الفصل الحادي و العشرون

الفصل الحادي والعشرون ...
_______________________

صافح تيوان الطبيب كالي بقوة ،
ليبادله الأخير مصافحته بابتسامة مُشرقة ومطمئنة معًا ،
جعلت إيف تشعر بأمل كبير في نجاح العملية ، وفرصة عظيمة لتحيا الحياة التي طالما تمنتها مع شخصًا ، قد أثبت لها عشقه في فترة ضئيلة ، لتبادله هي الأخرى عشق قد باتت تظنه مستحيلًا على أمثالها من المرضى الذين لا يستطيعون التمتع بالزواج أو اقامة علاقة ، بسبب عجزهم ...

من الغريب انهما لم يتكلما عن العملية المنتظرة في الايام الثلاثة الاخيرة بل ناقشا بهدوء ترتيبات دخولها للمشفى ، وما الذي يجب عليهما فعله حيال ذلك .
وجد تيوان ان عليه ابلاغ ويتسون ودانيل بمرض اختها ..
فما كان منه إلا أن تركها تنام قليلًا ،
وتسلل لخارج حتى يحدثهما بهدوء دون أن تدري ..

فما كان من دانيل الا ان جاء مسرعا الى إيف دون أن يخبر ويتسون ، فقد كان خائفًا للغاية من ردة فعلها حين تعلم أن حياة أختها تتعرض للخطر في هذه الآونه ..
تترقرق الدموع في عينيه حين فتح له تيوان باب الشقة ليستقبله ،
في البداية سأله عن ويتسون ، فأجابه دانيل :
-  لن تتحمل أن نخبرها بهذا الخبر هكذا ، أنا أعلم ويتسون جيدًا .. اتركها لي حين أعود سوف أخبرها بطريقة لطيفة حتى لا تفزع ، فأنت لا تعلم مدى تعلقها بأختها ...
أومأ تيوان رأسه بتفهم ، وبدأ في اقناعه ،
بأنهم يجب عليهم جميعًا التخفيف عنها ..
ثم طلب منه ان يدعه ينقلها الى المشفى وحده
…..

دخل دانيل عليها الغرفة ليجدها تغط في نومًا عميق ..
رغمًا عنه انهمرت الدموع من عينيه ، فهو يعتبرها أخته الصغيرة المدللة منذ أن دخل بيتهم ..
ولم يعاملها يومًا خلاف ذلك ، ولا هي .. دومًا كانت تحبه وتقدره بشكل خاص ..
طلب منه تيوان أن يغادر قبل أن تستيقظ ، لأنها لا تعلم أنه سيخبرهما ، فقد اخفت الأمر عنهما سنة كاملة لمعرفتها أنهما سيقلقان وينزعجان بشكل كبير ..
اطاعه دانيل ، وبالفعل عاد للمنزل ، فوجد ويتسون في غرفة ابنائهم تتمنى لهم ليلة سعيدة ..
انتظرها في غرفتها بقلق شديد من ردة فعلها ،
عادت ويتسون للغرفة تسأله وهي تخلع مأزرها الحريري :
-  أين ذهبت هكذا على عجل حين تلقيت المحادثة من تيوان .. لقد قلقت عليك حين شعرت أن هناك خطبًا ما ..
صك اسنانه بغيظ ، لقد كشفت أمره .. مهما حاول الآن أن يخبرها بالأمر بشكل لطيف ، ستفزع في النهاية وتتهمه بالكذب ..
اخرجته ويتسون من شروده وهي تجلس بجواره قائلة :
-  هاااي .. أين ذهبت ؟!
نظر نحوها بابتسامة ، وهو يحاول أن يخفف وطأ الأمر عليها قائلًا :
-  أنا هنا معكِ .. حبيبتي .. شردت فقط فيما اخبرني به تيوان ..
ردت بفزع وهو تنتفض من مكانها :
-  هل إيف بخير ؟!
ضم حاجبيه متعجبًا وهو يقول :
-  ما الذي دفعك للشك أنها ليست بخير ؟!
بدأت رعشة جسدها تتزايد ، وكأنها تشعر بكل ما تمر به شقيقتها من معاناة ،
جسدية وعاطفية بل وعقلية أيضاً ، لتقول له بثقة :
-  مؤكد هناك شيئًا تخفيه عني يخص شقيقتي ، فأنا أحفظك عن ظهر قلب دانيل ..
خروجك هكذا مفزوعًا ، بعدما تلقيت اتصالًا من تيوان ، ومحاولتي للتواصل مع إيف ، التي باءت بالفشل مثل سابقتها منذ أكثر من شهر مضى ،
واخبراها لي بين الحين والآخر أنها بخير ،وكأنها تؤكد لي أنها ليست كذلك ..
كل هذا يجعلني اوقن أن هناك خطبًا ما تخفيه عني ، وهذ الأمر ليس بالجيد على الاطلاق ..
فأرجوك دانيل لا تضللني ولا تكذب علي ..
تنهد وهو يضم كلتا كفيها بين يده قائلًا :
-  حسنا حبيبتي سأخبرك بكل شيء .. ولكن عليكِ أولا أن تعدينني أنك ستكونين على قد المسؤولية ، وأنك ستتفهمين الأمر وتتعاملين معه بكل هدوء وتعقل ..
زاد ارتجاف جسدها وهي تردد وقد بدأت الدموع تتجمع بعينيها :
-  ما بها أختي دانيل ؟! ما بها إيف !
______________

بعدما قصد لها دانيل ما حدث لإيف ، لم تنتظر حتى ينهي حديثه ، بل قامت بارتداء ملابسها على عجل ، دون أن تستمع قول دانيل لها :
-  اهدي يا ويتسون أرجوكِ ، ستجعلينني أندم على أنني أخبرتك بالأمر ..
اجابته ويتسون وهي تجفف دموعها المنهمرة :
-  هل كنت تريد ألا تخبرني يا دانيل ؟!
كانت قد انتهت من ارتداء ثيابها ،
فحملت حقيبتها وانطلقت خارج الغرفة وهي تقول له :
-  انتبه على الصغيرين حتى أعود ..
وصلت لمنزل إيف ، الذي طرقت بابه بقوة ، وبذعر جعل إيف تستيقظ فزعة ،
بينما ركض تيوان كي يفتح لها ، وقد ارتعب من شدة الطرق ..
وجدها تيوان امامه منهارة ، ودموعها تُغرق خديها ..
اندفعت ويتسون للداخل ، دون أن تلقي على حتى التحية ..
وصلت لغرفة اختها إيف ، التي وجدتها تجلس بذعر ،
ولم تستعيد بعد انتباهها الكامل ..
اندفعت ويتسون ، نحو إيف لترتمي في احضانها وهي تجهش ببكاء مرير ..
اقترب منها تيوان ، وقد امتلئ وجهها بالغضب .
فما تفعله سيجعل حالة
فما تفعله سيجعل حالة إيف أسوء ، فهي لن تتحمل انفعال كهذا ..
وقبل أن يتحدث تيوان إلى ويتسون ،
أشارت له إيف كي يخرج من الغرفة ويتركها مع شقيقتها ..
هز رأسه بغيظ ، ثم ترك الغرفة واغلق الباب خلفه بضيق شديد ..
رغمًا عنها انسالت الدموع من عينيها وهي ترى أختها منهارة في احضانها كذلك ..
حاولت تهدئتها قائلة وهي تجفف دموعها سريعًا قبل ان تراها ويتسون :
-  اهدئي يا ويتسون ..
اهدئي حبيبتي .. أنا بخير .. صدقيني ..
ابتعدت عنها ويتسون وهي تحدثها ، بصوتٍ مضطرب ومهزوز :
-  لماذا لم تخبريني يا إيف .. سنة كاملة تخفين الأمر عني !
عني أنا ! يا إلهي إيف .. كيف استطعتِ اخفاء أمر كهذا ؟!
توتر إيف من مواجهة اختها الحزينة هكذا بسببها ،
فحاولت أن تدافع عن نفسها قائلة :
-  لم أريد ازعاجك لا أنتِ ولا دانيل ..
كنت اعرف مدى حزنك هذا ، وفوق كل ذلك كنتِ ستجبرينني على اجراء الجراحة ..
وأنا كنت أريد الموت ..
شهقت ويتسون بقوة ،
وقد غرق خديها بالدموع وهي تلتقط كف اختها تقبله قائلة :
-  كنتِ تريدين تركي إيف ! حمد لله انك ما زلتِ بخير ..
ولكني لن اسامحك أبدًا على ما فعلتيه بي .
حاولت إيف الاعتذار من اختها ، فارتمت في احضانها قائلة :
-  سامحيني ويتسون .. أرجوكِ لا تغضبي مني ..
لقد عانيت سنة كاملة بسبب هذا المرض ، لم يتحملني دايمن ..
لقد كرهني منذ أن عرف بمرضي ، جعلني اتمنى الموت كل ليلة ..
كنت مرتعبة أن أموت بمفردي في المنزل ،
لذلك كنت اذهب لحفلة كل ليلة ، حتى لا أظل بمفردي إن حدث لي شيئًا ..
ابعدتها ويتسون عن احضانها ، وهي تبكي بحرقة ،
ومررت كفيها على وجنة أختها برقة قائلة :
-  يا إلهي إيف .. كيف تحملت كل ذلك بمفردك ؟ لماذا ؟
هل حياتك هينة عليكِ هكذا ؟ وماذا عني ! ماذا عن اطفالي اللذان يعتبرونكِ امهم الثانية ..
كيف كنا سنتحمل رحيلك ؟ الم تفكري بنا !
ربتت إيف على كف أختها التي تحضن وجها وهي تقول لها :
-  لقد أعاد لي تيوان نفسي ،
واعادي لي عقلي البائس ، وليس كذلك وحسب ويتسون ..
لقد اعاد لي قلبي الذي شيعت جنازته مع دايمن ، فأنا مدينة له بحياتي ..
لقد فعل معي مالم يفعل حب حياتي ..
احتضنتها ويتسون بقوة وهي تبتسم رغم دموعها المنهمرة :
-  أنا سعيدة لأجلك إيف .. سعيدة جدًا حبيبتي ..
ثم ابعدتها لتحتضن وجهها بكفيها قائلة :
-  ستكونين بخير ، وستعيشين حياة سعيدة تستحقينها بجدارة ..
و سوف تنجبين لي أطفالًا يكون أخوان اطفالي ..
دخل تيوان عليهما قائلًا :
-  حسنًا ويتسون .. أنا موافق .. ولكن عليكِ أولًا اقناعها بأن توافق على عرضي للزواج بها ..
تهلل وجه ويتسون وتقبل وجنتي اختها قائلة :
-  ستوافق تيوان .. ستوافق ..
مرت اربعة أيام ، كان يدللها بهم تيوان ..
بينما هي استغلت مرضها أسوء استغلال ،
لم تتركها ويتسون ولا دانيل ، ولكنهم كانوا يتركون اطفالهم مع المربية حتى لا يدركوا مرض خالتهم الحبيبة ..
حتى جاءت الليلة التي سينتقلان قبلها للمشفى ..
قبل ذهابها الى المشفى جاءت ويتسون ودانيل مع الصغيريين لعيادتها والاطمئنان على صحتها ، حاولت ويتسون كما حاول دانيل التماسك ، رغم خوفهما المميت بأن مكروه قد يصيبها في هذه العملية الخطيرة ..
وقبل رحيلهما اتفق معهما تيوان أنه هو من سيرافقها للمشفى ،
حاولت ويتسون الاعتراض فأوقفها دانيل :
-  صدقيني ويتسون .. هذا أفضل لها ،
فهي تحتاج تيوان في هذه الأيام كثيرًا .. لقد اخبرتني بذلك ..
استسلمت ويتسون لرغبة اختها ، وفضلت أن تظل هي بقلقها المفرط هكذا ،
حتى تنقضي العملية الجراحية ،
وتعود إيف بصحتها أفضل مما مضى ..
ولكنها حذرت تيوان قبل أن ترحل :
-  سأتصل بك على هاتف الخلوي في كل وقت ، وحذاري تيوان ألا ترد عليّ ..
وقتها ستجدني في المشفى أمامك .. وحينها لن اعود لمنزلي أبدًا ..
رفع تيوان كفه باستسلام ، رغم انه يعرف ويتسون وقلقها الزائد ..
ستحدثه كل دقيقة ، ولكن ليس بيده حيلة حتى تتركه يظل هو معها ..

وها هي إيف الان مستلقية بين ذراعي تيوان بعدما رحل الجميع ..
كانت تحتاج الى اكثر من قربه الجسدي ..
فبدأت تداعب صدره برقة فاوقف حركتها قائلا :
-  لا ! يا حبيبتي قال الطبيب الراحة التامة .
كشرت ملامحها بغضب ، فقبلها برقة قائلًا :
-  حين تعودين لصحتك الكاملة ، صدقيني إيف ،
لن اتركك ليلة واحدة تنامين فيها براحة دوني ..
سيكون جسدك لي كل ليلة …
انتقلا في صباح اليوم التالي للمشفى ..
وقد أخذ لها تيوان غرفة خاصة بفراش كبير ،
حتى لا يتركها أثناء النوم ..
فقلقه عليها يتزايد ، كلما شاهد شحوب وجهها يزداد ..
فهو يعلم جيدًا مدى ارتعابها من اجراء هذه الجراحة ..
وقد حاول بقدر ما امكنه أن يجعل الغرفة لطيفة خلاف باقي غرف المشفى ..
فقد ملأها بورود البنفسج وعباد الشمس التي تحبها ..
انبهرت إيف حينما دخلت الغرفة ، فوجدتها تعج بالورود التي تعشقها ..
التفتت نحوه والدموع بعينيها ، ثم احتضنته بقوة وهي تردد :
-  لا أجد كلمات توفي شكرك لكل ما تفعله من أجلي تيوان ..
قَبل وجنتها ، ثم هبط يُقبل جانب شفتيها برقة قائلًا :
-  كوني بخير فقط .. هذا أفضل شيء تستطيعين تقديمه لي ..
فإن أردتِ شكري حقًا .. استعيدي قوتك في أسر٦ وقت ..
وكوني بخير بل في أفضل حال ..

وبقي معها تيوان ليل و نهارًا ،
ونسي رحلته الى بريطانية التي كان مقرر أن يذهب إليها في نهاية الاسبوع المقبل ..
ولكنه قرر أن يترك كل أعماله ، ويظل معها ..
حتى انه اصدر قرار لفريقه ، بأن يباشروا هم كل ما يمتلكه من مشاريع أو قرارات دون الرجوع إليه في هذه الفترة ،
بينما حدث والديه ليعتذر لهم عن عدم زيارتهم الفترة المُقبلة لانشغاله الشديد ..
واخبرهم أيضًا ان زيارته القادمة سيكون معه مفاجأة كبيرة لكيلاهما ، ومؤكد سينبهران بها ..
_____________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي