الفصل الواحد و العشرون
مر يومان و بقي الحال كما هو .. يومين اختفت بهما الفرحة صار الوقت ثقيلا و كأنه هو الاخر يفتقدها و يفتقد ضحكتها .. اصبح الوقت ثقيلا و كانه يرفض ان يمر و هي لا تملأءه ..
جلس اسعد علي مكتبه شاردا بوجه متجهم و تنهيدات حائرة ..
انتبه علي رنين هاتفه فحمله ليزفر بضيق ثم اجاب ببرود قائلا :
_ الو .
صرخت به دعاء وقالت بحدة من قلقها عليه :
_ الو ايه يا اسعد انت مختفي من يومين ليه قلقتيني عليك يا اخي .. انت كويس و لا تعبان ده انا رنيت علي فرحة علشان اطمن عليك بس الفون بتاعها مقفول .
ابتسم اسعد بسخرية و اجابها بفتور :
_ معلش يا دعاء انا اسف والله بس عندي توتر كده و عندي مشاكل كتير فا مش عارف اكلمك و لا فرحة هتقدر تكلمك معلش بلاش ترني عليها لو سمحتي .
قطبت دعاء حاجبيها و قالت بتعجب من طريقته :
_ مالك بس انا اول مره اسمع صوتك بالطريقه دي .. انت في ايه ما لك ؟ انت كويس .. صحتك كويسه الاولاد وفرحه كويسين طمني قلقتني يا اسعد .
ارخي اسعد كتفيه و قال بوهن بادى بنبرته و انفاسه :
_ احنا كويسين يا دعاء الحمد لله معلش هو بس شويه مشاكل و الدنيا مخبطه عندي شويه .. فا مش قادر اتكلم معلش و ده اللي بعدني اليومين اللي فاتوا .
اجابته دعاء قائلة بتفهم و شوق لصوته و اهتمامه بها :
_ ولما انا كانت الدنيا ملخبطه عندي ما انت كنت بتسمعني وكنت بشتكي لك في ايه اسعد .. لو ما اتكلمتش معايا هتتكلم مع مين بس ؟!!
اسند اسعد راسه علي يده و قال بهدوء :
_ في حاجات احسن لك ما تعرفيهاش يا دعاء كل واحد فينا في حياته حاجات بيحب يخليها لنفسه .. انا لسه مش عارف احكي لك ولا ما حكلكيش ولا اعمل ايه في اللي انا فيه ده .. الدنيا ملخبطه قوي ما كنتش متخيل انها هتتلخبط كده ابدا .. للاسف محسبتهاش .
ترأفت دعاء بحاله و قالت بتساؤل فضولي كاد ان يقتلها ان كتمته :
_ يا اسعد قلقتني هو الموضوع كبير يعني حاجه ليها علاقة مثلا بالشغل ولا ليها علاقه بالبيت ولا ليها علاقه بالاولاد ؟! هيكون ايه يعني ؟!! ايه اللي عمل فيك كدهو مخلي صوتك حزين للشكل ده و واجعلي قلبي معاك و الله .
زفر اسعد بضيق من الحاحها و قال بنفاذ صبر :
_بلاش تعرفي يا دعاء .. عشان خاطري بلاش تضغطي عليا .. سيبيني انا مع الوقت كده هكون صفيت وهديت و هاقدر احكي لك يمكن .. وهكون قدرت اعقل شويه المشكله اللي انا فيها او الاقي لها حل عشان لما احكي لك ابقى مرتاح .
لاحظت بنبرته العصبية علي غير عادته فقالت بخجل :
_ وانا مش عايزه اضغط عليك .. مش عايزه احس ان انا عبء فوق عبئك لانه واضح ان انت شايل كتير قوي .. عموما انا موجوده وقت ما تحب تتكلم هسمعك زي ما انت سمعتني من قبل كده .. خلي بالك من نفسك .. و بجد انا موجوده وهستناك بس طمني عليك على الاقل اتفقنا .
اومأ اسعد براسه و قال بفتور :
_ حاضر ان شاء الله .. خلي بالك كمان انتي من نفسك و لو احتاجتيني في اي حاجه او في اي وقت كلميني .. سلام .
لم ينتظر جوابها و اغلق الخط و القي بهاتفه علي المكتب لاعنا نفسه و غباؤه .. هو المذنب الوحيد هنا فدعاء مجرد شخص متعطش لاي مشاعر من اي نوع و هو استغل حاجتها تلك في ان يعيد لقلبه شباب الحب من جديد ..
لكنه شعور وهمي فما يشعر به بغياب فرحة يشير له انه يعشقها لا يحبها و فقط و مقابل حبها و عمرها الذي اضاعته عليه و علي اولاده جرحها و كسرها بمنتهي اليسر و السهولة ..
..............................................................
...............
كانت تسير و هي تحرك كفيها بحركة هيستيرية و كأنها تتحدث مع احدهم .. و احدهم ذاك هو نفسها و فقط .. طالعت ايمان حركاتها بإشفاق فاسرعت قائلة بإشفاق :
_ يا غدير يا حبيبتي ايا كان المشاكل اللي بين باباكي ومامتك انتي مالكيش دعوه لازم تفصلي تماما .. هما ادري بحياتهم .. وهما يعيشوهل زى ما هما عاوزين سوء صح او غلط من وجهة نظرك .. اختاروا يكملوا مع بعض او اختاروا ما يكملوش مع بعض دي حياتهم يا حبيبتي .
خرجت غدير من شرودها علي حديث ايمان المتعقل فالتفتت اليها و قالت برجاء :
_ ايمان انا حكيت لك عشان انا بثق فيكي وعارفه ان انا الكلام اللي انا بقوله ده مش هيخرج من بينا .. بس عشان خاطري اوعى الكلام ده ياثر اللي بينك وبين سليم هو مالوش ذنب و الله .
تطلعت ايمان امامها و احتضنت كتبها و قالت بتعقل ثابت :
_ انا ما فيش بيني وبين سليم حاجه يا غدير .. خلي بالك من كلامي دي كويس .. احنا لغايه دلوقتي ما فيش بيننا اي حاجه ولا اي ارتباط رسمي احنا لسه بندرس ومش فاضيين للكلام ده .. ارجوكي انتي كمان تحطي الكلام ده في عقلك احنا مش فاضيين للكلام ده ورانا دراسه و لازم تركزي ولازم ننجح .. و عندنا اهدافنا اللي لازم نوصلها يا غدير .. عشان خاطري سيبك خالص من اللي بيحصل حواليكي انتي متخيله لو انتي ام هترضي اولادك يتحطوا في الدوامه دي .
جلست غدير علي اقرب مقعد و قالت بعبوس حزين :
_ انا مش بايديا يعني .. انا اتحطيت فيها غصب عني هما ما عملوش حساب ليا في اي حاجه .. اه ماما كانت رافضه ان انا اسمع او اعرف حاجة .. وكانت طول الوقت بتطالبني اني انا افضل في اوضتي . بس انا الفضول قتلني وكان لازم اعرف ايه اللي بيدور حواليا قوي و يا ريتني ما عرفت يا ريتني .. بس دلوقتي انا في نار انا مش عارفه اعمل ايه ؟!!
تنحنحت ايمان بخجل و قالت و هي تفرك اناملهابخجل :
_ طب هو سليم عامل ايه في الموضوع ده ؟!!
تنهدت غدير بحزن و قالت بأسي :
_ سليم سابني لواحدى لاول مرة من يوم ما اتولدنا .. رفض انه ماما تعيش لوحدها في البيت راح معاها .. وعرفت ان هو اتبهدل معاها في تنضيف البيت عشان يعرفوا يعيشوا فيه وسابنى لوحدى مع بابا .. انتي عارفه اننا احنا الاتنين عمرنا ما افترقناش عن بعض ابدا .. مش عارفه هعيش ازاي انت من غيره هو وماما .. ولغايه دلوقتي محتاره مش فاهمه اي حاجه من اللي حصلت دي .
ابتسمت عيني ايمان بإعجاب و قالت بتساؤل ماكر :
_ يعني هو اتخطي الموضوع ولا زيك محتار ؟!
اجابتها غدير مسرعة و قالت بتوضيح :
_ لا هو كان عارف من الاول .. كان ملاحظ حاجات انا ما اخدتش بالي منها و يا حبيبي فضل متعذب وشايل جواه .. ودلوقتي هو ما ينفعش يزعل زي ما ينفعش يتضايق لان ماما في رقبته والبيت كله بقى في رقبته .. فهو اللي بيرضى هنا وهناك و عامل زي المكوك رايح جاي بين بابا و ماما .. وانا مش عارفه اعمل ايه او اساعده ازاى .. وهو صعبان علي وانا حاسه ان انا كمان بقيت عبء عليه .
تنهدت ايمان براحة بعدما انتقلت ابتسامة عيناها لشفتيها و قالت :
_ يا حبيبتي سليم راجل وقدها ان شاء الله .. وانا واثقه فيه ودي من المواقف اللي خليته كبر في عيني قوي انه مستسلمش انه ما عملش زيك انه عارف ان دي مسئوليه وده بيت لازم يفضل مفتوح ولازم يفضلوا متجمعين فيه .. كلنا بنغلط وكلنا بتمر علينا لحظات ممكن نغلط ونعمل حاجات احنا نفسنا ما نتخيلتش ان احنا نعملها .. بس لازم الدنيا تستمر ولازم الحياه هتستمر سواء مامتك وافقت انها ترجع لباباكي او وفضلت ان هي تعيش لوحدها .. لازم انتم تبقوا موافقين و تساندوا قرارها .
اومات غدير براسها و قالت بتاييد :
_ والله انا ما عندي مشكله انا كل مشكلتي انه ياريت تسامح يا ريت ترجع ومش عايزه اضغط عليها لان انا لو مكانها مش هسامحه ومش هارجع انا لو محطوطه في الوضع اللي هي فيه مش هسامح بس انا كل اللي انا عايزه ان احنا نفضل متجمعين تاني .. تتخيلي انك تقعدي تفطري وتتغذى وتتعشى لوحدي .. البيت بقا بارد مش لاقيه حتى حد اتكلم معاه .. البيت اللي كان كله ضحك وحركه بقى ساكت بقى ميت .
ربت ايمان علي ظهرها بحنو و قالت بنبرة هادئة مازحة :
_ قلولي يا رب يا حبيبتي قلولي يا رب .. وبعدين يا ستي كلها سنتين وهتسيبي البيت ده سواء فرحان سواء زعلان و هتروحي بيت جوزك فخلاص يعني ما فيهاش حاجه استحملي شويه هما سنتين عمي .
رفعت غدير عيناها بملل و قالت بتذمر :
_ هو ده وقت هزار يا ايمان انتي كمان يا حبيبتي .. انا تعبانه والله مش مستحمله اي كلمه .
تطلعت ايمان حولها و قالت بتعقل :
_ انا بحاول اخرجك من اللي انتي فيه يا غدير وعارفه انك قدها ومش هتطولي و هتفهمي .. اهم حاجه تفهمي اللي بيحصل حواليكي .. مامتك هي دي حياتها وهي حره فيها .. لازم تاخذ وقتها بالتفكير براحتها ما تضغطش عليها ابدا زي ما سليم بيعمل كده .. انت هتهتمي بمامتك ولازم كمان تهتمي باباكي عشان يرجع عشان يبعد عن الطريق اللي هو فيه .. انما عنادك معاه هيزود بعده اكتر و اكتر و هيخليه يستمر في انه يدور علي اللي ناقصه بره .. فهماني .
سحبت غدير نفسا طويلا و قالت بتعقل هادىء :
_ فعلا معاكي حق .. انا لازم اهتم بيه ولازم احسسه ان انا مش زعلانه ولازم كل طلباته اعملهاله .. بابا لازم يرجع البيت عشان لو بابا رجع ماما هترجع هما الاتنين بيحبوا بعض انا متاكده .. اللي حصل ده حاجه غريبه انا مش فاهماها ومش قادره افسرها .. بس اللي انا عارفاه ان هما الاثنين بيحبوا بعض بجد .
ابتسمت ايمان وطالعتها بزهو و قالت :
_ بالظبط .. شوفتي لما بداتي تفكري بهدوء وشغلتي الطاسة اللي جوه دماغك بداتي تطلعي افكار حلوه اهه ..لازم يا حبيبتي لا تضغطي عليه ولا تضغطي عليها لازم ترجعيه عشان هي ترجع وكل حاجه محتاجه وقت وانتي لازم تحترمي الوقت بس يا حبيبتي .
ابتسمت غدير لاول مرة منذ ايام و طالعتها لثواني قبل ان تقول بإعجاب :
_ بت يا ايمان تصدقي والله الواد سليم بيفهم انه حبك .
احمرت وجنتي ايمان و فركت اصابعها و قالت بخجل :
_ بيحبني !! يعني هو مش بس عايز يخطبني وكده و خلاص .. يعني هو بيحبني بجد .
لوت غدير ثغرها بحنق و قالت بامتعاض :
_ والنبي بلاش محن عشان ايه انا مرارتي مفقوعة اصلا ومش طايقة حد .. و اه يا اختي بيحبك هو بيحبك وبيعمل كل حاجه عشانك .. اشتري عربيه عشانك وبيخلص في شقته عشانك وعمال ايه ياكل بإيديه واسنانه في شغله عشان يترقى ومرتبه ويزيد عشانك مش عشان نفسه .. هتصيعي عليا و لا ايه و تعملي انك اتصدمتي .
تنحنحت ايمان بخجل و وقفت محتدة و قالت بصياح هادىء :
_ خلاص خلاص ايه ما صدقتي تفتحي فيا .. يلا يا ماما ورانا محاضره .. يلا بلاش لعب عيال .
وقفت غدير بجوارها و قالت توجس من ردة فعلها :
_ يوسف كلمني تاني من كام يوم و علي فكرة بدأت اصدقه و اصدق انه صادق معايا و بيحبني بجد زى ما سليم بيحبك و مستنيكي .
اسرعت ايمان قائلة بنبرة محتدة :
_ لا متشبهيش يوسف بسليم ابدا يا غدير .. سليم عمره ما تجاوز معايا و لا لاحقني بالفون او الفيس بوك بالعكس انا بحترم صبره و تقديره ليا و يوسف فاكرك زى اى بنت بيعرفها .
عدلت غدير من حقيبتها و قالت ببرود :
_ انا اصلا مش فاضية للهري ده اللي فيا مكفيني يالا لنتاخر عالمحاضرة .
فكرت ايمان قليلا و قالت لها :
_ اسبقيني انتي و انا هجيب ازازة ماية و هكلم ماما اطمن عليها و اجيلك .
اومات غدير براسها و قالت :
_ تمام هحجزلك مكان جنبي بس متتاخريش .
تركتها و ابتعدت فاخرجت ايمان هاتفها و دخلت قائمة ارقامها و ضغط الاتصال برقم سليم الذ فرك عينيه اكثر من مرة ليتاكد انه رقم ايمان و انها هي من تهاتفه .. اجاب الاتصال قائلا :
_ السلام عليكم .
وضعت ايمان كفها علي قلبها الذي بات يقصف بقوة و قالت بارتباك ملحوظ :
_ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .. انا اسفة لو اتصلت بيك بس الموضوع اللي عاوزة اتكلم معاك فيه مهم جدا .
اجابها سليم قائلا بابتسامة زينت وجهه الرجولي قائلا :
_ انا تحت امرك و واثق انه موضوع مهم اللي يخليكي تكلميني .
تمالكت ايمان ارتباكها و قالت :
_ الموضوع بخصوص غدير .. في ولد معانا بالجامعة بقاله سنتين بيجرى وراها و هي بتصده بس انا من خلال خوفي عليها و انها اختي و اكتر اتصلت بيك علشان اقولك انها ردت عليه و انا خايفة الموضوع يتطور بينهم .
اشتعلت عيني سليم و قال بضيق :
_ مين ده و عاوز منها ايه ؟!!
تطلعت ايمان لساعة معصمها و قالت :
_ ده اللي اقدر انا اقوله انت قرب منها و انت هتعرف كل حاجة انا مضطرة اقفل دلوقتي لان المحاضرة هتبدأ و مش هوصيك بلاش غدير تعرف اني انا قولتلك حاجة علشان ما تفقدش الثقة فيا و تفضل تقولي اسرارها .
طأطأ سليم راسه بالم و قال بتنهيدة مشتعلة من هذا الحمل الذي بات يحمله علي عاتقه بيوم و ليلة :
_ ما تقلقيش انا بتعامل مع الامور اللي زى كده بالعقل .. و متشكر انك عرفتيني و غدير محظوظة انه ليها صديقة بنقائك .
اسرعت ايمان قائلة بخجل :
- متشكرة مع السلامة .
و اغلقت الخط قبل ان تنظر اجابته و هي تسيطر علي انفاثها اللاهثة و سارت مسرعة ناحية مدرجها ..
..............................................................
................
جلس اسعد علي مكتبه شاردا بوجه متجهم و تنهيدات حائرة ..
انتبه علي رنين هاتفه فحمله ليزفر بضيق ثم اجاب ببرود قائلا :
_ الو .
صرخت به دعاء وقالت بحدة من قلقها عليه :
_ الو ايه يا اسعد انت مختفي من يومين ليه قلقتيني عليك يا اخي .. انت كويس و لا تعبان ده انا رنيت علي فرحة علشان اطمن عليك بس الفون بتاعها مقفول .
ابتسم اسعد بسخرية و اجابها بفتور :
_ معلش يا دعاء انا اسف والله بس عندي توتر كده و عندي مشاكل كتير فا مش عارف اكلمك و لا فرحة هتقدر تكلمك معلش بلاش ترني عليها لو سمحتي .
قطبت دعاء حاجبيها و قالت بتعجب من طريقته :
_ مالك بس انا اول مره اسمع صوتك بالطريقه دي .. انت في ايه ما لك ؟ انت كويس .. صحتك كويسه الاولاد وفرحه كويسين طمني قلقتني يا اسعد .
ارخي اسعد كتفيه و قال بوهن بادى بنبرته و انفاسه :
_ احنا كويسين يا دعاء الحمد لله معلش هو بس شويه مشاكل و الدنيا مخبطه عندي شويه .. فا مش قادر اتكلم معلش و ده اللي بعدني اليومين اللي فاتوا .
اجابته دعاء قائلة بتفهم و شوق لصوته و اهتمامه بها :
_ ولما انا كانت الدنيا ملخبطه عندي ما انت كنت بتسمعني وكنت بشتكي لك في ايه اسعد .. لو ما اتكلمتش معايا هتتكلم مع مين بس ؟!!
اسند اسعد راسه علي يده و قال بهدوء :
_ في حاجات احسن لك ما تعرفيهاش يا دعاء كل واحد فينا في حياته حاجات بيحب يخليها لنفسه .. انا لسه مش عارف احكي لك ولا ما حكلكيش ولا اعمل ايه في اللي انا فيه ده .. الدنيا ملخبطه قوي ما كنتش متخيل انها هتتلخبط كده ابدا .. للاسف محسبتهاش .
ترأفت دعاء بحاله و قالت بتساؤل فضولي كاد ان يقتلها ان كتمته :
_ يا اسعد قلقتني هو الموضوع كبير يعني حاجه ليها علاقة مثلا بالشغل ولا ليها علاقه بالبيت ولا ليها علاقه بالاولاد ؟! هيكون ايه يعني ؟!! ايه اللي عمل فيك كدهو مخلي صوتك حزين للشكل ده و واجعلي قلبي معاك و الله .
زفر اسعد بضيق من الحاحها و قال بنفاذ صبر :
_بلاش تعرفي يا دعاء .. عشان خاطري بلاش تضغطي عليا .. سيبيني انا مع الوقت كده هكون صفيت وهديت و هاقدر احكي لك يمكن .. وهكون قدرت اعقل شويه المشكله اللي انا فيها او الاقي لها حل عشان لما احكي لك ابقى مرتاح .
لاحظت بنبرته العصبية علي غير عادته فقالت بخجل :
_ وانا مش عايزه اضغط عليك .. مش عايزه احس ان انا عبء فوق عبئك لانه واضح ان انت شايل كتير قوي .. عموما انا موجوده وقت ما تحب تتكلم هسمعك زي ما انت سمعتني من قبل كده .. خلي بالك من نفسك .. و بجد انا موجوده وهستناك بس طمني عليك على الاقل اتفقنا .
اومأ اسعد براسه و قال بفتور :
_ حاضر ان شاء الله .. خلي بالك كمان انتي من نفسك و لو احتاجتيني في اي حاجه او في اي وقت كلميني .. سلام .
لم ينتظر جوابها و اغلق الخط و القي بهاتفه علي المكتب لاعنا نفسه و غباؤه .. هو المذنب الوحيد هنا فدعاء مجرد شخص متعطش لاي مشاعر من اي نوع و هو استغل حاجتها تلك في ان يعيد لقلبه شباب الحب من جديد ..
لكنه شعور وهمي فما يشعر به بغياب فرحة يشير له انه يعشقها لا يحبها و فقط و مقابل حبها و عمرها الذي اضاعته عليه و علي اولاده جرحها و كسرها بمنتهي اليسر و السهولة ..
..............................................................
...............
كانت تسير و هي تحرك كفيها بحركة هيستيرية و كأنها تتحدث مع احدهم .. و احدهم ذاك هو نفسها و فقط .. طالعت ايمان حركاتها بإشفاق فاسرعت قائلة بإشفاق :
_ يا غدير يا حبيبتي ايا كان المشاكل اللي بين باباكي ومامتك انتي مالكيش دعوه لازم تفصلي تماما .. هما ادري بحياتهم .. وهما يعيشوهل زى ما هما عاوزين سوء صح او غلط من وجهة نظرك .. اختاروا يكملوا مع بعض او اختاروا ما يكملوش مع بعض دي حياتهم يا حبيبتي .
خرجت غدير من شرودها علي حديث ايمان المتعقل فالتفتت اليها و قالت برجاء :
_ ايمان انا حكيت لك عشان انا بثق فيكي وعارفه ان انا الكلام اللي انا بقوله ده مش هيخرج من بينا .. بس عشان خاطري اوعى الكلام ده ياثر اللي بينك وبين سليم هو مالوش ذنب و الله .
تطلعت ايمان امامها و احتضنت كتبها و قالت بتعقل ثابت :
_ انا ما فيش بيني وبين سليم حاجه يا غدير .. خلي بالك من كلامي دي كويس .. احنا لغايه دلوقتي ما فيش بيننا اي حاجه ولا اي ارتباط رسمي احنا لسه بندرس ومش فاضيين للكلام ده .. ارجوكي انتي كمان تحطي الكلام ده في عقلك احنا مش فاضيين للكلام ده ورانا دراسه و لازم تركزي ولازم ننجح .. و عندنا اهدافنا اللي لازم نوصلها يا غدير .. عشان خاطري سيبك خالص من اللي بيحصل حواليكي انتي متخيله لو انتي ام هترضي اولادك يتحطوا في الدوامه دي .
جلست غدير علي اقرب مقعد و قالت بعبوس حزين :
_ انا مش بايديا يعني .. انا اتحطيت فيها غصب عني هما ما عملوش حساب ليا في اي حاجه .. اه ماما كانت رافضه ان انا اسمع او اعرف حاجة .. وكانت طول الوقت بتطالبني اني انا افضل في اوضتي . بس انا الفضول قتلني وكان لازم اعرف ايه اللي بيدور حواليا قوي و يا ريتني ما عرفت يا ريتني .. بس دلوقتي انا في نار انا مش عارفه اعمل ايه ؟!!
تنحنحت ايمان بخجل و قالت و هي تفرك اناملهابخجل :
_ طب هو سليم عامل ايه في الموضوع ده ؟!!
تنهدت غدير بحزن و قالت بأسي :
_ سليم سابني لواحدى لاول مرة من يوم ما اتولدنا .. رفض انه ماما تعيش لوحدها في البيت راح معاها .. وعرفت ان هو اتبهدل معاها في تنضيف البيت عشان يعرفوا يعيشوا فيه وسابنى لوحدى مع بابا .. انتي عارفه اننا احنا الاتنين عمرنا ما افترقناش عن بعض ابدا .. مش عارفه هعيش ازاي انت من غيره هو وماما .. ولغايه دلوقتي محتاره مش فاهمه اي حاجه من اللي حصلت دي .
ابتسمت عيني ايمان بإعجاب و قالت بتساؤل ماكر :
_ يعني هو اتخطي الموضوع ولا زيك محتار ؟!
اجابتها غدير مسرعة و قالت بتوضيح :
_ لا هو كان عارف من الاول .. كان ملاحظ حاجات انا ما اخدتش بالي منها و يا حبيبي فضل متعذب وشايل جواه .. ودلوقتي هو ما ينفعش يزعل زي ما ينفعش يتضايق لان ماما في رقبته والبيت كله بقى في رقبته .. فهو اللي بيرضى هنا وهناك و عامل زي المكوك رايح جاي بين بابا و ماما .. وانا مش عارفه اعمل ايه او اساعده ازاى .. وهو صعبان علي وانا حاسه ان انا كمان بقيت عبء عليه .
تنهدت ايمان براحة بعدما انتقلت ابتسامة عيناها لشفتيها و قالت :
_ يا حبيبتي سليم راجل وقدها ان شاء الله .. وانا واثقه فيه ودي من المواقف اللي خليته كبر في عيني قوي انه مستسلمش انه ما عملش زيك انه عارف ان دي مسئوليه وده بيت لازم يفضل مفتوح ولازم يفضلوا متجمعين فيه .. كلنا بنغلط وكلنا بتمر علينا لحظات ممكن نغلط ونعمل حاجات احنا نفسنا ما نتخيلتش ان احنا نعملها .. بس لازم الدنيا تستمر ولازم الحياه هتستمر سواء مامتك وافقت انها ترجع لباباكي او وفضلت ان هي تعيش لوحدها .. لازم انتم تبقوا موافقين و تساندوا قرارها .
اومات غدير براسها و قالت بتاييد :
_ والله انا ما عندي مشكله انا كل مشكلتي انه ياريت تسامح يا ريت ترجع ومش عايزه اضغط عليها لان انا لو مكانها مش هسامحه ومش هارجع انا لو محطوطه في الوضع اللي هي فيه مش هسامح بس انا كل اللي انا عايزه ان احنا نفضل متجمعين تاني .. تتخيلي انك تقعدي تفطري وتتغذى وتتعشى لوحدي .. البيت بقا بارد مش لاقيه حتى حد اتكلم معاه .. البيت اللي كان كله ضحك وحركه بقى ساكت بقى ميت .
ربت ايمان علي ظهرها بحنو و قالت بنبرة هادئة مازحة :
_ قلولي يا رب يا حبيبتي قلولي يا رب .. وبعدين يا ستي كلها سنتين وهتسيبي البيت ده سواء فرحان سواء زعلان و هتروحي بيت جوزك فخلاص يعني ما فيهاش حاجه استحملي شويه هما سنتين عمي .
رفعت غدير عيناها بملل و قالت بتذمر :
_ هو ده وقت هزار يا ايمان انتي كمان يا حبيبتي .. انا تعبانه والله مش مستحمله اي كلمه .
تطلعت ايمان حولها و قالت بتعقل :
_ انا بحاول اخرجك من اللي انتي فيه يا غدير وعارفه انك قدها ومش هتطولي و هتفهمي .. اهم حاجه تفهمي اللي بيحصل حواليكي .. مامتك هي دي حياتها وهي حره فيها .. لازم تاخذ وقتها بالتفكير براحتها ما تضغطش عليها ابدا زي ما سليم بيعمل كده .. انت هتهتمي بمامتك ولازم كمان تهتمي باباكي عشان يرجع عشان يبعد عن الطريق اللي هو فيه .. انما عنادك معاه هيزود بعده اكتر و اكتر و هيخليه يستمر في انه يدور علي اللي ناقصه بره .. فهماني .
سحبت غدير نفسا طويلا و قالت بتعقل هادىء :
_ فعلا معاكي حق .. انا لازم اهتم بيه ولازم احسسه ان انا مش زعلانه ولازم كل طلباته اعملهاله .. بابا لازم يرجع البيت عشان لو بابا رجع ماما هترجع هما الاتنين بيحبوا بعض انا متاكده .. اللي حصل ده حاجه غريبه انا مش فاهماها ومش قادره افسرها .. بس اللي انا عارفاه ان هما الاثنين بيحبوا بعض بجد .
ابتسمت ايمان وطالعتها بزهو و قالت :
_ بالظبط .. شوفتي لما بداتي تفكري بهدوء وشغلتي الطاسة اللي جوه دماغك بداتي تطلعي افكار حلوه اهه ..لازم يا حبيبتي لا تضغطي عليه ولا تضغطي عليها لازم ترجعيه عشان هي ترجع وكل حاجه محتاجه وقت وانتي لازم تحترمي الوقت بس يا حبيبتي .
ابتسمت غدير لاول مرة منذ ايام و طالعتها لثواني قبل ان تقول بإعجاب :
_ بت يا ايمان تصدقي والله الواد سليم بيفهم انه حبك .
احمرت وجنتي ايمان و فركت اصابعها و قالت بخجل :
_ بيحبني !! يعني هو مش بس عايز يخطبني وكده و خلاص .. يعني هو بيحبني بجد .
لوت غدير ثغرها بحنق و قالت بامتعاض :
_ والنبي بلاش محن عشان ايه انا مرارتي مفقوعة اصلا ومش طايقة حد .. و اه يا اختي بيحبك هو بيحبك وبيعمل كل حاجه عشانك .. اشتري عربيه عشانك وبيخلص في شقته عشانك وعمال ايه ياكل بإيديه واسنانه في شغله عشان يترقى ومرتبه ويزيد عشانك مش عشان نفسه .. هتصيعي عليا و لا ايه و تعملي انك اتصدمتي .
تنحنحت ايمان بخجل و وقفت محتدة و قالت بصياح هادىء :
_ خلاص خلاص ايه ما صدقتي تفتحي فيا .. يلا يا ماما ورانا محاضره .. يلا بلاش لعب عيال .
وقفت غدير بجوارها و قالت توجس من ردة فعلها :
_ يوسف كلمني تاني من كام يوم و علي فكرة بدأت اصدقه و اصدق انه صادق معايا و بيحبني بجد زى ما سليم بيحبك و مستنيكي .
اسرعت ايمان قائلة بنبرة محتدة :
_ لا متشبهيش يوسف بسليم ابدا يا غدير .. سليم عمره ما تجاوز معايا و لا لاحقني بالفون او الفيس بوك بالعكس انا بحترم صبره و تقديره ليا و يوسف فاكرك زى اى بنت بيعرفها .
عدلت غدير من حقيبتها و قالت ببرود :
_ انا اصلا مش فاضية للهري ده اللي فيا مكفيني يالا لنتاخر عالمحاضرة .
فكرت ايمان قليلا و قالت لها :
_ اسبقيني انتي و انا هجيب ازازة ماية و هكلم ماما اطمن عليها و اجيلك .
اومات غدير براسها و قالت :
_ تمام هحجزلك مكان جنبي بس متتاخريش .
تركتها و ابتعدت فاخرجت ايمان هاتفها و دخلت قائمة ارقامها و ضغط الاتصال برقم سليم الذ فرك عينيه اكثر من مرة ليتاكد انه رقم ايمان و انها هي من تهاتفه .. اجاب الاتصال قائلا :
_ السلام عليكم .
وضعت ايمان كفها علي قلبها الذي بات يقصف بقوة و قالت بارتباك ملحوظ :
_ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .. انا اسفة لو اتصلت بيك بس الموضوع اللي عاوزة اتكلم معاك فيه مهم جدا .
اجابها سليم قائلا بابتسامة زينت وجهه الرجولي قائلا :
_ انا تحت امرك و واثق انه موضوع مهم اللي يخليكي تكلميني .
تمالكت ايمان ارتباكها و قالت :
_ الموضوع بخصوص غدير .. في ولد معانا بالجامعة بقاله سنتين بيجرى وراها و هي بتصده بس انا من خلال خوفي عليها و انها اختي و اكتر اتصلت بيك علشان اقولك انها ردت عليه و انا خايفة الموضوع يتطور بينهم .
اشتعلت عيني سليم و قال بضيق :
_ مين ده و عاوز منها ايه ؟!!
تطلعت ايمان لساعة معصمها و قالت :
_ ده اللي اقدر انا اقوله انت قرب منها و انت هتعرف كل حاجة انا مضطرة اقفل دلوقتي لان المحاضرة هتبدأ و مش هوصيك بلاش غدير تعرف اني انا قولتلك حاجة علشان ما تفقدش الثقة فيا و تفضل تقولي اسرارها .
طأطأ سليم راسه بالم و قال بتنهيدة مشتعلة من هذا الحمل الذي بات يحمله علي عاتقه بيوم و ليلة :
_ ما تقلقيش انا بتعامل مع الامور اللي زى كده بالعقل .. و متشكر انك عرفتيني و غدير محظوظة انه ليها صديقة بنقائك .
اسرعت ايمان قائلة بخجل :
- متشكرة مع السلامة .
و اغلقت الخط قبل ان تنظر اجابته و هي تسيطر علي انفاثها اللاهثة و سارت مسرعة ناحية مدرجها ..
..............................................................
................