الفصل الرابع

عندما يصبح الشغف قاتل ...
الشغف بالمال...
بالجاه ...
بالنفوذ ...
فاطمئن ....أنت على المحك
عرض مغرى ومن ذا الذى يرفض زواج ابنته من أدهم الجبالى
حاضر قوى ومستقبل واعد
ابنته ستصبح جزءاً من تلك العائلة ومن بعدها هو سيكون شريكاً لهم
سيعلو شأنه أكثر...
وتزداد أمواله أكثر وأكثر
يقف أمام المرآة يعقد ربطة عنقه بإحكام وأمامه أحلامه ...
طريق لم يفكر في سلكه يوماً ولكن هاهو يلوح في الأفق البعيد فلما لا.
رأى زوجته تدخل إليه متجهمة الوجه..فهي غاضبة منذ أخبرها بالزيجة المستقبلية لسيرين
يراها مخطئة تفكر دائماً بقلبها والقلب في سوق المال نقطة ضعف...
سبيل للخسارة إن تحكم في مجريات الأمور
_ أنت لسه مصمم يا مختار ....شايف إن اللى بتعمله ده صح ؟
التفت إليها مبتسماً:
_ وإيه الغلط في اللى بعمله يا منى
عارفة بنتك هتتجوز مين ؟
عارفة حياتها بعد كده هتتغير إزاى؟
احسبيها كده معايا ....راجل محترم وماسك شركة في خلال كام سنة هتبقى من أكبر شركات المقاولات
أهله ناس مفيش عليهم غبار
تبقى صفقة مربحة ولا أنا غلطان.
رفعت إصبعها وكأنها وجدت ضالتها في كلماته وابتسمت بمرارة:
_ هو ده مربط الفرس يا مختار.....صفقة
شايف جواز بنتك صفقة في الأول وفى الأخر بتدور على مصلحتك وبس
انتفض غاضباً:
_ فتحى عينيكِ وشوفى إحنا فين ....شوفى الدنيا حواليكِ ماشية إزاى يا منى
أنا بدور على مصلحتها زى ما بدور على مصلحتى وهو أنتِ يزعلك إنها تتجوز راجل زى أدهم.
صاحت مستنكرة:
_ الجواز مش صفقة.....مش تجارة يا مختار
فوقّ بدل ما تضيع بنتك وتقول ياريت اللى جرى ما كان ..ده راجل متجوز وأكبر منها في السن ....أنا خايفة على البنت وفى نفس الوقت خايفة منها....بنتك زيك طموحها مش هيوصلها للأمان.
تنهد بضيق وهو يرى أن الجدال معها لن ينتهي .. ليلتف مرة أخرى لمرآته يكمل إرتداء ملابسه.
_ أجهزى يا منى وشوفى البنات جهزوا هما كمان ولا لأ
_ تولين مش هتيجي ...بتقول متعرفش حد هناك
_ سيبيها براحتها المهم سيرين تكون جاهزة ...هى دى المهم.
******
حفل كبير في أحد الفنادق الكبرى تجهيزات على أعلى مستوى موسيقى عالية ...وأضواء ساطعة.
طاولات مفروشة بالقماش الأبيض اللامع والكراسي زُينت بفيونكات كبيرة باللون البنفسجى الغامق
رجال أعمال وعائلاتهم
شباب وفتيات يلتفون حول العروسين يتراقصون على أنغام الموسيقى الصاخبة
نظر حوله يبحث عن مراده حتى وجده يجلس على طاولة بعيدة عن ذلك الصخب إتجه نحوه بعدما أشار لزوجته وابنتيه أن يتبعوه
اقترب من طاولة هارون مبتسماً ليلحظه ويرد له الابتسامة بأخرى هادئة
_ ألف ألف مبروك يا حاج هارون وعقبال الفرح إن شاء الله
_ إزيك يا مختار عامل إيه ؟
أقبل عليه يصافحه بحرارة:
_ أنا بخير طول ما أنت بخير يا حاج
نظر إلى من يقفون خلفه ليرى زوجته وابنتاه ليبتسم مرحباً :
- مش تعرفنى يا مختار
ابتسم وهو ينظر نحو زوجته وبناته:
_ دى مدام منى ...مراتى
ودول بناتى سيرين وسارة
أومأ برأسه وهو يراقب بعينى صقر تلك الفتاة التي أشار إليها بقوله ( سيرين )
فتاة جميلة لا ينكر تبدو مناسبة جداً كزوجة لحفيده ولكن شعور قوى بداخله يُقرنها بصورة إلهام.
وجه جميل ....جسد ممشوق
ولكن تلك النظرة المغرورة....نظرة الكبر والتعالى
خبرته بالبشر ليست بسيطة خبرة جعلته يرى بعينيه ما قد لا يراه غيره
أشار لهم مرحباً:
_ اتفضلوا يا جماعة
حديث طويل ممل بالنسبة لها حديث لا يخصها
لكنها فرصة من ذهب أتت إليها
فرصة كادت تضيع من بين يديها حينما سمعت صياح أمها وزعقة أبيها وهو يخبرها بوجود خاطب يريدها وقتها شعرت بانتشاء حين علمت أنه رجل أعمال ناجح وله صيته وسمعته.
ترددت كثيراً حين علمت أنه متزوج ويريد الزواج من أخري لأجل الإنجاب ليس إلا ولكن صديقتها صاحت بها مستنكرة
_ أنتِ مجنونة ترفضى أدهم الجبالى..ياريت هو بس يشارولى وأنا أوافق على طول.
وبدأت تحكي عن شخصيته وتعدد محاسنه
أمدتها بكل ما تعرفه عن العريس المنتظر وحتى غريمتها وبمعنى أدق ( ضرتها) المستقبلية.
ابنة الوزير السابق ورجل الأعمال الحالى فاتنة ذات قد ممشوق وخصلات شقراء تتردد على أشهر المحال ومراكز التجميل لمجاراة الموضة.
تثير إعجاب الجميع ولكن.....
يبدو أن سحرها بطُل ولم تعد تلك التي كان وظل مفتوناً بها لسنوات والدليل سعيه للزواج من أخرى ومن حسن حظها أنها هي !
ظلت عيناها تجوب الحفل بحثاً عمن وصفته لها صديقتها ويبدو أنها تبحث عن إبرة في كومة من القش.
******
رأهم
يعرف مختار جيداً قابله أكثر من مرة في محيط العمل ولكنه اليوم لم يأت منفرداً هو بصحبة زوجته وابنتاه إحداهما من أخبره جده أنه يريدها زوجة له.
هارون يبدو مرتاحاً في جلسته مع مختار ولحظات وانضمت لهم والدته والتي بدأت تقوم بواجبها كأم العريس الذى اختفى عن الأنظار فقط لأجل المراقبة
يراها من بعيد قبل أن يقترب ..
يحاول استيعاب أن تلك الفتاة قد تصبح زوجته ...
يحاول رسم صورة لحياته بعيداً عمن آلمت قلبه وأوجعته ...
_ واقف بعيد ليه ؟
صوت والده أخرجه من دوامة تفكيره فالتفت إليه مبتسماً:
_ مش بعيد ولا حاجة ....بس مليش مزاج
(حسين الجبالى )
الطبيب المحنك صاحب الخبرة والسمعة الطيبة
الابن الأوسط لهارون الجبالى
وإن نهج نهجاً مختلفاً عن أبيه ورفض دراسة الهندسة والعمل بالمقاولات كأخويه وفضل أن يدرس الطب وتميز فيه واستطاع خلال سنوات أن يصنع لنفسه اسماً ومكانة لم تأت من فراغ وإن لم يسر أحد من أبناءه على خطاه فقاسم ابن أخيه كان خليفته في الطب وفى المشفى التي أسسها منذ سنوات طويلة لم يعد يعرف لها عدداً
_ لسه بتفكر فيها يا أدهم ؟
أخفض عينيه أرضاً واضعاً كفيه في جيبى بنطاله ثم عاد ونظر لأبيه نظرة ساخرة وقال بمرارة:
_ مش عارف أنا إزاى كنت غبى كده .... ومش غبى وبس لأ وأعمى كمان؟
ربت حسين على كتفه مبتسماً:
_ ده مش غباء ....دى حسن نية يا ابنى أنت عاملت ربنا قبل ما تعاملها لكن هي مقدرتش اللى أنت عملته عشانها ورغم إنى رافض جوازك للمرة التانية بس أبقى غلطان لو وقفت في طريقك.
زى ما حقك تخلف وتشوف ولادك ....أنا كمان حقى أشوف أحفادى من ابنى الكبير
ثم نظر نحو والده متسائلاً :
_ مين اللى قاعد مع جدك ده ؟
_ ده مختار العزيزى
ابتسم قائلاً :
_ واضح إن جدك مش بيضيع وقت
أومأ برأسه مجيباً:
_ فعلاً مش بيضيع وقت
ربت على كتفه قائلاً :
_ خليك جنب جدك وقرب منها وشوفها كويس وربنا يقدم اللى فيه الخير.
******
اقتراب لابد منه لن يهرب ولن يبتعد ..اتخذ قراراً وعليه تنفيذه
_ مساء الخير
وصوته جعلها تلتفت تنظر إليه .. تتفحصه بنظرة أنثوية ومن داخلها ترغب أن يكون هو
( العريس المنتظر)
وسيم ببشرة قمحية ..عيناه رماديتان كبحر غاضب في ليلة شتاء قاسية وشعره الأسود كظلمة حالكة.
طويل عريض المنكبين ...
جسد مشدود واضح وبارز ويبدو أنه يمارس الرياضة باستمرار
ابتعلت ريقها وهو يمد كفه نحوها لتمد يدها إليه مبتسمة بخجل جعل وجنتيها تشتعلان كالنيران في تلك الليلة الباردة لتدفئ قلبها
ناداه هارون :
_ تعالى يا أدهم ...
ويا لسعادتها وحظها الوافر ...
إنه هو !
هل سيبتسم لها الحظ في تلك الليلة ؟
هل ستكون زوجة لذلك الوسيم ؟
صدقت رفيقتها حينما وصفته وإن جارت على وصفه وقللت منه
حديث بينه وبين والدها وعيناه بين الحين والآخر تلتقى بعينيها تبتعد تارة لتعود وتنظر إليها تارة أخرى
عيناه جريئة ....وقحة
أشعرتها بالخجل فابتعدت تخفى نظرتها الفاضحة لقلبها الذى ينتفض بداخل صدرها
جميلة ....فاتنة
لا ينكر ....ولكن ماذا فعل له الجمال؟
عيناها تهرب من لقاء عينيه
خجولة خجل يعجبه وإن لم يتخيل بعد أن تصبح تلك الفتاة زوجته
حسناً لقد جرب حسابات القلب وفشل ....فهنيئاً للعقل بجولته الجديدة
أنهى حديثه مع مختار مبتسماً بدبلوماسية:
_ أنا هزورك إن شاء الله في خلال كام يوم....محتاجين نتكلم في الشغل وندرس كل حاجة كويس قوى
ابتسم مختار ونظر لابنته التي أخفضت رأسها خجلاً ثم عاد ونظر لأدهم:
_ وأنا في انتظارك بإذن الله في أي وقت.
*******
استجابت لنصيحة محسن الذى ظل يحثها و يشجعها للبحث عن حقها والتمسك بوجودها في الشركة حتى لا تكن لقمة سائغة في فم مختار الذى رحب بقبولها عرضه للعمل معه و شجعتها أمينة وكانت لها عوناً
استلمت عملها منذ أيام تحاول معرفة كل ما يدور حولها...
تريد إثبات حقها ووجودها في الشركة التي بناها أبوها وكان شريكاً لمختار في كل شبر منها.
ما يؤرقها اثنان رغم أنهما على طرفي نقيض لكن وكأنهما أتفقا عليها هي .
كريم الذى ما أن علم أن سيرين سوف تتزوج من آخر وهو يسعى خلفها في كل مكان يحاصرها في كل خطوة على أمل أن تعفو....أن يلين قلبها من أجله
ولكن ما نالته منه جعلته أخر من تريد مسامحتهم
_ تولين ....بلاش تعملى فيّ كده أنا بحبك وهفضل أحبك مهما حصل اعتذرتلك كتير وأنتِ رافضة حتى تسمعينى.
رفعت إصبعها في وجهه محذرة:
_ ابعد عنى يا كريم ....اللى بينا خلاص انتهى وأنت كتر خيرك ساعدتنى في الموضوع ده يبقى بالذوق كده تبعد عنى ....ولو عشان الهانم بتاعتك هتتجوز
دى مش مشكلتى ....هى مكنتش عقبة بينى وبينك
أنت وهى بالنسبالي صفر على الشمال ...
صفر من غير قيمة ....يبقى كفايه كده و تنهي المسرحية البايخة دى.
ومن ناحية أخرى يأتي عزام ذلك الداهية الذي تلقبه ( عزام حرباية)
منذ بدأت العمل وهو يقف لها بالمرصاد معتقداً أنها قد تستولى على مكانته في الشركة وهي تتغاضى عن أفعاله وتحاول ألا تحتك به
إلا عندما علمت أنه يسعى لتهميشها وإقصاءها عن العمل.
ثارت وغضبت ولكنها تمالكت نفسها واتخذت قرارها وأسرعت نحو مكتب مختار لتوقفها سكرتيرته:
_ باشمهندسة تولين....استنى هستأذن من مختار بيه
ولكنها لم تسمع ولم تعرها اهتمام طرقت الباب وسمعت صوت مختار يأذن لها فاندفعت للداخل لتجد ضالتها يقف بجوار عمها مبتسماً تلك الابتسامة الصفراء المقيتة ابتسامة ازدادت خبثاً حين رأها
_ تولين في حاجة .....معلش أصلى مشغول شويه؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدى:
_ في إن الأستاذ ده اللى شغال في شركتك واللى هي لحسن الحظ شركتى ....عاوز يبعدنى عن أي شغل وموصى رئيس قسم التصميمات بكده يبقى ده اسمه إيه يا إما حضرتك موصيه بكده ....يا إما الأستاذ بيستعبط وفاكر إنى بشتغل عنده.
صاح مختار محذراً :
_ تولين ....قولت اتفضلى على مكتبك دلوقتي أنا مشغول جداً
_ لا يا عمى أنا مش همشى من هنا غير لما أخد حقى....والبنى آدم ده يلزم حدوده ويعرف شغلته إيه بالظبط في الشركة دى.
ابتسم عزام ابتسامته الخبيثة واقترب منها متسائلاً:
_ وهى إيه شغلتى يا باشمهندسة ....أنا هنا الكل في الكل بعد مختار باشا طبعاً ..أنا أعرف كل حاجة في الشركة دى وخبرتى تخلينى أعرف أنتِ تستحقى تشتغلى دلوقتي ولا تستني شويه لحد ما تاخدى الخبرة اللازمة.
ابتسمت بسخرية :
_ خبرة.....خبرة إيه وحضرتك بقى تفهم إيه عشان تقولى خبرة
معلش خليك أنت في شغلتك اللى تعرفها وتفهم فيها كويس قوى.....مطبلاتى
تعرف يعنى إيه مطبلاتى يا أستاذ عزام؟
احتقن وجهه غضباً وخلفه مختار يحذرها :
_ تولين ....ميصحش كده
قولت اتفضلى على مكتبك
صاحت غاضبة مستنكرة:
_ لا يا عمى أنا مش هروح على مكتبى ....أنا هنزل من هنا على مكتب المحامى وهعرف إزاى أخد حقى.
_ أنا شايف إن المحامى ملوش لزوم يا آنسة تولين
انتفضت بإتجاه الصوت الذى اقتحم نقاشهم لتري الرجل الذى يقف خلفها ويبدو أنه هنا منذ البداية ولم تنتبه لوجوده لأنه كان يجلس على طاولة الاجتماعات في نهاية الغرفة.
نظرت إليه للحظة وقبل أن تتفوه بكلمة لفت نظرها من يقف خلفه ينظر إليها بأعين جاحظة قلقة فانتفضت وأسرعت نحوه متجاهلة من ينظر إليها مندهشاً
_ أنت يا ابنى مش بتحرم ....مش حصل منى وقولتلك مش عاوزه أشوف وشك تانى....إيه اللى جابك هنا؟
اعتدل في وقفته ونظر لابن عمه الذى ظل مكانه ينظر إليهما بتسلية وهو يرى ابن عمه المتحذلق ينال عقابه من تلك الفتاة الصغيرة.
_ أنا كلمتك ....ما هو أنتِ اللى داخلة فيّ شمال ما تهدى على نفسك يا هندسة
صاحت به غاضبة:
_ احترم نفسك بدل والله ألبسك قضية
_ وعلى إيه بس الطيب أحسن
نظرت لنفس الرجل الذى تدخل بينها وبين عمها منذ قليل وقبل أن تلقى عليها سؤالها بادر هو قائلاً:
_ أدهم الجبالى .....ابن عم مازن الكبير
تجاهلت تعريفه بنفسه لتصيح:
_ ولما هو حضرتك ابن عمه الكبير مش تربيه كويس
صاح مازن غاضباً:
_ وأنتِ شايفة إنى مش متربى
اقتربت منه غاضبة :
_ ما هو أما واحد يروح يعاكس بنت فاتحة محل وبتشتغل وتتعب فيه يبقى مش متربى ومش مكفيك كده لأ تروح وتبلغ عنها إنها بتشتغل من غير ترخيص يبقى ده اسمه إيه يا محترم ؟
ابتسم قائلاً :
_ ومين قالك إن أنا السبب ما يمكن لها أعداء كتير
_ لأ اطمن أنا دورت وعرفت إن اللى قدم البلاغ اسمه مازن محمود الجبالى وحضرتك كنت منفوخ قوى في المحل وأنت بتزعق وبتقول أنتِ مش عارفة أنا مين ....ده أنا مازن الجبالى يا أذكى أخواتك.
ضحكة من القلب خرجت من أدهم الذى تقدم منها معتذراً :
_ أنا بجد أسف يا آنسة تولين ....و أوعدك إن الحكاية دى مش هتكرر تانى.
ونظرة تحذيرية نحو مازن الذى علم أن الأمر لن يمر مرور الكرام
ابتعدت متجهة نحو عمها الذى ظل مكانه ينظر إليها بغضب :
_ تولين....ممكن نتكلم بعدين في البيت ولا عندك كلام تانى.
عدلت من وضع سترتها قائلة بثقة:
_ في الوقت الحالي معنديش ....بس الله أعلم إمتى هيكون عندي .
غادرتهم لينظر لأدهم معتذراً:
_ أنا آسف بجد يا أدهم ....هى كده على طول مندفعة وعصبية
أكمل عزام بسخرية:
_ تربية أبوها
اعتدل أدهم مبتسماً:
_ لا أبداً بالعكس ....المفروض مازن يعتذرلها ع اللى حصل وأكيد هيحصل قريب
المهم ....خلينا في الشغل اللى أنا جاى عشانه.
والإحباط ألّمَ بمختار حينما تجاهل أدهم موضوع الزواج وكل ما دار بينهما في إطار العمل فقط ولكنه حين استعد ليغادر ابتسم قائلاً:
_ أنا عاوز أزورك في البيت يوم الخميس إن شاء الله إيه رأيك؟
ابتسم مختار بسعادة :
_ ده أنت تنور يا أدهم البيت بيتك طبعاً
صافحه قائلاً:
_ يبقى معادنا الخميس بإذن الله
******
الجميع مترقب...منتظر
الفرصة أتت ولن تضيع ..
سعيدة ...منتشية
حازت على رجل تتمناه كل من تعرفهم ...
يحسدونها منذ علموا أنها سترتبط بأدهم الجبالى ..
متزوج ...
نعم ولن تكون الأولى ولن تصبح الأخيرة التي تتزوج رجلاً له امرأة أخرى
تركت كريم ...
لا يهم ..هو بالأساس لم يكن ذلك الرجل الذى تتمناه فقط فعلت ما فعلت رغبة في تحطيم قلب تولين ...
تولين التي ستراها عروساً قبلها ...
سُيقام لها زفافاً أسطورياً تخطط له من الآن ...
حتى فستان زفافها اختارت تصميمه ...
المكان ....النجوم الذين سيحيون الحفل
كل شيء خططت له
ترى انعكاس صورتها في المرآة
تنظر إلى فستانها الأنيق
بلونه الأزرق الملكى....
أكمام طويلة وفتحة صدر مربعة مزينة بفصوص زرقاء لامعة
يهبط باعتدال محتضناً منحنيات جسدها
يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل
حذاءها بكعب عالٍ اختارته خصيصاً لتحاول أن تناسب طول زوج المستقبل ..
نظرت لساعتها بقلق ..
تبقت عشر دقائق فقط على موعده
ونظرة أخيرة على مظهرها ...
تلتقط أحمر الشفاه لتعيد بناءه من جديد خشية أن تنطفئ لمعته
فُتح باب غرفتها نظرت لأمها خلال المرآة ...
تعرفها غاضبة رافضة لتلك الزيجة ولكنها راغبة فيه ولن تتنازل عنه
التفت إليها بهدوء مبتسمة :
_ إيه رأيك يا ماما حلوة مش كده
اقتربت منى تضم شفتيها بيأس :
_ فكرى يا سيرين ...
فكرى كويس يا بنتى ده جواز وعشرة عمر مش لعبة.
عادت لمرآتها تمسك بقنينة عطرها تنثره على جيدها وموضع النبض متجاهلة نبرة الرجاء في صوت أمها ...
_ ماما فاضل عشر دقايق وأدهم هيكون هنا جايه تقولى الكلام ده دلوقتى
اقتربت منها تجذب ذراعها بقسوة محذرة:
_ أنا قولت الكلام ده أكتر من مرة وحذرتك وحذرت أبوكِ الجوازة دى متنفعش راجل أكبر منك بعشر سنين ومتجوز وواخدك عشان يخلف منك يعنى مش بيحبك ده بيدور على مصلحته معاكِ وبس ....فوقى يا سيرين وبلاش تعملى في نفسك كده.
نزعت ذراعها من بين أصابع أمها بهدوء :
_ ماما حبيبتي....أنا موافقة وعاوزاه ..متجوزنى بقى عشان يخلف أو غيره مش هتفرق.. ما كل الرجاله بتتجوز عشان تخلف وتبنى عيلة وفرق السن مش كبير قوى للدرجادى .
همت منى بالاعتراض ليقاطعها صوت سارة ابنتها تناديها:
_ ماما تعالى .. العريس وصل.
نظرة أخيرة نحو ابنتها العنيدة وغادرت الغرفة تاركة وراءها ابنتيها تقفان أمام بعضهما لتقترب سيرين من شقيقتها الصغرى متسائلة :
_ سارة ....هى تولين فين ؟
نظرت إليها شقيقتها بغيظ حاولت تداركه :
_ تولين في أوضتها مش فاضية ..مشغولة عندها تصميم بتجهزه
ابتسمت براحة:
_ يعنى مش هتكون موجودة ؟
عقدت سارة ذراعيها أمام صدرها بسخط:
_ والله معرفش بس بابا مصمم كلنا نبقى موجودين لمّا العريس يجى ونتعرف عليه ....ثم أنتِ مش عاوزاها تحضر ولا إيه ؟
ابتسمت وهى تعود لتنظر لصورتها في المرآة:
_ ليه إن شاء الله هي أحلى منى وهغير منها ولا إيه ؟
اقتربت سارة قائلة بجدية:
_ سيرين فكرى كويس بلاش تتسرعى ده جواز مش لعبة
نظرت إليها بتأفف :
_اووف ..بقولك إيه وفري نصايحك لنفسك أنا مش نقصاكِ مش كفايه عليّ ماما .
هزت سارة رأسها وهى تعلم أن لا فائدة من الحديث معها ولكن هي أسدتها النصيحة
ورفضتها فلن تتحمل ذنبها.
*****
استقبل مختار أدهم بحفاوة كبيرة واضحة رغم دهشته أنه أتى وحيداً دون عائلته ولكن حيرته اختفت حين أوضح أدهم قائلاً:
_ أنا قولت آجى لوحدى الأول وبإذن الله بعد كده العيلة كلها هتحضر بعدين
ابتسم مختار مرحباً :
_ يا أدهم ده بيتك تشرف في أي وقت
دخلت منى مرحبة به رغم تحفظها على تلك الزيجة ولكن الحق يقال هو رجل تتمناه أي أم لابنتها فقط لو لم يكن متزوجاً ويكبرها في السن لكانت الآن تعيش أسعد لحظاتها.
قام إليها مبتسماً:
_ أهلاً بحضرتك يا مدام
بادلته الابتسامة بترحاب :
_ أهلاً بيك يا باشمهندس نورتنا
_ منور يا باشمهندس
والصوت جاء من خلف منى نظر لكريم الذى ينظر إليه بحدة يحاول تذكر وجهه ليسرع مختار معرفاً :
_ ده كريم ابن أختى ودراعى اليمين في الشركة
مد أدهم يده إليه ليصافحه :
_ أهلاً أستاذ كريم ....تشرفنا
جلسوا جميعاً يتبادلون أطراف الحديث قبل أن يهمس مختار لمنى :
_ فين البنات ؟....خلى سيرين تقدم العصير وسارة وتولين يكونوا معاها
أومأت برأسها دون كلمة.
فالاعتراض لن يجد نفعاً لا معه ولا مع ابنته
اتجهت نحو غرفة تولين لتجدها تجلس أمام منضدة التصميم تباشر عملها وسارة تجلس فوق السرير تعبث بهاتفها
_ في إيه يا بنات مش في ضيف بره !
ارتشفت تولين القليل من كوب قهوتها قائلة:
_ هو جاى عشان يشوف سيرين يا طنط وجودى أنا ملوش لازمة سارة ممكن تيجى معاكِ وتكون جنب أختها
قامت سارة من السرير معترضة :
_ أنا مليش في الحوارات دى ولو مخرجتيش معايا مش هحضر
تنهدت منى بيأس:
_ عمك عاوزاكم كلكم تكونوا موجودين ....وأنا هروح انادى سيرين تخرج العصير وأنتوا حصلونى بسرعة .
خرجت وتركتهم لتعود تولين وتكمل عملها وسارة تقترب منها متسائلة :
_ تفتكرى يا تويا سيرين هتعرف تتعامل مع مراته
_ قصدك ضرتها !
زمت شفتيها بغيظ:
_ اها ضرتها ....أنا مش عارفة عقلها فين عشان توافق على جوازة زى دى ؟!
_ أختك عارفة هي بتعمل إيه كويس قوى يا سو ....هى شايفة إنه رجل أعمال ومستواه المادى كويس جداً
أي حاجة تانية بقى مش مهم ....حتى لو كان نص راجل .
غمغمت سارة مرددة بتعجب:
_ نص راجل يعنى إيه ؟!
تركت عملها والتفتت إليها مجيبة :
_ يعنى كل حاجة عنده هتبقى بالنص حبه... وقته... اهتمامه ...مشاعره حياته بينهم هتبقى بالنص إحساس صعب قوى يا سارة.
البنت بتتجوز عشان تعيش حياتها مع واحد يحبها يبقى ليها لوحدها مش تشاركها فيه واحدة تانية.
أومأت سارة برأسها مقتنعة بحديثها :
_ عندك حق ..أنا لمّا هتجوز ..هتجوز راجل يحبنى وميبقاش شايف في الدنيا غيرى أنا مستحيل أغلط غلطة سيرين أبداً.
استطردت قائلة :
_ تعالى بقى نخرج عشان بابا ميرجعش يتخانق معانا وتبقى ليلة.
******
تنفست بهدوء تممت على مظهرها للمرة الأخيرة قبل أن تخرج من غرفتها تنظر حولها يميناً ويساراً قبل أن تستقر عيناها على غرفة الصالون حيث يجلس بصحبة أبيها وأمها وكريم ....
كريم ...كيف ستواجهه ؟
كيف ستنظر في عينيه بعد ما حدث بينهما ؟
لا يهم !
عدة أيام وستصبح زوجة لرجل آخر وستدفن تلك الذكريات تلك ولن تستعيدها حتى بينها وبين نفسها.
شدت جسدها ورفعت قامتها وهى ترى أمها تناديها من المطبخ لتسرع نحوها لتجدها تحمل صينية العصير :
_ تعالى معايا عشان تدخلى العصير
ابتسمت وحملت عنها الصينية :
_ أنا قلقانة قوى يا ماما
ابتسمت منى متغاضية عن رفضها لتلك الزيجة:
_ متقلقيش كل حاجة في البداية بتبقى صعبة مع الوقت هتتعودى
تحركت بصحبتها متجهين لغرفة الصالون لتراه يجلس يتحدث مع أبيها وكريم يجلس في جانب آخر ولكنه حين رأها نظر إليها شذراً قبل أن يبتعد عنها
بعينيه ..كلما تذكر ما حدث بينهما
كلما تذكر أنها تركت له جسدها يعبث به في لحظة ضعف منه جعلته يفقد تولين التي ترفض من حينها أن تنظر إليه حتى
ولكن ها هي ستتزوج من رجل آخر
رجل لا يعرف أن جسد زوجته المستقبلية كان مستباحاً له
ولكن بزواجها سيعيد الوصال مع تولين
سيقترب ولن يتركها مرة أخرى
اقتربت تحمل العصير متجهة نحو أدهم الذى نظر إليها مبتسماً يحمل كوبه ليعود للحديث مع مختار متجاهلاً إياها لتشعر بالإحباط فتترك الصينية بعدما قدمت لأبيها وكريم
تجلس بجوار أمها منتظرة أن ينظر إليها....أن يتحدث بكلمة تخصها ولكن الحديث بأكمله كان عن العمل و فقط
وكأنها ليست موجودة...
كما لو كانت طيفاً مر أمامه دون أن يشعر به...
وها قد أتت عدوتها اللدود بصحبة شقيقتها نظرت إليها بغيظ ولكن تولين تجاهلتها لتجلس بعيداً مع سارة
التفتت إليه مرة أخرى ولكن عيناها تسمرتا على نظرته التي اختص بها تولين ...
ينظر إليها نظرة غريبة ...
نظرة أربكت تولين نفسها...وأشعلت في قلبها هي النيران..
ألا يكفيها ما تفعله بها منذ سنوات ..
ألا يكفيها أن تستحوذ على اهتمام وحب من حولها ...
لتأتي الآن لتستحوذ عليه هو الآخر ..
تركت لها كريم ولم تعد تريده ...
أدى مهمته معها وانتهى فلتعود إليه وتتركها هي لحياتها الجديدة.
*****
نظرته أربكتها
أشعرتها بوجود خطأ ما ...
بالتأكيد هو لن يخطئ ..
يعرف سيرين ويعرفها
لقاءهما في الشركة لم يتعد دقائق ...
لامت نفسها على تسرعها وغضبها الذى سبقها يومها دون أن تدرى بوجوده ولكنها عادت واعتذرت وتركته مع عمها لعملهما.
ولكن ما الأمر .....وما سر تلك النظرة
تنحنح أدهم واعتدل مبتسماً موجهاً حديثه لمختار :
_ كده نقدر ندخل في المفيد يا مختار بيه
ابتسم مختار وهو ينظر بطرف عينه لابنته التي اعتدلت تخفض عينيها خجلاً تنتظر كلمة منه ..
عاد مختار ونظر لأدهم الذى اعتدل في جلسته قائلاً :
_ أنا يشرفنى ويسعدنى إنى أطلب منك إيد الآنسة تولين بنت أخوك
وصاعقة هبطت من السماء فوق رؤوسهم جميعاً.
....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي