الحادي والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين


رواية عبق الماضي
بقلمي روز أمين

الفصل الحادي و العشرون


نكَس الطبيب المعرفة رأسهٌ و أردفَ قائلاً بنبرة صوت بائسة ٠٠٠ بنسبة كبيرة الأستاذ أحمد عنده مشكلة كبيرة في الكلي  ،، و الخوف كله من الحبوب المُسكنة اللي أخدها طول المدة اللي فاتت و ده طبعاً بناءً علي كلامه


ثم نظر الي الحاج مٌحمد و تساءل لائمً بنبرة مُحب ٠٠٠ إنتوا ليه بس سبتوة المده دي كلها من غير علاج يا حاج محمد ؟


أما مٌحمد فكانت الصدمة و الذهول و الرعب من نصيبة ،، حيثٌ نزلت كلمات الطبيب علي قلبهِ الضعيف فزادته ضعفً و وهنً علي وهنه و زلزلت كيانهِ بالكامل


أما عز الذي تصنم بمكانه و ألجمت الصدمة لسانه ،، تحامل علي حاله و بالكاد أخرج صوته قائلاً بنبرة صوت يائسة ٠٠٠ أحمد كان مخبي علينا وجعه يا دكتور ،، كان خايف لنضغط عليه و نجيب له دكتور يكشف علية و يحتاج ل مستشفي ،،

و أكملَ مُبرراً حديثهُ٠٠٠ أحمد للأسف من صغرة و هو عنده فوبيا من الدكاترة و من المستشفيات و مانع التعامل معاهم نهائي،، و ده من وقت ما جاله دور الحصبة و تعب و إضطر الحاج يحجزة في المستشفي علشان يلاقي رعاية صحية لأن جسمة وقتها كان ضعيف جدا و محتاج رعاية طبية ضروري علشان يعدي من الدور و يقوم بالسلامة  ،،

تنهد بيأس و أكمل حديثهُ بصوتٍ واهن ٠٠٠ و من يوم ما أتحجز لوحدة في المستشفي و هو حصل له عقدة،، لدرجة إن حالياً لما حد عزيز عليه بيتحجز في مستشفي ما بيزرهوش


تفهم الطبيب موقفهم و أجري جميع الفحوصات اللازمه لمعرفة حالة أحمد المَرضية


و بعد مدة عاد الجميع إلي المنزل و أستُقبل أحمد بالدموع من والدته و ثريا و عزيزة التي تعتبرةُ نجلً من أنجالها و ليس مجرد زوج إبنتها فقط


تحركت والدته مُحتضنه إياه تتساءل بلهفه و هي تتفحص جسدهِ بتلهف ٠٠٠ إنتَ كويس يا حبيبي،  طمني الدكتور قال لك أيه يا أحمد  ؟

أجابها عز مُربتً علي كتفها بحنان في محاولة منهُ بتهدأتِها ٠٠٠ عملنا تحاليل و إن شاء الله كل خير يا أمي ،  سبيه حضرتك علشان يطلع ينام لأن جسمة محتاج للراحه بعد الحُقن المُسكنه اللي أخدها في المستشفي


رد عليه محمد بإعتراض و هو يُشير بيده إلي تلك الغرفة الجانبية المخصصه لمرضي العائلة أو لإستقبال حالات الولادة لنساء المنزل  ٠٠٠ دخل أخوك ينام في الأوضة دي يا سيادة العقيد


و أكملَ بحنين و هو ينظر إلي صغيرة المريض بنظرات ضعف ٠٠٠ علشان أنا هنام جنبة زي زمان


إبتسم لأبيه و تحرك مُنساقاً إلي الداخل بصحبته تحت عيون ثريا و قلبها الذي يتمزق لأجل متيمها التي تتيقن من داخلها أنها شاركت بصمتها المُخزي في تطور حالة المرض و تأخر حالته الصحية إلي الأسوء

   
دلفت مُنيرة بصحبة عزيزة لتجهيز الطعام الذي أمر به الطبيب إلي أحمد


و تفرق الجميع كُلٍ إلي وجهته إلا من عز الذي نظر إلي تلك الحزينة و دموعها التي تنزل علي قلبه تكوي كل ما تقابلهُ في طريقها


إقترب منها و تحدث إليها بنبرة معتزرة أسفه ٠٠٠ أنا أسف يا ثُريا إني إحتديت عليكي في الكلام ،، إنتِ عارفة قد أية غلاوتك عندي و إني أكيد ما كنتش أقصد أزعلك ، أنا بس إضايقت و ما كنتش عارف أنا بقول أيه لما شفت أحمد بيتألم بالشكل ده قدامي

و أكمل بنبرة حانيه و عيون متألمه لأجلها ٠٠٠ أرجوكِ يا ثريا متزعليش مني!!


نظرت إليه بضعف و تحدثت من بين دموعها الحارقة مما أتعب روحه و ألمها  ٠٠٠ و انا هزعل منك ليه يا عز و إنتَ معاك كل الحق

و أكملت و هي تُشير إلي حالها بإتهام ٠٠٠ أنا اللي غلطت لما سمعت كلم أحمد و خبيت عليكم تعبة و وجعه،،

و أكملت و عذاب الضمير ينهش داخل صدرِها ٠٠٠ و لو أحمد جري له أي حاجة عمري ما هقدر أسامح نفسي لأني هكون مُتأكدة من جوايا إن أنا بسلبيتي و سكوتي المُخجل اللي وصلته لكده 


حزن لأجل شعورها القاتل بالذنب و أردف قائلاً بهدوء كي يمسح عنها ذلك الحزن و الألم اللذان أصابَ قلبها الرقيق ٠٠٠ ما تحمليش نفسك فوق طاقتها يا ثريا ،  اللي حصل لأحمد ده مكتوب و مقدر من ربنا سبحانه و تعالي  ،،  ثم إحنا كلنا عارفين إن أحمد عندة فوبيا من الدكاترة من اللي حصل له زمان،، و أكيد هو اللي أثر عليكي و خلاكي غصب عنك تسكتي


أجابته بدموع حارقة ٠٠٠ متحاولش تخفف عني يا عز لأن مهما قولت عمرك ما هتعرف تشيل من جوايا شعور الذنب اللي بياكل في قلبي و محسسني إني قد أية مُذنبة


و بكت بإنهيار ثم تحركت متجهه إلي المطبخ تاركه إياه في حيرة لتتابع مع والدتها و والدة زوجها تحضير الطعام لزوجها المريض

نظر إلي طيفها بحزن ثم زفر بضيق لأجلها و تحرك متجهاً إلي الغرفة التي يتواجد بها شقيقة كي يطمئن عليه من جديد و يُجاورهُ الجلوس هو و أبيه

___________________________


بعد يومان ذهب عز إلي المشفي لجلب نتيجة الفحوصات و مٌحمد الذي أصّر علي الذهاب مع ولده كي يطمئن علي عزيزٌ أبية مهذب الروح،، عالي الأخلاق و الفضيلة

دلفا معاً إلي حجرة الطبيب و اجلسهما بعدما القوا عليه التحيه و تحدث إليه الحاج مٌحمد مٌتشاءلاً بنبرة مُتلهفة ٠٠٠ طمني يا دكتور علي حالة أحمد
أخذ الطبيب نفسً عالياً ثم أخرجه و تحدث إلية بنبرة يائسة  ٠٠٠ للأسف يا حاج محمد ،، حالة أستاذ أحمد مؤسفه جدا و أكتر كمان مما كنت أتوقع


إبتلع عز لٌعابه رٌعبً و تساءل بعدما رأي ألم والدهٌ الذي ظهر بعيناه ٠٠٠ أخويا عنده أيه يا دكتور ؟


اجابهٌ الطبيب مُفسراً٠٠٠ للأسف يا سيادة العقيد ،، أستاذ أحمد كان عنده قصٌور في الكلي و كان سهل جداً إنه يتعالج و حالته تتحسن و يرجع لطبيعته ،،

ثم أكمل بنبرة حزينة ٠٠٠ لكن بفضل المسكنات اللي اخدها طول العشر شهور اللي فاتوا حولت الحالة من قصور لفشل كلوي مزمن


نزلت تلك التصريحات علي قلب كٌلٍ من مٌحمد و عز جلدته و كأنها مادة كاويه تحرق كل ما تقابله أمامها بدون رحمة


إنهار داخل مٌحمد علي شباب صغيرهٌ الذي سيخطفهٌ ذاك المرض الصعب إلي الموت الحتمي

فأخرج صوتهٌ بصعوبة بالغة مٌتسائلاً بنبرة مٌرتجفه ٠٠٠ و نسبة الشفا من المرض ده قد أيه يا دكتور ؟


أجابه الطبيب بنبرة هادئة ٠٠٠ كل شئ بأمر الله يا حاج ،، أنا هبذل كل جٌهدي لكن الموضوع صعب بجد و محتاج متابعة ،، و أول حاجة لازم تحصل هو إن الأستاذ أحمد يتحجز في المستشفي علشان نقرر العلاج المناسب لحالته و يتحط تحت الملاحظة الطبية


نكس مُحمد رأسه بيأس و تحرك عز إليه و أصطحبهُ و خرجا معا و أستقل السيارة التي قادها عز، 

تحدث عز لذاك الجالس بجانبة و يعتصرهُ الألم ٠٠٠ أرجوك يا حاج تحاول تهدي و تهون علي نفسك علشان صحتك ما تتأثرش ،،  و أحمد إن شاء الله هيبقا كويس و هيصحي


إبتسم لإبنه بمرارة و تحدث بوهن ٠٠٠ إنتَ بتضحك علي نفسك و لا عليا يا عز،  هو المرض ده لما بيصيب حد بيبقا ليه قومه تاني


تحدث عز بيقين و إيمان بالله القادر علي كل شئ ٠٠٠  خلي إيمانك بالله قوي يا حاج و خليك دايماً متأكد إن ربنا قادر علي كل شئ و إن شاء الله يظهر لنا قوته و قدرته في شفاء أحمد


هز مُحمد رأسهُ بيقين و أردف قائلاً ٠٠٠ و نعم بالله العلي العظيم

                 ○○○○○○¤○○○○○○


عاد عز و محمد إلي المنزل و جلس بصحبة أحمد و أخبروه بالحقيقة في محاولة منهما بإقناعه بالذهاب إلي المشفي و المكوث بداخلها لفترة محدودة


بعد مدة أخرج أحمد صوتهٌ بصعوبه مٌتسائلاً بنبرة صوت يائسة ٠٠٠ الدكتور قال لكم فاضل لي قد أيه و أقابل وجة كريم ؟


نزلت كلماته تلك علي قلب عز زلزلته و تحدث مٌحمد بنبرة حازمة ناهراً إياه بشدة  ٠٠٠ مش عاوز اسمع منك و لا كلمة عن الموضوع ده ،، إنتَ فاهم ،،إنتَ هتخف و هتبقي كويس و هتربي ولادك و تعيش لحد ما تجوزهم بنفسك


و نظر له قائلاً بضعف واهن ٠٠٠ و يكون في معلومك،، محدش هيحل عليا الكفن غيرك إنتَ يا أحمد،  خليك قوي يا أبني علشان خاطر أبوك الضعيف


إبتسم بمرارة يائساً من وضعه و نظر لأسفل قدمية مٌنكس الرأس مفضلاً الصمت


و بالفعل أحتٌجز أحمد داخل المشفي مٌدة أسبوعان و قد تحسنت حالته بعض الشئ بفضل جرعة الأدوية المناسبة لحالتة والتي قررها الاطباء بعد مراقبة حالته و الفحص الجيد له ،، و لكن اخبرهما الطبيب ان هذا التحسن للأسف سيثبت عند هذا الحد ،، لأن الحالة مٌعقدة و النهاية الحتمية له هي الموت الأكيد ،، و كل ما بيدة ليفعلة لأجلة هو أن يحقنهٌ بالمسكنات المناسبة كي يمارس حياتهٌ دون أن يشعر بذاك الألم المميت   


جاء حسن من أسوان إلي المشفي لمؤازرة شقيقتهٌ الغالية التي إنقلبت حياتها رأسً علي عقب فور تلقيها خبر مرض زوجها القاتل ،،
جلس بجانبها بعد أن إصطحبها إلي الأسفل داخل حديقة المشفي لتتنفس الهواء النقي و لو قليلاً بعيداً عن رائحة الأدوية التي تقبض النفس و تؤرق النفس


أمسك كف يدها و وضعهُ بين راحتيه بحنان و تحدث إليها بإطمئنان ٠٠٠ متخافيش يا حبيبتي إن شاء الله أحمد هيقوم بالسلامة و هيبقا كويس و زي الفل !!

ردت عليه متلهفة بنبرة ضعيفة ٠٠٠ إدعي له يا حسن،  إدعي له و إنتَ بتصلي إن ربنا يشفيه و يقوم لي أنا و أولاده بالسلامة


أجابها بإبتسامة حانية كي يضع الطمأنينة داخل صدرها ٠٠٠ إن شاء الله ربنا هيشفيه يا حبيبتي و هيرجع أحسن من الاول كمان.،، خلي يقينك بربنا كبير يا ثُريا !!

أردفت قائلة ٠٠٠ و نعم بالله العلي العظيم


دلف عز من بوابة المشفي بعد إنتهاء دوام عمله كي يقوم بزيارة أخيه و متابعة تطور حالته مع الاطباء مثلما يفعل كل يوم منذُ أن تم إحتجاز أخيه بالمشفي

وجدهما يجلسان فأقترب منهما و أحتضن حسن برعاية و حنين و جلس الجميع ثم تحدث إليه بنبرة مُلامة ٠٠٠ مش ناوي تعقل بقا و ترجع تنور بيتك و لا آية يا باشمهندس


نظر له حسن و تحدث إلية بنبرة حزينة ٠٠٠ تقصد البيت اللي إتطردت منه قدام العيلة كلها يا عز ؟


تنهد عز بأسي لاجله و تحدث إلية بتعقل ٠٠٠ و أية المشكله يعني لما أبوك إتعصب عليك و قال لك كلمتين بايخين في وقت زعله،  و بعدين اللي حصل بينكم ده حصل بين إخواتك و ولاد عمك اللي هما بردوا اخواتك،، فياريت متكبرش الموضوع و تدي له حجم أكبر من حجمة


ثم أخذ نفسً عميقً و تحدث بهدوء ٠٠٠ إرجع يا حسن البيت قبل الفجوة اللي بينك و بين عمي ما تكبر و ساعتها هيبقا صعب تصفوا لبعض تاني و ترجعوا مع بعض زي الأول


أردفت ثُريا قائله بتأكيد علي حديث عز ٠٠٠ عز عنده حق في كلامه يا حسن  ، البُعد بيولد الجفا يا حبيبي و ده مهما كان أبوك و ما ينفعش تقاطعة بالشكل ده !!


أردف حسن متمللاً برجاء ٠٠٠ أرجوكم يا جماعة سيبوني علي راحتي و ياريت ما تضغطوش عليا أكتر من كدة ،، أنا مش راجع البيت غير لما بابا يقتنع برأيي و يديني الحق في إني أختار البنت اللي هعيش معاها باقي حياتي


صمت كلاهما بإحباط من عناد ذاك الحسن و أباة
 
 
و بعد زيارته القصيرة تلك سافر مباشرةً مرةً أخري إلي أسوان دون رؤية والدية كي يضغط عليهما بالرضوخ لزواجة من سمراءة


و بعد عدة أيام خرج أحمد من المشفي و آُجبر علي الإعتياد علي الأدوية و زيارة المشفي بين الحين و الأخر لتلقي العلاج اللازم 
    
            
          ○○○○○○¤○○○○○○    
        
بعد مرور عدة أسابيع أٌخر


داخل منزل دياب بأسوان الحبيبة

في الصباح الباكر و بعدما تناول الجميع وجبة إفطارة و ذهب كُلٍ إلي وجهته ،،  دياب إلي أرضه ليرعاها و يسعي علي رزقة و رزق أطفالة ،،
و بسمة إلي عملها داخل البزار،، و الصغار إلي مدارسهم


كانت الجده تجلس فوق الدكة الخشبية كعادتها و تربع ساقيها بإسترخاء مُمسكة بمسبحتها التي تُسبح الله و تذكرة بلسانها بخشوع  ،  خرجت إليها سُعاد و هي تحمل صَنية بين يديها موضوع عليها كوبان من مشروب الشاي الدافئ


وضعت سُعاد ما بين يدها فوق الدكة ليتوسطها هي و أم زوجها ثم جلست و تحدثت و هي تناولها كأس الشاي بيدها ٠٠٠ الشاي يا أما


تناولت الجده منها الكوب و أردفت قائله بوجةٍ بشوش ٠٠٠ تسلم إيدك يا بنتي


و بدأ إثنتيهما بإحتساء المشروب، ثم تساءلت سعاد بنبرة بائسة محملة بالهموم  ٠٠٠ و بعدين يا أما، هنعمل أية مع اللي إسمه ناجي اللي واقف حال البنت ده ،  ده تاني عريس ييجي لها من وقت الجدع بتاع إسكندرية ما مشي و ناجي يهدده و يطفشه من برة ،، حتي من غير العريس ما يرجع يعتذر و يقول أيه أسبابه


كانت الجده تستمع إليها بهدوء و ملامح وجهٍ مستكينة ثم أجابتها بيقين ٠٠٠ سيبي كل حاجة لربنا و سبحانة و تعالي كفيل بإنه يحلها و يعدلها يا سُعاد، إحنا في حالنا و كافيين غيرنا شرنا و متوكلين عليه و هو شايف حال قلوبنا إزاي مُسالمة و بتخشاه


ثم هزت رأسها بإيماء و تحدثت بيقين ٠٠٠ ربنا إن شاءالله مش هيجيب لنا غير كل الخير يا بنتي


تنهدت سُعاد و أستغربت في حال نفسها إطمئنان و هدوء تلك العجوز و تساءل حالُها،، من أين تأتي بكل هذا الهدوء و الراحة و الثبات الظاهران بملامحها رُغم كل ما يُحيط بهما من مُشكلات

يُتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي