الخامس والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

رواية عبق الماضي
بقلمي روز آمين

الفصل الخامس و العشرون


ذهب دياب و تعرف علي جثة ناجي و نظر لهُ بقلبٍ ينزف دمً علي شباب إبن شقيقهُ الذي أضاعهُ هباءً و بالنهاية خسر حياته و أخرته أيضاً  ، و حولت النيابة الجثة إلي الطب الشرعي لتشريحها و معرفة سبب الوفاة  ،، أما عن عز المغربي الذي قرر أن يستغل ذكائه المخابراتي لكشف الجريمة سريعً ،،  حيث أمر رجالة بتتبع الخيط الذي أمسكهُ بين يديه و هو تلك السجادة التي وجدت بها الجثة، 

و أمر بمعرفة نوع السجادة و أين صٌنعت و لمن بيعت ،، و لحسن حظهم كانت تلك السجادة باهظة الثمن و نادرة و يصعب علي الأهالي إقتنائها  ،،و بدأ الضابط بالتحري و البحث عن صاحب تلك السجادة

أما داخل المشفي خرج حسن من داخل العمليات بعدما مكث داخلها فوق الخمس ساعات حتي سيطروا علي النزيف و نقلوا له دمً تبرع به شقيقه فريد و عز الذي هما نفس فصيلتة   ،، 

خرج محمولاً علي ترولي و أتجهوا به إلي غرفة الإفاقة حيث أوصلوا جسده ببعض الأجهزة لخطورة حالتة الحرجة 

كانت تنتظرة تلك العاشقة أمام غرفة العمليات و ما أن رأتهُ يخرج بتلك الهيئة حتي إنهارت و دخلت في نوبة بكاءٍ شديد و أنهيارٍ تام عندما لمحته بتلك الحالة الصعب علي قلبها العاشق تحمُلها ،، مما أستدعي إستغراب عزيزة و صلاح و محمد و فريد ،،
و كُلٍ تساءل داخل نفسه،،، متي خٌلق هذا العشق الهائل بين ذاك الثنائي برغم قُصر المدة

كانت تنظر إلية من خلف الزجاج العازل بقلبٍ يتمزق لأجل حبيبها الغائب عن الوعي و بهيئتة التي هزت كيانها بالكامل،،

جاورتها عزيزة الوقوف و هي تبكي بمرارة قلب أم كادت أن تفقد عزيزُ عيناها

و تحدثت إليها برجاء و نبرة حانية بعدما إستشفت مدي عِشقها لولدها ٠٠٠ إدعي له ربنا ينجية يا بنتي،، إنتِ شكلك طيبة و قريبة من ربنا و إن شاء الله ربنا يتقبل دعواتك

نظرت إليها و أردفت قائله بيقين و إيمان بالله  ٠٠٠ ما تقلقيش حضرتك ، ربنا عظيم و رحيم بعبادة و أكيد مش هنهون عليه يوجع قلوبنا و أرواحنا  ، إن شاءالله ربنا هيشفية و يقومه بالسلامة  

ثم حولت بصرها بإتجاهه مرةً أخري و أردفت قائله بقلبٍ مفطور لأجل عاشق عيناها و بنبرة مُرتجفة ٠٠٠ هو عارف و متأكد إن فيه ناس بتحبه و مش هتقدر تعيش في الدنيا لو مكنش هو موجود فيها  ،  و علشان كده هو هيقوي نفسه و يتحدي الصعب و يقوم علشان كُل اللي بيحبوة

أردفت عزيزة قائلة بدموع ٠٠٠ يا رب يارب

و بعد مدة عادت إبتسام إلي منزلها شاردة حزينة مٌتألمة،  وجدت جدتها و والدتها تنتحبان و تبكيان بمرارة علي ناجي و تجاورهما نساء المنطقة التي إرتدين الأسود و جئن ليقضين واجب العزاء و يقفن بجانب جيرانهم ذوات السمعة الطيبة و الأخلاق العالية

تحركت من جوارهم و كأنها مُغيبه و لم تعي لما يدور من حولها،، دلفت لداخل غرفتها و الحزن ينهش داخلها ،تارة لأجل ما حل بحبيبها،، و تارةٍ آخري لأجل إبن عمها الذي خسر شبابهُ،،  ماذا فعلت بدُنياها ليلاحقها هذا الحظ العثر ،  ماذا إقترفت من أخطاء حتي تُجني كل هذا الوجع من خلف عشقها الطاهر التي لم تتخطي معهُ حدود الله التي أمرنا بها و فرضها علينا كمسلمات

بعد قليل إستمعت لصياحٍ و صَريخ في الخارج ،، إنها نجية زوجة عمها التي أتت إلي منزلهم و أقتحمته كالثور الهائج حيثُ صرخت بوجة الجَده قائلة بحالة هياج و جنون و آتهام ٠٠٠ إرتاحتي يا بخيته ؟

إرتاحتي إنتِ و بنت إبنك اللي جابت أجل إبني بفٌجرها و مشيها مع الغريب ؟

وقفن بعض النساء ليُبعدن نجية من الإقتراب للجَدة أكثر، في حين ردت عليها الجَدة بحده و غضب عارم ظهر علي ملامحها التي دائماً ما تتسم بالطيبة و الحنان ٠٠٠ إخرسي يا مَرة و إتكلمي زين بدل ما أقطع لك لسانك اللي ما بيخرجش غير الكلام العفش اللي شبه وشك

و أكملت بحده ٠٠٠ مش مكسوفة من نفسك و جاية تلومينا كمان ، واحدة غيرك كانت قتلت نفسها وقت ما سمعت خبر إبنها الشوم ،، إنتِ و طمعك و قلة دينك اللي وصلتي إبنك بإديكي علي الموت
كنتي فاكرة إن أخرة طريقة العفش ده هيكون مفروش بالورود إياك ؟

إنتِ كنتي متوكده من جواكي إن أخرة طريقة الموت أو السجن و أنا ياما نبهتك و حذرتك  ،، بس الفلوس و العيشة الحرام عمت عنيكي عن الحقيقة و خلتك تبيعي دماغك و تسلمي ضميرك للشيطان و إنتي مبسوطة بالعز و الفلوس الحرام اللي إنتِ متمرمغه فيهم

نظرت لها بحقد و تحدثت بذهول ٠٠٠ إنتِ شمتانه فيا يا بخيته ؟
مش صعبان عليكي إبن إبنك اللي راح في عز شبابه بسبب بت إبنك الخاطية

أجابتها ناهرة إياها بحدة بالغة ٠٠٠ قولت لك إخرسي بدل ما أقوم أقطع لك لسانك ،، بت إبني مش خاطية ،، بت إبني متربية أحسن تربية و تعرف ربنا و حدودها اللي وضعها لها الدين زين ،، الدور و الباقي عليكي يا واكله الحرام و قاتلة ولدك بيدك ،، و بدل ما تخجلي و تحزني علي اللي وصلتي إبنك ليه ،، دايرة ترمي بلاويكي علي خلق الله

و نهرتها طاردة إياها ٠٠٠ إمشي من هنا و إياكي تعتبي الدار ده تاني

و بكت و تحدثت بنبرة قطعت أنياط قلب كُل من رأها ٠٠٠ إمشي يا شوم خليني أعرف أحزن علي واد الغالي اللي قصفتي عمرة و عمر أبوة بعشرتك الشينة

وقفت تتنقل النظر بين جميع الجالسات و هن يُلقين عليها النظرات الجالدة للذات و يتهامزن عليها بأصواتٍ خافتة يصدقن فيها علي حديث تلك العجوز ذات العقل الموزون ،

تحركت للخارج عائدة إلي منزلها بألم جديد يضاف إلي ألمها الناتج عن مصيبتها من فقدان صغيرها،، و ذلك بعدما جلدتها بخيته بحديثها الحق و أزاحت الستار لتشاهد حقيقتها العارية بأم أعيٌنها

                    ○○○○○○¤○○○○○○

مر أربعة أيام علي غياب الشاطر حسن عن الوعي و الحياة ،، أما عن بسمة فكانت تذهب له يومياً رٌغم إعتراض والديها و جدتها خشيةً عليها من حديث الناس الذي لا يرحم ،،  و لكنها أصرت و أستعطفتهم و بدورهم لان قلبهما أمام قلبها العاشق

كانت تقف أمام غرفته بدموعها و أنهيارها ،، تنتظر إفاقته بين الحين و الأخر ،، لان قلب الجميع لها حتي أنهم شعروا بأنها فردً من العائلة، و تأكد صلاح أنه كان مخطئً حين أبعد تلك الملاك عن أحضان ولدهِ المٌلتاع بعشق تلك السمراء جميلة الملامح رائعة الحِس و الخٌلق

و في خلال تلك الأربعة أيام إستطاع عز بمساعدة بعض الرجال من داخل جهاز المخابرات إيجاد خيط البداية للوصول لصاحب السجادة و ذلك بعد تتبعهم خط سير المصنع ثم البائعين حتي أن وصلت السجادة إلي أسوان ،، و ربط عز علاقة ثراء ذلك الناجي و بعض الإشاعات المتداولة بين الأهالي و التي إكتشف أنها ليست إلا الحقيقة المؤسفة لهؤلاء الخونة بائعي تاريخ بلدهم الحبيب 

داهموا رجال الشرطة مكتب مجدي حين كان يجلس هو بداخل مكتبة بصحبة بديع يتابعان عملهما ككُل يوم، 

دلفت السكرتيرة علي عجل دون أن تطرق الباب و نظرت إليه بإرتباك و أردف هو قائلاً بإستغراب لحالة الزعر التي إرتسمت علي وجهها ٠٠٠ إنتِ إتجننتي يا أسماء  ، من أمتي و إنتِ بتدخلي عليا كدة من غير ما تستأذني؟

تحدثت بتلعثم ٠٠٠ أنا أسفه يا أفندم بس فيه ناس عاوزة حض ٠٠٠

ثم إبتلعت باقي حديثها عندما داهم ضابط الشرطة و باقي القوة المصاحبة له المكتب موجهً حديثهُ إلي مجدي قائلاً بإبتسامة سمجة ٠٠٠ مش وقت عتابك لسكرتيرتك يا مجدي يا حمدان

إرتعب داخل مجدي و لكنهُ إدعي التماسك ثم وقف علي الفور و تحدث بنبرة ثابتة  ٠٠٠ خير يا حضرة الظابط  ، ممكن أعرف أية هي المناسبة السعيدة اللي خلت حضرتك تشرفني و تقتحم مكتبي بالطريقة دي حتي من غير ما تستأذن؟

نظر الضابط المكلف بالتحقيق في القضية و الذي يُدعي إيهاب عرفة إلي مجدي بإبتسامة شامتة،  فكم من المرات التي حاول بها إيقاع مجدي و البحث خلفه عن وجود دليل كي يُثبت علية تلك الإشاعات التي تدور حوله ،  و لكن باءت كل محاولاته بالفشل بل و ما كان يُحزن هذا الضابط أن ذاك المجدي كان يشتكية إلي رؤساءة و يتهمهُ بعرقلة عملة و التعمد إلي تسويئ سمعته داخل مدينة أسوان

تحدث إلية الضابط إيهاب ساخراً و هو مُبتسم بشماته واضحة ٠٠٠ أوعدك إن دي أخر مرة هدخل عليك فيها من غير إستئذان  ،،  بعد كده يومياً و أنا داخل عليك البورش و العساكر جايبين لك التعيين في الأروانة هبقا أخبط علي سعادتك علي باب الزنزانة

إبتلع لُعابهُ برعب و تحدث بكبرياء و صمود عكس ما يدور بداخلة ٠٠٠ هو حضرتك لسه ما زهقتش يا باشا من إتهاماتك الباطلة اللي من غير أي دليل دي  ؟

إبتسم له إيهاب و أردف قائلاً بتحدي ٠٠٠ المرة دي جاي لك و أنا معايا الدليل اللي إن شاء الله هيلف حبل المشنقة حوالين رقبتك يا مجدي

ثم أشار إلي رجالة ٠٠٠ فتشوا المكتب كله

إرتعب مجدي  و بدأوا الرجال بالتفتيش و من سوء حظة أنه لم يتخلص بعد من السلاح الذي إستخدمهُ في إرتكاب جريمته و أطلق منه تلك الرصاصة القاتلة علي جبين ناجي و التي أوقعته صريعً علي الفور

و تم القبض الفوري علي مجدي و بديع اللذان أنكرا كُل ما حدث في البداية و لكن النيابة إحتجزتهما أربعة أيام علي ذمة التحقيق لحين ظهور أدلة جديدة تثبت تورطهما أكثر

و بعد البحث الدقيق من رجال المخابرات تم العثور على مخزن تحت الأرض تابع لذلك المجدي ملئ بالأثار النادرة و العملات الأجنبية المتنوعة، و قد إعترف الرجال القائمون علي حراستة ملكية المخزن لمجدي حمدان مما أثبت التهمة علية و ألصقها به

ذهب عز إلي النيابة العامة مستأذنً إياهم و أتخذ إذنً بالسماح له بواسطة رئيسه بالعمل،  بالمشاركة في التحقيق مع مجدي و بديع و ذلك لعدم قانونيتة ،، و بالفعل بدأ بالتحقيق معهما بوجود رجلي نيابة أحدهما لمساعدة عز بالتحقيق و الأخر ليُسجل إعترافهما  ، لكنهما ضلا علي إصرارهما علي الإنكار و بعد ضغط عز عليهما و ممارسته أساليب الترهيب النفسي و التي تدرب عليها بإتقان داخل جهازةُ  و التي مارسها عليهما داخل التحقيق إنهارت أعصابهما و إعترفا بجريمتها الكاملة بقتل ناجي،

و أعترفا أيضاً علي تجارتهما بالأثار،  و ذكروا أسماء باقي أعضاء التنظيم و الذي ضم شخصيات معروفة و مرموقة داخل الدولة و هذا ما عزز من موقع عز داخل الجهاز و الذي بالتأكيد سيحصل من ورائة علي ترقية عالية و وسام

في اليوم الخامس ذهبت إبتسام كعادتها إلي المشفي وجدت ثٌريا جالسه و يبدوا وكأنها بإنتظارها  ،،

تحدثت إليها بسعادة ٠٠٠ حسن فاق يا بسمة و الدكاترة قالوا إن الحمدلله عدي مرحلة الخطر و نقلوة لأوضة عادية

شعرت و كأن روحها قد رٌدت إليها من جديد و تحدثت إليها ٠٠٠الحمدلله ،، أنا كدة إطمنت علية ،،
و أسترسلت حديثها بتألم ٠٠٠ خلي بالك منه كويس أوي يا ثٌريا ، و ياريت تحاولي تقنعية يسيب أسوان و يرجع إسكندرية معاكم

و أكملت بدموع ٠٠٠ كفاية عليه اللي شافه من أسوان و ناسها

نظرت إليها ثٌريا بعيون مٌتسعة و تساءلت بذهول ٠٠٠ معقولة يا بسمة اللي بسمعه منك ده  ،، قد كدة إنتِ طلعتي ضعيفة و هشه،  بالسهولة دي هتتخلي عن حسن و عن حلمك فية ؟

إبتسمت ساخرة بمرارة و أردفت قائلة بنبرة إمراة بائسة مهزومة ٠٠٠ حلمي هو اللي إتخلي عني مش انا اللي إتخليت عنه يا ثُريا ،، أنا و حسن إتقابلنا صدفة و أكتشفنا إن أرواحنا كانت بتتقابل في الملكوت قبل الزمان بزمان  ، حِلمنا نبني بيت جميل و أتمنينا نكمل حياتنا فية مع بعض ،، بس فجأة الحلم ده إتحول لكابوس و خنقنا جوا دوامتة اللي سحبتنا للقاع من غير رحمة

و تحدثت بيقين و تأكيد  ٠٠٠ و أكيد بباكي اللي كان رافض جوازنا قيراط قبل ما يعرفني أو حتي يشوفني  ،  هيرفض أربعة و عشرين بعد اللي حصل من إبن عمي الله يرحمه و يسامحة

تحدثت إليها ثٌريا بنبرة حزينه لعلمها بصحة حديثها ٠٠٠ طب حتي إدخلي سلمي علية لأخر مرة

أجابتها بنبرة يائسة ٠٠٠ كدة أحسن ليا و ليه يا ثٌريا،  خلية يتعود من ده الوقت علي غيابي !!

قالت كلماتها و أنسحبت للخارج تحت دموع ثريا التي إنهمرت بغزارة فوق وجنتيها ،، لم تدري أكانت دموعها تلك حٌزنً علي حال شقيقها و بسمته و ما أصابهما ؟

أم أنها علي ألمها الذي ينتظرها ،، فقد باتت تنتظر مؤخراً رحيل مالك روحها و متيمها الوحيد بين الحين و الآخر بعد أن تملك المرض من جسدة و أصبح الرحيل أمراً مٌحتم لا محال

ضلت جالسة بالخارج حتي هدأت ملامح وجهها و زالت أثار البكاء كي لا يراها شقيقها بتلك الحالة و يحزن

يُتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي