الفصل الحادي عشر

-رائد!
قالتها قمر بصدمة عندما ظهر واقفًا أمامها من العدم وبجانبه فتاة ممسكًا بيدها، وقفت فجأة وازدرقت ريقها قائلة:
-من هذه؟
قالتها بالتزامن من رائد وهو يقول:
-قمر!هل أنتِ بخير؟

لم أجب نظر بجانبه لزينو، وترك يديها فورًا عندما استوعب ما أقصده، وقال بهدوء:
-زينو صديقة عائشة وشقيقة أحمد الذي استضافني في بيته عندما فرض الحظر.

قالت قمر باستغراب:
-أي حظر؟
قال رائد:
حظر بسبب إطلاق سراح الساحرة.

شهقت قمر قائلة:
-انا من أطلقت سراحها!
ساعدتها على الخروج، وهذه هي مكافائتي!

عقدت يداها قائلة:
-ناكرة المعروف قامت بحبسي.

قال رائد:
-طبعًا ستحبسك، إنها ساحرة يا قمر ساحرة ومنافسة لكِ كيف تفعلين هذا؟
قالت قمر بصوت عال:
-لمَ تلومني الآن؟ من أين لي أن أعرف أنها ساحرة وأنني قمر طروادة وكل هذا الهراء؟

-هل أنا عرافة أيضًا ولا أعلم؟

تدخلت زينو وقتها في الحوار قائلة بابتسامة هامسة:
-لا أود أن أقاطع نقاشكم اللطيف هذا، ولكن علينا إيجاد طريقة سريعة لكي نخرج قمر طروادة من الزنزانة والعودة إلى البيت بأسرع ما يمكن.


قال رائد:
-أين هي الساحرة.

رفعت زينو كتيفيها لأعلى قائلة:
-لا أعلم.
نظر رائد لقمر ينتظر إجابتها، فقالت:
-ماذا! من أين لي أن أعرف؟

هز رائد رأسه بقلة حيلة لا يعرف كيفية إخراجها، وقف دقيقتين فجأة ثم قفز سؤال إلى ذهنه فورًا فنظر لقمر قائلًا:
-زينو؟

قالت زينو بشرود:
-همممم.
قال:
-لماذا قمر لا تتأثر من الساحرة؟ بينما لا ترتدي قلادات.

قالت زينو مع قمر في الوقت ذاته:
-لأنها قمر طروادة مثلًا.
-لانني قمر طروادة مثلًا.

بدل نظراته بينهم قائلًا:
-وهذا صحيح أيضًا.

فرك يديه بتوتر قائلًا:
-ماذا سنفعل؟

قالت زينو وهي تحاول إيجاد شيء في هذه الغرفة بدون إصدار صوتًا:
-سنحاول إيجاد شيء يفتح الزنزانة.


وقف رائد مكانه يفكر قليلًا فقال على غرة:
-قمر!
قالت قمر:
-نعم.

سألها:
-كيف وصلتي إلى هنا.

قالت بتذمر:
-رائد؟ هل سقط شيء على رأسك عندما كنت في البئر؟

هز رأسه علامة على النفي قائلًا:
-لا.
قالت قمر بسخرية وبشكل متتالي دون تنفس:
-لا؟ ولكن أرى أن عقلك لا يعمل اليوم، برأيك كيف جئت يعني؟ هل بإرادتي؟ طبعًا لا لقد اصطحبتني هذه الساحرة الشريرة ماكرة المعروف الكريهة ولكن تعلم؟ شعرها جميل للغاية وفستانها! بهرت به و...

أخذت زينو تضحك في نفسها دون أن تلفت الأنتباه بينما رائد قاطع قمر قائلًا:
-حسنًا قمر حسنًا لن نتحدث عن ملابسها الآن،
أقصد كيف أتيتم؟ سيرًا على الأقدام؟ أم...
قاطعت قمر كلام رائد هي هذه المرة قائلة:
-فهمت!لا جينا بعصا عثرت عليها بعد فترة من وصولي طروادة.

قال رائد:
-جميل، أين هي الآن؟
قالت قمر:
-لا أعرف، بالتأكيد مع الساحرة الشمطاء.

تدخلت زينو في الحوار فجأة قائلة:
-هلا توقفتي عن نعت صديقتي بألفاظ غريبة يا حضرة قمر طروادة.

رفعت قمر حاجباها باستغراب، ونظر رائد لزينو ببلاهة، فصححت زينو بسرعة:
-أقصد لو سمحتِ، مهما فعلت ومهما حدث بيننا ستظل
صديقتي ورفيقة طفولتي، مهما أصبحت سيئة وتؤذي من حولها أنا فقط من أعلم داخلها، عائشة تستحق فرصة، تستحق أن تحب.


كان رائد على وشك التحدث، فلم يكن صعبًا لهذه الدرجة أن يدرك أن قمر لم تحب زينو بتاتًا ولا سيما عندما ظهرنا أمامها واقفين يدًا بيد، ولكن سبقته قمر وعلى عكس المتوقع قالت بحزن:
-معك حق.

ابتلعت ريقها ثم أردفت بنبرة يشوبها الحزن:
-انا أيضًا لدي صديقة، اسمها ريم لقد تخلت عني وقامت بإذائي، لا تتمنى لي الخير ولا تريد النظر في وجهي تحقد عليّ ولكن رغم ذلك أنا أحبها..أقبل بها كما هي بكل السوء الذي يكمن داخلها

أظن أن الحب شيئًا من هذا القبيل، الحب يصلح كل شيء وأنا أؤمن أنه سيصلحهم.

تأثرت زينو ومسحت دمعة يتيمة تسربت على وجنتيها قائلة:
-معك حق.

قال رائد:
-كان حديثًا مؤثرًا حقًا، ولكن علينا أن نجد عصا طروادة الخاصة بقمر لنذهب من هنا.
قالت قمر:
-ولكن غالبًا هي مع عائشة.

قالت زينو:
-في الأغلب تعود لصاحبها ولا سيما إن كان شخصًا يستحق أمانتها.

ثم أردفت زينو قائلة:
-ابحثي في حقيبتك، في كل الأحوال هي صغيرة كثيرًا عندما تنطوي على نفسها.

أخذت قمر تبحث حتى صرخت فجأة:
-وجدتها!

قال زينو ورائد في الوقت ذاته:
-اخفضي صوتك!!

عضت قمر على شفاتيها قائلة بهمس:
-أسفة.

قالت زينو:
-هيا استخدمي العصا بسرعة علينا الذهاب.

قالت قمر:
-حسنًا.

لوحت بها في الهواء مرة بالتزامن مع رائد،
كانت تلوح قمر في الهواء داخل الزنزانة بينما رائد يقف بجانب زينو يلوح بالعصا الذي بيده في الهواء،

قالت رائد:
-لوحي مرة أخرى.

انشقت فجوتان أحدهما داخل الزنزانة والأخرى خارج الزنزانة، وقتها دلفت الساحرة فجأة إلى الغرفة قائلة:
-ماذا يحدث هنا!

صرخ رائد بسرعة:
-إلى بيت أحمد يا قمر.

ثم دلفت قمر إلى الفجوة، وبعدها رائد وكان وراءه زينو كانت على وشك الدخول ولكن منعتها الساحرة!

أغلقت الفجوتان امام عيناها فصرخت زينو قائلة:
-أخي!








يفرك يداه بتوتر وقلق، ابتلع ريقه لا يعرف ما سوف يقدم على فعله صواب أم لا!
قرر بعد تفكير كبير أن يبلغ الشرطة أن قمر ورائد مفقودان، لم يكن هناك حل آخر، كل الانتظار ويخاف خشية أن يكون حدث لهما مكروهًا.
يقف أمام مركز الشرطة يتردد كثيرًا بالدخول، كلما تقدم خطوة يعودها مجددًا، حتى اكتسب الشجاعة وقرر الدخول دون التفكير فيما سيحدث بعد ذلك، بدأت في السير ووجهته المركز، وعندما كانت تفصله خطوة واحدة على الدخول، جاءه صوت من خلفه يعرفه حق المعرفة:
-توقف.

التفت لها قائلًا باستغراب:
-ريم؟
صرخت في وجهي:
-ماذا تفعل هنا؟

أجبت سؤالها بسؤال:
-بل ماذا تفعلين أنتِ هنا؟
قالت بمراوغة:
-كنت أمر من هنا وقلت لنفسي أن ألقي عليك التحية.

قال آسر:
-خيرًا فعلتي.

ضحكت بسخرية قائلة:
-آسر، أنت لم تتغير قط، مازلت ساذجًا كما كنت ونحن صغارًا.

قال آسر بعدم فهم:
-ماذا؟

قالت ريم وهي تمسك يده وتسحبه خلفها:
-يعني يا صديقي العزيز ما الذي سيجعلني أمر من هنا!

قال آسر:
-أنتِ التي قلتي.
قال عندما ابتعدوا مسافة لا بأس بها من المركز وجلسوا داخل حديقة بالقرب من المركز:
-إذا عليك عندما الوثوق بكلام الناس كما ترى.
حدقت بأظافرها قليلًا ثم قالت:
-لقد جئت لأنني توقعت أن هذا بالظبط ما ستفعله.
ثم أردفت:
-من سأعرفه وأتوقع تصرفاته إن لم أعرفك.

دق قلب آسر لكلماتها ونظر في عينيها ببعض الفرحة، فأردفت لتصحح الموقف:
-كصديق طفولتي يعني.



قال آسر بحزن:
-لم أسيء الفهم حتى تصححي المعنى.

صمتت ريم قليلًا ونظرت للأرض بحزن شديد، تشتاق لأصدقائها كثيرًا ولكنها دخلت في طريق لا يمكن العودة منه أبدًا.
وضعت رقدمها على الآخر وحدقت بأسر قائلة:
-لا داعي أن تخبر الشرطة عن اختفاء قمر ورائد.
بللت شفتيها قائلا بتوتر:
-لأنني أعرف مكانهما.

وقف آسر مكانه بصدمة قائلًا:
-أين!
ولماذا لم تقولي كل هذا الوقت؟

ثم صرخت قائلًا:
-قفي، سنذهب حالًا لهم.

وقفت وصرخ أمامه:
-غير ممكن.

نظر الكثير من الناس إليهم بسبب ارتفاع نبرة صوتهم،
نظرت لهم ريم، ثم أمسكت بيدا رائد وابتعدوا عن المركز نهائيًا.


قالت ريم:
-هيا، سنذهب بسيارتي.

قال آسر بعناد:
-لمَ؟ لنذهب بسيارتي أنا.
قالت ريم:
-آسر!
أنا التي تعرف الوجهة، وأنا التي ستقود.

تأفف آسر واتجه لسيارة ريم بهدوء.

ساد الصمت لمدة بينهم، ريم تقود بهدوء وأسر لا يود أن يبادر بالكلام، حتى نطقت ريم أخيرًا قائلة باقتضاب:
-قمر ورائد في مدينة طروادة.

قالت آسر بعدم استيعاب:
-ماذا؟

صمت قليلًا ثم قال:
-أين طروادة؟ لا أعرفها ولكنني أظن أنني سمعت بها و..

شهق فجأة قائلًا:
-طروادة! لقد تذكرت، التي كانت في منطقة أناضول في تركيا!

هزت رأسها دليل على الموافقة، ثم أردف:
-هل تسخرين مني؟
قالت بضجر:
-ماذا!
قال آسر بغضب:
-هذه مدينة تاريخية قديمة أسطورية لا وجود لها أصلًا.


تنهدت ريم قائلة:
-لا يوجد وقت للشرح، مدينة طروادة مدينة ساحرة.

-ولكن..
قاطع كلام آسر رجلًا طويل القامة، وعريض بعض الشيء ظهر فجأة أمام السيارة، لأصرخ لريم بسرعة:
-احترسي يا ريم..

ثم اغمض عينيه خشية مما سيحدث.








توتر في المكان، لم يستوعب رائد إلى الآن أنه ارتكب حماقة مثل هذه ولم يرسل زينو أولًا،
كانت وراءه تتشبذ بقميصه وعلى وشك العودة معًا
لا يستوعب أبدًا أن الساحرة استطاعت اخذها من بين يديه.

قال أحمد بصوت عال وعيناه محمرتان:
-لقد وعدتني، أخبرتني أنك ستعود مع شقيقتي، لماذا تعدني إن كنت لن تفي بوعدك؟

بينما والدتههما تبكي جانبًا وتحاول قمر مواستها، قال رائد بقلة حيلة:
-لم افهم كيف حدث!
ولم أعلم كيف العصا نقلتنا من جبل إيدا إلى زنزانة قمر بينما كان من المفترض أن تنقلنا إلى هذا البيت.

أخذ أحمد يبكي بصوت عال، نظرت قمر إلى رائد نظرة ذات معنى، ليقترب منها فتترك هي السيدة الكبرى ليهتم بها رائد، عقدت يداها قائلة:
-سيد احمد، رائد فعل كل ما بوسعه، ولكن هذا ما حدث، إذا أخذنا نبكي على اللبن المسكوب فلم نستطع إنقاذ شيء.

احنى احمد رأسه وقال بشيء من الندم:
-قمر طروادة!
سيدتي، أعتذر على طريقة كلامي أمام حضرتك.

قلت بشيء من الضيق:
-أحمد! أنا لم أصبح قمر طروادة بعد، وحتى لن أصبح.

تدخل رائد:
-حسنًا سنتحدث في هذا فيما بعد ولكن الآن علينا التفكير بإنقاذ زينو من عائشة.

قالت قمر:
-لا أظن أننا سنحتاج هذا.

قال أحمد:
-كيف لن نحتاج!

قلت:
-عائشة تكن لزينو الكثير من الحب، زينو الوحيدة التي أحب عائشة بصدق وصدقتها وآمنت بها، عائشة فقط تريد أخذها منكما لأنها تعتقد أنكما السبب في إبعادها عنها.

قالت والدتها:
-ولكننا لا نبعدها عنها، بل تغير عائشة جذريًا هو الذي فعل.

قالت قمر:
-أعلم أعلم، ولكن هذا اعتقادها.

قال أحمد:
-ماذا سنفعل إذن؟
قالت قمر:
-أظن أن علينا وضع خطة.

أكمل رائد:
-اولًا على كل منكما ارتداء هذه القلادة.

ثم قام رائد بإعطاء كل من أحمد وشقيقه قلادة وقال:
-وعلى كل المدينة أن يكون معه قلادة على الأقل، سنتحد جميعًا.

قال أحمد:
-ولكن الوقت تأخر كثيرًا..

قالت والدتهما:
-سننتظر عدة ساعات فقط لحين ضمان استيقاظ جميع البلدة.


قال أحمد:
-ولكن..
قاطعته والدته:
-لا يوجد لكن، ستأخذ قمر طروادة إلى غرفة ريم هي ورائد، عليهم أن يستريحوا، سنخوض حربًا جميعًا غدًا.




دلهم أحمد على الغرفة، وتركهم بينما ذهب احمد وقلبه يتاكل على شقيقته التي هي قطعة من قلبه ولا يطاوعه الانتظار..

احتضن رائد قمر قائلًا:
-اشتقت لكِ..

قالت والدموع تتجمع في مقلتاها:
-وأنا أيضًا.

ثم أردفت:
-خائفة، كنت خايفة كثيرًا يا رائد ووحيدة.

قال رائد بلوم:
-ولكننا معًا الآن، لن اترككِ قط.

تمدد رائد على الفراش بينما وضعت قمر رأسها على فخذ رائد وأخذ يداعب شعرها، قالت:
-رائد.

أجابها بشرود:
-همممم.
قالت:
-أتتذكر عندما كنت تغني لي وأنا صغيرة لكي أنام؟

قال بضحكة:
-أيعقل ألا أتذكر؟

ابتسمت قمر قائلة:
-أيمكن أن تغني لي الآن؟

تردد قليلًا ثم سال:
-الآن؟
قالت قمر:
-الآن الآن.

ابتسم قائلًا:
-حسنًا، أيعقل أن تطلب حبيبتي مني شيئًا ولا أفعله؟

ابتسمت قمر واغمضت عينيها استماعًا للكلمات.
حيث بدأ رائد الأغنية قائلًا:

يلا تنام يلا تنام وأهدي لك طير الحمام

روح يا حمام لا تصدق، بغني له حتى ينام

يلا تنام يلا تنام وأهدي لك طير الحمام

روح يا حمام لا تصدق، بغني له حتى ينام

شعره نازل على جبينه، روحي وعمري بهدي له

وسنيني لو عاجبينه، بهدي له أحلى الأيام

شعره نازل على جبينه، روحي وعمري بهدي له

وسنيني لو عاجبينه، بهدي له أحلى الأيام

يلا تنام يلا تنام وأهدي لك طير الحمام

روح يا حمام لا تصدق، بغني له حتى ينام

طوق المرمر على شفافه والزنبق على كتافه

كل اللي في حضني شافه، صلى على خير الآنام

طوق المرمر على شفافه والزنبق على كتافه

كل اللي في حضني شافه، صلى على خير الآنام

يلا تنام يلا تنام وأهدي لك طير الحمام

روح يا حمام لا تصدق، بغني له حتى ينام.


ضحك رائد فور انتهاءه من الغناء وضحكت ريم قائلة:
-أتتذكر؟
كنت تقوم بالغناء دائمًا عندما تذهب امي للعمل وتتأهر كثيرًا، لا أعرف كيف كنت سانام بدونك.

اعتدلت قمر في جلستها، فتناثر شعرها على وجهها قائلة:
-لطالما كنت تأخذ كل الأدوار في حياتي.
أنت لست زوجي المستقبلي فقط، أنت ابن خالتي، وصديق طفولتي، وحبيبي، أمي وأبي، أنت جميعهم يا رائد!

قال رائد:
-قمر رائد..
انتظري دقيقة!
الان أنتِ لم تعودي قمر رائد فقط،
بل اصبحتي قمر مدينة بكاملها!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي