الفصل الخامس والعشرون
الفصل الخامس والعشرون ..
__________________
لقد اعتقدت بانها استطاعت ان تخفي المها جيدا ..
افتراض خاطئ منها ..
وخصوصا انها في مواجهة شخص حاد الذكاء .
فرددت بآسى وهي تمرر اصبعها على شكل دائرة اعلى حافة الكأس :
- لم اعتد بعد على الفكرة .
وتمنت لو انها لم تناقش علاقتها الغرامية مع هذا الغريب المزعج ، ولكنها ورغم ذلك قالت له بنبرة تأثر :
- وصلتني رسالة من فرانسيسكو هذا الصباح ،
ومفاداها كان انه قداعاد ترتيب خططه المستقبلية دوني ..
تمتم وهو يرجع كرسيه الى الوراء ويقف :
- هذا افضل من ان يغير رايه بعد الزواج .
رفعت رأسها لتتلاقي اعينهم وهي تقول له :
- اذا انت راحل .
وهمت بالوقوف حتى تودعه بتهذيب بما ان محنتهها على وشك ان تنتهي .
- ليس بعد .
رددها وهو يُمسك كفها الممدودة برقة ، ثم
تالقت عيناه بوميض مهيب بعد ان حطم امالها ، وهو يقول :
- كنت على وشك ان اطلب منك مشاركتي
في الرقص .
جحظت عينيها وهي تردد :
- الرقص !
لتعترض وهي تحاول أن تنزع كفها من بين يديه :
- لا اعتقد بانها فكرة حسنة ،
أنا لا اتحمل الاضواء الوميضة فهي تفقدني توازني .
لم تكن سوى الحقيقة كانت تنزعج منها دائما حتى انه كان يغمى عليها في بعض المناسبات وماذا سيحصل لها الان ؟
وضعه يده الآخرى على خصرها وهو يقول لها :
- لن اتمادى لورين .. اعدك .
اضعفتها نظراته المثيرة وهو يبتسم ويقربها منه ببطء وترقب .
كان وسيما جدا وعرفت انها لن تستطيع ان تتحمل باقي الامسية وهي بين ذراعيه تراقصه بدفء ..
فهي أبدًا لن تسمح لهذا اليوناني المتجول ان يستعملها لمجرد ليلة ،
بعدما ان انقذته من وضع محرج !
عبست قليلا ..
فهي لم تنقذ دريك ولم تريد حتى إنقاذه !
بل كانت تحاول إنقاذ إدوارد صديقها من رفد مؤكد ، أو حتى افتعال مشكلة وهو بهذه الحالة الصحية السيئة التي لن يتخذ معها قرارًا صائبًا ..
دريك رجل حقير ! وبالفعل يستحق الاهانة ..
تنهدت ولم تتفاجأ عندما تقبل رفضها ،
عرفت منذ اللحظة التي راته فيها انه رجل يحصل على مبتغاه بأي ثمن .
فلذلك قالت بحزم :
- افضل ان لا افعل ذلك الآن ..
قالت جملتها وهي تضيق عينيها و هي تحاول ان تقييم ادعاءه العزوبة ،
فهذا ليس باول رجل يتنكر لواجباته الزوجية ،
ليستمتع برفقة بعض النساء .
هز كتفيه العريضتين وهو يقول بلا اهتمام :
- حسنا .. كما تريدين ..
تعجبت لهدوئه ، ثم قالت لتنهي هذا الحوار بثقة تامة :
- في هذه الحالة ....
فقاطعها بلطف بالغ ، وهدوء جعلها تحدق به بغرابة :
- اذا كنت ارغب في ان ارقص الرقص اليوناني ،
سافعل ذلك من دون شريك .
تزعزعت رباطة جاشها عندما احست بجديته ،
وفغرت فاها قائلة :
- لكن ليس هنا ليس الان .... ارجوك .
ردد بثقة جعلتها تشهق بفزع :
- ولم لا لا أفعل ؟
ثم اقترب من وجهها وهو يذم شفتيه قائلًا :
- من سيمنعني يا تُرى !
لم يتاثر باعتراضها ..
بينما بدت عيناه الصغيرتان كحبتين من الياقوت الازرق ،
فيما يمسد باصابعه قميصه الأبيض برقة وهو يقول لها :
- لا تقولي انك غيرمدركة لعاداتنا ؟
ضيقت عينيها بغيظ ، ثم صكت اسنانها وهي تقول بحنقٍ شديد :
- اعرف رجالا يرقصون بمفردهم ،
او .. معا في مقاهي عامة ،
او حتى في نواد ليلية ..
ولكن ليس في فنادق سياحية ترفض التعامل مع الزبائن اليونانيين بالأخص ،
للتجاهل أنت كل ذلك وتبدأ بالرقص أمام الجميع ، ضاربًا بعرض الحائط كل من حولك ، وقوانين المكان لتتهادى انغام اغاني الحب الاسبانية !
ارتفع صوت الموسيقى ..
فلوى دريك فمه بسخرية قائلا :
- عندما يريد يوناني ان يرقص فهو يرقص .
اثنى كتفيه وبدا يبتعد عن الطاولة وعينيها تراقبان تعبير وجهها القاسي بترقب ..
هو بالفعل لم يكن يراوغ !
- يا إلهي ! ..
رددتها بهمس وهي تضع كفيها اعلى الطاولة ، في استعداد تام للهرب من المكان بأكمله ..
هي كانت تعرف انه قادر على ان يثير اهتمام كل شخص موجود في ذلك المقصف ،
المزدحم ،
و أن هذا سيورطها في متاعب يمكن ان تدمر علاقتها الطيبة مع هيئة ادارة الفندق .
ظلت تلفها الحيرة ، هل ترضخ له وتقوم بالرقص معه ؟! أم تتركه كي يقوم بفضحها في المكان وتهرب من المدينة بأكملها ،
ولكن سيكون عليها البحث عن عمل آخر في فترة زمنية قصيرة وإلا سوف تضطر للعودة إلى سيدني ..
يا إلهي ما هذه الورطة التي أقحمتُ نفسي بها ؟!
لاحظت بخوف ظهر على ملامحها جليًا ..
انه لا خيار لها سوى ان تذعن لطلبه اذا كانت تريد ان تحتفظ بعملها في الوقت الحالي . ارتجف صوتها الضعيف باحباط وهي تقول له :
- حسنا رقصة واحدة فقط ...... ثم أرجوك دعنا نرحل بعدها .
كان استسلامها له مؤلما لانها ستضطر لان تفسر للمدير السبب الذي دفعها الى
الاستهزاء بقوانين الفندق ، التي تنص على عدم وجود يوناني في المكان ، وليس هذا وحسب بل قبلت للرقص معه أمام الجميع ..
بدات تشعر
بدوار ليس بسبب الاضواء بل من تصرف دريك هذا الجريء .
قال بنعومة وهو يمسكها بقبضته القاسية :
- عرفت انك ستوافقين .
بقيت متشنجة بين ذراعيه لفترة ،
حتى جعلتها الموسيقى تحس بالاسترخاء تماما ..
وغم أنها كانت خائفة من تاثيره عليها ، إلا إنها شعرت الهدوء الشديد بين يديه .
سرت حواسها تنتعش بعبير ثيابه الكتانية المكوية ،
وبرائحة بشرته النفاذة وبعطره الخفيف والمؤثر للغاية .
دققت النظر لوجهه فلاحظت ان ذقنه حُلقت حديثا ،
وافترضت انه حلقها مرتين في اليوم ضروري اذا اراد ان يتجنب الظهور بمظهر القرصان البحري ..
داعب صوته اذنها بهمس قاتل لحواسها :
- اذن انتِ قادرة على الابتسام ،
للحظة لم تفهم مقصده ،
ولكنها أدركت مؤخرًا أنها كانت تبتسم وهي تتطلع نحوه ، ولكنها لم تعي ما الذي أخذه من انطباع على هذه الإبتسامة ،
حتى قال لها :
لقد أعتقدت بانني ارتكبت غلطة كبيرة حين أجبرتك على الرقص ،
وبانك تتمنين حقا ان ارحل من هنا .
اجابت باقتضاب وهي تقطب ملامحها :
- انت على حق أنا لم أدرك حتى أنني ابتسم ،ولكن رغم ذلك فأنا لن أكذب عليك فأنا مسترخية بين ذراعيك ، فمن الواضح أنك رجلًا لطيفًا رغم كل شيء .
توقفت عن الحديث وهي تُغمض عينيها بإنزعاج ..
عندما وخزتها الاضواء الوميضة ،
وبردة فعل سريعة وضعت راحة يدها على جفنيها
وجفلت من الالم الشديد ،
غافلة عن حاجتها للهرب من مصدر عذابها ، لتقول له بلطف :
- أنا اسفة يا دريك .. لقد بدات الاضواء
تزعجني للغاية ،
يجب ان اجلس سريعًا قبل ان اقع على الارض .
وضع يده حول خصرها وعندما ترنحت قليلا بدا قلقا وهو يقول :
- كنت صادقة معي اذن ؟
انت سريعة التاثر بالاضواء الوميضة ؟
لم تستطع ان تجيبه لان الوميض اخترق
شبكتي عينيها من خلال جفنيها المغمضتين ولم تعد تستطيع السيطرة على جسدها ،
فهو تقريبًا يمنعها من الوقوع أرضًا
ولكن و رغم حالتها المزرية سمعته يتذمر :
- اعتقدت بأنها تثيرك فقط .
اجابته وهي تشعر بأنها تفقد الوعي :
- لا .. انا .....
ارادت ان تخبره ان الاغراء ليس جزءا من طبيعتها ،
لكنه لم يمنحها الوقت حتى تنطق بتلك الكلمات وحملها عن الارض الى خارج المقصف .
كانت مصابة بدوار ولم تعر اي اهتمام لنظرات الضيوف الفضولية .
تعلقت بكتفيه ودفنت وجهها في صدره
وشعرت بهواء بارد يلفح وجهها ..
لتجد نفسها خارج الفندق تجلس على كرسي مريح في لحظات .
سألها باهتمام وهو ينحني عليها ، كي ينحي خصلات شعرها المتناثرة من على وجهها وهو يقول :
- هل ينتابك هذا الدوار عادة ؟
فتحت عينيها وشعرت بالالم ينحسر بعد ان ازيل مصدره ،
دارت بعينيها ببطئ فوجدت نفسها جالسة على
اريكة فخمة في نهاية ردهة الفندق ،
التي تقود الى احد مداخل المقصف و دريك ينحني أمامها يراقبها بتركيز متعمد وهو مقطب الجبين .
ابتلعت ريقها وهي تجيبه بصدق :
- لا لم يحدث هكذا من قبل ، لأنني اتجنب النوادي الليلية بقدر ما استطعت ،
وكذلك صالات السينما ، وغير ذلك انا بخير !
قال لها بأسف :
لقد انتبهت حواسي للغناء ، لاانها فرقة جديدة ، وأنا اسمعها لأول مرة ..
لذلك لم الاحظ قوة الاضاءة الا بعد فوات لااوان .. اعتذر منكِ .
ابتسمت وهي تقول بحزم :
- لا داعي للأعتذار دريك ..
أنا اشعر بتحسن الآن الآن لك ،
ثم اردفت وهي تعتدل :
- سأكون بخير بعد قدح ماء بارد ونوم مبكرًا .
ردد بثقة وهو يحاوط خصرها بذراعه :
- عين العقل ..
سارافقك الى غرفتك في حال شعرت بالضعف مرة ثانية .
قالت من دون تفكير :
- لا داعي لذلك انها في اخر الرواق …
لم ينتظر وقدم لها يده الأخرى دون نقاش ..
وندمت يحنها عندما قدم لها يده ، لتردد بقلة حيلة .
- اذن لا مشكلة .
ترددت للحظة لأن غرفتها صغيرة ولكنها
مناسبة ..
ولديها حمام خاص على الاقل ،
فكرت في اخذ حمام بارد يمحي ذكريات الامسية المزعجة .
فاستدارت لتواجهه على عتبة الباب ،
مصممة على ان تفهمه موقفها وما حدث :
- سيد إرنستو ..
أقصد دريك ..
أنا حقًا اسفة لان ادارة فندق تدقق كهذا في اختيار
زبائنهم ولكن ارجو ان تفهم ان هذه الامسية كانت استثنائية .
اخذت نفسا عميقا وتابعت :
- فأنا لن ارحب بك إذا عدت الى هنا مرة ثانية ، فأرجوك لا تضعني في هذا الموقف السيئ ثانية ..
ردد وهو يحدق بعينيها :
- هل انت اكيدة ؟
تحرك قلبها من مكانه وادركت ابتسامته الساخرة بحزن .
إلى أن تابع :
- اعتقد انه من الافضل ان نناقش هذا الموضوع في مكان خاص ..
اليس كذلك ؟
ضمت حاجبيها بتعجب مرددة :
- ليس هناك ما نناقشه سيد إرنستو .
ثم بحثت في حقيبتها عن مفتاح الغرفة ،
ادارت قفل الباب ودفعته بتوتر وهي تقول بحزم :
- نا اكيدة من انك ستجد مكانا يناسبك بل ويستقبلك بحرارة اشد من هذا الفندق .
اوقفها قبل أن تدلف للداخل :
- انتظري ...
لمست يده ذراعها بعومة لكن بتعمد وهو يقول :
- دعيني اقدمك الى أحد أصدقائي على الاقل ،
سيسر جدا بمعرفتك وسيسمح لك ولزبائنك باستعمال مركبه بعد ذلك .
ثم ابتسم قائلًا بلطف :
- أنه يقيم قريبا في الساحة الرئيسية ..
من ان ارسم لك خارطة اذا كان لديك ورقة
صغيرة وقلم ،
هو ليس لديه هاتف خلوي ، لانه من النوع الذي لا يريد أن يصل إليه أحد ..
ولكنني اؤكد لك ان
مركبه كبير ومتين وسيعطيك سعرا مقبولا اذا ذكرت له اسمي .
ترددت وشعرت بالضياع ، ولكنها قالت بتلكؤ وحيرة كبيرة :
- على كل حال ....
لقد راودتها هذه الفكرة مرارا بسبب الطلبات المتواصلة التي تتسلمها من زبائنها ، فهم يريدون بشدة رحلة بحرية خاصة .
استغل دريك صمتها وهي تفكر فيما يقوله ، وعبر عتبة الباب وهو يقول لها :
- هل لديك قلم ، وورقة ؟
ثم اغلق الباب خلفه .
ابتعدت عنه بضع خطوات واخذت دفترا صغيرا وقلما من حقيبتها وهي تقول له :
- من السهل جدًا إيجاده ، لا تقلق .
اسند الدفتر على طاولة الزينة الصغيرة وبدا يرسم بعض الخطوط ،
وهو يشير لها لما يخطه قائلًا :
- هنا الساحة الرئيسية ،
وهنا الطريق الذي يؤدي الى المصرف وعلى طول الطريق
نزولا بهذا الزقاق الصغير ،
بين دكان البقالة والمقهى ..
لا اعتقد ان الباب مرقم ولكن الرجل يدعى ستافروس كيرياكوس ،
كوني صادقة معه واخبريه ان دريك ارسلك وستنتهي متاعبك عندئذ .
ناولها الدفتر المفتوح برضى تام ، وابتسامة جميلة ..
رددت وهي تأخذ الدفتر من يده :
- شكرا لك انت لطيف للغاية .
اخذت الدفتر منه وهو يضع القلم على الطاولة ،
وقد قضت لمسة يده الخاطفة على شعورها بالإمتنان ..
لتجده وهو يقول لها بجدية :
- لا يمكنك أن تضحي لأجل عملك ،
للدرجة التي تجعلك توافقي على مصادقة مسافر وحيد يبحث عن بعض التسلية .
تخلت عن موقفها الدفاعي للحظة ،
ولكن اجراس التخدير عادت ترن في راسها ثانية ..
وقد نبهتها نبرة جوابه الدافئة لشئ ما لم تدركه بعد .
نظرت الى وجهه وهي غير واثقة من نفسها ،
فانسدلت خصلة من شعرها الذهبي على خدها عندما هزت راسها استنكارا وهي تقول بحدة :
- انت تعرف ان هذا ليس صحيحا ،
هناك هدف واحد دفعني الى التدخل هذه الليلة وهذا الهدف لا يشملك بالطبع وساكون شاكرة لك اذا .....
لم يتسن لها الوقت حتى تكمل جملتها وتطلب منه الرحيل ..
لانه قاطعها بصوت خفيض لكن منفعل :
- هل من عادتك ان تقدمي نفسك للرجال ثم تتركينه و ترحلي ؟
صدمتها كلماته القاسية ،
بينما كان هو يراقب تورد وجنتيها بعينين ساخرتين ،
حاولت جاهدة ان تبحث عن كلمات ملائمة تستعيد بها كرامتها ،
وادركت بحزن ان تصرفها كان متسرعا وقد اسيء فهمه في جزيرة يتقيد رجالها بطقوس مجتمع بدائي .
_________________________
__________________
لقد اعتقدت بانها استطاعت ان تخفي المها جيدا ..
افتراض خاطئ منها ..
وخصوصا انها في مواجهة شخص حاد الذكاء .
فرددت بآسى وهي تمرر اصبعها على شكل دائرة اعلى حافة الكأس :
- لم اعتد بعد على الفكرة .
وتمنت لو انها لم تناقش علاقتها الغرامية مع هذا الغريب المزعج ، ولكنها ورغم ذلك قالت له بنبرة تأثر :
- وصلتني رسالة من فرانسيسكو هذا الصباح ،
ومفاداها كان انه قداعاد ترتيب خططه المستقبلية دوني ..
تمتم وهو يرجع كرسيه الى الوراء ويقف :
- هذا افضل من ان يغير رايه بعد الزواج .
رفعت رأسها لتتلاقي اعينهم وهي تقول له :
- اذا انت راحل .
وهمت بالوقوف حتى تودعه بتهذيب بما ان محنتهها على وشك ان تنتهي .
- ليس بعد .
رددها وهو يُمسك كفها الممدودة برقة ، ثم
تالقت عيناه بوميض مهيب بعد ان حطم امالها ، وهو يقول :
- كنت على وشك ان اطلب منك مشاركتي
في الرقص .
جحظت عينيها وهي تردد :
- الرقص !
لتعترض وهي تحاول أن تنزع كفها من بين يديه :
- لا اعتقد بانها فكرة حسنة ،
أنا لا اتحمل الاضواء الوميضة فهي تفقدني توازني .
لم تكن سوى الحقيقة كانت تنزعج منها دائما حتى انه كان يغمى عليها في بعض المناسبات وماذا سيحصل لها الان ؟
وضعه يده الآخرى على خصرها وهو يقول لها :
- لن اتمادى لورين .. اعدك .
اضعفتها نظراته المثيرة وهو يبتسم ويقربها منه ببطء وترقب .
كان وسيما جدا وعرفت انها لن تستطيع ان تتحمل باقي الامسية وهي بين ذراعيه تراقصه بدفء ..
فهي أبدًا لن تسمح لهذا اليوناني المتجول ان يستعملها لمجرد ليلة ،
بعدما ان انقذته من وضع محرج !
عبست قليلا ..
فهي لم تنقذ دريك ولم تريد حتى إنقاذه !
بل كانت تحاول إنقاذ إدوارد صديقها من رفد مؤكد ، أو حتى افتعال مشكلة وهو بهذه الحالة الصحية السيئة التي لن يتخذ معها قرارًا صائبًا ..
دريك رجل حقير ! وبالفعل يستحق الاهانة ..
تنهدت ولم تتفاجأ عندما تقبل رفضها ،
عرفت منذ اللحظة التي راته فيها انه رجل يحصل على مبتغاه بأي ثمن .
فلذلك قالت بحزم :
- افضل ان لا افعل ذلك الآن ..
قالت جملتها وهي تضيق عينيها و هي تحاول ان تقييم ادعاءه العزوبة ،
فهذا ليس باول رجل يتنكر لواجباته الزوجية ،
ليستمتع برفقة بعض النساء .
هز كتفيه العريضتين وهو يقول بلا اهتمام :
- حسنا .. كما تريدين ..
تعجبت لهدوئه ، ثم قالت لتنهي هذا الحوار بثقة تامة :
- في هذه الحالة ....
فقاطعها بلطف بالغ ، وهدوء جعلها تحدق به بغرابة :
- اذا كنت ارغب في ان ارقص الرقص اليوناني ،
سافعل ذلك من دون شريك .
تزعزعت رباطة جاشها عندما احست بجديته ،
وفغرت فاها قائلة :
- لكن ليس هنا ليس الان .... ارجوك .
ردد بثقة جعلتها تشهق بفزع :
- ولم لا لا أفعل ؟
ثم اقترب من وجهها وهو يذم شفتيه قائلًا :
- من سيمنعني يا تُرى !
لم يتاثر باعتراضها ..
بينما بدت عيناه الصغيرتان كحبتين من الياقوت الازرق ،
فيما يمسد باصابعه قميصه الأبيض برقة وهو يقول لها :
- لا تقولي انك غيرمدركة لعاداتنا ؟
ضيقت عينيها بغيظ ، ثم صكت اسنانها وهي تقول بحنقٍ شديد :
- اعرف رجالا يرقصون بمفردهم ،
او .. معا في مقاهي عامة ،
او حتى في نواد ليلية ..
ولكن ليس في فنادق سياحية ترفض التعامل مع الزبائن اليونانيين بالأخص ،
للتجاهل أنت كل ذلك وتبدأ بالرقص أمام الجميع ، ضاربًا بعرض الحائط كل من حولك ، وقوانين المكان لتتهادى انغام اغاني الحب الاسبانية !
ارتفع صوت الموسيقى ..
فلوى دريك فمه بسخرية قائلا :
- عندما يريد يوناني ان يرقص فهو يرقص .
اثنى كتفيه وبدا يبتعد عن الطاولة وعينيها تراقبان تعبير وجهها القاسي بترقب ..
هو بالفعل لم يكن يراوغ !
- يا إلهي ! ..
رددتها بهمس وهي تضع كفيها اعلى الطاولة ، في استعداد تام للهرب من المكان بأكمله ..
هي كانت تعرف انه قادر على ان يثير اهتمام كل شخص موجود في ذلك المقصف ،
المزدحم ،
و أن هذا سيورطها في متاعب يمكن ان تدمر علاقتها الطيبة مع هيئة ادارة الفندق .
ظلت تلفها الحيرة ، هل ترضخ له وتقوم بالرقص معه ؟! أم تتركه كي يقوم بفضحها في المكان وتهرب من المدينة بأكملها ،
ولكن سيكون عليها البحث عن عمل آخر في فترة زمنية قصيرة وإلا سوف تضطر للعودة إلى سيدني ..
يا إلهي ما هذه الورطة التي أقحمتُ نفسي بها ؟!
لاحظت بخوف ظهر على ملامحها جليًا ..
انه لا خيار لها سوى ان تذعن لطلبه اذا كانت تريد ان تحتفظ بعملها في الوقت الحالي . ارتجف صوتها الضعيف باحباط وهي تقول له :
- حسنا رقصة واحدة فقط ...... ثم أرجوك دعنا نرحل بعدها .
كان استسلامها له مؤلما لانها ستضطر لان تفسر للمدير السبب الذي دفعها الى
الاستهزاء بقوانين الفندق ، التي تنص على عدم وجود يوناني في المكان ، وليس هذا وحسب بل قبلت للرقص معه أمام الجميع ..
بدات تشعر
بدوار ليس بسبب الاضواء بل من تصرف دريك هذا الجريء .
قال بنعومة وهو يمسكها بقبضته القاسية :
- عرفت انك ستوافقين .
بقيت متشنجة بين ذراعيه لفترة ،
حتى جعلتها الموسيقى تحس بالاسترخاء تماما ..
وغم أنها كانت خائفة من تاثيره عليها ، إلا إنها شعرت الهدوء الشديد بين يديه .
سرت حواسها تنتعش بعبير ثيابه الكتانية المكوية ،
وبرائحة بشرته النفاذة وبعطره الخفيف والمؤثر للغاية .
دققت النظر لوجهه فلاحظت ان ذقنه حُلقت حديثا ،
وافترضت انه حلقها مرتين في اليوم ضروري اذا اراد ان يتجنب الظهور بمظهر القرصان البحري ..
داعب صوته اذنها بهمس قاتل لحواسها :
- اذن انتِ قادرة على الابتسام ،
للحظة لم تفهم مقصده ،
ولكنها أدركت مؤخرًا أنها كانت تبتسم وهي تتطلع نحوه ، ولكنها لم تعي ما الذي أخذه من انطباع على هذه الإبتسامة ،
حتى قال لها :
لقد أعتقدت بانني ارتكبت غلطة كبيرة حين أجبرتك على الرقص ،
وبانك تتمنين حقا ان ارحل من هنا .
اجابت باقتضاب وهي تقطب ملامحها :
- انت على حق أنا لم أدرك حتى أنني ابتسم ،ولكن رغم ذلك فأنا لن أكذب عليك فأنا مسترخية بين ذراعيك ، فمن الواضح أنك رجلًا لطيفًا رغم كل شيء .
توقفت عن الحديث وهي تُغمض عينيها بإنزعاج ..
عندما وخزتها الاضواء الوميضة ،
وبردة فعل سريعة وضعت راحة يدها على جفنيها
وجفلت من الالم الشديد ،
غافلة عن حاجتها للهرب من مصدر عذابها ، لتقول له بلطف :
- أنا اسفة يا دريك .. لقد بدات الاضواء
تزعجني للغاية ،
يجب ان اجلس سريعًا قبل ان اقع على الارض .
وضع يده حول خصرها وعندما ترنحت قليلا بدا قلقا وهو يقول :
- كنت صادقة معي اذن ؟
انت سريعة التاثر بالاضواء الوميضة ؟
لم تستطع ان تجيبه لان الوميض اخترق
شبكتي عينيها من خلال جفنيها المغمضتين ولم تعد تستطيع السيطرة على جسدها ،
فهو تقريبًا يمنعها من الوقوع أرضًا
ولكن و رغم حالتها المزرية سمعته يتذمر :
- اعتقدت بأنها تثيرك فقط .
اجابته وهي تشعر بأنها تفقد الوعي :
- لا .. انا .....
ارادت ان تخبره ان الاغراء ليس جزءا من طبيعتها ،
لكنه لم يمنحها الوقت حتى تنطق بتلك الكلمات وحملها عن الارض الى خارج المقصف .
كانت مصابة بدوار ولم تعر اي اهتمام لنظرات الضيوف الفضولية .
تعلقت بكتفيه ودفنت وجهها في صدره
وشعرت بهواء بارد يلفح وجهها ..
لتجد نفسها خارج الفندق تجلس على كرسي مريح في لحظات .
سألها باهتمام وهو ينحني عليها ، كي ينحي خصلات شعرها المتناثرة من على وجهها وهو يقول :
- هل ينتابك هذا الدوار عادة ؟
فتحت عينيها وشعرت بالالم ينحسر بعد ان ازيل مصدره ،
دارت بعينيها ببطئ فوجدت نفسها جالسة على
اريكة فخمة في نهاية ردهة الفندق ،
التي تقود الى احد مداخل المقصف و دريك ينحني أمامها يراقبها بتركيز متعمد وهو مقطب الجبين .
ابتلعت ريقها وهي تجيبه بصدق :
- لا لم يحدث هكذا من قبل ، لأنني اتجنب النوادي الليلية بقدر ما استطعت ،
وكذلك صالات السينما ، وغير ذلك انا بخير !
قال لها بأسف :
لقد انتبهت حواسي للغناء ، لاانها فرقة جديدة ، وأنا اسمعها لأول مرة ..
لذلك لم الاحظ قوة الاضاءة الا بعد فوات لااوان .. اعتذر منكِ .
ابتسمت وهي تقول بحزم :
- لا داعي للأعتذار دريك ..
أنا اشعر بتحسن الآن الآن لك ،
ثم اردفت وهي تعتدل :
- سأكون بخير بعد قدح ماء بارد ونوم مبكرًا .
ردد بثقة وهو يحاوط خصرها بذراعه :
- عين العقل ..
سارافقك الى غرفتك في حال شعرت بالضعف مرة ثانية .
قالت من دون تفكير :
- لا داعي لذلك انها في اخر الرواق …
لم ينتظر وقدم لها يده الأخرى دون نقاش ..
وندمت يحنها عندما قدم لها يده ، لتردد بقلة حيلة .
- اذن لا مشكلة .
ترددت للحظة لأن غرفتها صغيرة ولكنها
مناسبة ..
ولديها حمام خاص على الاقل ،
فكرت في اخذ حمام بارد يمحي ذكريات الامسية المزعجة .
فاستدارت لتواجهه على عتبة الباب ،
مصممة على ان تفهمه موقفها وما حدث :
- سيد إرنستو ..
أقصد دريك ..
أنا حقًا اسفة لان ادارة فندق تدقق كهذا في اختيار
زبائنهم ولكن ارجو ان تفهم ان هذه الامسية كانت استثنائية .
اخذت نفسا عميقا وتابعت :
- فأنا لن ارحب بك إذا عدت الى هنا مرة ثانية ، فأرجوك لا تضعني في هذا الموقف السيئ ثانية ..
ردد وهو يحدق بعينيها :
- هل انت اكيدة ؟
تحرك قلبها من مكانه وادركت ابتسامته الساخرة بحزن .
إلى أن تابع :
- اعتقد انه من الافضل ان نناقش هذا الموضوع في مكان خاص ..
اليس كذلك ؟
ضمت حاجبيها بتعجب مرددة :
- ليس هناك ما نناقشه سيد إرنستو .
ثم بحثت في حقيبتها عن مفتاح الغرفة ،
ادارت قفل الباب ودفعته بتوتر وهي تقول بحزم :
- نا اكيدة من انك ستجد مكانا يناسبك بل ويستقبلك بحرارة اشد من هذا الفندق .
اوقفها قبل أن تدلف للداخل :
- انتظري ...
لمست يده ذراعها بعومة لكن بتعمد وهو يقول :
- دعيني اقدمك الى أحد أصدقائي على الاقل ،
سيسر جدا بمعرفتك وسيسمح لك ولزبائنك باستعمال مركبه بعد ذلك .
ثم ابتسم قائلًا بلطف :
- أنه يقيم قريبا في الساحة الرئيسية ..
من ان ارسم لك خارطة اذا كان لديك ورقة
صغيرة وقلم ،
هو ليس لديه هاتف خلوي ، لانه من النوع الذي لا يريد أن يصل إليه أحد ..
ولكنني اؤكد لك ان
مركبه كبير ومتين وسيعطيك سعرا مقبولا اذا ذكرت له اسمي .
ترددت وشعرت بالضياع ، ولكنها قالت بتلكؤ وحيرة كبيرة :
- على كل حال ....
لقد راودتها هذه الفكرة مرارا بسبب الطلبات المتواصلة التي تتسلمها من زبائنها ، فهم يريدون بشدة رحلة بحرية خاصة .
استغل دريك صمتها وهي تفكر فيما يقوله ، وعبر عتبة الباب وهو يقول لها :
- هل لديك قلم ، وورقة ؟
ثم اغلق الباب خلفه .
ابتعدت عنه بضع خطوات واخذت دفترا صغيرا وقلما من حقيبتها وهي تقول له :
- من السهل جدًا إيجاده ، لا تقلق .
اسند الدفتر على طاولة الزينة الصغيرة وبدا يرسم بعض الخطوط ،
وهو يشير لها لما يخطه قائلًا :
- هنا الساحة الرئيسية ،
وهنا الطريق الذي يؤدي الى المصرف وعلى طول الطريق
نزولا بهذا الزقاق الصغير ،
بين دكان البقالة والمقهى ..
لا اعتقد ان الباب مرقم ولكن الرجل يدعى ستافروس كيرياكوس ،
كوني صادقة معه واخبريه ان دريك ارسلك وستنتهي متاعبك عندئذ .
ناولها الدفتر المفتوح برضى تام ، وابتسامة جميلة ..
رددت وهي تأخذ الدفتر من يده :
- شكرا لك انت لطيف للغاية .
اخذت الدفتر منه وهو يضع القلم على الطاولة ،
وقد قضت لمسة يده الخاطفة على شعورها بالإمتنان ..
لتجده وهو يقول لها بجدية :
- لا يمكنك أن تضحي لأجل عملك ،
للدرجة التي تجعلك توافقي على مصادقة مسافر وحيد يبحث عن بعض التسلية .
تخلت عن موقفها الدفاعي للحظة ،
ولكن اجراس التخدير عادت ترن في راسها ثانية ..
وقد نبهتها نبرة جوابه الدافئة لشئ ما لم تدركه بعد .
نظرت الى وجهه وهي غير واثقة من نفسها ،
فانسدلت خصلة من شعرها الذهبي على خدها عندما هزت راسها استنكارا وهي تقول بحدة :
- انت تعرف ان هذا ليس صحيحا ،
هناك هدف واحد دفعني الى التدخل هذه الليلة وهذا الهدف لا يشملك بالطبع وساكون شاكرة لك اذا .....
لم يتسن لها الوقت حتى تكمل جملتها وتطلب منه الرحيل ..
لانه قاطعها بصوت خفيض لكن منفعل :
- هل من عادتك ان تقدمي نفسك للرجال ثم تتركينه و ترحلي ؟
صدمتها كلماته القاسية ،
بينما كان هو يراقب تورد وجنتيها بعينين ساخرتين ،
حاولت جاهدة ان تبحث عن كلمات ملائمة تستعيد بها كرامتها ،
وادركت بحزن ان تصرفها كان متسرعا وقد اسيء فهمه في جزيرة يتقيد رجالها بطقوس مجتمع بدائي .
_________________________