الفصل الواحد وعشرون

أغمضت سوزان جفونها بألم وهي تستمع إلي كلمات الطبيب الذي شبك كفيه في بعضهم قائلاً بنبرة عمليه متأسف:
_ الجنين لازم ينزل فيه تشوهات زي ما قولتلك

حاوطت سوزان بطنها بكفها المرتجف بحمايه وهي تهدر بنبره محتجه حاده:
_ لأ مش هنزل ابني، لأ، أنت مش فاهم حاجه

نطقت بتلك الكلمات ثم سحبت حقيبتها ونهضت سريعاً وهي تتحرك خارج غرفة الطبيب و عينيها تلمعان بالدموع الحاره..

سارت في الردهه التابعه لتلك المشفي الحكومي و قد أصبحت الرؤية مشوشه أمامها و أنسابت عبره حاره علي أحد وجنتيها..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
وقفت حفصة جانباً تراقب والدها الحبيب وهو جالس على حجر كبير أمام قبر والدتها رافعاً كفيه للأعلي..

رفعت هي كفها تمسح تلك العبره التي أنسابت على وجهها..

شعرت بمن يقبض على ذراعها من الخلف، أنكمشت ملامحها وهي تستدير ولكن عادت و أرتخت ملامحها عندما وقع بصرها عليه و كالمعتاد نطقت إسمه عفوياً:
_ صفوان !

ضيقت ما بين عينيها و هي تهمس قائله بحيره:
_ عرفت منين أن إحنا هنا !

أشار صفوان إلي والدها بعينيه قائلاً بإيجاز:
_ كنت بكلم والدك و قالي

أومأت هي برأسها وهي تلقي نظره على والدها الذي ارتقع صوته في قراءة القرآن الكريم بخشوع، ثم عادت تنظر نحوه قائله بخفوت مستفهمه:
_ برضوا جيت ليه؟

رفع صفوان حاجب و نزل الآخر و عينيه تتجول على وجهها المتحجر عليه تلك الدمعه، تنهد طويلاً ثم تحدث قائلاً باستنكار زائف:
_ المفروض مجيش يعني !

توقف صوت والدها مما جعلها تستدير تلقي نظره عليه لتجده قد نهض و سار منحني الظهر حيث تصلب جسده أثر تلك الجلسه الغير مريحه وجدت صفوان يتحرك سريعاً نحو والدها يلتقط ذراعه يسند إياه وقد تحدث والدها بأمتنان:
_ شكراً يا بني،ربنا يخليك

لمعت مقلتيها وهي تجده يساعد والدها هكذا و قد مر أمام عينيها موقف سابق لزوجها السابق محمود الذي لم يكن يهتم لأمرها هي و عائلتها، أنتبهت على صوت صفوان الغليظ:
_ حفصة ، يلا واقفه كده ليه !

قبضت حفصة على ذراع حقيبتها وهي تتحرك خلفهم قائله بخفوت مفعم بالقلق:
_ حاسس بتعب يا بابا؟

حرك والدها السيد محسن رأسه نافياً وهو يقول بنبره هادئه للغايه:
_ لأ يا حبيبتي

قال تلك الكلمات وهو يربط بكفه المجعد على ذراع صفوان الذي ابتسم له بلطف..
٠٠٠٠٠٠٠

قبضت فاطمه بكفها على ذراع يوسف وهي تهتف بتوسل:
_ يوسف متسبنيش

مسح يوسف علي وجهه و استدار ينفض ذراعه من كفها قائلاً بنفاذ صبر موضحاً:
_ فاطمه كده أفضل، خلينا ننفصل بهدوء أحسن ليا وليكي

لمعت مقلتيها بالدموع ولكن كانت تأبي هي أن تنساب منها دمعه واحده لذلك كبحت دموعها بصعوبه و هي تضغط على شفتيها قائله بنبره متحشرجه مكتومه:
_ أفضل لمين ؟, أفضل ليك و ليها..

نطقت آخر كلمه بحرقه، وجدت ملامحه تنكمش وقد هدر قائلاً بانزعاج تام:
_ مش هي السبب يا فاطمة، لو سمحتي كفايه كده أنا ضغطت علي نفسي الشهر الي فات و جربت أكمل بس مش نافع

كلماته تلك اخترقت قلبها مزقته ، نكست رأسها أرضاً وهي تشعر بملمس تلك العبره الحاره على أحد وجنتيها..

زفر هو طويلاً ثم سحب حقيبة ملابسه و فتح باب الشقه ألقي عليها نظره اخيره من فوق كتفه وقد تقابلت نظراته الجامده مع مقلتيها العالق بهم العبرات تسعطف إياه بهم..
٠٠٠٠٠

جلست مروه بداخل أحدي قاعات الزفاف بجانب والدتها التي لوت فمها وهي تميل عليها هامسه بنزق:
_ مش عارفه تجيبي جوزك معاكي يا موكوسه ؟

عدلت مروه من طرف وشاحها و زفرت طويلاً وهي تهدر باستياء:
_ ما أنا قولتلك عنده شغل و بعدين مروان هيجي معايا فرح قريبتنا ليه !

وزعت والدتها بعض الأبتسامات المتكلفه على بعض المعارف المتواجدين بداخل المكان جالسين على طاولات متفرقه و هي تقول من بين أسنانها بحنق:
_ قرايبنا كلهم بيسألوا عن جوزك محضرش معاكي ليه..

قبضت مروه علي حقيبتها الصغيره وهي تشعر بالأنزعاج من تلك الموسيقي العاليه التي ارتفع صوتها بطريقه مفاجئة و مالت علي والدتها قائله بنبره عاليه نسبياً حتي يصلها صوتها:
_ أنا مش فاهمه أنتي مكبره موضوع عدم وجود مروان ليه ؟

التقطت والدتها زجاجة الماء من على الطاولة و فتحت إياها وهي تميل على أبنتها هادره بنبرة عاليه هي الأخري حتي يصل الصوت:
_ بصي حواليكي هتلاقي إلي معاها جوزها و إلي معاها خطيبها و أنتي فالحه بس تقوليلي شغل

أنهت كلماتها ثم راحت تسكب الماء في الكوب الموضوع أمامها تاركه ابنتها تحدقها بملامح منكمشه ثم راحت تدور ببصرها بين الحضور وقد وقع بصرها بالفعل على بعض الفتيات وكل واحده منهم جالس بجانب زوجها..
٠٠٠٠٠٠٠

مسح مروان على وجهه وهو يغلق ذلك الملف المتواجد أمامه، ألقي نظره على ساعة يده ثم تراجع في مقعده يغمض عينيه بإرهاق..

عدة دقائق ، و كان يسحب هاتفه من على طاولة المكتب وقع بصره على إتصال من والدة زوجته..

ضيق ما بين عينيه وهو يعاود الإتصال بها واضعاً الهاتف على أذنه، بضع ثواني حتي وصله ردها وهي تقول بصوت مرتفع غير واضح كثيراً بسبب صوت الموسيقى العالي:
_ فينك يا جوز بنتي، مجتش مع مراتك الفرح ليه !

ضيق مروان ما بين عينيه ثم أجابها بنبره هادئه للغايه:
_ عندي شغل

توقف عن متابعة كلماته وقد وصله صوتها أكثر وضوحاً تخبره بنبره حازمه أن يأتي حتي يأخذ زوجته في طريقه إلي المنزل..

حرك شفتيه يرغب في الحديث ولكن قد أغلقت المكالمه، ألقي الهاتف أمامه على طاولة المكتب وهو يزفر طويلاً يشعر بالمقت..
٠٠٠٠

توقف صفوان أمام مدخل البنايه خاصتهم ينظر إلي تلك الواقفه تشعر بالتردد، مما جعله يهدر قائلاً بنبره هادئه يطمئن إياها:
_قولتلك أمي إلي طلبت..

دارت حفصة ببصرها ف المنطقة حيث الهدوء الذي يسيطر على المكان في ذلك الوقت المتأخر من الليل ثم حركت رأسها يميناً ويساراً و تحركت نحو مدخل البنايه تتجاوزه على مضض..

بعد مرور عدة دقائق، كانت تجلس بجانبه أمام صفاء شقيقته التي راحت تهتف بحرج إلي شقيقها:
_ ماما يا أبيه خدت فاطمه و راحت البلد عشان تغير جو عشان كده طلبت منكم تيجوا تقعدوا هنا..

أومأ صفوان برأسه متفهماً ثم ألقي نظره على تلك الجالسه بجانبه تفرك كفيها بتوتر وعاد ينظر إلي شقيقته قائلاً بنبرة مهتمه حانيه:
_ طمنيني عنك أنتي اخبارك إيه؟

التوي ثغر صفاء بابتسامة وهي تلقي نظره عابره على حفصة ثم أجابته بخفوت:
_ الحمدلله..
٠٠٠٠٠٠٠
دارت مروه ببصرها بين الحضور بضجر ، توقفت نظراتها على العروسين يتوسطان المكان المخصص لهم يتمايلون على أنغام الموسيقى الهادئه..

أبعدت نظراتها وهي تري كل فتاه تسحب زوجها و يتحركون نحو مكان العروسين، مالت عليها والدتها وقالت بحنق:
_ مش لو جوزك هنا كان زمانه بيرقص معاكي زي ما كل واحد بيرقص مع مراته

نفخت مروه بضجر من حديث والدتها الذي لا ينتهي ثم جزت على أسنانها وهي تقول بتأفف:
_ ماما أنا مش هقوله سيب شغلك عشان التفاهات..

توقفت عن متابعة كلماتها وهي تري مروان يدلف إلي المكان بملامح جامده، أشرقت ملامحها و أشارت نحوه كالطفله الصغيره قائله بلهفه:
_ ماما مروان جيه، مروان جيه

ابتسمت والدتها بزهو وهي تنهض من مكانها، وقد تقدم منهم مروان يوزع نظراته بينهم قائلاً بنبرة هادئه:
_ السلام عليكم

ابتسمت والدتها وهي تدفع أبنتها ببطء نحوه قائله بسرور:
_ و عليكم السلام يا حبيبي، جيت في وقتك خد مروه و روح أرقص معاها..

نظرت مروه إلي والدتها بغيظ ثم عادت تنظر إلي مروان الواضح على ملامحه التملل قائله باحتجاج:
_ مش عايزه أرقص يا ماما..

وكزتها والدتها في ذراعها مما جعلها تتأوه بصوت خافت وهي تستمع إلي كلمات والدتها التي راحت تهتف بتصميم غريب:
_ خدها يا حبيبي و روح أرقص معاها شويه فرحها، هترفض طلبي يعني !

امتقعت ملامح مروان يستنكر حديثها لكنه أومأ برأسه بنفاذ صبر وهو يشير إلي مروه قائلاً بضيق:
_ تعالي

عضت مروه علي شفتيها بغيظ من والدتها و تحركت خلف مروان الذي أصبحت ملامحه جامده..

ألقت مروه نظره حانقه من فوق كتفها على والدتها التي جلست تعقد ذراعيها بزهو وقد وقع بصرها على خالتها التي تقدمت تجلس بجانبها وهي تبتسم..

شعرت بمروان يحاوط خصرها بذراعيه وهو يقول بنبره خافته:
_مكنتيش عارفه تروحي لوحدك !

رمشت مروه بعينيها وهي تضع كفيها على كتفيه قائله بتعجب:
_ أنت إلي جيت، أنا كنت هروح مع ماما

ألقي مروان نظره نحوه طاولة والدتها الجالسه تثرثر مع أقاربها ثم عاد ينظر إلي مروه قائلاً بعدم اكتراث:
_ يبقي والدتك أتصلت بيا من نفسها

ظهر الحنق على ملامح مروه وضغط على أسنانها قائله باستياء:
_ يعني ماما إلي اتصلت بيك !

أومأ هو برأسه ثم دار ببصره وقد لاحظ نظرات أقارب زوجته المصوبه نحوهم، مط شفتيه ثم عاد ينظر إلي زوجته قائلاً بنبره هادئه:
_ يلا كفايه كده ، نفذنا طلب والدتك أهو خلينا نمشي بقي

أومأت مروه برأسها والغيظ مرتسم على ملامحها من أفعال والدتها الغريبه ، وجدته يحل ذراعيه من حول خصرها..

٠٠٠٠٠٠٠
جلست حفصة ترتشف كوب الشاي في شرفة المنزل غافله عن ذلك الواقف جانباً يراقب إياها بصمت شارد..

أرتجف كفها الممسك بكوب الشاي مما جعل بعض القطرات تسقط على ثوبها، زفرت متأففه وهي تضع الكوب أرضاً..

حركت رأسها وهي تعض على شفتيها، توقفت نظراتها عليه واقف هكذا، عقدت حاجبيها و تسألت بخفوت:
_ واقف كده ليه ؟

حك صفوان أسفل ذقنه وتقدم يقف مستند بظهره على السور وهو يقول بنبره مهمته:
_ ليه لسه منمتيش؟

أعادت هي خصله من خصلات شعرها إلي الخلف وهي تزفر طويلاً قائله بخفوت:
_ مش عارفه أنام..

أومأ هو برأسه وقد رن الصمت في المكان وهي تخفض بصرها تنظر إلى ثوبها بصمت بينما هو يرمقها بنظرات حانيه صامته..

رفعت هي رأسها وظهرت معالم الحيره على وجهها و هي تقول بخفوت متحشرج:
_ ليه !، إيه الفايده من زواجك مني !

لم يتوقع صفوان ذلك السؤال، لذلك ظل صامتاً للحظات ثم قال بخفوت:
_ مش ندمان

لم تكن تلك الكلمات لها علاقه بالسؤال، ضيقت هي ما بين عينيها ثم قالت بحيره:
_ مش ندمان على إيه!

ظل هو صامتاً للحظات ثم هدر بمرواغه في الحديث:
_ هو ينفع تعملي ليا شاي أنا كمان !

عقدت هي حاجبيها متعجبه كلماته لكنها أومأت برأسها ثم نهضت من مكانها و قالت بطاعه:
_ حاضر

قالت تلك الكلمه و تحركت من أمامه تاركه إياه يتنهد طويلاً وهو يشعر بالحيره من فهم حاله و تفسير ما يشعر به نحوها..

٠٠٠٠٠٠٠
شعرت به يقف بداخل المطبخ ، استدار تنظر نحوه ظلت صامته للحظات ثم تسألت:
_ قبل ما أعمل الشاي أنت كلت الأول ؟

رفع صفوان حاجب ونزل الآخر وقد التوي ثغره بابتسامة غريبه ثم قال بصوت أجش:
_ من أمتي الأهتمام ده ؟

مطت حفصة شفتيها و عادت تنظر أمامها وهي تقول بعدم اكتراث زائف:
_ عادي مجرد سؤال

مسح صفوان ذقنه و عينيه لا تفارقها وهي تسحب ذلك الكوب تضع إياه أمامها..

شعرت بتلك النظرات المصوبه نحوها مما جعلها تستدير تحدقه بنظراتها ، ظهر الإرتباك في مقلتيها من نظراته التي أصبحت تربكها، استجمعت حالها وقالت بخفوت:
_ ممكن تطلع بره أما اعمل الشاي

أنتبه هو إلي حاله ثم أومأ برأسه و تحرك يخرج من المطبخ تاركاً إياها تنظر في أثره بتعجب !..

٠٠٠٠٠٠٠
بعد مرور يومين، كانت حفصة تقف في المطبخ تعد وجبه خفيفه إلي حالها..

أغلقت الموقد على الطعام وقد وصل إلي مسامعها أصوات عاليه تأتي من الأسفل عقدت حاجبيها وهي تخرج من المطبخ..

سحبت وشاح رأسها و أرتدت إياه على عجاله..

خرجت من باب الشقه مسرعه، وصل إلي مسامعها صوت صفاء الباكيه وهي تقول بنبره مرتجفه خائفه:
_ قول الحقيقة ، أبيه صفوان كويس !

تجمدت ملامح حفصة بضع ثواني ثم لم تتمالك حالها و هبطت درجات السلم مسرعه ،توقفت عينيها على صفاء الواقفه أمام باب الشقه والدموع تنهمر من عينيها

أنكمشت ملامح حفصة بخوف لا تعرف سبببه وهي تهدر بقلق:
_ ماله صفوان !

نطقت حروف إسمه بلهفه غريبه..


يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي