9

" أنا الطبيب دييقو ، طبيب من نوع خاص، فلا تتعب عقل بالتفكير، هيا إلي أعمالكم المرضى ينتظرون"
قال الطبيب دييقو و عيناه تحذران كاينر من التجرأ و قول المزيد بعد.
تحرك مايكل الذي بات يحادث نفسه كالمجنون قال:
" بالطبع هذا ليس حدثا منطقي و حتما هنالك تفسير علمي له"
قالت تاركو و قد توجهت إلي غرفتها لتكمل أبحاثها، إن العمل على عقار لمرض معقد يستهلك منها الكثير من الوقت و الجهد.
كاينر عاد الي المخيم يرتب المعدات و يتفحص المرضى، إن الدواء الجديد التي عدلته تاركو يعطى مفعولا لا بأس به في تقليل حدة الأعراض،
لقد عملوا جميعا لاوقات متأخرة من اليوم.







حل صباح لا شمس بها فالغيوم قد أخفتها ، كان هنالك عرس في القرية لأحد أبنائها من كبار القوم، زين منزل العروس بالأزهار و طلي بالالوان الجميلة، ثيابهم كانت متناسقة و رائعة، كانت العروس تستعد للحفل المسائي حيث سيكتمل مراسم الزفاف عند الصخرة الكبرى بجانب البحيرة.








إستيقظ دوناتيلو كمن صعقته صاعقة و نجى بإعجوبة، رأسه يؤلمه جميع جسده يصرخ من فرط الألم.
نهض ببطء من الفراش، إعتدل و خرج من غرفته، غسل وجه بماء بارد ثم نظر الي نفسه في المرآة التي كانت معلقة على الحائط الشرقي للغرفة التي يخزنون فيها الأدوية.
" تبا لهذا الصداع، أهذا وقته؟
ما الذي حدث لي البارحة حتى صحوت و كأنني عدت من معركة جازفت فيها بكل ما لدي؟"
قال دوناتيلو لنفسه.

" الحمدلله أنت قد إستيقظت"
قالت مالينا التي لمحت دوناتيلو واقفا هناك فأسرعت صوبه و يدها على قبلها، كانت قلقة عليه منذ البارحة.

" هوني عليك، و كأنني كنت في سبات مميت، ماذا دهاك تحدثينني بلطف؟"
رد دوناتيلو بتعجرفه المعتاد

" أنت أحمق كبير، لا أود أن تكلم معك، أمرك لا يهمني"
قالت مالينا بغضب ووجه عابس، رحلت تاركة دوناتيلو حائرا من أمره.
" ماذا عساه حدث لهذة؟"
سأل نفسه.

مر بقربه عدد من الفتيات اللوات يقرعن الدفوف و يتغنين بفرح و كأن اليوم عيد أو ما شابه، فتيات لولا الأقراص التي يرتدينها لظننت أنهن صبية في عمر التاسعة.

بشرتهن السمراء التى تبرق بتألق جميل كأنهن خلقن مختلفات بصورة رائعة.
غنائهن كان عذبا توجهن الي نهاية الشارع حيث تجمعن أمام منزل صغير يرقصن مع فتيه في نفس أعمارهن. كان الغبار يتناثر بفعل تسارع حركات أقدامهم التي كانت متزامنة بصورة متناسقة.

"أرى أنك أصبحت على ما يرام؟"
قالت تاركو التي قاطعت شرود دوناتيلو الذي إلتفت و تبسم لها ثم قال:
" أما من أحد خبرني ما الذي حدث لي بالأمس فأنا لا أتذكر شيئا"


" أنت تمزح صحيح؟
لقد تلبسك جن رفض الخروج من جسدك لو لم يكن الطبيب دييقو حاضرا، لكنت في عداد كان"
قالت تاركو التي أحست بالآسى على نفسها.
فهي لاتزال ترى الدماء في كل مكان من حين لآخر، كانت تصلي ليزول السحر الذي أصابها.

" يستحيل أن أصدق ما تقولين
جن ما هذة الخرافات؟"
قال دوناتيلو

" حسنا أيها العنيد إفعل ما تشاء"
ردت تاركو
" لما الجميع في مزاج سيئ اليوم؟"
قال دوناتيلو و هو يعود الي غرفته ليرتاح قليلا فلايزال هو يشعر بالنعاس.



كان كاينر قد خرج ليستنشق الهواء بعيد عن زحمة مواعيد أعماله و مشغولياته فقلبه كان يشتاقها و لم يعرف هو كيفية الوصول إليها، ليس و كأنه معجب بها و لكنها لم تكن ببشرية مما جعلها مصدر إهتمام له.



" لقد هوجمت ماشيتي ليلة البارحة، وحش ما يتمص دماءها حتى الرمق الأخير و يتركها لتتعفن"
قال رجل كان يتحدث مع تاجر متجول.

" سمعت بعض الإشاعات تقول أن مصاصي الدماء قد عادوا و أن العهد الذي كان يبقيهم بعيدا عنا قد كسر و لا شيء سيردعهم عن جعلنا طعاما لهم"
رد التاجر و عينييه ترتجفان خوفا.


" أنت لا تعلم شيئا، إن الفتاة الشبح تحوم في الأرجاء، أكد عدد من القوم رؤيتها، تلك اللعنة التى تهلك شبابنا الأقوياء يجب علينا فعل شيئ لأجلها"
قال تاجر آخر إنضم إلي حديثهم.


سمع كاينر كل حديثهم و هو يحاول ربط الأجزاء ببعضها.

هبت نفحة من نسيم لطفت الجو حوله، قادته قدماه و ذلك الإحساس الي الأشجار الكثيف قرب البحيرة، هناك جلس أسفل إحداها و أغمض عينييه، فصدره لا يتحمل الإجهاد و العمل لفتراة طويلة .


" أرى أنك هنا؟"
همست تلك التي حفظ صوتها عن ظهر قلب، فتح هو عينييه و تبسم لحظ تقابل أعينهما.

" أرى أنك تتبعينني؟"
رد هو متصنعا الخيلاء بيد أنها ضحكت ملأ فاهها و قالت:
" أرى أن صحراء هذة البلاد و طقسها الحار قد أثر بعقلك"
قالت تلك الفتاة قرمزية العينين و جلست على الجهة الاخرى للشجرة التي يجلس فيها كاينر.

" أأنت من محبي الأشجار و الطبيعة ؟"
قال كاينر ينتظر منها ردا سريعا

لكنها صمتت لفترة مما أثار غضبه، نهض و قرر رؤتها ، ببطء إختلس نظرة إليها، لقد كانت نائمة بعمق .
" أحادثها و هي لا تهتم"
همس و عاد الي مكانه أغمض عينييه، ضجيج فؤاده لم يسمح له النوم.














" أرجوك أيها الطبيب أعطنى الدواء، إبنتي ستموت إن لم تتحصل عليه حالا"
قال رجل عجوز بالكاد يقف.

" إنها ليست مشكلتي، المال أولا ثم الدواء، أترى إنه أمر بسيط لا تعقد الأمور بيننا"
رد مايكل الذي كان يجلس أمام خيمة يصطف أمامها عدد من أهالي القرية المساكين، كان مايكل يتجار الدواء دون علم باقي طاقم العمل، إنه يمارس عمل غير مشروع.

" و لكن يا سيدي..."
قبل أن يكمل الرجل حديثه، أشار مايكل الي إثنين ضخام الحجم أمرهما بأخذ الرجل العجوز بعيدا.

" كنت فقيرا منذ ولادتي و الي أعوام سابقة عشت في الفقر، و أنا لا أخطط للموت فقيرا، المال هو كل شيء، يصنعك ملكا، يهابك الناس و كلمتك دائما هي المسموعة"
قال بصوت عالي ثم قهقه ضاحكا.
تهامس أهالي القرية الذين يقفون في الصف للحصول على الدواء، منهم من باع كل ما يمتلك فقط لأجل قنينة دواء واحدة إحتمال أن تشفي ذلك المرض المجهول ضئيلة بنسبة أربعين في المئة، مع ذلك تراهم يتشبثون بأي أمل للحياة، رغم أن الدنيا بحد ذاتها تحارب وجودهم.

دقت عقارب الساعة مشيرة الي الثانية ظهرا، نهض مايكل من كرسيه و أشعل سيجارته، كان ينفثر الدخان بكثافة ينظر الي الصف الذي يتزاد بكل دقيقة تمر .
" يكفي لليوم، سوف نقفل"
قال مايكل بينما رفع يده ملوحا ببطء للسكان الذين ساد الحزن على أوجههم، عادوا أدراجهم الي القرية التي تبعد مسير ساعتين من المخيم الذي يملكه مايكل، كان مايكل يقوم بإستيراد الدواء بطريقة مخالفة للقانون يقوم بتهريبها و بيعها بسعر أعلى من القرر له.

" يالك من داهية يا مايكل"
قال رجل قصير سمين لديه لحية بيضاء كثيفة يتزين بالخبث و المكر.

" سيد ياروج، يا لها من مفاجاة "
قال مايكل و هو يطفأ سيجارته بهدوء سار صوب السيد ياروج الذي كان يقف بإعتدال و شموخ.

" لدي أخبار سارة، تحصلنا على ميكا باي أربعة آلاف"
قال السيد ياروج و هو يتبسم بدهاء.

" عظيم!"
همس مايكل

" و لكن هذا الدواء لايزال تحت التجربة، يقول الأطباء أن أثاره الجانبية خطيرة و يحظر إستخدامه ما لم يتم إعادة إختباره و التأكل من أنه صالح للإستعمال فلن يتم تصديره و إجازته. بالرغم أنه يعطى مفعولا عجيب لعلاج هذا الوباء،صدق أولا إنه ينهي الأعراض الاولية للمرض في غضون ستة ساعات فقط"
قال السيد ياروج

" و من يبالي بالاثار الجانبية ما يهمني كم سأجني من المال من بيعه، أحضر لي طلبية منه"
قال مايكل و هو يدفن سيجارته و يعطى السيد ياروج حزمة من النقود

"هذة دفعة أولى أحضر الدواء و ستحصل على باقي النقود"
قال مايكل.

" حريص كما عهدتك
عند الخامس من هذا الشهر قبل طلوع الفجر ستكون الطلبية عندك"
رد السيد ياروج ثم غادر المخيم .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي