الفصل الثالث

#الاسطى_هانم
#الفصل_الثالث

((يعملوها الكبار))

عادت مرة اخرى الي الحارة وهي تتأفف بضيق لتمر في طريقها علي ورشة سيد دونجل ذالك الميكانيكي البلطجي المقزز الذي يضايقها كلما ذهبت او اتت رأها وهو يصلح السيارة امامه ليبتسم تلك الابتسامة المستفزة وهو يقول بتغزل:

_يا مثبت العقل والدين...

ضغطت علي اسنانها بغضب ولم تلتفت خلفها يكفيها ما صار اليوم لتقول بخفوت:

_مانا لو مسكتك ولابستك في العربية اللي قدامك دلوقتي محدش هيقولي تلت التلاتة كام

لترفع صوتها وهي تقول بحنق:

_يا رب توب عليا من الحارة المعفنة دي بقي

صعدت الي منزلها تود الراحة بعد تلك المواقف الشاقة لتقول والدتها بدهشة التي كانت تشاهد التلفاز:

_حمدلله علي السلامة يا حبيبتي...يعني راجعة بدري النهاردة هو في حاجة حصلت؟!..

قالت اخر كلماتها بخوف لتجلس هانم علي المقعد وهي تنزع القبعة ومن بعدها الحذاء لتقول بسخرية مستترة:

_لا ده النهاردة كان فل اوي والاشية بقت معدن قلت ارجع بدري بقي النهاردة عشان اقعد معاكي يا جميل

ابتسمت والدتها بسعادة لتقول:

_طب يلا ادخلي الحمام وغيري هدومك عشان عملالك محشي

سقط الحذاء من يدها وهي تقول بفرحة عفوية جعلتها بلهاء:

_قولي والله..ده مصر اليوم في عيد بقي ولا ايه

ضحكت فتحية علي افعالها الطفولية لتقول وهي تعاود النظر للتلفاز:

_طب يلا عشان تودي لام سلامة طبق قبل ما يبرد

عبس وجهها لتقول بغضب:

_يووووه هي ام سلامة طلعالي في البخت

نظرت لها والدتها وهي تقول بتأنيب:

_الست شافتني وانا بجيب الحاجات من السوق قالت ان هي نفسها فيه وعايزة طبق يلا بقي يا حبيبتي عشان تودي

توجهت للداخل بسأم وهي تتمتم بغيظ:

_هي كانت نقصاها اصلا يلا خليها تقفلي اليوم اللي مش فايت ده
******************************
اجتمعوا جميعا علي طاولة الطعام وبرغم من فرحة فايز بوجود تميم معه الان ولكنه منزعج من تصرفات ابنة اخيه وابنتها وهو اكثر من يعرف نواياهم جيدا ولكنه تعهد انه لن يحدث ما يريدانه ابدا وجه نظراته لحفيده الغالي علي قلبه ليبادله تميم النظرات وهو يبتسم له ليعاود متابعة طعامه من جديد ليقطع الصمت الدائر صوت سالي وهي تقول بدلال مفتعل وعيناها تلتهماه:

_تميم انا عندي جلسة تصوير بعد الغدا ينفع توصلني لو مش هعطلك

تحرج تميم منها هو لا يحب احراج احد خاصة وهي قريبته كاد ان ينطق ولكن سبقه جده الذي قال:

_والله اللي ميشوفش من الغربال يبقي اعمي شوفي بنتك يا سوزان وفهميها ان تميم تعبان من السفر

ابتسمت بتكلف لتقول وهي توزع نظراتها بينهم وبين ابنتها العابسة:

_معاك حق يا عمي انت عارف سالي هي بس اتحمست من فرحتها برجوعه

نظر لها بلامبالاة وهو يقول موجه حديثه لحفيده:

_تروح تستريح يا تميم وبعدين تجيلي بالليل عايزك في موضوع مهم

رد عليه باحترام وهو ينهض من علي الطاولة:

_حاضر يا جدي..عن اذنكم يا جماعة

تركهم وصعد للاعلي بينما الجد رمقهم باذدراء ومن ثم تركهم وصعد ايضا فلم يتبقي سواهم لتقول سوزي لابنتها بغضب:

_كان لازم تتسحبي من لسانك وتتكلمي المفروض تكوني مهتمة بيه وبصحته مش اول ما تكلمي تبقي عايزة تخرجي معاه وهو لسة جاي من السفر انتي ليه مش عارفة تفكري

ردت عليها سالي بحنق:

_معرفش بقي انا كنت عايزة نتقرب من بعض اكتر

قالت سوزي بهدوء وهي تحاول نصح ابنتها:

_يا حبيبتي ده مينفعش معاه كدة ولا بيجي بالطريقه دي اللي زي تميم ده ليه ترتيب تاني خالص خليني بس ارتبله واقولك تعملي ايه بالظبط
******************************
دخل ذالك المطعم الراقي باستعجال وهو يتلفت حوله يبحث عنها يعلم انه تأخر عليها كثيرا ولكن سعادته بعودة صديقه انسته كل شئ رأها تجلس عند احد الطاولات من يراها من بعيد يعرف انها تستشيط غضبا اقترب منها وهو يجلس امامها ليقول باعتذار:

_انا اسف علي التأخير يا حبيبتي اصل تميم رجع من السفر وكان لازم ابقي جنبه وصلته وجيتلك علي طول

رمقته لارا بانزعاج لتقول بغضب يشوبه العتاب:

_تقوم تسيبني قاعدة مستنياك اكتر من ساعة عشان خاطر صاحبك يا مازن

امسك يدها بحب وهو يقول:

_في ايه يا لارا ده بدل ما تقولي حمدلله علي سلامته ده تميم صاحبنا من زمان بس علي العموم حقك عليا متزعليش بقي..ها يا روحي تحبي تاكلي ايه

نزعت يدها منه بحزن وهي تقول:

_لا خلاص مليش نفس انا همشي دلوقتي عشان اقابل سالي قالتلي اروح معاها جلسة التصوير بتاعتها وانا كنت لسة هقوم اروحلها

تأفف مازن بانزعاج وهو يقول بحدة:

_وبعدين بقي انا مش قولت مية مرة قبل كدة تقطعي علاقتك بسالي دي خالص ممكن اعرف كلامي مبيتسمعش ليه يا لارا

ردت عليه بحزن وعتاب وهي تجمع اشيائها تستعد للمغادرة:

_معلش يمكن عشان مش بلاقي اهتمام غير منها او يمكن عشان بتحسسني انها مش معايا مجبرة او يمكن عشان صاحبة بجد

رمقها مازن بحدة ليقول بغضب:

_قصدك ايه يا لارا..احب اقولك ان سالي بتستغلك مش اكتر لحد ما بقيتي نسخة منها انا بجد مش لاقي لارا اللي كنت اعرفها ولا اللي عشقتها من اول لحظة

نهض هو بدوره ليتابع وهو يلتقط يدها لكي يذهب معها:

_بس عايزك تعرفي ان مفيش حد هيحبك قدي..يلا عشان اوصلك

ذهبت معه بدون اعتراض وهي تنظر للاسفل والدموع تملأ مقلتيها بحزن بسبب انها احزنته منها وهي التي تعشقه وتخشي حزنه دائما ولكن اقنعت نفسها ان هذا هو الصواب نعم كما قالت لها سالي
******************************
حل المساء كان فايز يجلس بمكتبه او كما يطلق عليه مملكته الخاصة هنا يمكنه ان يتخلي عن قوته وينزع قناع الصلابة الدائمة ممسك بصورة وهو ينظر لها بتمعن ليقطع خلوته طرق علي الباب ليسمح هو للطارق بالدخول والذي لم يكن سوي تميم حفيده الغالي والذي له الحق فقط ان يخترق خلوته ويتطلع علي اسراره وقف تميم قليلا ليسمع جده وهو بأذن له:

_تعالي يا تميم اقعد...

تقدم هو بتؤدة ليجلس علي المقعد امامه صمت الجد قليلا ليصمت تميم بدوره احتراما له ليقطع الجد ذالك الصمت الدائر فجأة عندما قال:

_تعرف انا جبتك هنا ليه

نظر له تميم بتساؤل وهو يهز رأسه دليلا علي عدم معرفته ليبتسم الجد بتفهم وهو يعطيه الصورة التي معه نظر تميم لذالك الشخص الذي كان مع والده بالصور بتعجب ليقول الجد منهيا حيرته:

_اللي مع ابوك في الصورة ده يبقي عمك محمد

نظر له تميم بصدمة وكاد يتكلم ليقاطعه الجد وهو يجيب علي سؤاله الغير منطوق:

_انا عارف انك عارفه بس مكنتش شوفته قبل كدة ولا حد اداك الفرصة دي وده بسببي انا

نظر له تميم بحيرة وهو يقول:

_يعني ايه يا جدي انا مش فاهم حاجة

تنهد فايز ليقول بحزن وهم كبير يريد ازاحته والقائه علي عاتق حفيده الغالي بعدما فاض قلبه الما علي فلذة كبده:

_زمان توفيق ابوك جه وقالي انه عايز يتجوز كلنا فرحنا وانا فرحت لفرحة ابني الكبير واللي كان عايز يتجوزها كانت فرنسية بس كانت من عيلة عريقة في فرنسا وافقت مع اني كنت مرعوب انها تاخد ابني مني وتخليه يسافر بس مرضتش اكسر فرحة ابني ووافقت واللي كنت خايف منه حصل وفعلا خدته وسافروا فرنسا واللي كان مهون عليا بعده هو زيارة كل سنة خصوصا لما جيت انت للدنيا سلمت امري لله واكتفيت بمحمد ابني الصغير هو اللي كان مهون عليا وحدتي لحد ما جه في يوم يقولي انه بيحب واحدة وعايز يتجوزها وقتها صممت ان مكنتش علي هوايا مستحيل اجوزهاله مش لازم يحصل زي ما حصل في جوازة سالم لازم اضمن انه يفضل جنبي علي طول

تنهد مرة اخرى وهو يتابع بحزن:

_كانت بنت فقيرة معاه في الكلية اول ما عرفت رفضت بشدة مانا قولت في نفسي اذا كانت بنت الحسب والنسب خدت ابني الكبير مني دي هتعمل ايه بس المشكلة انه كان بيحبها اوي مهامنيش واستغليت حبه ليا وانه ميقدرش يزعلني وضغطت عليه يانا ياهي طبعا كان الاختيار صعب جدا بس في النهاية اختارني انا وسابها وكان كل يوم حزنه ووجعه بيزيد قدامي وانا ساكت وانانيتي مسيطرة عليا لحد ما جه في يوم وقالي انه اتجوزها وانه حاول يعيش من غيرها مقدرش وقتها انا اتعصبت جدا وفكرة انه عصاني كانت هي المسيطرة عليا طردته وحرمته من الميراث وحرمت نفسي منه وحكمت علي ابوك يرجع يعيش هنا كان اسس شركة هناك بس جه وعمل ليها فرع هنا وجابك انت وامك واستقر وبقي بين هناك وهنا مع انه كان متضايق مني اني عملت كدة في عمك بس متكلمش عشان ميزعلنيش وامرته انه ملوش علاقة بيه ولا يشوفه حتي وافق بس كان بيدور عليه من ورايا وانا كنت عارف وسايبه عشان علي الاقل اطمن عليه من بعيد لبعيد بس للاسف ملاقاش ليه اثر

اسند ظهره علي المقعد تحت نظرات الصدمة من تميم ليكمل حديثه بألم:

_عارف اني مدتكش فرصة تستريح من السفر بس الموضوع ده ضروري يابني ولازم ابري ذمتي قبل ما اقابل ربنا

انتفض تميم بعدما استمع لكلماته الاخيرة وهو يقول بلهفة بعدما جلس علي المقعد جانبه:

_متقولش كدة يا جدي ربنا يخليك ليا

ابتسم فايز ليقول بعدها:

_الموت علينا حق يابني وانا مش هكون احسن من اللي ماتوا اسمعني كويس..بعدها كانوا جايين من حفلة تبع الشغل وعملوا حادثة علي الطريق وسابوك ليا بس قررت وقتها اني ادور علي عمك مفيش في الدنيا وقت لعند اكتر من كدة فضلت سنين كتير ادور عليه وانت اللي كنت مصبرني في وحدتي

صمت ينظر للفراغ امامه بشرود ليقول تميم محاولا معرفة ما حدث:

_ولقيته يا جدي..

اومأ له تميم بعدما اغمض عينيه بألم:

_لقيته بس كان مات..

نظر له تميم بصدمة وحزن كبير ليكمل فايز حديثه:

_كان ساكن في حارة هو ومراته وخلف بنت وكان شغال علي تاكسي عشان يعيشوا منه بس اكتر من كدة معرفش حاجة بس معايا رقم التاكسي بتاعه تقدر تجيب منه العنوان بالظبط

امسك ذراع حفيده ليقول بتوسل:

_اعمل اللي بقولهولك يا تميم لازم تلاقي مرات عمك وبنته لازم اخلص ضميري يابني اوعدني انك هتلاقيهم في اسرع وقت

نظر تميم له يفكر فيما قاله يجب ان يساعد جده حتي يريح ضميره هذا حقه عليه وحق عمه ايضا يحب ان يعثر عليهم بأي ثمن وفي اقرب وقت وهذا عهد عليه لينظر لجده قليلا ومن ثم امسك يده بعزم وهو يقول بوعد قاطع جعل الجد يبتسم ويغمض عينيه براحة:

_متقلقش يا جدي كل حاجة عايزها هتحصل واوعدك قريب اوي هيكونوا عندك
******************************

#الاسطى_هانم
#هند_محمود_صديق
#يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي