10

" هل غلبك النعاس و نمت؟"
سألت ذات العينين القرمزيتين

فتح كاينر عينييه ببطء و تأملها،
" و هل ينام شخص مثلي في حضرتك؟"
همس هو ثم نهض نافضا تلك الأوراق التي تساقطت على ثيابه.

ضحكت و تعالت ضحكاتها
" أتغازلني يا صغير أمك؟"
قالت و تكاد تخرج الكلمات من فرض الضحك تحسبها ستسقط أرضا.

" يبدو أن لا أحد لاطفك بحلو الحديث من قبل فتحسبين أن كل ما أقوله لك غزل،و لكن من أنت؟
أود معرفتك أكثر، أنت لست من هذة الأرض، الي أين تنتمين؟"
قال كاينر و هو يخلع نظاراته و يضعها في جيبه.
" إن أردت معرفة المزيد عني، قابلني في الخامس من هذا الشهر عند البحيرة، قد أخبرك القليل عني"
ردت قرمزية العينين و سارت الي داخل الأشجار المتشابكة، قبل أن تتعمق في الداخل أمسك كاينر بمعصمها بقوة ثم قال و ذلك البريق في عينيه:
" حتما سأكون هناك"
أفلتت هي يدها برفق منه، تبسمت و هزت رأسها ثم رحلت، تركته واقفا و الإبتسامة تزين شفتيه على غير العادة فهو لم يشعر بمثل هذا الإحساس منذ زمن بعيد.

أخذ نفسا عميقا ثم زفر ببطء أغمض عينيه و إرتدى نظارته، عاد الي المخيم، فقد مرت ساعاتان منذ خروجه و قد حان موعد إعطاء الدواء للمرضى.
















" آنستي هل أنت واثقة من أنك تودين مقابلته ؟"
سألت فتاة من إحدى سكان القرية، كانت ترافق مالينا تتجهان صوب كهف يقبع في منتصف الطريق الذي يربط القرية بالجبال العالية حيث يقطن مسعملو السحر الأسود.

" أجل يا أوكيا، أود التعرف أكثر على هكذا علوم،السحر، الشعوذة و الفرق بينهما، فأنا مهوسة بها منذ الصغر"
ردت مالينا التي كانت تحمل الكاميرا الخاص بها لتوثق كل ما قد تراه عيناها من غريب و عجيب.
توقفا عندما وصلا الي منتصف الطريق، حيث كان هنالك مجموعة من الشباب يرتدون جلود النمور التي لونت بألوان قوز قزح، يضعون أقنعة على رؤسهم و يرقصون ووسطهم دمية من القش كبيرة الحجم تتحرك في الأرجاء على وقع الطبول، كانت الساعة الرابعة عصرا.

" لا تقتربي منهم، فإنهم في منطقس لإستدعاء الشيطان"
قالت أوكيا و هي تسحب مالينا التي كانت
واقفة تحدق بهم.

أدخلوا بعض الأطفال الذين كانوا في عمر الخامسة، رسمت على أوجههم طلاسم و رموز مختلفة تبعث الخوف على فؤاد المرء.
كانوا يرقصون مع هؤلاء الشباب بإيقاع مختلف و كأنهم منومون مغناطيسيا، فجأة أخرج كل شاب سيفا و مع تسارع عزف الطبول و تعالي أصواتهم و كأنهم يبجلون شخص ما يجلس وسطهم، دون سابق إنذار غرزت السيوف في صدور هؤلاء الفتية الصغار، دمائهم كانت تسيل على الدوائر التى رسمت على الأرض، خرج من دمية القش دميه أصغر حجما، تلطخت بالدماء و بدأت تناثرها، أصاب جزء من الرجال الذين يقفون بالقرب من الدمية حالة غريبة، فهم يرجفون كمن صعق بتيار كهرباء عال، يصرخون من فرط النشوة.
كان مشهدا تقشعر منه الأبدان.
صفعت أوكيا مالينا بقوة و جرتها حتى إبتعدتا بعيدا عن هؤلاء القوم، بالكاد مالينا إستعادت توازنها.

"ما كان ذلك بحق الله؟"
صاحت مالينا

" أرأيت كيف قتلوا الأطفال دون رحمة؟"
سألت و هي تضع أنهاملها و تسحبها بشدة على وجهها.
" ألا يوجد رقابة هنا؟
أليس هنالك قانون يحاسب هؤلاء؟"
كانت مالينا مصدومة فهذة المرة الأولى التي ترى مشهد تضحية حقيقي، كانت تقرأ أن السحر الأسود لا يتفعل الإ ببضع شروط قد يكلف الأمر سفك الدماء، و لكنها لم تعتقد أنهم قد يتخطون حدود الإنسانية و يسرقون حياة الأبرياء.

" إستيقظي من أوهامك، هذة طبيعة الحياة هنا و القبائل تفخر بكون أبنائهم سيكونون قرابين لآلتهم تلك متعددة الأسماء و الصفات، واصلي المسير إقتربنا من وجهتنا"
قال أوكيا و هي تعطى مالينا منديلا لتمسح به عرقها الذي يتصبب دون توقف

" لن نذهب الي أي مكان علينا العودة و توعيتهم بأن ما يفعلونه ضرب من الجنون و لا يجوز"
قالت مالينا و هي تفلت يد أوكيا و عينيها تتقدان غضبا.

" على السلطات التدخل، سنعود الي المخيم و نرفع ضدهم بلاغا ، إنهم مجرمون"
قالت و هي تعود من حيث أتت.

" آنستي إنتظري قليلا، إن فعلت هذا فلن يتركونك و شأنك، سيغتالونك"
قالت أوكيا و هي تركض للحاق بمالينا التي بات صماء لا تبدي ردا لما تقوله أوكيا.





















"عبوة الدواء الإحطياتية كادت تنفذ و الطلبية الجديدة لن تصل حتى منتصف الشهر القادم، إزداد عدد المصابين بصورة لم نتمكن من السيطرة عليها، ما العمل أيها الطبيب دييقو"
قال مايكل و هو ينظر الي الطبيب دييقو الذي كان يقرأ كتابه، متجاهلا حديثه.


" لا تقلق بشأن الدواء، فسنعتمد على العقار الذي طورته تاركو ريثما يصل العلاج، كما أن هؤلاء المصابين لم يدخلو المرحلة الحرجة، نستطيع السيطرة على الحمى و التشنجات ببضع الأدوية التي نمتلكها كما أن مناعة هؤلاء القوم لا يستهان بها. عد الي عملك سأستعين بك إن حدث أمرا طاريء"
قال الطبيب دييقو و هو يغلق كتابه .

نظر مايكل إليه ببغض ثم قال :
" كما تشاء"

" أرى أنك لم تصب بأي مس رغم تواجدك معنا في تلك الليلة، ألا تجد هذا الأمر غريبا؟"
قال الطبيب دييقو و هو يحدق بمايكل الذي بدى متوترا قليلا.

" ربما هذا حظي السعيد، فأنا في الحقيقة لا أؤمن بوجود السحر من أساسه كل هذة خرافات لشعوب متخلفة عفى عنها الزمن"
رد مايكل و هو يخرج من غرفة الطبيب دييقو.









غربت الشمس معلنة حلول الليل الذي يخفي الكثير بين طياته، تجمع الأطباء يتناولون وجبة العشاء أبكر من أي وقت آخر، كالعادة كان كاينر ليعمل لوقت متأخر رافضا تناول العشاء معهم .
في تمام الساعة الواحدة صباح سمعوا أصوات صياح تصدر من الجهة الغربية للقرية.

خرجت مالينا مسرعة من غرفتها وجدت دوناتيلو واقف في الخارج يرتدي بنطاله بسرعة لمعرفة ما يحدث.
ركضا صوب مصدر الصوت، كانت ألسنة النار تتقد و تشتعل في نطاق واسع عندما وصلا وجدا عددا من المنازل قد إحترقت بمن فيها، الجيران يتكافلون لإطفاء النار، التى تحترق دون توقف أو تأثر بكمية المياه التى ترش عليها.

كان هنالك عدد من الخراف الذين قد إمتص دمائهم رجال و أطفال ملقون على الأرض، إقتربت مالينا منهم تفحصتهم، شيئ ما قد عض رقابهم، لا دماء تسري في شراينهم لقد فارقوا الحياة.
أصابها الخوف فقد تذكرت تلك اللحظة التي رأت فيها مصاص الدماء الذي توعدهم بغزو عالمهم.
كاد جزع شجرة محترق يؤدي بحياتها لولا أن أنقذها دوناتيلو في آخر لحظة بأعجوبة تفاديا خطرا محتوما.

قدم باقي الفريق الطبي يقدمون المساعدة لإطفاء النار، إلتفت مالينا صوب الأجساد المرمية هناك قرب الأشجار، لاحظت أنهم بدأو بالتحول الي رماد، النار لا تؤثر بهم.
" ما هذا بحق الله؟"
صرخت و هي تضع يدها على فاهها.
هزها دوناتيلو و قال:
" إهدئي علينا الإسراع لمساعدتهم، لا وقت لدينا لإدعاء للجنون"

نهضت مالينا من الأرض و إنضمت الي البقية.
كانوا كلما أطفؤ جزء من المنازل شبت النار فيها مجددا وكأن الماء يزيدها إشتغالا.
و كأنها تريد أنت تحترق لتخفي أثر لشيء ما أو أنها تود تحذيرهم من خراب سيحل بهم عاجلا أو آجلا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي