سأحبك دائما(١)

MarianNaiem`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-24ضع على الرف
  • 9.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

١

حسناً سأعرفكم بنفسي أولاً، أنا سارة أمين ، فتاة مصرية بالثالثة والعشرين من عمري، حاصلة على مايعادل ليسانس أداب قسم مكتبات ووثائق ومعلومات جامعة كامبريدج.نشأت ببريطانيا منذ أن كان عمري ثلاث سنوات، والدي هو عالم الذرة الشهير شريف الأسيوطي .... في الحقيقة هو ليس والدي البيولجي هو عمي الذي رباني عوض عن أخوه والدي الأستاذ أمين الموظف البسيط، الذي فوجىء بزوجته أمي تلد ثلاث تواءم دفعة واحدة، ليصبح لديه ست أطفال لايملك القدرة على رعايتهم ، فطلب منه عمي أن يكون هو المسئول عني، ومن حينها وإعتبروني إبنتهم حتى أني سافرت معهم إلى بريطانيا، وظللت أنعم بالسعادة معهم طوال عشرون عام، وإزدادت سعادتي أكثر عندما قابلت د/يوسف خطيبي وإبن خالي وأنا في السنة الأولى بالجامعة وكدت أطير من الفرحة عندما أنهيت دراستي الجامعية وحصل هو على رسالة الدكتوراة إلى أن ....إلى أن توفي عمي وزوجته بحادث سير، إنقلبت حياتي بعدها رأس على عقب، خاصة عندما قررت العودة إلى مصر وترك بريطانيا بشكل نهائي....
"حضرات السادة الركاب، أهنئكم على سلامة الوصول، ودخولنا الأجواء الجوية المصرية وأتمنى أن تكونوا قد إستمتعتم برحلتكم معنا..كابتن الطائرة ماجد أمير"
إستيقظ يوسف على صوت تنبيه ربان الطائرة عبر مكبر الصوت، وتنبه أنه لايزال على متن الطائرة من لندن إلى مصر....
إرتبك يوسف قليلاً ونظر حوله ليجد الجميع قد بدأ يستعد لهبوط الطائرة، فإلتفت ليوقظ سارة خطيبته الجالسة بجواره إلا أنه وجدها تغط في نوم عميق...
نظر يوسف إلى سارة النائمة كالطفلة وقد إرتاحت ملامحها أخيراً بعد شهور قضتها والألم يعتصر قلبها، فمنذ وفاة عمها وخالتها وهي لم تعد تشعر بالأمان وكأنها فقدت معهما كل شىء، دائماً الدموع تجري على خديها وتستيقظ كلما غفت مفزوعة، تبكي وكل مايشغل تفكيرها هو العودة إلى مصر إلى أحضان والديها الحقيقين ووسط إخوتها الخمس الذين لم تراهم منذ أكثر من عشرون عاماً، ولولا دراستها ودراسة يوسف، لكانت عادت بعد الحادث مباشرة.
"آه ياسارة "
تمتم يوسف بآلم وهو يتأمل ملامح خطيبته النائمة بجواره، تغطى عيونها العسلية الواسعة برموشها الكثيفة الطويلة، وأنفها الجميل وشفتيها الصغيرتان المصطبغتان بلون الكريز ونعومته، ثم دمعت عيناه وإرتسمت إبتسامة خفيفة عندما تذكر المرة الأولى التي إلتقيا فيها منذ أربع سنوات، فمع أنها إبنة خاله إلا أنه لم يراها إلا حين جاء إلى لندن من أجل تحضير رسالة الدكتوراة الخاصة به بجامعة كامبردج، وهناك حصلت مشاحنة كبيرة بينهم بسبب سوء تفاهم أحدثته صديقة سارة ليزا، عندما ظنت أنه لكونه عربي فهو يكره كل ماهو أجنبي وتفكيره متطرف، فما كانت من سارة وهي مصرية عربية إلا أن توجهت نحوه وواجهته بل وأحرجته أمام زملائه، وبالكاد إستطاع إقناعهم بالعكس حتى ظهر الأمر وأقرت ليزا بخطئها وأنها هي من حكمت بعنصرية عليه، وهنا بدأت شرارة الحب تشتعل بين الغريبين الأقارب، وبعد تبادل الإعتذار فوجىء كلاهما بالأخر بمنزل شريف عم سارة عالم الذرة الشهير وزوجته هند التي هي عمة يوسف وخالة سارة، ولم يمض الكثير من الوقت حتى إعترف يوسف بحبه لها وفوجىء بموافقتها وإعترافها بإعجابها له، فأسرع وطلب يدها من شريف بلندن ومن أمين بمصر وأصبحا خطيبين رسمياً.
"حبيبتي، هيا ألن تستيقظي؟!"
همس يوسف برفق لسارة وقد مد يده وأمسك بيدها ليوقظها، فإنتفضت قليلاً لكنها ما أن فتحت عيونها ورأته حتى هدأت وهزت رأسها وهي تبتسم،
"حسناً حبيبي أنا إستيقظت"
قالت بصوت هادىء، ثم إعتدلت وهي تمسك بالوسادة الخاصة بالنوم وتقوم بطيها وراح كلاهما يستعدا للهبوط....
"تعلن شركة مصر للطيران عن وصول الطائرة رقم 4554 الآتية من مطار لندن بالبوابة رقم " 5
أشارت المضيفة الأرضية بصالة الوصول عبر مكبر الصوت...
"أبي أليست هذه هي الرحلة"
سأل أيمن الأخ الأكبر لسارة والده، فأجابه وهو ينظر إلى ورقة بيده
"نعم نعم مكتوب هنا"
وإنطلق الجميع أيمن وأمير وسمير وأميرة وهادي ووالديهما هدير وأمين نحو البوابة...
"أخيراً رأيت إبتسامتك"
قال يوسف لسارة وهما يتوجهان نحو صالة الوصول، ويوسف يدفع بالعربة التي تحمل الحقائب أمامه، إتسعت إبتسامتها أكثر وهي تسير بجواره، وقالت والحنين بادياً بعيونها
"لأنه أخيراً سأعود وأشعر بدفىء عائلتي يايوسف"
ثم أكملت بحزن ودمعت عيونها
"الآلم حقاً لا يطاق "
تنهد يوسف وقال بسرعة وهو يبتسم ليعيد لها ضحكتها "حسناً حسناً، هانحن قد وصلنا أين إبتسامتك "
ضحكت وهنا ظهروا على باب بوابة الدخول وما أن إلتفتت حتى رأت والديها فتركت يوسف وأسرعت نحوهم وإرتمت بأحضانهم وإجهشوا جميعاً في البكاء...
"إبنتي أخيراً"
قال أمين وهو لا يصدق نفسه وضم سارة إليه بقوة والدموع قد غلبته فأجابته وهي تحاول جاهدة لرسم إبتسامة تمحو حزنها على والديها اللذان تبناها
"أبي، أنا أنا "
أوقفها عندما وجد البكاء سيغلبها وقال وقد ضما إليه
"أنتي ماذا؟، سامحيني ياصغيرتي أنا من عرضك لكل هذه المآسي ، لو كنتي تربيتي هنا بيننا ماعنيت كل هذا وحدك بالغربة"
وهنا لم تستطع والدتها الإنتظار وخطفتها من بين ذراعي أبيها لحضنها هي وهي على نفس الحال وقالت "
سارة إبنتي، لا أصدق نفسي لا أصدق نفسي....".
"حسناً يا جماعة هل أجلنا الدموع حتى نصل للمنزل" قاطع صوت أيمن الجميع وهو يشير إلى أن عليهم الإنصراف لأجل الحافلة التي تنتظرهم فأومأ أمين برأسه بالإيجاب ووضع يده على كتفي إبنته وسار الجميع نحو الحافلة...
" سارة أختي العزيزة أنا أيمن أخوكي الودود والأكبر هنا بالطبع وتحت أمرك في أي إستشارة"
قال أيمن وهو يماذح سارة ويعرفها بنفسه وبعد قليل جاءها أمير بألبوم صور لهم وهم صغار قبل أن تتركهم وتسافر وإجتمع الجميع على طاولة الغداء وبعده جلسوا يتناولوا الشاي معاً والضحك والسعادة تملأ بيتهم الصغير
لم تكن شقة أمين على نفس المستوى الذي كانت تعيشه سارة ببريطانيا، فقد كانت تعيش مع عمها بفيلا على أعلى طراز بالعاصمة البريطانية لندن، مكونة من طابقين، أساس فاخر وتطل على نهر التايمز ترى جسر البرج منها، وتقبع سيارتها ال بي ام دبليو الحمراء بجراجها، حياة مرفهة بكل المقاييس، وفي النهاية ورثت ثروة عمها عقب موته، وبناء عليه اصبحت ثروة سارة تصل الى ثماني عشر مليون دولار، بينما بمصر الشقة مكونة من غرفتين وصالة، أثاث متوسط الحال وتقع بحي باب الشعرية أحد الأحياء الشعبية بمصر، بل بأحد الحواري التي لا تسع لدخول سيارة بها ومع ذلك كانت في قمة سعادتها وكأنها تمسك القمر بيدها,,,
"أخيراً أختي ستكونين بيننا"
قالت أميرة وهي تنظر لأختها التوأم سارة وتمسك بيدها فإبتسمت سارة لأختها التي تشبهها كثيراً في الملامح ولايوجد فارق بينهما سوى أن لسارة شعر أكثر إشراقاً ولونه يميل إلى الذهبي أكثر وقالت
"أنا أكثر ياأميرة"
ثم ضمتها إليها ودموع الفرح تملأ عيونهم
"حسناً أستأذن أنا"
قال يوسف وهو يقف ويهم للإنصراف بعد تناول الشاي ، وما أن وصل لسارة حتى قالت وهي تنظر له بإهتمام
"لا تنس أمر العمل غداً "
قطب أمين حاجباه وقال قبل أن يجيب يوسف
"عمل! أي عمل؟"
فرد يوسف
"عمل بوزارة الثقافة كنت قد قدمت لسارة به عبر صديق لي هناك"
أومأ أمين برأسه بالإيجاب فهو يعرف متطلبات الحياه وكيف أصبح الأمر ضروريا،ً أما بالنسبة لسارة لأنها عاشت بالخارج فالعمل أمر مقدس لديها، ومادام خطيبها موافق فلا مانع لديه، خاصة وأنهما سيتزوجا بعد شهر إلا أنه علق
"بهذه السرعة ياسارة أليس من الأفضل أن تنتبهي لتجهيزات الزفاف"
نظرت له سارة وقالت بجدية وحزم
"أي تجهيزات ياأبي، يوسف قد أتم كل شىء ومن الممكن إتمام الزواج في الغد لكني فضلت أن أبقى معكم قليلاً"
وقبل أن يحتدم النقاش أكثر قال يوسف مقاطعاً رد على إبنته
"عمي لقد رتبت كل شىء وقد وجدت عمل حقاً رائع لسارة بوزارة الثقافة أنا أثق أنه سيعجبها، كما أنه سينتهي بالساعة الثانية بعد الظهر لذا سيكون لديها القدرة على المكوث معكم والتسوق وشراء ماتحتاجه"
نظر له أمين قليلاً وهز كتفيه بإستسلام للأمر وهنا إبتسمت سارة وإلتفتت ليوسف وسألته
"حقاً يايوسف أنت رائع" وسألته بلهفة "متى عليا البدء؟" فأجاب
" من الغد كما قلت، إن أردتي "
إتسعت إبتسامتها أكثر، تكاد تقفز من السعادة ثم قالت "جيد إذن فليكن سأذهب غداً"
أومأ يوسف برأسه بالإيجاب وقال
"حسناً إذن سأذهب أنا"
وسارت سارة إلى جواره لتودعه على الباب وهنا سألها دون أن يسمعه أحد
"كيف ستذهبين؟ "
"أتمذح بالحافلة بالطبع"
وهنا توقف يوسف وقطب جبينه وإلتفت لها بضيق قائلاً
"أي حافلة؟ "!
فأجابت سارة وهي مندهشة من ردة فعله
"أي حافلة! الحافلة التي تقل الركاب"
قال لها بضيق
"حافلة النقل العام"
ضحكت ضحكة صغيرة وقالت
"بالطبع وهل يوجد سواها؟"
أغمض يوسف عيونه وأشاح بوجهه بعيداً عنها وهو يحاول أن يكظم غيظه ثم أخذ نفساً عميقاً وزفره فهي رغم كل شىء لم تعش بمصر لعشرين عاماً ولا تعرف شىء عن مصر، فعاد إليها وقال بعد أن هدأ والإبتسامة تعلو وجهه
"حبيبتي إسمعيني الحافلات هنا ليست مثل التي بلندن" عقدت سارة حاجباها وقالت
"ماذا هناك تنقل بشر وهنا طيور"
فرد يوسف بنفاذ صبر
"لا بشر ولكن نوع أخر من البشر"
"لم أكن أعلم أنك تنظر بدونية وعنصرية لأولاد بلدك يايوسف"
فصاح
"ماذا تقولين؟ سارة إنتبهي لكلامك"
شعرت سارة بخطئها لوصفه بهذه الصفة بالذات فهي تعلم أن يوسف لايفكر بهذه الطريقة مطلقاً فتنهدت وقالت له
"لم أقصد لكن"
وهنا قاطعها والدها عندما صاح يوسف وشعر أن هناك شىء فجاء إليهما وسأل
"ما الأمر؟ مابكما؟ "
فأجاب يوسف
"لا شىء عمي لكن سارة تريد أن تستقل الحافلة إلى العمل"
رفعت سارة حاجبها بغيظ من شكوى يوسف لوالدها لكنها فوجئت بوالدها يقول
"وما الخطأ في الأمر يا إبني جميعنا نستقل الحافلة" فرد يوسف وقد فاجئه الأمر أيضاً
"لكن، لكن ياعمي، سارة غريبة لا تعرف البلدة جيداً ولا الطرق وغير معتادة عن الأمر كما أن حافلة النقل العام مزدحمة للغاية و"
فقاطعته سارة
"بالنسبة للطرق عليا تعلمها بل وأن أعتاد عليها، والإزدحام سأنتبه ولن أستقلها إلا عندما يكون الإزدحام قليلاً، لكن عليا التعرف على طبيعة الحياة ببلدي"
ضحك يوسف بتهكم وقال وقد أشاح بوجهه بعيداً عنها
" إذن لن تستقليها أبداً"
وهنا قطبت سارة حاجباها وهمت لتجيب بغضب ونفاذ صبر لولا أن والدها تدخل وقال
" حسناً فليكن ميكروباص أو حافلة صغيرة، ستجلسين فيها والإزدحام قليل، وستتعرفين على طبيعة الحياة ببلدك كما تريدين"
صمت كلاهما لبرهة قبل أن يتابع يوسف بضيق
"حسناً، لكن عليك الإنتباه جيداً ولا تغلقين – برنامج تحديد المواقع- خاصتك إتفقنا"
إبتسمت سارة وأومأت برأسها بالإيجاب وقالت وهي تنظر ليوسف بحب
"حسناً "
ضحك أمين وصافح يوسف للمرة الثالثة ثم أخذت سارة يوسف لتودعه على باب الشقة وقبل أن تغلقه خلفه همست له
"أحبك"
علت الإبتسامة وجهه القلق وقال
"وأنا أيضاً"
أغلقت الباب.
*******
أيقظ رنين المنبه سارة من نوم عميق كانت قد غطت فيه منذ ساعات قليلة، فقد ظلت مستيقظة لوقت متأخر من الليل تتسامر هي وأخوتها ووالداها معاً أمام التلفاز بس لقدوم صغيرتهم الغائبة إليهم بعد أكثر من عشرون عام....
وضعت سارة يدها على زر المنبه حتى صمت، ثم رفعت رأسها وفتحت عينيها بصعوبة وهي تنظر للمنبه ولا تزال يدها موضوعة عليه، لكنها إبتسمت وكأن قلة نومها لم يزعجها بل على العكس فهي من قرر أن تبدأ العمل بمجرد وصولها مصر، ورغم شوقها لعائلتها إلا أنها مشتاقة أكثر للتعرف على بلدها العزيز، التي طالما كانت تحب أن تقرأ عنها وعن تاريخها العظيم وشعبها الودود اللطيف الطيب، وهنا قفزت من على سريرها وإلتقطت منشفتها وخرجت من غرفتها نحو الحمام وراحت تفرش أسنانها....
"صباح الخير"
قالت وهي تبتسم لوالديها وهي تقف على باب غرفتهم، فإبتسما وقال والدها الجالس على مقعده يحتسي الشاي
"صباح النور ياسارة، تعالي"
فدخلت فسألتها والدتها
"لما إستيقظت مبكراً لم تنالي قسطاً كافي من النوم"
فأجابت سارة بإبتسامة ومدت يدها تربت على ذراع والدتها
"بضع ساعات كافي ياأمي "
ثم أكملت وهي تنظر لهما
"كما أني أردت أن ألحق بأبي قبل أن يذهب لعمله"
قهقه أمين وقال
"أردت رؤية أبي أم أن موعد عملك الذي تحدثتي عنه بالأمس قد حان"
ضحكت سارة بخجل وقد علم والدها مبتغاها، وهنا وضع أمين كوب الشاي على الصينية التي تحملها زوجته ثم إلتفت لسارة ووضع يديه على كتيفيها وقال
" صغيرتي ، أنتي لا تعرفين كم كنا نتوق أنا وأمك لهذه اللحظات معك، وبالرغم من وجود إخوتك لم يعوضنا شىء عنك ولم يستطع أحد أن يملأ فراغك أبداً، لذا أعدك لن يحدث شىء يزيل هذه الإبتسامة عن وجهك طالما أنا موجود على قيد الحياة في هذه الدنيا، حتى لو كان يوسف خطيبك"
ضحكت ورفعت يدها وربتت على يد والدها الموضوعة على كتيفيها وقالت
" أحبك ياأبي"
إرتمت بحضن والدها وهي تشعر بالأمان الحقيقي لأول مرة منذ وفاة عمها وخالتها....
"هيا إرتدي ملابسك بسرعة وإستعدي لأوصلك لعملك"
قال أمين لإبنته وهو يمسح دمعة تسللت لعينيه، عقدت سارة جبينها وقالت بدهشة
"توصلني إلى أين ياأبي أنت تمزح أليس كذلك؟!"
قطب حاجباه وقال بجدية
"ولما تظنين ذلك؟! "
" بالطبع تمذح أنا بالثالثة والعشرين ولست طفلة لتوصلني لعملي
"لست طفلة لكنك غريبة وستضيعين الطريق أكيد"
"أبي قد سألت يوسف عن الطريق وقد وصفه لي لذا لا تقلق"
"وحتى لو أ "
أمسكت بيديه وقالت "
أبي أرجوك قد تربيت على الإستقلالية ومن في سني يعيشون وحدهم منذ ست سنوات لذا أرجوك"
قطب جبينه أكثر وهو ينظر لها، ثم إلتفت لزوجته التي شعرت بالإحباط وطأطأت رأسها بقلق
"أرجوكم كلاكما" صاحت سارة تترجاهم
"إفعلى ماتشائين" رد بغير رضى وأخذ حقيبته الصغيرة ليذهب وحده، فأسرعت نحوه وطبعت قبلة على خده وأخرى على خد والدتها وإبتسمت له فضحك هو وهز رأسه بتعجب وقال "يالكي من فتاة" ثم تركهم وخرج...
إبتسمت سارة وهي تقف عند باب المنزل الخارجي إلى الشارع والتحدي يشع من عيونها، ثم سارت بثبات بحذاء بكعب عريض عالي وببذلتها السوداء الرسمية بقميصها الأبيض، طوت حقيبتها الجلد وإنطلقت مباشرة نحو محطة وقوف الحافلة وكأنها تعرف هدفها تماماً.......
إتسعت عيني سارة وتسمرت قدماها اللتان تعرقلتا عدة مرات بسبب السير بالكعب بسبب الشوارع غير الممهدة بذهول، وهي تنظر لعدد الأشخاص الذين يندفعون نحو الحافلة دون نظام أو ترتيب، الجميع قد إنتهج منهج واحد لتحقيق هدفه وهو )الإنطلاق نحو الحافلة والحصول على مقعد(
بعد نصف ساعة ركبت سارة أخيراً الحافلة المتوجهة إلى ميدان التحرير بعد عدة محاولات فاشلة، لكن بالنهاية حققت مرادها وفازت بالمقعد جلست والإبتسامة تعلو وجهها، ورفعت حاجبها وهي تشعر بالزهو لتحقيقها أول تحد تقابله.
" أخيراً"
تمتمت سارة وهي تجلس على المقعد المقابل للثلاث مقاعد المتراصة بالحافلة، ورغم ضيق المكان والجلوس الغير مريح لها حيث كانت تجلس محشورة ظهرها لكرسي السائق ووجهها للسيدة التي تجلس أمامها في الأريكة المقابلة لها لكنها إعتبرت نفسها محظوظة لركوبها أخيراً ولو بهذه الطريقة.
(إلى هنا كان الأمر رائعاً بالنسبة لي على الرغم من دهشتي منه، لكنني نجحت وهذا هو المهم، لذا رغم كل شىء كنت لاازال سعيدة وواثقة من نفسي، ومن يقيني أني سأحقق ما أسعى إليه... فالثقة بالنفس هي مبدئي منذ أن كنت صغيرة، فتاة قوية تعرف جيداً أهدافها وعلى يقين من أنها ستتمكن من تحقيقها وتنطلق بكل قوتها نحوها دون تردد ومهما كانت العقبات إلى أن .... إلى أن رأيته...
شاب طويل وعريض مفتول العضلات ذو شعر أسود كثيف وقصير هربت خصلات ناعمة تلامس بشرته الخمرية التي لوحتها الشمس فأعطته سمرة رائعة، ومع هذا لم يكن هذا مالفت إنتباهي له، لكن ماجعلني لا بل جذبني حقاً إليه كانت عيونه.... كانتا باللون البني الغامق وبهما لمعة غريبة، ثاقبتان وعميقتان إلى الدرجة التي تستطيع أن تهز أعماق القلوب من نظرة واحدة، تجذب إنتباه الفرد لها وفي لحظات تنقل له شعور غريب بالإطمئنان والخوف، بالحب والرعب، لها رهبة غريبة!، ومع أنه لم يكن ينظر لي لكني وجدت نفسي أنسى كل شىء، وأنظر له وراح قلبي يخفق بشدة ونظري فقط معلق به،....ورغم غرابة الأمر ومفاجئته لم أتوقع أبداً أن يحدث ماهو أكثر غرابة..... )
"أنت ياهذا ماذا تفعل؟"
عقدت سارة حاجباها وإتسعت عيناها وهي لا تصدق ماترى، حتى أنها إحتاجت لدقيقة تستيقظ من مفاجئتها، ثم صاحت وهي تشير لذاك الشاب بالمقعد الأخير بالحافلة، قد رأته يحاول تمرير يده بين الأريكة وزجاج السيارة ليصل إلى الفتاة التي تجلس بالمقعد الذي أمامه،
تنبه لها وسحب يده بسرعة فإلتفتت الفتاة نحوه وصاحت به
"ماذا تفعل ياحيوان"
لكنه رد عليها بكل وقاحة
"ماذا؟ لم أفعل شىء"
"أصمتي لم يفعل لك شىء" صاح الرجل الذي بجوارها ، لكن الرجل الجالس بجوار سارة صاح
" نعم لم يفعل بعد لكنه كاد، إتقي الله هي مثل أختك" فرد الشاب
"ليس لي أخوة"
"وحدوا الله إهدأوا" قاطعم السائق
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي