخفوت:
_ هلبس الطرحه بس
بضع دقائق و كانت تخرج من تلك الغرفه بحثت بعينيها عنه لم تجده وقع بصرها عليه واقفاً في الشرفه..
تقدمت نحوها وهي تقول بنبره خافته:
_ يلا
ابتلعت باقي كلماتها وهي تستمع إلي ذلك الصوت الأنثوي صاحبته تتحدث بعذوبه:
_ بجد أهل حفصة كانوا طيبين جداً
توقفت عينيها على صفوان الذي يبتسم بتكلف لتلك الواقفه في الشرفه المجاوره لم تشعر بحالها سوي وهي تهدر بنبره واضح بها الضيق:
_ أنا جاهزة يا صفوان
استدار صفوان يحدقها بنظراته مبتسماً في حين تحدثت تلك الواقفه في شرفتها قائله بلطف غريب:
_ عامله ايه يا حفصة؟
نظرت حفصة نحوها ثم ألقت نظره مفعمه بالضيق على زوجها وقالت بنبره بارده:
_ الحمدلله، يلا يا صفوان اتأخرنا
تدخلت تلك الفتاه في الحديث وقالت بنبرة رقيقه وعينيها معلقه بصفوان:
_ حلو إسم صفوان..
ألقي صفوان نظره عابره عليها و لم يعقب في حين كانت تلك الواقفه بجانبه تشتعل غيظاً و شعور غريب يسيطر عليها لم ترغب أن تعرف معناه لكنه كان واضح على ملامحها..
يتبع