الفصل الثالث

كانا يتعاركان بعنف ولأن الرجل يفوق الشاب طولًا كان قادرًا على النيل به وتسديد ضرباتٍ متتالية له
حينها تدارك الشاب أن هناك أحد أفسد متعته في هذه اللحظة الثمينة من وجهة نظرة فأمسك حجر كبير وهو يعتدل من الأرض ويزمجر بقوة وهو يوجه الحجر لرأس ذاك الرجل فسقط ارضًا خلال لحظات
وانفجرت الدماء من رأسه وفقد الوعي
صرخت طيف بفزع وارتعب الشاب فركض هاربًا من المقابر تاركًا طيف تجلس جوار الرجل تحاول افاقته وهي تصرخ وتطلب المساعدة

نقلته بصعوبة مع ذاك الرجل الذي عرض عليها مساعدة.. كانت تسنده من الجهة اليُمنى والرجل يساعدها من الجانب الأخر

حاولت الضغط على لوح الأزرار خارج الباب تكتب رمز الدخول ولكن ثقل الرجل على كتفها يكاد يطيحها ارضًا
ومازاد ارتباكها رأسه المُلقى في عنقها وانفاسه الحارة التي تحرق بشرة عنقها وتجعلها غير قادرة على التركيز ابدًا

-اتركيه ياسيدتي.. أنا سأسنده إلى أن تفتحي الباب
تطوع السائق في جذب الرجل يسنده وحده وقد رحمها من ثقله عليها فترنحت للحظات قبلا أن تضبت توازنها وتفتح المنزل متنهدة بقوة تزيح خصلاتها المشعثة خلف اذنها وهي تشير للرجل بأنامل مرتعشة للداخل!

دلف السائق وهو يسند ذاك الغائب عن الوعي
ويضعه على أول أريكة رأها أمامه وهو يتنهد بتعب ممسكًا لظهره الذي تأذى من ثقله وقال...
-يجب نقله للمشفى كما قلت لكِ سيدتي
رأس زوجك يجب ان تضمد.. دماغه لم يتوقف عن النزيف

زوجها!
كادت تنفي رابطة الزواج عنها وعن ذاك الغائب
ولكن فكرت لثوان.. كيف ستبرر مجيئها به إلى شقتها إن قالت للسائق انه ليس زوجها!
ستدخل نفسها قي دوامة كبيرة.. لذا تنهدت بإيجاب وهي تبتسم له شاكرة وتخرج من حقيبتها بعض الأموال...
-شقيقي سيأتي وننقله سويًا.. شكرًا لمساعدتك واسفة ان كنت قد اذيت ظهرك

حرك الرجل رأسها نافيًا بقوة يرفض أخذ ماا هو أكثر من حق اجرة التوصيلة.. ولكن طيف أصرت شاكرة وهي تدس المال في يده بتصميم...
-اشكرك سيدي.. هذا حقك أنا لا اعطيك أكثر
لولاك لكنت لازلت جالسة على الطريق مع زوجي
ولم اكن لأجد من يساعدني

تقبل الرجل المال بعينان قد لمعت امتنانًا.. بتلك الورقات الكثيرة التي تكفي لعمل يومٍ كامل على سيارة الاجرة خاصته وأخذ المال على استحياء قائلا...
-البقاء لله في موتاكم.. هاك رقم هاتفي ان احتجتي الذهاب لأي مكان.. فقط هاتفيني وسأكون عندك في الحال

اخرجت هاتفها تأخذ رقمه سريعًا وهي تشكره بعجالة
ولكنه تحدث فجأة وهو يمعن النظر في وجهها الأبيض وخصلاتها البنية التي تميل للأشقر فقال بتفكير مندهشًا...
-هل حضرتك تعملين في صناعة التلفزيون
أشعر اني رأيتك سابقًا على شاشة التلفاز و

جمحت فضوله بنبرة نافذة للصبر وهي تنظر للمدد على الأريكة لازال ينزف الدفاء....
-اسفة لقول هذا ولكنني في هذه اللحظة لا استطيع التفكير سوى في زوجي المتعب

أحنى رأسه اسفًا على تطفله الغير مقبول وتمتم شاكرًا بعدما دعا الله أن شفي زوجها ويبعد عنهم اي سوء.. والكثير من الدعوات الصادقة

اغلقت الباب خلفه والتفتت تتأمل ذاك الممد على اريكتها.. تحاول ايجاد حل سريع لما حدث
مسحت وجهها المتعرق وهي ترتمي على أحد المقاعد
تحاوط رأسها المتصدع من الألم.. ودموعها تهبط من عيناها كلما تذكرت الفاجعة التي كادت تسقط بها
كادت تُنتهك على يد شاب فاسد من رفقاء ابن عمها
كاد ينتهكها بكل جرأه و دنائه وسط المقابر
كاد يغتصبها أمام قبر جدها الذي لم يجف ترابه بعد!

مسحت عيناها المنتفخة وهي تنظر لذاك الجسد المقابل لها وهي تفكر.. لولا هذا الرجل لكانت في خبر كان.. لولا الله ولولاه كانت لتموت ولن يسمع عنها أحد شيئا

اخرجت هاتفها بأنامل مرتبكة تهاتف صديقتها ليلى التي اجابت بعد ثوان...
-واخيرًا قررتي الخروج من عزلتك وحادثتني!

تحدثت طيف بنبرة متعبة التقطتها ليلى فورًا...
-ليلى اهبطي لشقتي واحضري معكِ عُلبة الاسعاف الأولية.. لا تتأخري سأنتظرك

ثم أغلقت هاتفها وعادت تجلس على المقعد تتنهد بثقل لا تدري مالذي عليها فعله في هذه اللحظة
اكان قرارها صحيحًا ألا تذهب به للمشفى كي يتلقى الرعاية هناك.. أم انها ابتلت نفسها بمصيبة جديدة!
خرجت من شرودها على صوت طرقات الباب
فوقفت وسارت تفتحه لتظهر زوبعة من القلق قفزت أمامها...
-مابكِ هل أذيت نفسك.. كنت أعرف انك ستحاولين الانتحار بعد ماحدث من عائلتك لأنك فتاة حساسة ومتهورة و..

قطعت حديثها المتتالي وهي تنظر لذاك الجسد الذي يحتل الأريكة.. ومن ملابسه علمت أنه رجل فقالت مندهشة وهي تنظر لطيف الواقفة أمامها معافية تمامًا.. تنتظر أن تنهي ثرثرتها فقالت...
-من هذا الرجل.. أهو أحد اعمامك!

حركت طيف رأسها نافية وهي تقول مرهقة..
-ولا حتى أعرفه.. وقبل أن تأكلي رأسي من ثرثرتك
عالجي جروح رأسه أولاً.. اقسم بالله أنني لن اجيب على حرفٍ واحد من اسألتك إلا اذا عالجتي جروحه

رمشت ليلى عيناها للحظات تنظر لملامح الطيف الثابتة.. وحينما تأكدت أنها لن تتفوه بحرفٍ واحد كما اقسمت اتجهت حيث ذاك النايم بحذر.. تنظر لجرح رأسه الذي لوث الأريكة بالدماء قبل أن تشهق قائلة...
-ماكل تلك الدماء.. أأنتٍ من فعلتي به هذا

أبت طيف أن تجيبها وعادت تسير لها أن تقطب جرحه أولاً وبعدها تخبرها بما حدث.. تافأفت ليلى
ونظرت للجرح تحاول معرفة إلى اي مدى هو
ولكن دقائق بسيطة وبدأت اصابعها تتحرك بعملية شديدة.. رغم أنها لازالت طبيبة متدربة..إلا أنها ماهرة في عملها للغاية

بعد عشرون دقيقة تقريبًا انتهت من تضميد رأسه
ووقفت تجمع القطن الملوث بالدماء وتلقيه في سلة المهملات الأنيقة الموضوعة جوار الأريكة...
-ها أنا انتهيت من تقطيب جرحه.. من هذا الرجل وكيف جاء لشقتك وماقصة رأسه المصاب هذا
حتى ملابسه ملوثة وكأنه اشتبك في عراكٍ في حلبة من الطين!قصت عليها طيف ماحدث باختصار كي لا تأكل رأسها بمزيدٍ من الأسئلة.. وحاولت أن تجعل صوتها ثابتًا لا يتأثر بهول ماتقوله
فصرخت صديقتها بفزع...
-أأنت مجنونة ياطيف.. كان عليكِ الذهاب به الي المشفى لاثبات حالة قبل أن تذهبي للشرطة وتقدمي بلاغ في ذاك الحقير.. وايضًا كيف لكِ أن تأتي به لشقتك.. هل موت جدك افقدكِ عقلك أم انك فقدتيه من تلك السنوات التي قضيتها في أروبا
بالله عليكِ ألم يخبرك جدك أن تتخلي عن تلك الأفكار الغربية المشينة و..

اغمضت طيف عيناها وقد توقعت ذاك النقد
ليلى العاقلة التي لا يفوتها الطريق الصحيح ستعلق على تهورها وتؤنبها إلى أن تصم اذناها.. ومن جديد ستذكرها أنها لازالت تتصرف بطيش وبطباع غربية لا تليق ببلدهم العربي.. وتأكل اذنها بالنقد والنقد والمزيد من النقد والتوبيخ!

فوقفت عن مقعدها تمسك يد ليلى وتسير بها نحو الباب بكل هدوء وربما بارهاق.. والأخرى تسير معها بحدة وقد ظنت أنها تود الانفراد بها خارج الشقة كي تحادثها بأمرٍ هام أو مبرر واضح لفعلتها المجنونة
ولكن فوجئت بطيف وهي تخرجها من الشقة وتغلق الباب بوجهها وهي تقول من خلفه بارهاق...
-نتحدث غدًا في هذا الأمر.. اصعدي لشقتك
رأسي سينفجر وحده من الأساس

ظلت ليلى تطرق الباب وهي تمتم بكلماتٍ حادة كي تفتح الباب وتدخلها.. ولكن بطبيعة طيف العنيدة تجاهلتها بالكامل واتجهت نحو غرفتها تأتي بصاعق الكهرباء تضعه جوارها على المقعد في حالة أن استيقظ هذا الرجل وفاجأها بفعلٍ مشين

بدء الوقت يمر وهي لازالت جالسة بمكانها تتأمل الجسد الغريب أمامها بعقلٍ مثقل.. وهي تسأل نفسها
كيف تأتي به لمنزلها كيف.. ماذا إن استيقظ وقتلها
أو حاول اغتصابها.. او سرق أموالها ومدخراتها

او ماذا إن جاء أحد من اسرتها فجأة ورأى رجلا غريبًا في شقتها.. مالذي سيقولونه.. لا لن يقولوا اي شيء
ولكن سيقتلونها بلا كلمة واحدة

ضوى هاتفها برقم ليلى مرارا وتكرار.. ولكنها لم تجيبها.. لا تود سماه توبيخ هي تعلم انها تستحقه
ولكن كما يقال في الأمثال القديمة..
الفأس وقعت في الرأس وانتهى الأمر

تنهدت قبل أن تقف وسارت بعض الخطوات إلى أن توقفت أمامه
وهبطت على ركبتيها تتأمل وجهه الدامي
وعيناها تجري على اثر الدماء القديم الممتزجة بالأتربة في وجهه..
من الواضح انه جُرح قبل أن يضرب ذاك الوغد
حتى خصلاته تلوثت بالرمال والدماء الحديثة، الناتجة عن الضربة العنيفة التي تلقاها من ذاك الحقير قبل أن يهرب

ملامحه كانت مخبأة تحت دمائه المتجمدة
وحتى كفاه كانا متسختان وملوثة بلونٍ اسود غريب
وملابسه رثه مهترئة ومليئة بالغبار وطين الشتاء
لا تعلم اي جنون هذا الذي جعلها تجلب رجل غريب لبيتها.. لا تدري أهو رجل صالح ام فاسد
قاطع طريق أو سارق أو...

توقفت عن التفكير بطريقة سلبية وهي تنتفض ذاهبة لغرفة نومها تجلب منشفة وهي تحادث نفسها بمنطقية متوترة...
-ياطيف بالله عليكِ كيف يكون شخصًا سيئ ويدافع عنك ضد مُغتصب ويتلقى ضربة رأسه بدلاً عنكِ
فكري بمنطقية وبشكل ايجابي ولو قليلاً
واضح انه رجل شهم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي