8

تمالك دوناتيلو نفسه و بصعوبة كاد يتنفس، أصوات عويل و صياح مستمر كانت تشغل حيز من عقله، لم يتمكن من تحديد مصدرها يبدو أنه الوحيد الذي يسمعها، نقل كاينر و الطبيب لويس الصناديق الي السيارة بينما دوناتيلو كان ممسكا برأسه كأن أحدهم يضربه بسندان عليه.
" هل أنت على ما يرام؟
أتريدني أن أتفحصك؟"
سأل كاينر بينما يقود السيارة تاركا السيد لويس يلوح لهما موعدا إياهما.
" الأ تسمع هذة الأصوات؟
إنها تهلكني"
قال بنبرة مرهقة

" لا، لا أسمع الا صوت محرك هذة السيارة المذعج، أظنك تعاني الإرهاق، هل تحظى بنوم هانئ؟"
أجاب كاينر الذي رمق دوناتيلو بنظرة تتفحص حاله.

" كم تبقى من الوقت لنصل؟"
سأل دوناتيلو و ملامح وجهه بدأت تتغير. و كأن جسده يتحطم من الداخل و هو لا يقدر على فعل شيء.


"لم يتبقي الا القليل حتى نصل، لسوء الحظ لا نملك أي مهدأت و لا دواء للصداع هنا"
قال كاينر في نفسه و هو يقود السيارة بسرعة.


غربة الشمس و حل الدجى، بدأت السماء تكشف عن وشاحها المزين بلؤلؤ منثور لامع براق.
بعد مضي نصف ساعة و صل كاينر الي المخيم في القرية، دوناتيلو لم يتمكن من فتح عينيه اللتان تنزفان دما، كما كانت تاركو تزعم أنهما كذلك، رغم أن لا أحد يرى تلك الدماء التى تسير من عينييه، لم يجد أحدا تفسيرا لما يحدث لدوناتيلو و لما تقوله تاركو، نقل دوناتيلو الي غرفته و فتحت مالينا النوافذ، أشعلت الشموع ذات الضوء الخافت تتراقص برشاقة كلما داعبها النسيم.
" قامت تاركو بإعطائه حقنة مهدأة و لكن دون جدوى فقد كان بتفوه بلغو الحديث، يتصارع مع الوساداة كأنه فقد عقله.
لم يتمكنوا من تشخيص حالته رغم أن مؤشراته الحيوية تدل أنه كامل عافيته.
" أفسحوا المجال لي"
قال الطبيب دييقو عندما علم بحالة دوناتيلو.

إقترب منه و أخرج كتابه الصغير غريب الشكل، جلس على الكرسي بقربه و بدأ يردد عبارات من لغة غير معروفة، بسرعة و طريقة إلقاء مميزة.
كان دوناتيلو يرجف و هو مستلقي على الفراش، صاح هو شرع في البكاء و النحيب كمثل طفل أخذت منه لعبته و ترك لإشهور وحيدا لم يرى فيه أمه .
كان كلما تسارع الطبيب دييقو في قول عبارته تلك كلما زادت صرخات دوناتيلو الذي بدأت رقبته تتحرك في إتجاه و سائر جسده في إتجاه آخر، مالينا لم تتحمل المنظر، أسرعت و إحتضنت كاينر الذي كان يقف بقربها يراقب بتعجب.
كانت متمسكة بقميصه بقوة، لم يكترث كاينر لها فما يحدث أمامه حدث لا يتكرر و لم يشهد له مثيل في حياته كلها.

" جميعكم قفوا ورائي"
قال الطبيب دييقو.
وقفت تاركو و مالينا خلف الطبيب دييقو، بينما خرج مايكل من الغرفة، لكنه عاد بعد مضي عشر دقائق ظنا منه أن هذا كابوس و قد ينتهي، كان بعض من أهل القرية يشاهد ما يجرى عبر النافذة قال أحدهم:
" لقد أصابه لعنه الواتشوز"

رد آخر:
" إنظروا الي ذلك الطبيب!
هل هو إكتديس!"

" من أنت ؟
من الذي أرسلك؟"
سأل الطبيب دييقو و كأنه يحادث شخص آخر.
صاح دوناتيلو حتى تحطم زجاج النوافذ.
فتح هو عيناه اللتان صارتا بلون الجمر. ثم قال بضع عبارات بلغة غريبة.
كان كاينر يحدق بكل تفصيل حوله.

" تحدث بلغة نفهما و إلا حرقتك"
رفع الطبيب دييقو نبرة صوته و تحدث.

لم يجب دوناتيلو عليه فقام الطبيب دييقو بأخذ ماء بارد و بدأت إلقاء تلك الكلمات و رش المياه على جسد دوناتيلو بتتالي.
" توقف !
أتوقف !
ألا تخاف ربك!
من أنت حتى تتجرأ على حرقي و رب الناس لم يفعل"
صاح دوناتيلو و هو يتألم.
لم يكن هنالك أي أثر لنار أو ما شابه،
"عن ماذا يتحدث هذا الدوناتيلو المختل"
قال كاينر الذي بدأت الاوضاع ترعبه،
" هل نحن في جلسه لإستخراج الأرواح الشريرة؟"
سألت مالينا بتوتر و عينان تبرقان حماسا فهي كانت تبحث عن ظواهر كهذة.

"من أنت؟"
سأل الطبيب دييقو دوناتيلو الذي تغير صوته و صار كصوت شخص آخر مزدوج النبرة، يتحدث كما الأشباح في المسلسلات تفعل.
" تكلم و الإ حرقتك"
قال الطبيب دوناتيلو مهددا إياه.

بدأ الطبيب برش المياه مجددا على جسد دوناتيلو و لكن بكمية كبير، صرخ دوناتيلو بصوت لو أن روما و جيشها العظيم سمعه لحضروا إستغاثة له.

" توقف أرجوك!"
قال دوناتيلو و هو بالكاد يتنفس بشكل طبيعي.
كان دوناتيلو مقيدا من أطرافه على السرير، يحاول التخلص منها و لكن تلك الحبال كانت متينه تبقيه ثابتا.

" حسنا حسنا!
آه آه
سأتحدث"
قال دوناتيلو و هو مغمض عينييه.
" من الذي أرسلك ؟
و لما؟"
سأل الطبيب دوناتيلو و هو يحدق به بنظرات مخيفة جدا.

" أنا ماكسيشوز أحد أفراد جن، أتيت من أعلى الجبال من منطقة بعيدة، أرسلت خصصيا، للتربص بهذا الشاب"
رد دوناتيلو الذي هدأت حركته،
" جن؟
مكان بعيد!
ما هذا الخرف الذي يقوله؟"
رد مايكل و هو يخطو للوراء عدة خطوات مترنحة.كان يتصبب عرقا.
" لا تخبرني أنك لا تؤمن بوجودهم، إنهم في كل مكان يعيشن في عالم مواز لنا و البعض الأخر يعش بيننا"
قالت مالينا فتلك مرتها الأولى التي تسمع صوت أفراد أحد الجان يتحدث على لسان بشري.
تاركو كانت تنظر بفاه عاجز عن التعبير مصدومة كيف للطبيب دييقو معرفة هذة الأمور، كانت تتسآل في أعماقها عن من يكون هذا الرجل.
" من الذي أرسلك؟"
سأل الطبيب دييقو بصوت أجش يبدو عليه الإنزعاح
" لن أخبرك مطلقا، هو سيحبسني مجددا في الصندوق إن بحت لك"
أجاب ماكسيشوز.
" إذن إخرج عن هذا الرجل و دعه و شأنه"
قال دييقو و هو يردد كلماته التي تؤثر في ماكسيشوز و تفقده السيطرة أكثر فأكثر، كان يصرخ و كأنه يتعذب من سماع تلك العبارات.
" إصمت !
أصمت أيها الهجين الخرف"
ماكسيشوز و هو يحاول فك قيوده لكن دون جدوى.
" ماذا يعني بقول أن الطبيب دييقو هجين؟"
قالت مالينا و هي تنظر الي الحالة التى أصبح عليها دوناتيلو ذلك الشاب المتألق صاحب البشرة النضرة.
كانت تشعر بالأسى عليه.
تعالت صرخاته حتى في آخر المطاف تحدث و كأن أحدم يشد عليه الخناق.
" سأخرج سأتركه و شأنه"
قال ماكسيشوز.

لم يقل الطبيب دييقو أي شيء وواصل يلقي كلماته بسرعة اكثر من ذي قبل يحرك رأسه يمنه بسرعة و تارة للجاهة اليسرى، كان تركيزه على ما يفعله لا يصدق .
كاينر تراجع للوراء خطوة.
" ما هذا الدجل؟"
همس و عيناه بحجم كوب الماء من شدة الذهول لسقطت أرضا.
مرت ربع ساعة و هم على تلك الحالة حتى عم السكون الغرفة و لا يسمع لأحد صوت بيد همسات الطبيب دييقو الذي رش أخر قطرات الماء على جسد دوناتيلو.
كان جسده كالجثة الهامدة.
إلتفت دييقو الي كاينر و البقية و قال:
" مرحبا بكم في العالم الموازي"
تبسم بغرابة إذ أن معظم أسنانه العلوية مفقودة.
"كيف حال دوناتيلو؟"
سألت مالينا التي كانت تقترب من سريره ببطء و قلب لايزال مرتعبا
" لا أحد يلمسه سيظل مقيدا هكذا حتى الصباح"
رد الطبيب دييقو و هو يدخل كتابه داخل جيبه و يستعد للخروج.
" أنت لست مجرد طبيب من تكون؟"
كاينر سأل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي