الفصل الرابع

دخل إلى مكتبه ثم ازاح سترته عنه معلقًا إياها في مكانها المخصص، ثم جلس خلف مكتبه يضغط على الزر الذي أمامه، دخل الأمين مؤديًا التحية العسكرية ثم أضاف: تؤمرني بحاجة يا باشا؟
-خليهم يعملولي قهوة، ثم أضاف: عملت ايه في الملعومات اللي قولتلك تجمعهالي؟
أشار بعينه إلى الملف الموضوع أمامه: كلها في الملف اللي قدام سعادتك يا باشا
نظر إلى ما كان يشير الأمين ثم قال وهو يشير بيده: تمام روح أنت
فتح الملف يقرأ ما به بتركيز شيدي، ثم أخذ قلمًا وخط به وهو يرسم دائرة على شيء ما قرر البدء من خلاله، فُتِح الباب فجأة دون مقدمات، لم يرفع عيناه عن الملف ثم قال بهدوء: خير يا حسام، وايه الصوت العالي اللي برا ده؟
أجابه حسام وهو يجلس قائلًا بلا مبالاة: أبدًا ده واحد بنت خبطت عربيته بعربيتها ومُصر يعمل محضر
-طب وايه اللي تم؟
ولا حاجة سبته يهاتي شوية بس البنت شكلها طيب
رفع عيناه عن الملف وهو يهتف: لا وأنت قلبك حنين
حسام بثقة: عندك شك!
لم يعطي بالًا لمَ قاله: طب دخلهم
نادى حسام بصوت جهوري: يا شوقي دخل اللي عندك
قُرع الباب ثم دخل شوقي ومن خلفه رجل في عقده الرابع من عمره بدين بعض الشيء شعره خفيف، يرتسم على محياه الغضب بسبب شدة انفعاله
.
تحدث الرجل سريعًا فور أن وقعت عيناه على الماكث خلف مكتبه: يا باشا البنت دي لازم يتعملها محضر عشان تتعلم الأدب، ثم أشار على فتاة تقف بجانبه تطرق برأسها إلى الأرض بتوتر شيديد، نظر له زين آمرًا إياه بالسكوت: حقك هيجيلك فياريت توطي صوتك
ثم وجه كلامه إلى الواقفة بجواره: هيا يا آنسة، ايه اللي حصل وياريت بإختصار!
رفعت نظرها ليرى القمر قد تجسد في صورة فتاة أقل ما ياقل إنها حورية من الجنة، ذات وجه ملائكي عينان بلون السماء الصافية في يوم ربيعي، حجاب يزين وجهها يداري شعرها.
أطال النظر إليها لذلك قرع حسام بضع طرقات على مكتبه، تحنح زين قليلًا يداري ما حدث منه للتو ثم أشار إليها بالجلوس، غضب الرجل لذلك قال بصوتًا عالي: اه ما هي بنت بقى ولازم تتعامل معاملة خاصة
نظر إليه زين نظرة ألجمته على الفور صائحًا به: أنا قولتلك تخرس خالص
ارتعشت أوصال الرجل: آسف يا باشا
قام من مكانه يلتف حول مكتبه متجهًا إلى الرجل: حضرتك مُصر تعمل محضر، مش كده؟
أجابه الرجل بعنجهية: اه، عشان تبقى بعد كده تشوف كويس
خرجت الفتاة عن صمتها وهي تقول: أنا اعتذرت لحضرتك كتير
أجابها الرجل بعصبية: وأنا هعمل ايه بإعتذارك ده؟
أشاحت بنظرها إلى الواقف بجانبه موجهة بحديثها إليه: والله يا فندم أنا قولتله إني مستعدة أتكفل بكل المصاريف المطلوبة
أمأ برأسه، ثم وجه حديثه إلى الرجل: بص أنا هعملك المحضر زي ما أنت عايز
فزعت الفتاة عندما سمعت جملته، لكنه أشار إليها بالهدوء لذلك صمتت تستمع إلى حديثه للآخر.
-لكن الموضوع هيتقفل وينتهي وساعتها هتبقى أنت الخسران
صمت الرجل يفكر قليلًا فيما يقال؛ علم أنه أصاب هدفه عندما لمح أنه ينصت إليه بتركيز لذلك أسترتسل في حديثه: أو تقبل أنها تتكفل بمصاريف خسارتك وتتنازل وساعتها تبقى أنت الكسبان.. ها ايه رأيك؟
وافق الرجل على مضض، كانت على وشك الخروج عندما أوقفها صوته: ياريت ماتسوقيش بسرعة مرة تانية وتاخدي بالك من الطريق
أومأت برأسها عدة مرات دون التحدث وهي تتذكر أنها على وشك أن تخسر عملها في يومها الأول منه.
**********************************************************************************************************************************
استيقظ من نومه بتكاسل على رنين هاتفه، مد ذراعه قسرًا إلى المنضدة ليلتقطه ليخرس رنينه المستفز ثم ألقاه بلا مبالاة يحاول إكمال نومه، لكنه فتح عيناه بتثاقل عند رنينه للمرة الخامسة أو السادسة منتشلًا إياه من عالم أحلامه، لذلك في النهاية اعتدل على فراشه فاسحًا المجال أمام النشاط يحتل جسده.
نظر إلى الهاتف بغيظ عندما شاهد اسمها يحتل هاتفه نطق اسمها بغيظ "يارا الشرقاوي" تأفف وهو يضغط على زر إستقبال المكالمة ليأتيه صوت أنثوي عبر الأثير: يوسف.. أخيرًا رديت!
رد على مضض: قصري يا يارا
قالت بعتاب: بقى كده يا يوسف
نفخ الأخير بضيق: بقولك ايه أنا لسة قايم من النوم ومش فايقلك.. سلام
ألقى بالهاتف على المنضدة ثم مسح يده بوجهه عدة مرات وهو يقوم من مكانه بتكاسل متجهًا إلى الحمام الملحق بغرفته، دقائق وخرج منه يتجه نحو خزانة ملابسه باحثًا بغينيه عما يناسبه لإرتدائه؛ دائمًا ما كان يهتم بأناقته بشكل كبير وكان ذلك له أثر كبير على التفيات الذين كانوا يحمون حوله كما الذباب الذي يلتف حول الحلوى، عكس شقيقه الأكبر "زين" الذي طالما كان يرى أنهم ما هم إلا ذنب كبير لا يغتفر، لذلك كان يفضل الإبتعاد عنهم قدر المستطاع وإلا عليك تحمل ما قد لا تحمد عليه عقباه
أخيرًا اختار قميص أسود اللون يبرز عضلات كتفيه، فالبلأخير قد تحمل الكثير في الصالة الرياضية وله الحق في إبرازهم؛ تطلع إلى إنعكاس صورته للمرة الأخيرة يرمق نفسه بنظرة رضا واضعًا نظارته الشمسية متجهًا إلى الخارج.
************************************************************************************************************************************8
"خلصتي فطارك؟"
كانت تلك الجملة البسيطة موجهة لتوأمته أمل، اجابته وهي ترتشف من مشروبها المفضل بهزة بسيطة من رأسها قائلة: أيوة خلصت ثم أضافت بتعجب: بس ايه النشاط ده كله؟
عبست ملامحه عندما سمع صوت والدته: أكيد محتاج فلوس
تكهرب الجو بينهما، بدايةً من نظرات والدته الغاضبة إلى نظرات التحدي التي كان يرمقها بها، لكنها سرعان ما تحولت تلك النظرات إلى نظرات لين وهويرسم شبح إبتسامة صفراء على ثغره: طب ما أنتِ عارفة أهو يا ست الكل
رفعت حاجبيها بإستنكار: وعايز كام المرة دي؟
أجابها: مش كتير
-موافقة اديهم ليك بس بشرط
تسائل بفضول: ايه هو؟
أجابته: هتعرفه في الوقت المناسب
كانت أمل تراقب الموقف بتعجب، لكنها سرعان ما نفضت تلك الأفكار عن عقلها وهي تقوم من مجلسها قائلة إنها قد انتهت وبإستطاعتهم الذهاب الآن
وضع نظارته الشمسية مرةً أخرى ثم قال: طب يلا بينا
سبقته أمل بالخارج عندما أوقفته والدته بصوت آمر: يوسف ياريت تبطل صرمحتك ليل ونهار مع بنت الشرقاوي
ألتفت إلأيها يتحدث بسخرية: أتمنى مايكونش ده شرطك!
اجابته ببرود: وإن كان هو؟
نظر إليها ومعالم السخرية تعتلي وجه ليخبرها: يبقى أهدرتي فرصتك الصراحة، لأنها هي اللي لازقة فيا مش أنا.. عن اذنك بقى
-مش ناوي تقولها تاني
أوقفته نبرتها المترجية لكنه إلتفت يخبرها صراحةً: للأسف مش قادر بعد اللي عرفته
كانت على وشك تبرير موقفها عندما قالت: صدقني أنا...
لكنه قاطعها بإشارة من يده قائلًا: أرجوكِ بلاش مبررات.. عن اذنك
***************************************************************************************************************************
ترجلت من سيارتها بثقتها التي اكتسبتها منذ توليها زمام الأمور، وقفت قليلًا تنظر بفخر وهي تتأمل ذلك المبنى الضخم الذي لولا مجهودها وتضحيتها ما كان، ثم وبخطوات واثقة خطت داخله والكل يُحيها بإحترام بالغ.
وقفت أمام المصعد المخصص بالرؤساء يلحقها حارسها الشخصي "حمزة" فاتحًا لها الباب، خطت بداخله وهو من خلفها نظرت له متسائلة: عملت اللي قولتلك عليه؟
أزمأ برأسه دلالة على الإيجاب ثم أخرج من جيب بنطاله سماعة حديثة بدون أسلاك للأذن، التقطتها منه ثم وضعتها بأذنها سريعًا وأشارت إليه بعينيها، ضغط على زر جهاز حديث بيده يسمى "الآيباد" ليأتيهم صوت أجش غاضب، لتضح صورتهم معًا لاحقًا:
-أنا كام مرة قولتلك تبطلي تتكلمي معايا في الموضوع ده هنا؟
اجابته بسخرية: وهو أنا بشوفك غير هنا
أجابها بغضب: لينا بيت نتكلم فيه
نظرت له بغضب يكاد يجزم معها أن لو كانت النظرات تحرق لكان رمادًا الآن، جاءته اجابتها بنبرة مليئة بالسخرية: بيت! تثدر تقولي أنت بقالك أد ايه رجلك ماخطتش باب البيت ده؟
نظر لها دون كلام لتجيب هي عنه: أنا أقولك، بقالك أربع شهور
أجابها بتلعثم: كنت مشغول ثم استرسل في حديثه بعصبية: ثم مش هي دي خطتك
-وهي خطتي كانت من ضمنها إنك تهملني أنا وابنك؟
وضع يده على فمها بخوف: هش، هتودينا في داهية
ازاحت يده بغضب: النهاردة لو ماجيتش ههد المعبد على اللي فيه، فاهم؟
اجابها بفزع لأنه يعلم جيدًا أنها ستفعلها: خلاص جاي
كانت تستمع إلى تلك امحادثة عندما صعد بها المصعد بهدوء إلى دور روؤساء الأقسام، ثم سارت في رواق طويل مفروش بالسجاد الأنيق، توقفت عند لافتة سوداء مزينة بحروف ذهبية كُتبت عليها "هدى الراوي" فتحت الباب فجأة ودخلت بعنجهيتها وشموخها المعتاد وهي تنظر بهدوء إلى الواقفين أمامها، وتعبير الدهشة يعتلي ملامح وجههما.
قالت بنبرة هادئة وهي تجلس خلف مكتبها الأنيق: قاطعتكم؟
بلل شفته السفلية بطرف لسانه قائلًا بتلعثم: لا.. لا.. خالص
ثم وجه حديثه إلى الواقفة أمامه ترمق الأخيرة بنظرات صارمة: اتفضلي أنتِ يا آنسة سلوى
شبح ابتسامة رسم على جانب ثغرها الأيمن وهي تردد في سرها بسخرية: آنسة!
لكنه سرعان ما نطق عندما وجه بحديثه إليها: جيتي ليه؟
اجابته بثقة وهي تضع قدم فوق الأخرى: محدش قالي إن صاحبة الشركة المفروض تاخد مواعيد قبل ما تيجي شركتها
تلعثم قائلًا: مقصدش.. كل اللي أقصده إنك قلتي إنك تعبامة ومش هتقدري تيجي الشركة النهاردة
اجابته بإختصار: خفيت، ياريت ننتبه بقى لشغلنا
-تمام
نظرت إلى الجالس أمامها نظرات سريعة: المنافسة دي لازم ترسى علينا إحنا
-متقلقيش كل شيء تحت السيطرة
-ورجالتنا؟
-جاهزين والمناقصة لينا
ادابته بكلمة مقتضبة: تمام
**********************************************************************************************************************
إتكأ على سيارته الفارهة وهو يخلع نظارته الشمسية لتظهر عيناه الرماديتان، وهو ينظر حوله باحثًا عن شخصًا ما بعنيه، زفر بإريحية عندما لم يجدها ليلفت انتباهه اهتزاز هاتفه، أخرجه من جيب بنطاله ليرى أن هنالك رسالة قد أرسلت إليه عبر تطبيق "الماسنجر" ابتسم عندما فتح الرسالة وهو يقرأ فحواها: يا صباح العسل، تعالة اشرب شاي بلبن معايا
بدأ في طباعة بضع كلمات مبتسمًا ثم ضغط على زر الإرسال: وهو في حد بيشرب شاي بلبن دلوقتي!
اجابته: أمال بيشربوا ايه على الصبح كده؟
فكر قليلًا ثم كتب: قهوة مثلًا!
-يا سيدي ده في العلم بتاعك أما بتاعي بنشرب شاي بلبن على الفطار عادي
ابتسم بملئ فاهه: وهو أنا عايش في عالم موازي ولا ايه؟
طبعت سريعًا: والله بعد السفينة الفضائية اللي شوفتها على صفحتك دي، أقدر أقول آه أنت عايش في عالم موازي بالفعل، وعلى فكرة ده مش حسد لا لا ابلسوتلي ده حقد طبقي
ضحك: يا بنتي حرام عليكِ فصلتيني ضحك
اجابته: عشان تعرف قيمتي ثم جاءته رسالة أخرى: يلا هقفل أنا بقى عشان هتأخر.. سلام
سلام
فصله عن عالمه صوتها عندما نادته: يوسف!
لم يكلف نفسه عناء النظر إليها حتى لكنها أسرعت من خطاها حتى أنها كادت أن تصل إلى الهرولة لتلحق به، جذبته من معصم يده، ليلتفت إليها مجبرًا قائلًا بتأفف: أهلًا يا يارا
واجهته وهي تتقدم نحوه بعيون ناعسة وتلف ذراعها حول عنقه: أنتَ بتتهرب مني ليه؟
أزاح ذراعها وهتف بجحود: وأتهرب منك ليه، مساكة عليا ذلة ولا عليا ليكِ فلوس؟
نظرت إليه بشوق: هو أنتَ مش بتحبني؟
همست بعتاب في محالو للإقتراب منه، لكنه ابتعد عنها وهو يعقد حاجبيه ببرود: أولًا ياريت متنسيش إننا في الجامعة، ثانيًا في قاموس يوسف الرفاعي مافيش كلمة فيه اسمها حب
ثم دنى منها قائلًا بإبتسامة خبيثة: وخصوصًا مع بنت سلمت نفسها لشاب من أول مرة
صاحت بغضب: أنت عارف أنا عملت كده عشان بحبم
عقد ذراعيه على صدره، وبلا مبالاة قال: يا شيخة قولي حاجة تتصدق، بقولك ايه باعدي عن طريقي عشان متزعليش مني.. سلام
تركها وعلامات الإشمئزاز تعتلي معلى محياه، أما عنها فجزت على أسنانها بغيظ وغضب واضح: يبقى أنت اللي بدأت يا يوسف
توقف عن سيره عندما استمع إليها: دايما يوسف الرفاعي هو اللي بيبدأ وهو اللي بينهي بردوا
ثم ذهب تاركًا إياها في وصمة عارها الذي لن يمحوه الزمن
*******************************************************************************************************************************
رغم أن "هدى" تمتعت كثيرًا بتلك الفترة مع "يحيى" واعترفت لنفسها بذلك إلا أنها تعلم أيضًا في قرارة نفسها أنها ستختار الفوز بذلك الرهان فمنذ متى وهدى الراوي تخسر؟
وقفت أمام المرآة تضع لمستها الأخيرة من زينتها ثم أرجعت بضع خصلات متمردة وراء أذنها وهي ترمي نفسها نظرة رضى ثم تحركت نحو الباب عندما سمعت صوت فُتنة: هدى هانم الفطار جاهز
اجابتها بإبتسامة: يلا بينا
ابتسم فُتنة بإحترام وهي تسير خلفها بهدوء، بعد قليل من الوقت كانت تترجل من سيارتها التي فتح بابها بواسطة سائقها يحيها بإحترام، شكرته ثم استدارت لتدخل المبنى الضخم بداخلها عزيمة أن عليها أن تكسب ذلك الرهان مهما كلفها الأمر
وصلت إلى مكتبه ثثم وقفت أمام الباب تطرقه وهي تدخل سريعًا دون أن يأذن لها بذلك، وجدته وحده منهمك في العمل، وقفت وهي تنظر إليه بإبتسامة منتشية لكنها سرعان ما استجمعت شتات نفسها وهي تردد بداخل عقلها: إنه مجرد رهان، فقط تذكري ذلك
رفع رأسه لأعلى عندما شعر أنه مراقب ليجدها واقفة أمامه بإبتسامة ساحرة حاملة كوبين استطاع أن يميز أنه مشروب ساخن بسبب البخار المتصاعد منهما: قلت أجيب نسكافية عشان نعرف نشتغل وإحنا مفوقين
ابتسم لها بأدب: متشكر لحضرتك
قالت بنبرة مندهشة: حضرتي!
ابتسم لكنه لم يتحدث، لذلك أكملت بعتاب: ليه بتقولي حضرتك؟
أجابها بإبتسامة مهذبة: عشان أنتِ صاحبة الشركة ومينفعش أقول غير كده
كانت على وشك الرد لكنه قاطعها بحزم: وقبل ما تعترضي هي دي الحقيقة ومش لازم نغفل عنها ويلا عشان نبدأ شغلنا
نظرت له نظرات تعجب، كيف لشا يبدو عليه العقل والرصانة أن يرفضها بذلك الشكل، فهذه سابقة منذ متى وهناك أحد يقول لها لا وبكل صراحة هكذا فهدى الراوي لا تسمح لأحد أن يقول لها تلك الكلمة حتى لو عن طريق المزحة، الآن لم يعد الموضوع محض رهان تم بين الصديقات في جلسة سمر، بل أصبح الآن تحدي بينها وبين نفسها، حسنًا يحيى الرفاعي منذ الآن أصبحت هدفي القادم وأنا لا أخطئ هدفي أبدًا
************************************************************************************************************************************
يسير بلا هوادة ونسمات الهواء الباردة تتخلل قسمات وجهه وهو يترقب وجوه المارة والواقفون بكوبري قصر النيل، أصدر هاتفه رنينًا مزعجًا لكنه اخرجه من جيب بنطاله ليغلقه حتى يستطيع الإنفراد بنفسه قليلًا أمام النيل الذي طالما آتاه ليفضي ما في جعبته له، ثم يجلس ويفكر ويصفي ذهنه ليتخذ القرار المناسب له لتكون لديه القوة إلى العودة لحياته الروتينية من جديد، وقف على الرصيف مستندًا بده على السور الحديدي، وهو يستقبل نسمات الهواء ناظرًا إلى مياه النيل التي تتلألأ بضوء القمر، فدائمًا ما كان يحبذ فكرة أن ينظر إليه من خلال إنعكاسه، فماذا إن كان القمر بعيد المنال فمن إشارة واحدة من النيل يصبح أمامك تستطيع أن تنظر إليه بإريحية بدلًا من رفع وجهك عاليًا، لكن اليوم يريد أن ينظر إليه من سمائه العالية، أشاح ببصره للسماء يحملق بعينيه إلى القمر يتحدث بهمس: لازم المرة دي تبص لفوق عشان ترعف مقدار نفسك كويس قبل ما تنساق ورا مشاعرك.. لازم تفوق يا يحيى
تراجع برأسه لأسفل ناظرًا إلى النيل مجددًا عندما لاحت صورتها مكان إنعكاس القمر تبتسم له قائلة: لكن لو شوفت كويس هتعرف أن القمر ممكن يتخلى عن وضعه عشان يقدر يكون مع اللي بيحبهم ويحبوه، بس هما يديله الفرصة زي النيل كده
ابتسم على حالته، ألهذه الدرجة وصل به الحال، أصبح يتخيلها بكل مكان.. تنهد يُجيب على تخيله: القمر عمره ما ينزل
-بس القمر قريب للي عايز يوصله
أفاق من حبل أفكاره وتخيلاته فجأة على صوت رجل يمر بجانبه وهو ينظر إليه بنظرات مريبة ممزوجة بشك من قدرات قواه العقلية، ثم ضرب كف فوق كف قائلًا: لا حول ولا قوة إلا بالله، أنت لسه صغير يا بني
ابتسم يحيى وقد فهم ما يرمي إليه الرجل محاولًا تبرير موقفه أمامه: الدنيا مشاغل والله يا حاج
مد يده في جيب بنطاله يخرج هاتفه الذ أصدر صوت نغمة الرسائل فور فتحه، قرأ فخوى الرسالة سريعًا عندما قأ اسم المرسل: حاولت اتصل بيك كتير بس موبايلك مغلق، أنا عربيتي عطلانة ومش عارفة أتصرف، أرجوك تعالى بسرعة
ضغط على زر الإتصال يحاول أن يصل إليها لكن دون جدوى، حاول أكثر من مرة لكن لم يصل إلى إجابة، لذلك أشار بيده لسيارة أجرة آتته سريعًا فور أن أشار لها ثم انطلقت به مسرعة إلى حيث أراد.
*****************************************************************************************************************************************
انتهى من أخذ حمامه سريعًا يلف وسطه بمنشفة بيضاء ثم ألتقط ثيابه يرتديها على عجلة بعدها جلس على حافة السرير ليربط حذائه ثم تناول هاتفه وضغط زر الإتصال، جاء صوت أنثوي رقيق من الجهة الأخرى
-حبيبي وحشتني
-أنتِ أكتر يا حبيبتي
ابتسمت بخجل ليشعر بها، لذلك ابتسم عندما تخيلها وحمرة الخجل تضغى على ملامحها، قال خالد وهو يتحرك من مكانه: ها.. جاهزة؟
جاهزة، ثم أضافت بإندهاش: مش قادرة أفهم إزاي أنسى عيد ميلادي!
أجابها سريعًا: أنا موجود عشان أفكرك
دائمًا قادر على أن يشعرها بأنها الفتاة الوحيدة على وجه الأرض، أجابت بهيام: ربنا يخليك ليا خالد.. ثم أضافت بصدق: أنا بحبك أوي
أجاب يصدقها القول: مش أكتر مني، بعدها أضاف على جالة: ويلا بقى أجهزي عشان لو نزلت ولاقيتك مش جاهزة، شوفي بقى هعمل ايه
تسائلت: هتعمل ايه؟
أجاب: ولا حاجة هستناكِ عادي
ضحكت ثم قالت: أنا أصلًا جاهزة ومستنياك، يلا متتأخرش
-تمام
أغلق خالد الخط وتناول مفاتيح سيارته ثم وقف أمام المرآة يلقي نظرة أخيرة على هندامه ليكون مظهره العام مرضي بشكل جذاب، ثم ألتقط عطره المفضل ليضع لمسته الأخيرة، أخرج بعدها محفظة نقوده يتأكد أن كل شيء على ما يرام ثم أخرج من درج مكتبه علبة صغيرة ووضعها في جيبه مغادرًا، نزل السلالم مسرعًا ووقف أمام شقتها، ثم مد يده نحو جرس الشقة التي فُتحت قبل أن تصل أصابعه إلى ذلك الزر، بمجرد أن رآته شعرت أنها تملك الدنيا وما فيها، لم تشعر بمثل هذا لإحساس إلا معه، ذلك الغريب الذي جاء ليهد كل حصون قلبها ليعلن أنه ليس بغريب بل أقرب إليها من حبل الوريد، اقترب منها واضعًا قبلة على كف يدها وهو يخرج علبة قطيقة حمراء اللون من جيب بنطاله قائلًا بهيام: كل سنة وكل ما ليا في الدنيا طيبة ومعايا ومنورة حياتي كلها
أطرقت رأسها بخجل تهمس بصوت مسموع: يارب على طول معايا يا حبيبي
-حبيبك على طول معاكِ، لأنك طول الوقت حاسة بيه
اجابته وهي تشير إلى موضع قلبها: ده أتخلق عشان يدق ليك أنت وبس
اقترب منها أكثر: ربنا يخليكِ ليا يا نبض القلب
أحمر وجهها خجلًا من جراء كلماته التي تقع على قلبها كزخات المطر، قاطع تلك اللحظة الرومانسية صوت والدتها التي رحبت بحفاوة بخطيب ابنتها تدعوه إلى الدخول، لكنه رفض بأدب قائلًا أن عليهم الذهاب الآن واعدًا إياها أن يعود بها باكرًا؛ وبمجرد نزولهم سبقها ببضع خطوات يفتح لها باب السيارة، حركة بسيطة لكنها كانت كفيلة أن تجعل قلبها يتراقص طربًا بين ضلوعها، ركب بجانبها وتحركت السيارة: على فين
غمز لها: مفاجأة
اجابته بفرحة: وأنا بحب المفاجأت
-عارف، ثم أكمل" بس ايه القمر ده؟
أحمر وجهها خجلًا مما سمعت لكنها لم ترد، مد يده ثم قام بفتح المسجل الذي أمامه على أغنية يعشقها تصف حال مقابلتهم الأولى، بدأت كلمات الأغنية تصدح وهو يردد كلماتها ناظرًا إليها برومانسية: كان يوم حبك أجمل صدفة لما قابلتك مرة صدفة ياللي جمالك أجمل صدفة.. كان يوم حبك صدفة..
ابتسمت بوجه متورد من الخجل، ليتوه هو في تلك الإبتسامة الساحرة التي طالما كانت قادرة على خطفه من عالمه المرير إلى عالمها الوردي، مد يده آخذًا يدها طابعًا قبلة ثم قال: توعديني أنك متبعديش عني مهما حصل
أجابته بنبرة حانية خرجت من أعماقها ولو حاولت أن تخرجها بملئ استطاعتها ما استطاعت: حياتي من غيرك ماتسواش، عشان كده اطمن عمري ما هسيبك ولا في حياة ولا في ممات
رفع حاجبه الأيمن بإستنكار يقول بطريقة كوميدية: يعني هتفضلي على قلبي، ده ايه الغلب ده بس ياربي
كشرت تمط شفتيها بطريقة طفولية: أنا غُلب
جاءها الرد سيرعًا: أحلى غُلب
وصلا إلى مكانهم المنشود وترجلا سريعًا من السيارة، نظرت إليه بفرحة أطفال بملابس العيد: ملاهي!
-ايه رأيك في المفاجأة
أجابته بسعادة وهي تتأبط ذراعه: مش محتاجة سؤال طبعًا
تحرك بها متجهًا إلى بوابة الدخول ليصلهم صراخ الفتيات خوفًا وفرحًا بالألعاب وبما يفعلون، وأصوات أطفال تتعالى بسعادة تخرق الآذان كانت الفرحة والسعادة تعم المكان، وقفت أمام الألعاب ليبادرها بسؤاله: حابة تركبي ايه رفعت رأسها تنظر للأعلى وهي تمط شفتيها تفكر بماذا عليها البدء ثم أجابت: نركب التوريندو
انحنى بطريقة كوميدية أمامها: اللي تؤمر بيه مولاتي
يتبع
#رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي