الفصل الثاني

( وهج )

تفحصت ساعة معصمي بتوتر ظهر جليا من حركة قدمي العصبية، كيف بحق الله وافقت على عرضه، ربما أنا هي صاحبة الفكرة ( الجهنمية ) ولكني عندما اقترحتها على صديقاتي لم  أتوقع استراقه السمع فكيف باستحسانه لفكرتي بل وإلقائها في جعبتي من جديد بعرض أكثر إِغْرَاء من أن يرفض، ما الذي دهاني؟ كيف تأثرت به لتلك الدرجة في فترة وجيزة، وكيف بحق الله أشتاقه الآن ولم يفت على افتراقنا سوى ساعات، والسؤال الأكثر أهمية الآن هو إن كان ذلك هو حالي بعد رقصتين وبضعة نظرات مسترقة من وقت لآخر تخللت سهرتنا، ماذا سيحدث لي بعد أن أقضي معه يوم كامل بين أحضان الطبيعة؟ رأسي يكاد أن ينفجر من شدة التفكير، أريد أن أصرخ في وجه دينا التي تحلق فوق رأسي كالنحلة الطنانة؛ تطرح أفكارها الخاصة حول الأحداث القادمة في يومي بغبطة واضحة بينما نرمين التي تجلس على الفراش الآن ترمقني بعدم استحسان، ربما يجب أن أهاتفه عوضًا عن انتظاري لاتصاله وأخبره بأنني قد أعدت النظر في عرضه، نعم هذا ما سأفعله، ربما سأندم لاحقًا على تفريطي بتلك الفرصة ولكني فقط لا أستطيع... ابتلعت ريقي وأنا أتناول هاتفي عن الطاولة بجواري بتردد ولكن قبل أن تلمسه أناملي أضاء فجأة واسمه يبرق في شاشته، ينهي حيرتي ويدفعني نحو حتمية الاختيار، نقلت بصري بين صديقتيّ ثم سحبت نفسًا عميقًا وضغطت على زر الرد

- اشتقتك
- ماذا !!

قلتها بصدمة واضحة أثارت نظرات الفضول من حولي ليأتيني صوت ضحكته الرجولية التي أشعرتني بالوهن في ركبتي وهو يقول متجاهلًا صدمتي

- أنتظرك في بهو الفندق لا تتأخري

وبدون انتظار لردي أنهى الاتصال، وكأنه قد قرأ أفكاري الخاصة بل ويعلن دون كلمات عدم قبوله للرفض كرد محتمل، ورغم غرابة الموقف، وصراعي الصامت بين هوى النفس ورجاحة العقل إلا انني ابتسمت، ربما تلك مجازفة قد تنتهي بنهاية مأساوية؛ مجازفة طويلة القامة عريضة المنكبين بملامح صارخة الوسامة ونظرات تصهر الماس

***

- لقد أتيتِ!

قالها بمفاجأة؛ وكأنه لم يلقي بترددي الصامت عبر الأثير عرض الحائط منذ لحظات؛ ربما لم يكن ذلك ما قصده عندما أنهى اتصاله دون انتظار استجابتي، وربما هو فقط التمني اللعين الذي سيسوقني يومًا نحو هلاكي، ولكن السؤال هنا، هل سأقبل بهزيمة كتلك؟ والجواب توسد عقلي كملك صارم قرر دون مشورة مصير رعاياه؛ بلا تردد، بلا خوف، وبلا موضوعية لعينة.... نعم وبكل تأكيد، لقد عشت طويلًا في عالم مواز أتسول الأنس من شخصيات وهمية، قد تبهرك الوحدة عندما تتلاعب برأسك، وقتها سيغدو الخطأ هو عين الصواب، وتضحى الفرصة كنز أنت أكثر غَبَاء من أن توليه ظهرك، لذا قلت بمشاكسة،،،

- ماذا؟ هل أعود لغرفتي وننهي اتفاقنا!!

- سأكون أغبى رجال العالم ان سمحت بذلك

قالها بحماس وابتسامة أنعشت ذلك الجزء الجائع للاهتمام بداخل نفسي مما دفعني للإبتسام وأنا أشير نحو الباب الزجاجي لمخرج الفندق

- هيا ؟
اتسعت ابتسامته وهو يجاورني ثم ثنى ذراعه في دعوة غير منطوقة لأتأبطه

- هيا جميلتي

***

سيارته الرياضية الحديثة باهظة الثمن كانت في انتظارنا، تلتمع تحت وهج شمس الصباح وكأن الغبرة لم تلمسها يومًا، بانبهار جاورته وانا أتأمل السيارة الفخمة من الداخل؛ محاولة تجاهل حقيقة وجودي برفقة غريب في تلك المساحة الضيقة، سننطلق الآن سَوِيًّا صوب مجهول رسمت بأناملي خط بدايته، ولكنه لم يقوم بتشغيل محرك السيارة فقط كان يرمقني بنظرة غريبة لم أفهمها، هممت بسؤاله عن سبب نظرته تلك ولكن الألم المفاجئ برأسي مَصْحُوبٌ بتثاقل جفناي جعلني أترنح في جلستي وقد بدأ الخوف يتسلل لكامل أوصالي، ما الذي حدث فجأة!! شعور بالانتشاء بدأ في الزحف لعقلي الشبه واع ليحيل خوفي لحالة أخرى هلامية وأنا أطالع الفقاعات الوردية اللون التي تتراقص الآن من حولي، بعينين مسبلتين عدت لرفيق رحلتي التي لم تبدأ بعد لأراه يهمس بكلمات سريعة لا تصل لمسامعي، مهلًا هل ازداد وسامة؟ وما بين الوعي واللاوعي كانت نظرته الآسفة آخر عهدي بالواقع من حولي قبل أن تحملني غيمة وردية صوب عالم الأحلام!!!

***

( كيو )

تأملت ملامحها المستكينة وأنفاسها المنتظمة وهي ممددة على فراشي بمشاعر ممزقة؛ لا أعلم ماذا سيكون رد فعلها عندما يتسلل الوعي لعقلها أخيرًا، لسنوات سئمت إحصائها وأنا أبحث عنها، ولكني كلما شعرت باقترابي من الوصول إليها تختفي كالسراب، لقد ظننت أن النبوءة خاطئة، أو انه فقط أبولو يحاول التخفيف عني بملحمة عشق منتظرة تبعث في نفسي الأمل المفقود من جديد، لا لا لقد أخبرتني والدتي عندما نقلت إليها حديثه بالقصة كاملة، والآن وقد استطعت تحديد مكانها أخيرًا تأكدت من صدق حديثهما؛ المشاعر المفاجئة التي عاجلتني بمجرد ان توقفت عيناي عليها، خفقات قلبي المستكين المتواثبة وحدسي الذي أكد شكوكي حول حقيقة وجودها، أنها هي ولا سبيل للخطأ، تتبعتها كالمهووس في ذلك الحفل الصاخب وانا أعتصر عقلي محاولًا التوصل لطريقة آمنة للتعرف عليها كي لا أثير ريبتها، وجدتني أجلس على الطاولة المجاورة؛ أحاول إستراق السمع لحديثها وصديقتيها، أستمع لصوتها الذي يضاهي تغريدات الطيور عذوبة، أتوق شوقًا للتعرف عليها والإفصاح عن هويتي، لتأتيني فرصتي على طبق من ذهب عندما وصلني حوارهم حول ذاك الرفيق، مشاعر غريبة أعايشها للمرة الأولى، غضب، جموح، و.... غيرة، حالة من العنف لم أعهدها في نفسي وأنا أتخيلها برفقة آخر، يمطرها بكلمات الغزل وإن لم يعنها، وعندها اكتملت الفكرة بعقلي، فكرة ستعينني على اصطحابها لعالمي دون أن أثير ارتيابها لنكمل سويًا النبوءة وننقذ مملكة الفردوس

اعتدلت فجأة عندما بدأت تتململ في نومتها، عالم بحالة الذعر التي ستجتاحها فور اكتشافها لما أقدمت عليه، ورغم قلقي من ردة فعلها المتوقعة إلا انني لست بنادم، لحظات قطعتها بفتحها لعينيها فجأة على اتساعهما وهي تعتدل جالسة دفعة واحدة، تطالع بذعر الغرفة التي لم تعد كما كانت بعينين جاحظتين حتى توقفت على وجهي، ابتلعت ريقها بصوت مسموع وهي تعود سريعًا بنظراتها المجنونة نحو جسدها، تتفحص ملابسها، زفرة ارتياح أطلقتها وهي تغلق عينيها بسلام بينما تضع يدها على خافقها، هل تظنني مغتصبا، رجل قد يفرض نفسه على امرأة فاقدة للوعي أو حتى غير راغبة، ورغم شعوري بالاستياء من مسار أفكارها إلا انني لا ألومها، ففي النهاية هي لا تعرفني..... بعد

***
( وهج )

ماذا حدث، وما هذا المكان، وكيف بحق الجحيم غفوت وأنا برفقة غريب، آخر ما أذكره هو التقائي به في بهو الفندق... ما الذي حدث بعد ذلك، ملابسي كما هي لذا لا أظنه قد حاول إغتصابي وبالطبع لم يحاول سرقة أعضائي فوقتها كنت لأشعر بالألم أو شئ من هذا القبيل ولكنه... اختطفني، فكرتي الأخيرة جعلتني انتفض فجأة عن الفراش وقد غادرتني سحابة النوم تمامًا الآن، أبحث بعينيّ عن باب تلك الغرفة الرمادية المقبضة والتي تضيئها فقط نيران المدفأة، عدت بنظري نحوه... ها هو يرمقني بصمت مغيظ وكأنني قد أسأت إليه بطريقة ما، اللعنة عليه وعلى فكرتي المجنونة، لقد صدقت نرمين وقد ألقيت بنفسي وبكامل إرادتي نحو هلاكي... اندفعت بسرعة نحو باب الغرفة دون تفكير في قدرته على اللحاق بي ولكنه وللغرابة لم يفعل!!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي