للعشق رأيًا آخر

شيماء يحيى`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-23ضع على الرف
  • 2.7K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

للعشق رأيًا آخر

تجلس شاردة الذهن لا تشعر بأي شيء حولها، تنظر إلى السماء وعينيها مليئة بالدموع التى تأبىٰ النزول.
دخلت الممرضة إيمان الغرفة ولكن لم تجد أحدًا بها، دب الرعب في أوصالها، لكن سريعًا ما هدأت عندما رأت طيفها في البلكونة فذهبت إليها.
إيمان: أنسة سما قد حان موعد الغداء هيا لتأكلي وتأخذي دوائك.
نظرت لها سما بشرود وكأنها في عالم آخر ليست هنا على الإطلاق.
كررت الممرضة كلامه أكثر من مرة
صرخت سما بها بصوتٍ عالي وقالت: اصمتي وتوقفي عن ثرثرتك هذه واخفضي صوتك، وهيا اذهبي من هنا أنا لا أريد طعام ولا دواء، فلم يجدي نفعًا هيا من هنا.
خافت إيمان منها لأنها في الفترة الأخيرة أصبحت عدوانية ولا تقبل أن تتحدث مع أحد وتفعل أشياءًا سيئة بالذي يضيقها.
قالت إيمان بصوتٍ هادئ: من فضلك أنسة سما خذي الدواء فهذا اليوم الثالث التي لم تأخذيه، وهذا ليس في مصلحتك.
حركت سما الكرسي المتحرك التي تجلس عليه ودلفت إلى الغرفة ولم تجب على الممرضة.
علمت إيمان أنها لن تجب عليها حتى لو ظلت هنا طوال اليوم. فقررت أن تذهب إلى الطبيب المعالج لسما، لكنها تذكرت أن دكتور رفعت طبيبها ذهب إلى مؤتمر في فرنسا ولم يأتي إلا بعد  ثلاثة أشهر، فدعت أن يكون الطبيب الجديد قد جاء ليحل هذه المشكلة وإلا ستقع هي في مشاكل كثيرة، إتجهت إلى غرفة الأطباء طرقت الباب وعندما سمحوا لها بالدخول دخلت.
إيمان: مساء الخير يا دكاترة ممكن أعرف هو الطبيب المعالج لحالة 303 وصل.
كان يجلس بالغرفة كبار الأطباء رد عليها أحدهم قال: نعم وصل اليوم وهو الآن يستلم الحالات الذي سيشرف عليها ومن بينهم هذه الحالة، سعدت إيمان بهذا الخبر، فإنه سوف يخف العبء من عليها.
تسألت إيمان: أين أجده؟
جائها صوت من خلفها قائلًا: أنا هنا ماذا تريدي؟
نظرت إلى مصدر الصوت فوجدته شابًا في بداية العقد الثالث من عمره يقف عند باب الغرفة.
شردت إيمان في ملامحه بعض الوقت، ولكن سريعًا ما إستجمعت نفسها لترد عليه قائلة: الحالة303تعبانة جدًا وتأبى أن تأخذ أدويتها أو حتى الذهاب لجلسات العلاج الطبيعي.
رد عليه بإختصار وبحدة: لماذا؟
أجابته بأنه يتملكها حالة من اليأس فهي هنا مُنذ خمس سنوات ولا يوجد أي تحسن في حالتها.
قال لها: اذهبي وسأتي خلفك.
ذهبت إيمان لكنها قبل أن تغادر الغرفة سألته عن اسمه، فأجابها أنه اسمه يوسف وأنها ستكون الممرضة التابعة له وستعمل تحت إشرافه.
غادرت إيمان الغرفة لكنها تتسأل كيف لشاب في عمره هذه يكون مع كبار الأطباء وكيف له أن يتابع حالات مثل هذه؟
أخذت تسأل وتحدث نفسها حول أمر هذا الطبيب.
في غرفة سما كانت تجلس على السرير شاردة الذهن كعادتها أغمضت عينيها لعلها تنعم ببعض الراحة وتنام، فإن النوم هو ملجأها الوحيد ومهربها من هذا العالم، لكن أبىٰ النوم أن يستجيب لمطلبها، لكن ما حدث هو الأسوء فعندما أغمضت عينيها مر من أمها الحدث المروع الذي حدث لها منذ خمسة سنوات ولم تشفى منه حتى الآن، فهي كانت ذاهبة للمرسم الخاص بها، لكن قبل أن تخرج كانت أمها قد وبختها وأهنتها وسخرت منها كما تفعل دائمًا، فهي لا تفوت فرصة إلا ووبخت سما وإستهانة بها وبموهبتها، لكن هذه المرة لم تتحمل سما فأخذت أدواتها وحقيبتها وذهبت إلى المرسم، لكن كانت تقود سيارتها وهي تبكي فالأمر قد زاد عن الحد أخذت تقول لنفسها لمَ دائمًا ما تفعل معي هكذا ألست ابنتها، لمَ لا تعاملني كما تعامل أخواتي لمَ القدر دائمًا يسوق لي الأسوء؟!  وظلت تبكي ولم ترأى السيارة التي تأتي من الجانب الآخر، فإصدمت بها وإنقلبت سيارتها، عندما ذهبت إلى المشفى كان وضعها حرجًا للغاية، الأطباء أنقذوها بإعجوبة فلولا فضل الله ما كانت حيا حتى الآن، لكن أُصيبت إصابة بالغة في قدميها سببت لها شلل، أجرت الكثير من العمليات الجراحية لكن دون فائدة، عندما تحسنت حالتها ذهبت إلى البيت، لكن لم تلقى أي رعاية ولا إهتمام من ولادتها ولا أخواتها وحتى عندما علم والدها بأمر الحادث الذي أصاب ابنته لم يقطع سفره ظل بالخارج يتمم الثفقات ويجري تعاقدات، مرت ثلاث أشهر وهي بالمنزل تقضي كل وقتها في الغرفة لا تذهب لأي مكان فلا أحد يريد أن يخرج معها وهي جالسة على كرسي متحرك.
عندم علم عمها أحمد بهذا الأمر إقترح عليها أن تأتي لتقيم معه في ڤيلاته الخاصة ومع أولاده فإنه تحب عمها أحمد أكثر من أي شخص ولها قدرًا كبيرًا من الحب في قلبه فإنها في مقامة ابنته الكبرى، لكنها رفضت فهي لا تريد أن تكون عبئًا على أحد، فإقترح عليها عمها أن تقيم في المستشفى الخاصة به لحين شفائها، وافقت سما على هذا الإقتراح فهذا سيكون أفضل لها وسيتيح لها عمها كل ما تحتاجه فهي كانت تحضر للرسالة الماچستير ساعدها على ذلك وكان يُحضر لها كل ما تحتاجه وأيضًا جهز لها ركن صغير بغرفتها لكي ترسم فيه وقتما تشاء، وتمر الأيام والسنوات وهي في المشفى لا يوجد أي تقدم في حالتها، لكنها قد أخذت الماچستير والدكتواره أيضًا في الهندسة، فكانت تقضي كل وقتها في الدراسة والمذاكرة والرسم، كان دائمًا عمها أحمد بجانبها ولم يتركها عكس عائلتها التي لا تتذكرها إلا قليلًا، وظلت في المشفى طوال الخمسة سنوات ورفضت أن تخرج فهي لا تريد أن ترجع إلى أهلها ولا تريد أن ترأى نظرة شفقة من أحد، فقررت المكوث، فاقت سما من شرودها على آثر دموعها التى ملئت وجهها، لكن سرعان ما مسحتها عندما سمعت طرق على باب غرفتها فهي لا تحب أن يرأها أحدًا ضعيفة.
دلف الدكتور يوسف للغرفة وترافقه الممرضة إيمان، يبدو على ملامحه الجدية وهذا لا يناسب وجهه الذي يشبه الملائكة فهو كان حقًا وسيم، تحدث بنبرة يملئها التوبيخ: أقدر أعرف ليه مخديش الدواء ولا كلتي؟!
نظرت له سما نظرة لا تدل على أي خير فمن هو حتى يتحدث لها بهذه الطريقة حتى أكبر الأطباء لم يجروا على التحدث إليها هكذا.
قالت سما بغضب: من أنت لتتحدث إليَّ هكذا؟! صرخت بالممرضة وقالت لها خذي هذا الشخص واخرجوا من هنا وإلا...
قاطعها دكتور يوسف قائلًا: وإلا ماذا يا آنسة سما؟!
سحب المقعد وجلس عليه بقرب السرير وقال للممرضة: اذهبي واحضري الغداء والدواء.
قالت سما بإنفعال وقد إحمر وجهها من الغضب: أنت لم تسمعني قلت لك اخرج
رد قائلًا: ألم تسمعيني أنتِ، فأنا قد سألتك أولاً لماذا لا تأكلي وتأخذي دوائك؟!
ردت عليه بنفس نبرة الغضب: ليس لك شأن بي من أنت حتى تتحدث إليَّ هكذا؟!
أنا الطبيب الجديد الذي سيتابع حالاتك، ختم جملته مع ابتسامة نصر فهو يعلم أن ما قاله سيغضبها جدًا.
قالت سما بصوتٍ عالي: من، أتعتقد أنني سأوافق على هذا، أنت تحلم.
ابتسم دكتور يوسف بسخرية على كلامها فمن أعطه الحق بمتابعة حالتها ليس طبيبها الذي سافر بل عمها، فقد كانوا معًا في ألمانيا وتعرف عم سما عليه وعندم علم بخبراتها بمرض ابنة أخيه وأنه عالج حالات مثلها قرر أن يعطيه حالتها فيوسف كان طبيبًا بارعًا في مجاله فكان حقًا يسبق سنه وعندما قرر العودة إلى مصر عرض عليه عمها العمل في مشفها، فوافق على ذلك، وتكلم معه أيضًا عن حالة سما فرحب يوسف بمتابعة حالتها فهو يعشق التحدي في عمله وكان يقصد تحديه للمرض وليس سما أما الآن عندما رأها أصبح التحدي إثنان تحدي المرض وتحدي سما وعندها وهذا ليس بسهل.
فاق يوسف من شروده على صراخ سما المتواصل وهي تقول له اخرج من غرفتي.
رد قائلًا: لم أخرج حتى تتناولي طعامك وتأخذي الدواء، ووضع قدم فوق الآخر وجلس بإرتياح وأخذ ينظر لها بتحدي.
جاءت الممرضة ومعها الأكل وأدوية سما وقال لها يوسف أن تخرج خارج الغرفة.
إقترب يوسف من سما ووضع الأكل أمامها وقال لها بهدوء: هياا لتأكلي لم تعطيه أي اهتمام وأدارت وجهها لناحية الآخر.
كرر يوسف كلامه عدة مرات ولكنها لم ترد عليه، فجلس علي السرير واقترب منها وكتف ذراعيها بيده وأخذ يطعمها عنوة باليد الآخر، وكان تحاول الفرار من قبضته بأي طريقة ولكن لم تقدر، عندما انتهى من إطعامه لها جلب الدواء من جوارها وأعطه لها أيضًا.
خرج من الغرفة ولم ينطق أي حرف، لكنه لاحظ الركن الذي يوجد به أدوات الرسم.
ذهب إلى مكتبه وأخذ ملف حالة سما وقرأه أكثر من مرة ولاحظ أن مرضها ليس بصعبًا لهذه الدرجة فما المشكلة إذن تسأولات كثيرة يريد الأجابة عليه، تذكر الممرضة إيمان في هذا الوقت وأنه قالت له أنها تعرف كل شيء عن حالة سما.
بعث لها برسالة أنه يريدها في مكتبه، عندما ذهبت إليه بدأ التحدث معه حول حالة سما وسألها بعض الأسئلة الطبية وأيضًا أسئلة عن حياة سما، فأجابته الممرض بكل ما تعرفه عنها وأنه معها منذ ثلاث سنوات.
في غرفة سما كانت شاردة في هذا الطبيب العجيب وأسلوبه الذي استخدمه معها في هذا اليوم، قد علمت أن عمها هو الذي كلفه بحالتها فلم تعترض، وأصرت على أن تجعله يذهب بنفسه من المشفى.
في غرفة الطبيب أنهى حديثه مع الممرضة وعندما ذهبت جلس مع نفسه يفكر فيما قالته الممرضة إيمان، الآن علم فقط ما هو العائق في طريق علاجها فحالتها النفسية ليست مهيئة لخوض أي أنواع من العمليات فأيًا كانت براعة الطبيب ستفشل وتظل سما كما هي، عزم على أن يعالجها نفسيًا أولًا ثم جسديًا، فهو لا يعرف أنه سيكون دوائها وأنها لم تحتاج إلى طبيب.
الساعة السابعة مساءً كانت سما تؤدي صلاة العشاء، وعندما إنتهت من صلاتها ظلت جالسة على كرسيها المتحرك تسبح فقطعها طرقات على باب الغرفة فسمحت لطارق بالدخول، فإذا به دكتور يوسف ومعه العشاء وبعض الكتب.
وضع الطعام على المنضدة وإتجه ليجلس على الأريكة التي بجوار سما، وقال لها بصوتٍ هادئ ووجه بشوش فعلامة الصلاة تُضئ وجهه وتجعله كالملائكة: هيا لتأكلي ولا تعندي وإلا سيحدث لكِ ما حدث في الغداء، حركت كرسيها لتتجه لسرير دون أي رد منها وبعد محاولات عدة لم تعرف أن تجلس على السرير فساعدها يوسف في ذلك، فلم تتفوه بحرف له، فكانت تعدل من وضعية الوسادة لتنام فلاحظت الكتب الموضوع على الكمود بجوارها فأخذها الفضول لتعرف عن ماذا تتحدث، فهي شغوفة بالقراءة وعلم دكتور يوسف هذا من الممرضة، عندما لاحظ يوسف نظرات سما للكتب أدرك أن خططته تسير على ما يرام وأنها على وشك النجاح، فقال:  لا تريدي أن تأكلي على راحتك سأترك الطعام هنا وأذهب، وهم بأخذ كتبه فأمسكت سما بالكتب وقالت له، سنعقد إتفاق سأتناول الطعام والدواء، لكن بشرط أن تعطيني هذه الكتب ولا تطلبها مني حتى أتم قرأتها وأعطيها أنا لك، وافق يوسف على هذا العرض وأكلت سما وأخذت الدواء وأيضًا أخذت الكتب الذي معه وكانت عبارة عن كتب في علم النفس والإيمان بالذات، فيوسف قصد أن يجلب هذه الكتب خصيصًا لتساعده في علاج سما.
مرت عدة أسابيع على هذا الوضع يمر طعام الغداء بالمناورات وتمر وجبة العشاء برشوتها بالكتب مقابل الطعام، مرت هذه الأسابيع على سما ويوسف وكأنها بضعة أيام فهو لم يكن يشعر بالوقت معها، قد تفرغ لها هي فقط وأعط باقي الحالات لزملائه، وكانت سما أيضًا لا تشعر بالوقت وهي معه كانت تحب أن تشاكسه وتعند معه كثيرًا لترأى غضبه لكنه سرعان ما يهدأ عندما يرأها تبتسم، شعرت بأشياء لم تكن تشعر بها من قبل، تشعر بالراحة في وجوده وأنه ليس بغريب وكأنها تعرفه منذ سنوات، كأن يجلسا في حديقة المشفى سويًا يتحدثا ويضحكا كثيرًا فهي لم تضحك في حياتها مثلما تفعل الآن إنها حقًا لم تذق طعم الفرحة منذ سنوات طويلة، كان يشاركها كل ما تحبه القراءة والرسم ومشاهدة أفلام الكرتون، وكان أيضًا يحفظا القرآن معًا ويسمعه لها وهي أيضًا تفعل كذلك، شعرت بالإطمئنان والسكينة أصبحت حالتها أفضل عن ذي قبل بكثير لم تصدق ما وصلت إليه، وهو أيضًا لا يعرف ما وصل إليه من سعادة وراحة.
في صباح أحد الأيام قرر يوسف الإعتراف بحبه لسما فهو لن يضيع وقت بعد الآن ذهب إليها صباحًا كما إعتادت في الفترة الأخيرة أن يذهب إليها ويلقى عليها تحية الصباح ويرأى ذو وجه القمر فهو أصبح يناديها بهذا الاسم منذ فترة.
دلف إلى الغرفة بعد أن إستئذنة منها وسمحت له.
قالت: متاخر عن موعدك خمسة دقائق أين كنت؟!
رد عليها قائلًا: كنت أحسم قرار مصيري بالنسبة لنا.
رددت سما باستغراب: لنا! كيف؟!
قال يوسف بعد أن أخذ نفسًا عميقًا: هل تتزوجيني يا وجه القمر؟
وقع عليها الخبر كالصاعقة فهي لم تتوقع أن يطلب منها الزواج، نعم أحبته وأصبح أمان قلبها؛ ولكنها لا تستطيع أن تكون زوجته، لمَ يفعل بها القدر هكذا؟ لمَ لا يقف في صفها ولو مرةً واحدة وينصفها؟ لمَ دائمًا ما يكون حكمه قاصي عليها لهذا الحد؟ الآن لا تصلح لأن تكون زوجة، كيف وهي جالسة على كرسي متحرك وهي لا تقدر أن تجلب كوب ماء لنفسها إن كان بعيد عنها، لا تستطيع أن تتحرك من على هذا الكرسي إلا بمساعدة أحدهم.
أفاقت من شرودها على نداء يوسف قال لها: أعرف ما تفكرين فيه وأعلم أنه من الصعب عليك إتخاذ القرار الآن، كادت أن تتحدث لكن أوقفها يوسف بإشارة من يده وأكمل حديثه، لا أحد يختار مصيره، أنا أحببتك ولا أعرف كيف، كل ما أعرفه أن قلبي أصبح عاشق، وأريد أن يتوجع هذا العشق بزواج.
ردت عليه: لا يمكن أن يحدث هذا أنا لا أصلح للزواج، أنت تشتحق الأفضل.
اقترب يوسف منها وجلس مقابلها وقال لها بكل حب: لا يوجد أفضل منك ولن أتنازل عنك مهما حدث، حتى لو إختطفتك وتزوجنا فقدرنا واحد.
أخذا يتبادلا الحديث أكثر من ساعة حتى وصلت لسما فكرة وقالت ليوسف نعقد إتفاق: لن أعطيك رأى إلا بعد العملية القادمة إذا نجحت سأوافق وإذا فشلت كالعادة ستغادر أنت المشفى وتعود إلى ألمانيا.
ضغط يوسف على أسنانه يكاد أن يكسرها: ما علاقة العملية بزواجنا أنا أحببتك هكذا وأريد أن أظل معك دائمًا لمَ لا تفهمين أنني لا يهمني مرضك؟!
ردت سما وقالت هذا شرطي الوحيد: وافقة على مضض وأخذ عهد انه لن يرحل مهما حدث وستزوجها رغم أنفها.
كانت سما تستعد وتجهز نفسها للعملية فهذه أملها الأخير في كل شيء، كان أهم عامل في هذه العملية العامل النفسي لأنه هو الذي يتوقف عليه نجاحها، كان يوسف دائمًا بجوارها لا يتركها قط، وعندم أبلغت والديها وأخواتها بموعد العملية لم يعطوا أي إهتمام كالعادة وقالوا سوف نأتي يوم العملية وهذا سبب لها إحباط نفسي، لكن وجود يوسف بحوارها أعطها الأمان والدعم الذي تحتاجه فكان لها خير الصديق ونعمة الرفيق والحبيب والأخ، كان لها كل شيء كانت تتسأل دائمًا أهناك أناس مثله؟!
كان يوسف يتابع مع الطبيب الألماني الذي سيجري العملية لسما، كان يبشره أن نسبة النجاح كبيرة وأن القدمين مُؤهلان جيدًا للعملية، كل هذا يرجع لوقوف يوسف بجانب سما ليس فقط كطبيب وإنما كحبيب وصديق فكان خير الداعم لها، قد حكم القدر بأن يلتقي سما بيوسف وكان حكمه عادل للغاية قد أصبح عامل رئيسي لشفائها، يرسل الله لنا أشخاصًا يكونوا سببًا في جعلنا نحيا بعد أن كنا مثل حطام، بقايا أرواح تحيا تنتظر الموت، بعض البشر يرسلهم لكي يكونوا عونًا لنا.
مر الوقت وجاء موعد العملية تجهزت سما لدخول إلى غرفة العمليات الجراحية، كان يوسف ينتظر بالخارج لم يستطع أن يكون مساعد الطبيب الكبير فأعطى هذه المهمة لمساعد الطبيب الأصلي، وظل هو بالخارج مع عم سما الذي جاء من ألمانيا قبل موعد العملية بيومين، كان يمر الوقت ببطء جدًا ظلت سما بغرفة العمليات أكثر من أربع ساعات، خرجت سما أخيرًا وذهبت لغرفة العناية المركزة.
سأل يوسف الطبيب عن العملية، رد عليه بأن كل شيء جرى على ما يرام وأنهم سيتأكدون عندم تفيق سما من البنج، فكيف سيكون حكم القدر هذه المرة أيمنحهم فرصة أخرة أم سيسلب منهم ما تبقى من حياتهم؟!
بعد عدة ساعات فاقت سما ودلف إلى الغرفة الطبيب ويوسف وأحمد عمها فلم  يأتي أي أحد أخر وأكتفت أمها بالإتصال على أحمد منذ قليل وعندما قال لها أنها خرجت ومنتظرين أن تفيق لم تهتم.
في غرفة العناية يقف الطبيب مقابل سما وبيده عصا صغيرة، قال لها سأضرب قدميك برفق وإذا شعرتي بأي شيء قولي، كان الجميع ينتظر هذه اللحظة كان الثواني تمر كالسنوات، كان يوسف يحبس أنفاسه وأحمد يكاد أن يبكي، ضرب الطبيب على قدم سما برفق، وانتظر منها رد فلم تعطيه أي رد، وظهر على معالم وجهه المرهق الاندهاش وملئت الدموع عينيه ظن الجميع أن العملية لم تنجح جرى يوسف عليها وقال بصوتٍ مخنوق لن أتركك، شئتي أم أبيتي لن أذهب وسنتزوج بعد تحسنك، نظرة له سما بصدمة بادية عليها وكل ما يجول بخاطرها أن ما شعرت به منذ لحظات حقيقة، حقًا نجحت العملية، كان الطبيب ينسحب من الغرفة ليترك لهم مساحتهم الشخصية فتوقف عندما طلبت منه سما أن يكرر ما فعله لتو، فنظروا إليها الجميع بدهشة وفعل الطبيب ما فعله بالمرة الأولى وهنا قالت سما ببكاء: أنا أشعر بقدمي شعرت بضربة العصا أخذت تكرر كلامها من شدة الفرحة، سجد يوسف وأحمد شكر لله على نجاح العملية، واحضنه أحمد سما وأخذ يرطب عليها لتهدأ وهو يحمد الله أنها ستسير على قدميها مرة آخرى.
كان حكم القدر هذه المرة في صالح القلوب، كان حكم القدر ضدها طيلة حياتها والآن فقط وبماشئية الله أصبح القدر يحالفها.
مرت ثلاث أسابيع وسما مستمرة في العلاج الطبيعي لقدميها حتى تتعافى كليًا، هنا كان للعشق رأيًا آخر وفعل ما لا يفعله الطب والدواء، أصر يوسف على أن يكتبا الكتاب ويؤجلا الزفاف لحين تمام شفائها لم يعترض عمها أحمد على هذا الأمر ولا أيضًا عائلتها فهم لم يبالوا بالأمر، لكن إعترضت سما في بداية الأمر لكن مع إصرار يوسف وافقت على ما يريد، أحيانًا تأتي الأقدار بما لا تشتهي النفوس، يكون حكمها غير عادل تكون مثل سكين أو خنجر مسموم يدخل بين ثنايا القلب فتفقده الحياة ببطء هكذا نعتقد، فالأقدر تأتي حيثما يشاء الله ويأتي حكمها بأمر وأقدارنا ليس لنا أن نعترض عليها؛ بل لنرضا بها فاللأقدار أحكام لا يعلمها بشر.
تمت بحمد الله.
#شيماء_يحيى
#للعشق_رأيًا_آخر
رأيكم يهمني
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي