إلا أنا

rehabqabeel`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-04ضع على الرف
  • 8.7K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

خلف تلك الوجوه قناع أسود لن تدركيه إلا مع زوال ذلك البريق الزائف الذي يحيط بكِ
كانت تلك الكلمات تتردد بذهنها وهي تراقب كل ما يحدث من بعيد.
صخب يملأ المكان كالعادة، أحاديث مملة تتجاذبها بعض من سيدات المجتمع الراقي حول آخر صيحات للموضة والأزياء، ثم هناك أحاديث من نوع آخر يتجاذبها أحد رجال الأعمال مع زوجها عما يحدث في سوق البورصة، وما هي آخر التطورات بها.
ارتسمت إبتسامة سخرية على جانب ثغرها عندما رددت كلمة زوجها، وهي تنظر إليه وتتسائل: "كيف وثقت به إلى ذلك الحد؟ كيف؟"
شعرت بالإختناق عندما تصاعدت إلى أنفها رائحة السيجار الكوبي التي تعبق المكان، ترسم سحابة فوق رأسهم؛ لكن منذ متى وهي هكذا؟
ألم تكن تلك الحياة التي اعتات عليها منذ نعومة أظافرها! هي التي فضلت تلك الأجواء المزيفة التي تسحرك منذ الوهلة الأولى راغمة إياك أن تسير خلفها رغمًا عن أنفك، لكن مع إنتهاء بريقها وإفاقتك يكون قد فات الأوان
وهذا ما حدث معها عندما خسرته
تشتاق إليه الآن! فقط تريد أن تلمحه مرة واحدة حتى لو كانت تلك المرة هي الأخيرة، كم أنت غريب أيها الإنسان تغتر بحياة وتطالب بها حتى الرمق الأخير لك وبعدما تألفها بلحظة تمقتها وبكل ما أوتيت من قوة تضرب بها بعرض الحائط كأنها لم تكن تعينك منذ البداية.

من بعيد شاهدت وجه ابنتها المتورد وابتسامتها المنتشية فرحة بعيد ميلادها وهي تتجول بين صديقاتها تتأبط ذراع شقيقها التؤام "يوسف" الذي تأفف قليلًا من تلك الأجواء، ابتسمت وهي تتذكر ملامحه، مثله تمامًا دائمًا ما كان هو الآخر يمقت تلك الأجواء، يشببه إلى كبير.
علمت على الفور أنها لن تستطيع الفيام بما ما قد يدمر هذه السعادة كلها، عليها أن تتحكم بنفسها وما ينتابها من مشاعر؛ فذلك الوقت ليس المناسب للقيام بما تريده، عليها التروي قبل اتخاذ أي قرار
"مامي"
رفعت ذقنها تثبت أكثر إبتسامة إشراقًا لها، ثم سحبت نفسًا عميقًا وهي تشاهدها تقترب منها
"حضرتك هنا وأنا بدور عليكِ!"
قالت باسمة: كنت شيفاكي على فكرة
أجابتها مستنكرة: وسيباني كل ده بدور عليكَ
كنت مستنياكي تشوفيني زي ما أنا شيفاكَ
عقدت حاجبيها: يعني ايه؟
ابتسمت تتحدث وهي تغير دفة الحديث: يعني يلا بقى نطفي الشمع الناس زهقت
قالت مبتسمة وهي تلف على عقبيها تبحث عن شخصًا ما، لكنها التفتت إليها تتسائل بحيرة: هو بابي فين؟
بابي أهو
ألتفت لإتجاه الصوت وفور أن وقع نظرها عليه ارتمت بين أحضانه تقول في رقة: بابي!
وضع يده بحنية بالغة على رأسها: كل سنة وأنتِ طيبة منورة حياتي يا أمل بابي
قالت بلهجة مستنكرة بعض الشيء وهي تبتعد عنه: مقدرش يا حياتي بابي، بس كان في شغل مهم و..
رفعت كفها مقاطعة إياه تكمل بدلًا عنه: وإنه مهم وكان لازم أخلصه وأنتِ عارفة أن الحفلات دي بتبقى فيها شغل بردوا بين رجال الأعمال ثم أكملت بتأفف: عارفة والله الكلام ده أنا، بس بردوا دي تبقى حفلة عيد ميلادي
اقترب منها يربت على رأسها في حنان: معلش يا حبيبة بابي..
رد عليه صوت ذكوري معترض: بس أمل ملهاش غير أب واحد والأب ده مات
نظر الجميع إتجاه الصوت بإستغراب سرعان ما تبدد وتحول إلى معام سعادة على وجهها الجميل، لتركض وتصيح بسعادة غامرة: زين!
فرد ذراعيه ليها أخذًا إياها بين أحضانه قائلًا بصوت حنون: حبيبتي، كل سنة وأنتِ طيبة
تمتمت أمل وهي تضربه بذراعه بإعتراض: لو كنت حبيبتك كنت سألت عليا
ضحك زين قائلًا في حنان: أنتِ عارفة وقتي مش ملكي يا إيمي
ردت بإمتعاض: مش عارفة كان ماله لو مسكت شركات جدو وساعد مامي بدل موضوع ظابط الشرطة ده
ثم أكملت: اشمعنى يعني ظابط؟
أجابها غامزًا إلى تؤامها وشقيقه "يوسف" هاسمًا:
عشان أقبض على جوز أمك في الوقت المناسب انفجر "يوسف" في الضحك في حين قامت "أمل" بضرب شقيقها الأكبر قائلة بتبرم: عيب كده يا زين ده بابي..
قاطعها بحزم: ده مش أبوكِ أنتِ مالكيش غير أب واحد وكان اسمه يحيى وياريت نقرأله الفاتحة
كان ذلك الحوار يدور بين الأشقاء الثلاثة، أما عنها فكانت تراقبهم من بعيد
اقتربت "هدى" منهم تهم بمعانقته لكنه رجع خطوة للوراء ماحولًا تفاديها، فصممت هي على الإقتراب أكثر ومعانقته، فتركها دون رد فعل منه، أرادت الإقتراب منه، تريد أن تشرح له ما كان يراودها من شعور عندما اتخذت ذاك القرار؛ وقتها كانت مسلوبة الإرادة كالمسحورة تسير خلف الحياة التي اعتادتها منذ الصغر، لكنه لم يعتد ولم يحاول لذلك اختارت الخيار الأمثل لهم من وجهة نظرها في ذلك التوقيت، غير عابئة بالأضرار التي ستواجهها بعده، وها هي اليوم تدفع عواقب ما جنته يداها، لكن لم يكن هذا وقتًا مناسبًا، لكنها عاتبته قائلة: ينفع الغيبة دي كلها يا زين؟
تأفف ناظرًا لها ببرود: شغل!
ردت بعتاب: وهو شغلك يمنعك تسأل عن والدتك؟
رد بسخرية: والدتي!
ثم أكل بنفس النبرة شاخصًا بنظره خلفها: أتمنى تعرفي معنى للكلمة دي كويس عشان ماتفقدش ماهيتها
كان زوجها يقف وراءها بخطوات ولم يحاول أن يتدخل؛ فدائمًا ما كان يظهر له رفضه، حاول كثيرًا لكن ما رآه منه لم يشجعه على المحاولة مرة أخرى.
لكزه يوسف يلومه عما يفعله، لكنه لم يعطي إهتمامًا كثيرًا، فهذه المرأة هي نفسها التي فضلت نفسها على والده
لكن عليه التروي قليلًا فالبلأخير هذه الليلة هي ليلة شقيقته الصغرى ولا يريد إفساد تلك الليلة عليها، لذلك فضل السكوت مبتعدًا عنها يذهب في إتجاه شقيقته التي فضلت الإبتعاد عنهم عندما شعرت بالمشاحنات الحادة بينهما
أخذ يد ابنته لا يعتبرها شقيقته فحسب بل طفلته المدللة ليتوسط بها المكان يشير إلى الجميع أن يبدأوا في غناء أغنية عيد الميلاد، راقبها وهي تبتسم بسعادة بالغة ثم سرعان ما مالت بجسدها تنفخ في شمع عيج ميلادها بعدما تمنت أمنيتها
كانت تراقب ابنتها من بعيد تتذكر نفسها وهي في نفس عمرها أو أقل منها بعام، تتذكر نفس الأجواء.
واقفة أمام مرآتها تنظر لنفسها نظرة رضى ثم خطت خطوات واثقة وهي تفتح باب غرفتها تتسللل منها لتنزل سلالم ذلك القصر الفخم في عزة وكبرياء، ثم ذهبت في إتجاه والدها وهي ترسم إبتسامة جذاة على محياها الذي يشع جاذبية: يلا يا بابي نطفي الشمع
نظر لها بفخر كأنه يخبر من حوله أن تلك الفاتنة هي ابنته وأعظم انتصاراته طوال حياته: يلا يا حبيبة بابي
بعد أن أطفئت شمع ميلادها نظرت له قائلة بعتاب: هديتي لسة ماجتش يا بابي
قال مبتسمًا: هديتك في الحفظ والصون
هي فين؟
أنتِ بتطلبي مني ايه بقالك سنة؟
قالت بسخط: إني أدرب في شركتنا عشان..
لكنها ابتلعت جملتها مستوعبة ما قاله ثم ردت بسعادة: حضرتك وافقت أخيرًا!
حضري نفسك لأن أول يوم شغل ليكِ هيبدأ من بكرة
ردت بسعادة غامرة: حاضر
وهنا كانت بداية كل شيء
يتبع
#رحاب_قابيل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي