قبل الأخير

سمح الطبيب بإعادة فرج إلى المنزل فليس هناك ما يمكن تقديمه له سوى تخفيف الألم بينما تزداد حالته تعقيداً يعجز أمامه الأطباء. حمله سليمان وولده جمال للمنزل وأخبره سليمان أن جمال سيتزوج من سلمى بعد أن حصلت على نصيبا موفورا من دناءة مروان الذى لم تعد تصلهم عنه أي أخبار منذ استولى على الجزء الأعظم من أموال جده .

......

استيقظت أمينة متأخرة فقد قرر أبيها أن يتم زواجها في غضون ثلاثة أيام فور أن علم بمغادرة أبيه للمشفى فقد أصبح الوقت مناسبا بعد تحسن حالتها أيضاً كما يرى الجميع.

كان هلال بصحبة أبيها حين غادرت الغرفة يبحثان معا تأمين الزفاف بشكل كامل فلم يعد أي منهما يأمن غدر مروان ليصمتا فور ظهورها فتقترب منهما
_ بتخبوا عليا إيه؟
_ ابدا بنجهز لفرحكم بعد بكرة
_ انا هروح النهاردة يا أمينة بس هكون معاكى طول النهار
_ هتروح!!
_ أمينة من غير خوف انا معاكى فى الأوضة ومهيب ابن عمك هيبات هنا هو وجمال فى الأوضة اللى جمبك
_ وبعدين مها كلمت عمى وجاية الصبح هى وصحباتك كلهم وفى أربعة غفر ابويا موقفهم برة من الأسبوع اللى فات ماتخافيش.

اومأت بتوتر ولم ترد بينما اقبلت دهبية تعلن عن تحضير الفطور لتكن فرصة جيدة لإنهاء الحوار بينما عينا هلال تحصيان هذا التوتر بقلق فيبدو أنها نجحت في خداع الجميع.

..................................

وصل جمال بصحبة فاطمة لمنزل عبيدة إعلانا عن مباركة الزواج المرتقب من قبل والديه يحملان الهدايا للعروس . استقبلهما عبيدة وزوجته بحفاوة ولم يمر الكثير من الوقت وظهرت سلمى .
نظرت لها فاطمة بسعادة؛ هذه الرقيقة لا تستحق ما كانت ستعانيه من ويلات على يدى مروان، ربما هى خير لجمال وكل ما كان تقدير للتقريب بينهما .
نهضت فاطمة تضمها بمودة اشعرت الفتاة بالراحة ثم اجلستها بجوارها .

_ احنا يا بنتى مالحقناش نجهز شقة لجمال علشان كده هنأجل فرحكم شوية بعد كتب الكتاب، هو كان لاغى موضوع الجواز خالص حتى اخوه الصغير اشترى شقة وهو لسه، تحبى شقتك تبقى فين يا عروسة؟
_ مش مهم الشقة فين وبكام المهم ربنا يكتب لنا راحة البال والرضا
_ الله يرضى عليك يا حبيبتي ونعم التربية .
_ سلمى صحيح ماكملتش تعليم بس حافظة القرآن وتعرف ربنا
_ ماكملتيش ليه؟

لأول مرة تسمع صوته منذ جلست ولا يمكنها أن تجيب ، كيف تخبره أن عمها حرمها من التعليم ليس خوفا عليها كما ادعى وانما ليتأكد أن تظل تحت سطوته وسيطرته لذا نظرت نحو عمها وصمتت لتتجه إليه أعين جمال منتظرا إجابته فيحمحم

_ كنت بخاف عليها تخرج من البيت

كعادة جمال لا يحب كثرة الحديث ولا المناقشة لا لشئ سوى لأنه يفضل عدم التسرع في إطلاق الأحكام ويفضل ترتيب الحجج بعقله والاكتفاء بما يراه يقينا، ليس ممن تثيرهم الأقاويل أو تؤثر عليهم .
عاد بنظره نحو سلمى

_ وصلتى لفين فى المدرسة ؟
_بابا الله يرحمه اتوفى وانا في الإعدادية وخلاص قعدت بعدها .
_ والقرآن؟
_ معايا إجازة وبقرأ خمس قراءات
_ ما شاء الله، تبقى تعلمينى لما نتجوز
_ إن شاء الله

ربتت فاطمة فوق كتفها فهى بالفعل فتاة جيدة ما كانت لتحلم بأفضل منها لجمال أو لأي من أولادها ورغم أنها شعرت في البداية أن جمال يكفر عن أخطاء مروان لكن تلك اللمعة بعينيه حين يتحدث إليها تخبر بغير ذلك، هذه الفتاة تروقه كثيرا وسيكون بخير معها .

_ بعد أذنك يا حج ناخد سلمى نجيب لها الشبكة انت عارف كتب الكتاب بعد بكرة وانا بكرة هنشغل فى حنة أمينة
_ مش كنتم تقولوا يا حجة نقول للناس
_ معلش يا عمى علشان نبقى على نور، انا راجل احب الهدوء واحب اعيش في حالي، لا احب الدوشة ولا اللمة الكدابة، إحنا هنعزم في المناسبات بس كتب الكتاب والحنة والدخلة غير كده احب يبقى في خصوصية ليا ولسلمى .

فرك عبيدة أسنانه غيظا فهو يحب أن يظهر لعائلته كل ما يقدمه لسلمى خاصة فهى فى كفالته ويحب أن يبرز عدم تقصيره معها، هو مضطر لتزويجها من جمال بعد فعلة مروان وعليه أن يقبل بكل ما يريده .

_ اللى يريحك يابنى مرات عمها هتيجى معاكم انا معلش مش هقدر ورايا اشغال

اختطفت سلمى نظرة نحوه فهى تعلم أنه يتهرب من صحبتها رغم أنها لا تنتوى أن تطلب منه هدية كما فعلت ابنتيه وكان سعيدا وقتها بتلبية ذلك ، لم تعد تريد منه أي شيء بعد كل ما عانته ببيته

_ قومى أجهزى يا عروسة واحنا مستنينك

ابتسمت لفاطمة ونهضت متوجهة لغرفتها فهى تريد أن تتحدث إلى جمال وهذه هي الفرصة الوحيدة المتاحة لها.

غادرت بعد وقت قليل بصحبتهم لكنه ظل صامتا طيلة الطريق يقود منتبها للطريق فحسب .
وصلوا للصاغة لتنظر نحو مسجد السيد البدوى القريب جدا منها فينظر في نفس الاتجاه
_ تحبى نصلى ركعتين لما نخلص؟
_ ينفع؟؟
_طبعا ينفع

تراه لأول مرة على الإطلاق يبتسم فتعلقت عينيها بوجهه للحظات اشعرتها بالخجل
تقدمت فاطمة لتصبحها زوجة عمها وتأخر هو خطوتين عنهما لتسير بمحاذاته

_ عاوزة تسألى عن حاجة؟
_ صراحة ايوه، انت اتقدمت لى ليه؟
_ علشان اتجوزك طبعا
_ ليه؟

يعلم ما تقصده ويراوغ رافضا الكشف عن نواياه، فمنذ ذلك اليوم الذى تشبثت بملابسه خوفا من أخيه ولد بقلبه نبضة خاصة لها كانت تخفق فقط لذكرها، ظل ينهر نفسه وينهيها عن إتباع هذا الشعور فقد كانت على وشك أن تصبح زوجة لأخيه لكنه بعد الأحداث الأخيرة تأكد أن أخيه لم يكن ليتخذها زوجه أبدا لذا استغل الفرصة حين لاحت له فقد تمناها قلبه .
أشار نحو المتجر الذى دخلته أمه

_ وصلنا اتفضلى

شعور سئ تسلل لقلبها فلم تشعر بحماس عروس رغم أنها رأت فيه صورة معاكسة لأخيه لا تحمل شيئا من جمود مروان .

وقفت تحاول أن تختار دون أن تكلفه ما يفوق طاقته ليقترب منها ويبدأ هو حديثا وديا تمكن به من تشتيت انتباهها عن مشاعرها المحبطة وفى نفس الوقت أقنعها بشراء ما يراه مناسبا دون النظر إلى القيمة فهو يعمل طيلة عمره ليسعد الفتاة التي سيختارها قلبه.

انتهيا من الإختيار لتتفاجأ بالقيمة وحين همت بالاعتراض منعها بنظرة حازمة انخفض نظرها بعدها عنه ليرى ضرورة مد جسر من التواصل بينهما فهو لا يريد نفور قلبها منه ليقترب برأسه محافظا على المسافة بينهما

_ هتجوزك علشان قلبى اتمناكى يا سلمى، علشانك مش علشان أي حاجة تانية.

رأى لهفة بعينيها فلم يندم على تصريحه بمشاعره بل لقد وفق في اختيار التوقيت

_ علفكرة إحنا ممكن نعيش مع والدك ووالدتك .

اتسعت ابتسامته بالتزامن مع خفقات أيسر صدره شديدة السرعة

_ هعملك شقتك ونعيش مكان ما ترتاحى

لقد حاز من الدنيا أكثر مما تمنى فهى ستكون له بكل هذا الرقى داخلها وكل هذا الود والمحبة .

_ لو تحبى تكملى تعليمك لما نتجوز أنا موافق

كان هذا اخر تصريح منه ليزيد قلبها من ضخ الدماء وتعلم أن الله ابتلى قلبها بمروان ليأتى بعده العوض في جمال .

رأى تورد وجهها الشديد ليتفاعل قلبه مع نقاء شخصيتها التى تظهر كل ما بداخلها فوق صفحة ملامحها الرقيقة لتسمع هى زفرة تعبر عن قلة صبره مع نهدة مناجاة
_ يارب قرب البعيد .

.....................................

في الصباح التالى كان العمل بمنزل جمال يسير على قدم وساق ، وصلت للمنزل نساء البلدة أجمع في تجمع نسائى تراه أمينة وصديقاتها لأول مرة لكنها عادة لا تتغير فى الريف ورغم هذا التجمع منحتها فاطمة كل الخصوصية التى تحتاج .

عاد الهاتف للرنين لتتأفف الفتيات حولها

_ ياه فات نص ساعة بحاله من اخر إتصال
_ قلبه قسى اوى هلال
_ هو فاضى ولا إيه!
_ بس يا بنات خلوا أمينة تعرف ترد
_ قولى يا مونى وسمعينا
_ بطلوا هبل ماتسمعيش كلامهم يا أمينة دول سناجل بائسين.

انتهى الرنين ولم تجب لتتابع تعليقاتهن لكن سرعان ما علا مرة أخرى ليضحكن فتحذرهن بحدة

_ اسكتوا بدل ما اطردكم من الأوضة. ايوه يا هلال
_ أمينة انت كويسة؟ مابترديش ليه؟
_  كويسة يا حبيبي بس الأوضة زحمة وخفة الدم عالية النهاردة

علت ضحكات الفتيات لتصل لمسامعه فيدرك ما تتعرض له فيحثها هامسا

_ ماتسيبك منهم ونتقابل انت وحشتينى اوى

زاغت نظراتها ولم تجب ليفهم أنها لا تستطيع الإجابة حرجا من الفتيات

_ انا مستنى بكرة يجى لا مستنى انت تيجى لقلبى وساعتها محدش يقدر يلومنى هقعدك جمب قلبى ليل نهار، بحبك اوى يا أمينة والكام ساعة اللى فاضلين دول تقال اوى على قلبى، انت مش عارفة الكام ليلة اللى قعدتهم في بيتكم عدوا عليا ازاى ولا عملوا فيا ايه.
_ هلال انت بتستغل الموقف ؟
_ إجابة خاطئة يا أمينة
_ هلال!!
_ بطلى تقولى أسمى كده.

لم تكن نهرة بقدر كونها رجاء لاقى له صدى كبير في قلبها ، نظرت نحو الفتيات وقد عادت تعليقاتهن

_ خلاص يا أمينة كلها كام ساعة واخدك من صحباتك ومن الدنيا .
_ ماشى يا هلال انت كمان خد بالك من نفسك

عادت ضحكاته ويضطر لإنهاء المحادثة مع وصول الفتاة التى ستقوم برسم الحناء للعروس ولصديقاتها أيضاً .ساد الهرج بين الفتيات وهن يعلقن على اختيار أمينة ويقمن بالاختيار أيضاً لتمر الساعات ومع بداية الليل كان المنزل قد تخلى عن صمته وسكونه وأعلن تخلل الأفراح جنباته والتى ظهرت بالفعل على وجوه الجميع.
حظت الفتيات والنساء بخصوصية كبيرة ، لم تتوقف زغاريد فاطمة والنساء ورغم أن أمينة لم تشاركهن بالرقص إلا أن قلبها يتراقص فرحا.

........................

فتح منزل عرفة مرة أخرى ومدت الولائم مجدداً فأي كان يمكنه أن يدخل للمنزل ويتناول الطعام بل ويطلب ما يريد ليحمله لأسرته، لا قيود على العطاء في اليوم الذى عاش عرفة يحلم به وعلى عكس طيلة الحياة غادرت أمه غرفتها في سابقة لتحضر إحتفال النساء بل وطلبت أيضا صحبتهم فى موكب العريس .
اقتربت احداهن من عرفة الذى يقف بفناء منزله يستقبل بنفسه كل الضيوف سواء يعرفهم أو لا

_ حج عرفة

انتبه عرفة لاتجاه الصوت فنظر نحوها مشيرا للداخل

_ اتفضلى يا ست الحريم جوه وكلهم تحت أمرك
_ انا مش جاية للوليمة

انتبه عرفة واتجه نحوها فيرى أنها بدأت تبكى

_ قالوا لى أن حضرتك مش هترد حد فى الليلة دى مهما كان وحش

علم أن هذه المرأة وراءها ما سيغضبه لكنه اقترب منها مصغيا لما تقوله

_ انا اللى كنت بشتغل في الكوافير ، ارجوك يا حج انا انقطع عيشى ومحدش راضى يشغلنى بعد اللى عملته
_ انا مش فاهم حاجة، عملتى إيه؟
_ انا اللى كنت مع عروسة هلال بيه وانا اللى
_ خلاص

قاطعها بحدة لترتعد وتتأخر خطوة للخلف مع سيطرة الغضب على ملامحه للحظة مع زيادة بكاءها

_ والله يا حج لولا العوزة
_ الغلط مالوش مبررات ماتضحكيش على نفسك كنت قولتى لهلال ولا جيتى هنا وأحنا كنا هنتكفل بيكى . انت متجوزة؟

هزت رأسها نفيا

_ انا مطلقة ومعايا بنتين
_ وترضيها على بنت من بناتك؟ هتنفعك بإيه الفلوس ؟

اشتد بكاءها ليبتعد عرفة خطوة للخلف محاولا السيطرة على غضبه

_ معاكى رقم المحل؟ انا هشفع لك بس لكن فرصتك في ايدك انت
_ والله همشى صح ولا عمرى أمد ايدى للحرام تانى

طلب عرفة رقم المركز الذى تعمل به وعرف عن نفسه وطلب من صاحبه أن يسمح لها بالعمل مرة أخرى معلنا مسامحته فيما حدث وليثبت شخصيته أخبره أنه سيقوم بزيارة المركز في اليوم التالي لتفقد أحوال العاملات وطلب منه تحديد من تحتاج للمساعدة منهن موضحاً أنه من الأفضل قضاء حوائجهن فالأنفس تضعف وتزل ليقبل الرجل أن تتابع العمل على أن تمنع نهائيا من الزيارات المنزلية ورغم أن هذا يؤثر بشكل كبير على دخلها لكنها قبلت به .
كففت دموعها مرة أخرى وهى تعاود شكر عرفة

_ كتر خيرك يا حج
_ استنى.

غاب قليلا ليعود وبيده حقيبة ويقدمها لها

_ عشاء البنات

ما كانت لترفض وجبة فاخرة يمكنها تقديمها لابنتيها رغم أن عرفة يغدق عليها بكرم لا مثيل له يكفيها أنها ستعود لمتابعة العمل الذى فقدته بسبب طمع لم يغنها.

..............................

أسرعت بعض الفتيات يركضن نحو أمينة

_ موكب العريس وصل يا عروسة
_ إيه موكب العريس ده؟
_ قوموا يلا اتفرجوا

كانت أول من تحرك بعد سماح فاطمة وخلفها الجميع، غادرن باب المنزل حيث احتفال الرجال وكان هلال يتقدم نحو المنزل ممتطيا سمرة وأمامه امرأة تحمل صينية كبيرة ظنت أمينة أنها كعكة مزينة واشعلت جميع شموعها ثم لفت بورق شفاف يمنع الهواء من إطفاء الشموع وخلفه جمع كبير من أسرته وبينهم فرقة موسيقية للمزمار .
توقف هلال عن تقدمه وبدأت سمرة تتراقص على انغام المزمار والشباب يشعلون الحماس ويزيدون من ملامح الفرح .
ترجل هلال عن الفرس ليقترب من أمينة وتتقدم أمه لتضمها فترى فى الخلفية سيارة توقفت وظهر عرفة لتتمسك نعمة بكفيه

_ تيتة نعمة

هرولت نحوها بسعادة وتخلت عن استقبال هلال فهى لا تصدق أن نعمة تخلت عن وحدتها وغرفتها لتشاركها الإحتفال
فى لحظة وضع مقعد فاخر جلست فوقه نعمة وعاد هلال يقترب ليجذب أمينة نحوه

_ هو انا مش هعرف اتلم عليكى الليلة ولا إيه؟ خليكى جمبى شوية
_ ما أنا جمبك اهو . هلال ما تركبنى سمرة شوية

رأت اقتضاب ملامحه الرافضة لكنه ضحك بمجرد تذمر ملامحها وأشار لأمه التى قدمت له علبة

_ نقطتك الأول يا عروسة

أخرج عقدا من المال لتنظر له بدهشة لكنه وضعه حول عنقها مرتين لطوله

_ والله عامله بإيدى
_ اوعى تكون فلوس مزورة!!

عاد يضحك لكنه في هذه المرة ضمها جزئيا ثم أمسك كفها واتجه نحو سمرة، امتطاها أولا ثم قدم لها كفه وفى لحظة كانت أمامه تصفق بحماس شديد كالاطفال بينما اتجهت عينا هلال نحو أبيه محذراً ليرفع هاتفه ويتأكد للمرة التى لا يعرف عددها من تأمين المكان

اقترب مهيب من مها التى تشجع أمينة وهلال بحماس

_ عقبالنا

نظرت له ولم ترد لكنه لم ير توترها الذى يحول بينه وبينها دائما

_ ما تتجوزينى بقا كل الناس هتجوز وانا قاعد جمب امي

ضحكت مها واختطفت نظرة نحوه

_ لو هتعمل لى زى ده موافقة . وتفسحنى على الجرجار
_ انت قولتى ايه؟ اثبتى على كده وقولى بسرعة اروح اخطبك من مين ؟

تبددت السعادة كلها دفعة واحدة ورأى غيمة من الحزن تخيم على ملامحها منذرة بما لا يحب

_ محدش، ماليش حد تخطبنى منه

تشابهت ملامحه معها وشعر بقبضة غاشمة لكمت قلبه فأنتفض ألما لكن فاطمة نجحت في رسم ابتسامة فوق شفتيها مجددا وهى تجذبها نحو صدرها شاعرة بكل ما تعانيه هذه الفتاة

_ مالكيش حد ازاى يعنى؟ وانى وابوكى سليمان روحنا فين! روح يا ولا وابقا هات عمك وتعالى اطلبها منى وقسما عظما أن ما وافقت على كل شروطى ما تشوف ضفرها .

ضحكت مها رغم الألم وتشبثت بفاطمة وكأنها طوق النجاة تاركة لها نفسها لتجذبها معها بينما يلحقها مهيب متابعا بث المرح

_ طب ليه يا امى التعنت ده! خلينى اقف معاها شوية طيب؟ طب قولى انك موافقة حتى ؟ ده انا ابنك بردو !

تهز فاطمة رأسها نفيا مع كل سؤال لتضحك مها وقد تمكنت فاطمة من نزع ما تشعر به من ألم ببضع كلمات.
حقا يمكن لمن تألم أن ينزع نفس الألم عن غيره بلا مشقة .

فى أحد غرف المنزل جلس فرج فوق مقعده المتحرك منذ ساعات ، يدخل إليه سليمان مرة وجمال مرة يتفقدان فى حال احتاج للمياة أو تغير حفاضه ، يبكى قلبه ندما قبل عينيه وهو يفقد كل حواسه ويفقد كرامته أيضاً.
لقد استجاب الله دعاء أمينة فهو لن يرتاح لبقية عمره الذى يتمنى أن يقصر وكم يخشى أنه لم يحصل على السماح أيضاً .

بعد منتصف الليل بدأ الحضور في المغادرة وغادر عرفة لحاجة أمه للنوم وظل هلال كإعلان من قلبه على رفضه المغادرة .
بدأ الجمع من حولهما يتناقص

_ مبسوطة يا أمينة؟
_ اوى يا هلال اوى، شوفت الحنة بتاعتى

بسطت كفيها أمامه ليرفع يمناها يقبله برقة أظهرت توترها لتسحب كفها منه بارتجاف واضح وهى تغير مجرى الحديث مدعية المرح

_ مش كنت تقولى أن التورتة بتاعتك حنة؟ شكلى وحش وانا بقول لطنط فاطمة انا عاوزة اكل منها

ضحك هلال وهو يسند رأسه إلى قبضته ناظرا لها مع نهدة حارة زفرت بعض أشواقه

_ احبك اكتر من كده ايه !!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي