2

انتهي الترم الدراسي الأول أفكاري كما هي وكان ما يزيد من طموحي هو ذلك القطار الذي كان ينتظر مواعيد ذهابي وعودتي من المدرسة حتي أراه وهو ينطلق مسرعا. أخذت أزيد من دعواتي لله عز وجل لعلي بهذا الدعاء أغير واقع مجتمع بأسره ربما لم أشعر بالقنوط لحظة في دعائي وأخذت انتظر ما يحدث ربما يحدث أمر يقلب كل الموازين رأس علي عقب. أخذت تمضي الأيام وكذلك أمي وأبي أخذوا يعدون كل شيء الزفاف أنا احترق من الداخل وأكره مرور الأيام بسرعة لم اعتدها.
حين يخشي المرء شيء تمضي الأيام بسرعة ليصل لذلك الشيء الذي يخشاها وكذلك حين ينتظر شيء يحبه يمضي الوقت ببطء غير معتاد. لم يكون أمامي سوي عشر أيام حتي انتهي من الامتحانات وحين شعرت بأن الواقع هو الواقع لم يكن شيء ليحدث ليغيره. فأخذت أعد خطة جديدة لي وهي أن أهرب من ذلك المنزل إلي القاهرة لأكمال دراستي هناك وانجح فيها عوضا أن أتزوج من هذا الرجل الذي لا أطيق ذكر اسمه أمامي حتي قررت كل شيء.
كنت ادخر من نفقاتي مبلغ من المال لمثل تلك الظروف وأخذت بعض ثيابي ودلفت إلي باب المنزل وذلك في الساعة الثالثة فجرا أخذت أسير بهدوء شديد حتي لا يشعر بي أحد في المنزل وبعد أن وصلت لباب المنزل الذي أشبه بباب ترسانة حربية في أغلاقه وأجهتني مشكلة وهي كيف لي أن اصل إلي المزلاج الأعلى وأستطيع أن افتحه وأنا قصيرة وهزيلة الجسد واقرب للاختفاء من الظهور أخذت أحاول بكل الطرق والوسائل ،لكني لم استطيع وقطع علي كل محاولاتي صوت صافرة القطار.
جعلني أتوقف فهذا ما كنت أنتظره الذهب به وكادت الشمس تشرق علي وأنا أحاول ,لكني خفت إن يشعر أحد بي فجمعت أشيائي ودلفت ببطء وتسلل إلي داخل حجرتي وأخفيت الأشياء التي كانت معي وأخذت أحاول النوم وبالفعل ذهبت في سبات عميق وانسابت عيناي مستسلمة لأمواج النوم العاتية ولكني ما أن أغلقت جفوني حتي سقطت من أعلي الفراش وأنا ارتجف فقد أخذتني الأحلام لبعيد. فرأيت في الحلم اني خرجت من منزل والدي وأخذت القطار لم اهتم بشأن سقوطي من علي الفراش رغم الألم الذي كان بجسدي ولك؛ كنت سعيدة فعلي الأقل فعلت مالم استطيع إن أفعله في الواقع؛ ورأيت المنزل في حالة من الضجيج والعجيج والجميع يشاركنا في الفرحة والاستعداد للزفاف وإعداد المخبوزات المختلفة وأما أنا انظرعليهم من بعيد وكأن الأمر لا يتعلق بي من الأساس.
أفكر فيما أفكر ويحاول الجميع اجتذابي إليهم بالكلمات ،ولكني لم اهتم لهم وذهبت أفكر فيما أفكر فيه حتي لم يبقي معي سوي يومين للهروب قبل موعد الزفاف لعلي استطيع. أخذت ادعوا الله أن يحدث أمرا ثم جاء الليل وبخاصة أنها الليلة ما قبل الأخيرة. أعد كل أشيائي مرة أخرى وأحضرت حبل طويلا والقيته علي المزلاج الأعلى وجذبته ببطء حتي لا يشعر بي أحد بالفعل نجحت تلك الفكرة. انفتح الباب وتحركت للخارج وانا أثوب بأثواب والدي حتي لا يعرف أحد اني فتاة وأي فتاة هنا بالصعيد تخرج الساعة الثانية والنصف فجراً. لا لم أريد أن يكتشف أحد هويتي مهما كان وبخاصة أن لم انجح في الهروب كيف لي مواجهة كل هذا الواقع المؤلم بمفردي ؟
أن لم يذبحني أبي أثر علمه بما كنت أريد أن أفعل. أخذت أحاول السير كالرجال ,لكني كثيرا ما وقعت داخل ملابس أبي الفضفاضة وانهض وانا أنظر حولي أري الرجال يدلفون إلي المسجد. فأخذت اسرع اكثر وكنت بمفردي في الشارع فأمامي رجل طاعن السن يمسك عصاه وينحني عليها لتساعده علي السير وكان يسير ببطء واضح. وخلفي رجالنا فكنت أسير ببطء شديد خوفاً أن اقترب من الرجل الكبير وخوفاً من من يسير خلفي ,لكن ما حدث وما لم أتوقعه هو سقوط هذا الرجل العجوز علي الأرض فافزعني سقوطه الشديد . جعلني أحدث صوتاً رغما عني ثم لم اهتم به فغلبت إنسانيتي وانطلقت مسرعة وأنا أحاول أن أجمع بقايا نفسي المشتتة علي اثر سقوط هذا الرجل .
لم أنظر إليه وبالفعل تحركت لمسافة طويلة للأمام ,لكني لم استطيع إن استمر فخوفي علي هذا الرجل أكبر من أن اكمل السير للأمام. فنظرت خلفي بعد أن قطعت مسافة كبيرة بعيدة عنه .أخذت الهروب عائدة إلي الرجل مرة أخرى وسقطت عدة مرات في التراب وانهض وانا أتابع وانا أتألم بشدة حتي وصلت لهذا الرجل. وجدته مكان ما سقط مازال ساقطاً اقتربت منه حاولت مساعدته ,لكنه رغم عجزه البين رفض يدي ودفعني بعيد عنه بشدة كدت أسقط فيها ولم اعرف ماذا افعل له؟
أحضرت له عصاه وأخذها مني بعد أنا استطاع القيام بمفرده. فأخذت أسير بجانبه وهو يتحدث ويقول أنا من قتلت ابنتي تلك الشابة الناضجة الجميلة بتلك العادات والتقاليد فالآن أعيش بمفردي في المنزل وكذلك في كل حياتي اخذ يتحدث وهو يبكي بلل الدمع لحيته التي اقرب للبياض عن السواد في لونها. لم اهتم لحديثه ,لكنه أخبرني بأنه سيدعو لي ولم يتعرف علي هويتي وانا اختفي في ملابس والدي ذهب للمسجد وأكملت سيري للقطار.
أذكر ذلك الرجل في نفسي وأتعجب من موقفه فهو ساقطاً وفي قمة عجزه وقد أخذت منه الحياه ما أخذت من صحة وشكل وقوة وتركت له كبريائه وعزة نفسه. أنها فلسفة الرجال كبريائه أغلي عليه من كل شيء فرفض مساعدتي وهو ساقطاً علي الأرض. أخذت ابحث لي في القطار عن مكان اختفي به عن أعين الجميع ونظراتهم فوجدت بآخرعربات القطار مقعد فارغ بأكمله فجلست فيه واعدت رأسي للخلف علي المقعد أفكر في أسرتي واخي الصغير وأمي والزفاف والزغاريد التي ستنقلب لبكاء وانتحاب .
أخذت انصت فسمعت قرآن الفجر الذي اخترق مسامعي بآية وهي" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" اعلم هذه الآية جيداً ،لكني سمعتها بشكل مختلف. أخذني التفكير في حجرتي وذكرياتي بها وأخواتي الفتيات ووالدي وأمي ثم تقلبت في جلستي وأنا أقول لا لا استطيع أن أورث أهلي عار ينتقل إليهم من جيل إلى آخر. فأكون أنا السبب الذي يسقط به الآخرون كبرياء أبي وقوته وشموخه المعتاد. لا لن استطيع أن أكون أنا تلك السكين البارد التي يذبح بها أبي نعم أكره أسلوبه وكبرياءه وقسوتها علي حيث لم يشعرني يوماً بأنني ابنته كنت أقرأ دائما فيها تلك النظرات القاتلة لي ومع تلك القوة والشموخ كلها كانت تنهار أمام أخي الصغير .
أمي التي لم تفعل شيء لي سوى أنها شملتني بعطفه احبها. فلم أتوقع منها الاختلاف وهي نشأت في تلك التجربة الفاسدة وأثناء كل هذا التفكير امتلاء القطار وجاء جلس في المقعد الأمامي لي رجل أعرف ملامحه وخطوط وجهه ,لكنني لم أتذكره نظر إلي كأنه يعرفني وقد سبق أن التقينا سويا لم اهتم في البداية بتذكره ,لكني لسوء الحظ تذكرته فانه الطبيب " احمد" الذي ومض جراحي وانا بالمنزل أخذت اخفي في وجهي وهو ينظر إلي يتفرس في وجهي كأنه تعرف علي بالفعل. تعرف علي وكاد يحدثني ,لكني قطعت عليه كل ذلك بقيامي من هناك بسرعة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي