الفصل الرابع

انهت حديثها لنفسها وهي ترتدي قفازات واقية و تبلل المنشفة وتجلب سطل ماءٍ دافئ وتخرج حيث الرجل الذي لوث اريكتها بملابسه القذرة وجسده المترب وكأنه خرج من تحت الأرض حديثًا

جلست أمامه مره اخرى وجذبت كفه الأسود اثر التلوث وعدم النظافة.. وبدأت تمسح بمنشفتها القطنية تزيل طبقة الأوساخ عن يده بحاجبان معقودان وفم ملتوي بعدم رضا عن قلة نظافة ذاك الرجل
وماهي إلا لحظات وتحول لون المنشفة من الأزرق إلى البُني المائلا للأسود من كثر ما خرج من يده
ولكن النتيجة الأخيرة كان كفه نظيفًا.. وقد ظهر لون جلده الفاتح بشكلٍ بعث الراحة في نفسها

تنهدت وسحبت كفه الأخر تمسحه بقوة تزيل كل شيءٍ عالقٍ به وهي تزم فمها متمتمة بحنق...
-النظافة الشخصية لا تعرف غني وفقير
اي شخص قادر على أن يكون نظيفًا سوء في جيبه بطاقة بنكية مليئة بالنقود.. أو معه خمس جنهيات فقط...اتسائل ما عمله الذي يجعله مليئ بالأتربة لهءه الدرجة!

انتهت من تنظيف يداه اخيرًا وارتفعت لوجهه وهي تجذب احد الأطراف النظيفة للمنشفة.. وهي تبللها مره أخرى وتمسح جبينه الملطخ بالدماء وكذالك باقي وجهه.. وجنتاه وأنفه وذقنه حتى ظهرت ملامحه بوضوح امامها فتسمرت للحظات وهي تتأمله مليًا.. عيناها تجري على جبينه العريض وتحته حاجبان كثيفان يليقان برجلٍ.. وجنتاه الصلبتان
وأنفه الطويل بخلاف أنفها الصغير
واخيرا وقعت عيناها على نقطة ضعفها في اي رجل

طابع الحسن الذي كان كحفرة عميقة في ذقنه
كانت مذهولة بتلك الملامح الوسيمة التي كانت تختبئ خلف الكثير من الأتربة والطين والتلوث الذي لا يليق به ابدًا
أمن المعقول أن يكون ذاك الوسيم متشرد مثلا!
او أنه شديد الفقر ولا يملك عملًا بسبب ذاك الوجه.

شيءٍ ما داخلها دفعها أن ترفع جفنه باناملها كي تتبين لون عيناه كي تكتمل صورته أمامها.. فقط لترى لون عيناه فقط وستبتعد عنه تمامًا وتكظم انبهارها به

ارتكزت بجسدها على الأريكة ومدت أناملها ترفع جفنه برفق وفضول لترى عيناه.. فتسمرت للحظات وهي ترى ذاك اللون الذي ظهر قبل أن تبعد أناملها سريعًا!!
أعيناه زرقاء كما رأت من لحظات أم أنها تتوهم
هذا الوجه وله عينان زرقاء ايضًا.. ماهذا الحظ الكبير الذي ناله هذا الرجل!

هزت وجهها للجهتين تحاول طرد انبهارها وهي تسحب نفسها وتبتعد عنه متمتمة بخفوت...
- من الواضح أن هرموناتي الأنوثية والفراغ العاطفي يتلاعب بي، استفيقي ياطيف.. هو ليس أول رجلٍ جميل ترينه في العالم هناك الكثيرون منه و..

قطعت كلماتها حينما سقطت عيناها على وجهه من جديد.. فتأوهت بلا حيلة وهي تقترب منه من جديد تتأمل ملامحه وهي تتسائل بخفوت...
-حتى لو كنت فقيرًا فالطبع تملك حبيبة أو زوجة
هل تحب ابنة الجيران ولا تملك المال للزواج بها
أنك متزوج بالفعل ولك ابن رائع الشكل يشبهك!

ظلت تفكر وهي تنظر له ولا يفصلها عن وجهه سوا انشات قليلة.. في سنوات عمرها التسع والعشرون لم تكن قريبة من رجلٍ كقربها من ذاك النائم الآن.. رغم أنها خُطبت لأحدهم من ثلاث سنواتٍ بذاك القرب الآن.. ولم تنبهر كما هي مبهورة برجلٍ كما الآن!

لحظات قليلة وفتح عيناه ببعض التشوش واغلقها تحت نظراتها المترقبة والتي صدمت مره اخرى حينما طل بؤبؤ عيناه عليها للحظات قبل أن يغلق عيناه من جديد
وقبلا أن تتحدث وتسأله على استفاق بشكلٍ كامل أو لا.. كان يفتح عيناه بقوة وبحركة سريعة فزعة
كان يدفعها بقوة يطيحها ارضًا بعيدًا عنه

لم تستوعب ما حدث لها للتو
سوى حينما شعرت بألم كبير في مؤخرتها جراء سقوطها عليها بعد دفعته القوية والتي رمتها بعيدًا عنه بمسافة ليست قليلة!
رمشت للحظات متألمة وهي تنظر له وهو يقف ويمسك برأسه بألم أثر الدوار الذي داهمة بقوة

وحينما وقف وصلب طوله بشكلٍ تام شهقت فتاة منحرفة داخلها وهي تقول بسرور...
" وطويل أيضًا ياحبيبي "

نفضت تفكيرها ووقفت بصعوبة تجلي حنجرتها مبررة قربها الزائد الذي افزعه منذ لحظات...
-كنت فاقد الوعي.. فكنت اتحسس جرح رأسك و..

قبل أن تنهي كلماتها رأته يترنح ويكاد يسقط
وهو لازال غائبًا عن الوعي بشكلٍ جزئي
وحركاته العشوائية وهو يحاول أن يستند على الطاولة المجاورة للأريكة.. ولكنها لم تسعفه
وانزلقت يداه عن بلور الطاولة.. وكاد يرتطم بالأرض
ولكن جسد هزيل منعه من الاصتدام للحظات قليلة

وسقط اثنينهم أرضًا فأطلقت طيف صرخة فزعة
وهي تشعر بثقل جسده عليها.. ومن الواضح أنه غاب عن الوعي.. من جديد!

                              ***
استيقظت صباح اليوم التالي وشعور الثقل يغمرها
تشعر بكتفها الأيسر يئن ألمًا لا تعلم مصدره
بدأت تفتح عيناها ببطئ وتحدق في السقف وترمش للحظات.. تشعر بجسدها ثقيل لا تستطيع تحريكه بسهولة..والحرارة تسري في جسدها تبعث دفئٍ كسول.. فلم تقاوم التثأوب وهي تعدل تنزل قدمها من على الفراش وتدلك رقبتها بأنامل ضعيفة مهتزة
تأوهت هامسة بصوتٍ ناعس متحشرج...
-نومه طويلة أخرى.. صباح الخير يانفسي

صدح رنين هاتفها يخرجها من نعاسها، فمدت يدها إلى المنضدة الصغيرة جوار فراشها تمسك الهاتف وتجيب بلا تركيز...
-مرحبًا

أتاها صوت خشن اخرجها من نعاسها حينما تحدث بصوت خشن سريع متوتر...
-طيف استيقظي فورًا.. أنا في كارثة حقيقية
زميلتك علياء مريضة ولم تخبرنا سوى قبل دقائق
وميعاد النشرة الاخبارية بعد نصف ساعة من الآن
اعتذر منك ولكن اخرجي من حدادك ليومٍ واحد
وتعالي إلى القناة لتغطي مكانها في الحال

ابعدت الهاتف عن اذنها تنظر للرقم المدون على هاتفها بإسم...
-مخرجنا العزيز..

تثأبت تقول بصوت ناعس غير متزن...
-أنا لازلت في اجازتي ياخالد.. لا أظن أنني قادرة بعد
-على العودة للعمل

قاطعها خالد متنهدًا بحدة وهو يحاول الحديث بشكلٍ هادئ متحضر..
-الوضع طارئ ياطيف.. لا أحد غيرك متفرغ ليحل محل علياء، لذا في غضون ثلاثون دقيقة تكونين أمامي
وداعًا

تأفأفت وهي تلقي هاتفها تقول بخفوت وقد استيقظت بالكامل...
-لما منعدمي القلب والشعور يحاوطوني من كل صوبٍ وحدب.. اااه جسدي يؤلمني

تمطأت وهي تتأوه ألمًا وهي تحاول تذكر أمس
شهقت بحدة وهي تنتقض وتتذكر ماحدث اليوم الماضي
ماحدث في المقبرة وذاك المعتوه الذي تعدى عليها ثم ذاك الرجل الذي انقذها

فتحت عيناها بقوة تبرقهن للحظات قبل أن تنظر للفراش الذي أتت له يوم أمس وهي تجر ذاك الرجل وتمدده على فراشها و..

التفتت ببطئ تنظر لمساحة فراشها المتبقية والتي يشغلها ذاك الرجل الذي لازال نائمًا بمعق منذ أن فقد وعيه وسقط فوق جسدها ليلة أمس
رباه أنامت جواره.. نامت جوار رجلٍ غريب عنها تمامًا لا تدري أي نوع هو من الرجال.. أفقدت عقلها تماما!

توهج وجهها مشتعلا بدماء الحرج وهي تنظر لنفسها تارة
وله تارة أخرى.. وايضًا الشيء الذي كان يدفئ جسدها
كانت سترة ثقيلة.. سترة مُتربة مهترئة رغم ثقلها
كيف تلحفت بها وهي نائمة.. وكيف انتهى بها الأمر جواره من الأساس!

ظلت تتأمل وجهه النائم وقد عاودتها شيطانتها المنحرفة
التي تظل تتغزل بجمال ذاك الغريب
عاودت تتأمله بانبهار الليلة الماضية.. وضوء النهار يسعادها على رؤيته بوضوحٍ شديد
يبدو هزيلًا بعض الشيء لا هو الرجل مفتول العضلات
ولا هو رفيع كعود خرسان.. توسط بينهما مع بعض الهزالة
شعره المُغبر يبدو في حقيقته أسود اللون.. ويلزمه ماء وصابون ليظهر سواده اليلكي
حاجباه اسودان وبينهما عدسة توصلهما.. وأهدابه طويلة تظلل على عيناه.. بشرته شاحبة شحوب المرض
وشفتاه  بيضاء متشققة لا وجود للدماء فيها
حتى الظل الأسود تحت عيناه ينذر بالمرض والارهاق!

تنهدت وهي تمد يدها إلى وجهه بشرود هامسة..
-ترى مالذي جعلك تبدو في هذه الحالة من المرض
الفقر أم الحزن والفقد..!

فجأة فتح عيناه ببطئ وتشوش ودارت حدقتاه حوله
إلى أن رأى وجه امرأة يعلوه ويشرف عليه بنظرات شاردة متسائلة..!
اغمض عيناه لوهلة ثم فتحها سريعًا بقوة ينظر لها مره اخرى يتأكد من أنه لا يهلوس.. أو فقد عقله حقًا هذه المره
ولكن رأها تنظر الية بعينان متوسعة للحظات وكأنها ذهبت في عالم أخر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي