٢محادثة طويلة

صداع ، صداع رهيب يفتك برأسي بمجرد أن استيقظت من نومي ، أنه كما لو أن خلايا عقلي تحتفل بوحشية في الداخل "آه يا أمي" تمتمت بصوت منخفض و انا أمسك برأسي الثقيل.

فتحي لعيني كان صعب ، جفوني ثقيلة للغاية بسبب كمية الكحول التي شربتها بالأمس، رفرفت جفوني افتحها لـ أعود و أغلقها فورًا بألم و اتأوه بسبب الشمس التي تملئ الغرفة ، من فتح النافذة اللعينة هكذا؟؟.

فتحت عيني مرة أخرى و أخذت ثواني أفكر متي تغير لون سقف غرفتي من الأبيض للأزرق؟! .نظرت حولي لأجد بأن الغرفة بالكامل مختلفة عن غرفتي! أين أنا؟؟. سمعت صوت يأتي من الخارج لأحد البرامج التلفزيونية.

متجاهلة المطارق التي تضرب جدران رأسي انتفضت فزعة أقف من السرير ، مهرولة للباب أفتحه بعنف ، قابلني سور لسلم كدت اتشقلب من فوقه بسبب نسبة الكحول التي ماتزال تسري في عروقي ، و لكني اتزنت في آخر لحظة.

من مكاني رأيت فتاة تشاهد التلفاز ، هرولت على السلم أدعو الله بأن لا أكمل باقي درجاته بوجهي .

"هاي، لقد استيقظتِ!" قالت الفتاة و هي تطفئ التلفاز و تقف أمامي "من أنتِ؟"صحت بها ثم ندمت فورًا حين اشتد ألم رأسي.

"أنا بيري جارتكِ أ لا تعرفيني؟"عقدت حاجباي لأنني لا أعلم من بحق الله هي بيري! و لا أتحدث مع أحدًا من هذا الحي.

تراجعت عن سؤالها كيف ، و لماذا أتت بي لهنا ، عندما داهمتني ذكري ما حدث ليلة البارحة "هل أنتِ من سحبني من فوق الحافة بالأمس؟"سألت بهدوء لأنني أولًا: لا أتذكر وجهها.

ثانيًا :لأنني لا أثق في ذاكرتي بعد أول كأس من الكحول فما قولك بتناول زجاجة كاملة!

"كنت أود قول بأنني 'من انقذتكِ' ،و لكن بما أنكِ وضعتها بتلك الطريقة فنعم انا من سحبكِ من هناك" تجاهلت نبرتها المتحاذقة و أمسكت برأسي أشد خصلاتي بعدم تصديق ، لماذا؟ لماذا بعثتها لي؟ أنا لم أريد ذلك!.

"هل أنتِ بخير؟"سألتني بقلق تمد يدها لتلمس كتفي ،و لكنني ضربت يدها بعنف "أيتها اللعينة غريبة الأطوار! لماذا تتبعتني بالأمس؟ و حتي بأنكِ بقيتي منتظرة لتفشلي محاولة قفزي! ،و ليس هذا فقط بل تجرأتي واتيتي بي لمنزلكِ! أي غبية غريبة أطوار أنتِ؟!" استنشقت الهواء بقوة بعد صياحي العالي الذي جعل من رأسي و عيني تلعنني بسبب عدم تهاوني مع الألم الذي انا به.

كانت بيري تلك مصدومة من حديثي ، ربما كانت تتوقع خطاب شكر 'لأنقاذها' لي او شيئًا كهذا ، و لكنني لم أريد أن 'انقذ' أنا فعلًيا لم أنقذ! بل سُحبت من حافة الهاوية لكى أكمل رحلة عذابي في هذا العالم.

فتحت فمها لتتحدث ،و لكنني قاطعتها "أنتِ سوف تنسي كل شيء حسنًا؟ أنتِ لم تريني حتي و لم يحدث أي شيء!" أنهيت حديثي و خرجت من منزلها ، وقفت في حديقته أبحث عن إتجاه منزلي ،  لأجد أنه يقع على يساري بجانبها مباشرةً .

سارعت أدخل منزلي ، و أغلق بابه بقوة غير عابئة بأنه هز جدران المنزل أو عكر صفو الحي الهادئ.

الدموع ملئت عيني ،و لكنني تماسكت كي لا تهبط ، أخذت حبيتين من المسكن ، وضعت الماء ليغلي لأصنع لنفسي شاي ، فى العادة من يريد أن يفيق من آثار الكحول يتناول القهوة ،و لأنني أكرهها فلا حل لدي سوى الشاي ، معلومة غير مهمة بالمرة و لكنني ذكرتها و أنتهى.

لم أستطيع التماسك أكثر ، بدأت أبكي ساندة رأسي على يدي الموضوعه فوق الكونتر ، لقد تعبت ، تماسكت كثيرًا و تعبت ، لا يمكنني فعل هذا مجددًا ، لا يمكنني إكمال هذه الحياة و كأنها سهله و أنا أقوى منها ، لأنني لست كذلك! أنا ضعيفة جدًا..

لقد كنت متماسكة لفترة طويلة ، لأول مرة استجمعت الشجاعة التي لا امتلكها فى الأصل! و قررت إنهاء المعاناة ، و لكن لأسبب لا يعلمها إلا أنت يا ربي أرسلت لي بغبية شقراء حياتها مثالية تنقذني و تملي علي ما أفعل! ، هي ليست أنا! هي لم تعش ما عشته أنا ، لم تجرب أن تكون مكاني ليوم!.

"ارحمني"قلت باكية ،و مسحت عيني من ثم أخذت كوبي و جلست على اريكتي ، أكره البكاء ، أكره الشعور بالضعف ، بالرغم من أنه شعور عادي إلا أنني أكرهه ، لذلك حين أضعف أفكر في قتل نفسي فورًا! وضعت رأسي بين يدي أريد الموت!.

"ميا..!"صوتها تردد فى أذني لتتجمد جميع حواسي للحظة ، رفعت رأسي بسرعة رهيبة تكاد تنفصل من قوة حركتي الغير متوقعة.

تردد الصوت مرة أخرى لأعلم بأنها لم تكن هي بل كانت بيري! لم أفتح الباب أو حتي أتحرك من مكاني.

"ميا" رددت بيري تلك و هي تقف أمامي ، كيف دخلت؟ ربما صفعي للباب جعله يرتد بدلًا من أن يقفل؟ ، أنا حقًا لا أهتم في هذه اللحظة.

"ماذا تفعلين هنا؟"الحدة كانت ظاهرة في صوتي تخفي اهتزازه بسبب البكاء "اسمعي ميا ، أنا لم أستطيع أن أراكِ تنهين حياتكِ ،و أقف مكتوفة الأيدي! لا يمكنني تركك تنهين حياتكِ بالكامل من أجل مشاعر مؤقتة! ، صدقيني كل هذا الحزن و الآلم سوف يمر ، كل شيء سيتحسن! الحياة أسهل من ما تتوقعي" هززت رأسي بالنفي بعنف.

"لا شيء سيتحسن! لا شيء سهل! هذا الهراء لا ينتهي!. كل شيء في الحياة صعب ، كل شيء بها! ألا تفهمين ذلك؟ الحياة صعبة كاللعنة!!"صحت تاركة دموعي تهبط مرة أخرى ، لقد تعبت!! أقسم بأنني حاولت التماسك ،و لكنني لم أستطيع ليس بعد الآن!.

"لا شيء يتغير مهمة حاولت ، مهمة بذلت من جهد و تعب لا شيء يتغير " أضفت بصوت مكتوم بسبب يدي التي على وجهي تحجبه عنها ، أنا حقًا تعبت أريد أن أرتاح مرة و للأبد.

ألتفت ذراعيها حول كتفي تحاول ضمي لها ، لكنني ضربت يديها و دفعتها بعيدًا عني ، أقف من الأريكة و أصيح مجددًا -كما أفعل منذ استيقظت!-

"اخرجي من هنا! و لا تعودي أبدًا و كما أخبرتكِ أنتِ لم تريني أو ترى أي شيء!" عينيها الزرقاء اتسعت بتفاجأ من حركتي، استرسلت صياحي و انا أشير للباب "أخرجي و إلا أقسم بأنني سوف أضربكِ بشدة تجعلكِ تفقدين ذاكرتكِ" لست من محبين العنف و لا أحبذ إستخدامه ، و لكنني مستعدة كل الاستعداد أن اضربها ، لقد رأتني أبكي!!.

"لن أترككِ وحدكِ"صاحت بعناد و كان دوري أن اتفاجأ و تتسع عيني "ماذا؟"صحت في المقابل ، اراحت ظهرها على الأريكة و قالت بكل برود "كما سمعتيني أنا لن أذهب" رفعت حاجبي من وقاحتها.

"أقسم بأنكِ إن لم تخرجي من هنا خلال خمسة ثواني سأكسر أنفك هذا" هددت و أنا مستعدة للكمها على أنفها، تلك الحقيرة!.

"إن فعلتِ ذلك سوف اشي بكِ! سوف أخرج من هنا و أحرص على أن تطردي من الحي ، تعلمين هؤلاء العواجيز و هواسهم بسلامة و هدوء بيئة الحي" كنت مصدومة من خطتها الحقيرة ، و تهديدها الصريح ، تلك العاهرة! لقد استهنت بها!

"أنـ..أنتِ لن تفعلي!"قلت بصوت مهزوز ، فأن هذا الحي اللعين راقي و ما إلي ذلك ، حصولي على هذا المنزل كان مهمة صعبة و تمت بسبب والدتي ، خسارته سوف تعني خسارة حياتي هنا! .

"جربيني" كافحت بكل ما بداخلي كي لا اصفعها لأزيل تلك الإبتسامة الجانبية المنتصرة عن وجهها.

"ماذا تريدين مني؟" كنت يائسة و خائفة ، لا أريد خسارة منزلي! لا أريد الموت بسبب المعاناة النفسية التي سوف تسببها لي أمي!.

إبتسمت و اعتدلت لتتحدث "في البداية سوف نذهب لنتناول الإفطار ،و سوف أخبركِ بما لدي هناك" كنت متفاجأة بالطريقة التي تحولت من عاهرة لعينة إلي فتاة بريئة مرة أخرى .

على كل حال لم يكن لي خيار أخر غير الذهاب معها لذا أنا اومأت بصمت "الآن أخرجي" قلت اسحبها لأجعلها تقف و ادفعها للباب.

أصعد لغرفتي و أغسل أسناني و وجهي ، ارتديت تيشيرت أسود و بنطال بنفس اللون ، صففت شعري فى ذيل حصان من ثم خرجت لها "أسود أسود أسود ، بناطيل و قمصان و جميعهم بالاسود ، ألا تمتلكين فستان؟ تنورة قصيرة؟ على الأقل وشاح باللون الكحلي!!" أدرت عيني على تعليقها.

"أمتلك ملابس ملونه و لكنني مرتاحة هكذا"اعترفت لتومأ و هي تهمهم ، ركبت معها في سيارتها ،و فورًا هي شغلت الأغاني و بدأت تغني معها ، و علي الاعتراف صوتها جيد.

إبتسامة صغيرة ظهرت على وجهي بسبب الطريقة التي ترقص بها ،و في نفس الوقت تحاول أن تبقي عينيها على الطريق ، مهلًا لحظة! هل أنا مستمتعة بما يحدث؟ هذا مرعب!!.

--
"إذًا ميا أخبريني قليلًا عن نفسك فأنا لا أعلم عنكِ أي شيء غير أسمكِ و الذي علمته من نانسي جارتنا"قالت بهدوء بعد جلوسنا في مطعم ما نتناول به الإفطار ، ابتلعت العصير و بدأت أفكر قليلًا قبل أن أتحدث.

"إسمي ميا ميلر ، أنا في الخامسة والعشرين من عمري ، لدي شقيق أكبر مني يدعي ديلان ، و كان لدي توأمه و لكنها توفت منذ تقريبًا ثمانية أعوام ، واعدت رجل واحد فقط  ،و الذي حدث و تركني البارحة في نفس اليوم الذي فقدت به وظيفتي ، بأختصار أنا أعيش حياة وحيدة تعيسة"

"آسفه بشأن شقيقتكِ"قالت بلطف لأهز رأسي ليس و كأنه خطأها "ألا تريدين تغيير حياتكِ؟ جعلها أقل 'تعاسة'؟" أضافت تفعل علامة تنصيص بيديها حين قولها لتعاسة ، تجاهلت ذلك و تنهدت "لأكون صريحة أنا لم أجرب ذلك ، حتي أنني لا أعلم كيف ، كل محاولاتي كانت لتصليحها و ليس لتغييرها" صارحتها القول لتومأ بتفهم.

"لذلك كنتِ تقفين على الجسر البارحة ، حين يتدمر شيء في حياتكِ أنتِ لا تصلحيه بل تبنين شيئًا غيره" أومأت أنا و إبتسمت هي بينما ترتشف من عصيرها.

فكرة لمعت بعقلي تجعلني أذهل ، تلك كانت اطول محادثة لي مع أحدهم منذ... الأبد!.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي