الفصل السابع عشر

كان وصول سليمان هادئ إلى حد ما، رحب به جمال كثيرا فهو يزوره للمرة الأولى وكان الحماس لهذه الزيارة يتملك من قلب جمال بالفعل وسعد أيضاً بصحبة ولديه رغم تخلف مروان لكنه يعلم أنه يتبع جده فلا أمل فى حضوره. أفرغ مهيب وجمال حمولة السيارة بينما كانت مها تراقب الموقف عن قرب.

طالما تمنت الحصول على أسرة سعيدة لكنها لم تحظ بذلك، أبيها اختار زوجته وامها اختارت زوجها وعاشت هى طفولتها محرومة منهما، كان وجود جدتها يهون كثيرا من حياتها البائسة لكنه كان يفعل بين جدران المنزل فقط، لقد عاشت جدتها الراحلة تسكب على قلبها فيض من حنان لا يتوقف لكن فيض حنانها عجز عن مدها بما تحتاج من رعاية خارج المنزل فاضطرت لمواجهة الهمسات واللمزات منذ طفولتها عن كونها منبوذة من قبل أبويها وكان هذا فوق احتمال طفولتها فترك فيها أثرا عميقاً لم تتمكن من تجاوزه.

جلست فاطمة شاعرة بتوعك فهى غير معتادة على السفر ورغم حرص مهيب على التمهل شعرت بتوعك، نظر لها سليمان بشفقة
_ انت لسه تعبانة يا فاطنة؟
هزت رأسها نفيا لكن وهنها اثبت عكس ذلك لتقترب منها أمينة
_ تعالى يا طنط ارتاحى فى اوضتى
رفضت فورا وهى تشمر عن ساعديها
_ لا يا عروسة انا هوضب لك الزيارة زمان عريسك وأهله على وصول
اقتربت مها من جمعهم بترقب وكأنها تخشى اختراق خصوصية سعادتهم
_ ارتاحى يا طنط وانا ودهبية هنشيل كل حاجة ماتقلقيش
استجابة فاطمة لرغبتها مما أثار دهشتها ودهشة أمينة أيضاً
_ خلاص يا حبيبتي اللى تشوفيه

امسكت أمينة كفها لتنهض معها نحو غرفتها بينما تشير مها لدهبية
_ تعالى ندخل الحاجة دى جوة يا دهبية علشان الضيوف اللى جايين
اسرعت دهبية وكان مهيب بالقرب ليحمل دون حديث ما أمكنه حمله واتجه للمطبخ الذى خرجت منه دهبية وتبعه جمال بلا تردد.

وقفت مها بالمطبخ وهى تتابع نقله للهدايا لتشير إليه
_هات دى هنا يا مهيب

نظر لها متعجبا وهو يطمر الحدة من نظراته؛ إنها تتعامل معه وكأن شيئاً لم يكن، هل هى تتعمد ذلك أم أنها بالفعل تشعر أن طلبه لم يكن؟
حمل الحقيبة ليضعها أمامها فوق الطاولة فتهمس متسائلة
_فطرت؟

عادت عينيه تعبر عن دهشته لما تقوم به وهو يطالعها بنظرات متسائلة لتتهرب عينيها منه وتبدأ فتح ما حمله متشاغلة عنه وهاربة من نظراته، ظل لحظات صامتاً لكنه قرر أن يتبع قلبه مجدداً ربما أرادت التأكد من مشاعره وربما هى تخفى عنه شيئاً دون تعمد لذا سيمنح نفسه بعد الوقت حتى تتضح الصورة
_ لا مافطرتش
_اجيبلك كورن فليكس؟

كان سؤالها بالنسبة لرجل مثله مضحكا لكنه وجدها فرصة لمتابعة الحوار فجلس دون دعوة ملبيا دعوتها المخفية بين الكلمات
_ هاتى اى حاجة

نظر للارتباك الذى تتحرك به ليشير لدهبية
_ شوفى جمال فين هو كمان مافطرش

تحركت دهبية دون تردد لتجد مها نفسها معه وحيدة بالمطبخ مما أدى لزيادة إرتباكها، وضعت أمامه طبقا خاويا ودون أن تتساءل أحضرت إحدى العلب وسكبت أمامه بنفس الارتباك لتتبعثر الحبات فوق الطاولة فأسرع يسحب منها العلبة
_ماتخافيش مش هأكلك

سحبت كفها الذى تلامس مع كفه دون تعامد منه أو منها
_ مابخافش منك

نظر لها يبحث بين عينيها عن اهتزاز الخوف لكنه لا يرى بالفعل سوى الخوف، تنهد وسحب عينيه بعيداً
_ المهم انك خايفة، منى أو من غيرى ماتفرقش، الخوف احساس صعب يا مها ومسيطر، صعب يكون معاه احساس تانى فى قلب واحد

دخل جمال للمطبخ ليعترض فور رؤيته طبق مهيب
_هو ده الفطار ؟

نظرت له فهى تراه يتحدث للمرة الأولى طالما كان صامتا متبعا لأخيه الغائب، أشارت له نحو الطاولة
_ تحب تاكل إيه وانا اعملهولك؟
جلس جمال بلا تكلف وعلى وجهه علامات عدم الرضا
_اى حاجة بس مش هاكل البتاع ده

ابتسم مهيب وهى تبتعد عنهما لأنه رأى الخوف بعينيها أيضا رغم وجود أخيه ودهبية، الخوف إذا ليس منه لكنه سيكتشف سببه وينزعه عنها إن فقط سمحت له ببعض القرب وإن لم تفعل سيحاول مجدداً.

........................

كان وصول هلال وأسرته الحدث الأكثر صخبا هذا الصباح فقد كان حماسه يزاحم سعادته بقسماته وعينيه وكأنه فاز للتو بأعظم ما تمنى.

استقبلهم الجميع وفى لحظات غابت أمينة عن عينيه ثم قدمت مها الفطور للجميع ليستغل هو انشغالهم عنه وتواجدهم جميعا ببعد كافى ليهاتفها فتجيبه بعد لحظات وما إن سمع صوتها تساءلت لهفته
_روحتى فين؟
_ فى اوضتى عاوز حاجة يا عم التنين؟
_ عاوز اشوفك، اطلعى اقعدى معايا
_ ماليش نفس

ابتلع كلماته لعدم توقعه هذا الرد منها لكنه فهم فورا أنها تشاكسه ليتابع
_ اطلعى وانا افتح نفسك واحتمال افتح دماغك

ضحكت ليبتلع كلماته مجدداً فتتابع بعند
_ هتشوفنى بالليل وارتاح يا لولى انا مش فى الشقة اصلا
_ يا إيه!!!
_ لولى بدلعك ، بلاش؟؟
_ اه بلاش، إيه لولى ده انت بتكلمى بنت اختك؟
_ يعنى لا تنين عاجبك ولا لولى عاجبك تصدق انك وش نكد يا هلال!
_ ايوه انا وش نكد ومن هنا لحد ما نتجوز بلاش تدلعينى ولا تنادينى باسمى احسن هيجى على دماغك فى الأخر، انا بكلمك بالأمانة يعنى

عادت تضحك لكنه قاطع ضحكاتها

_ والهانم فين بقا وخرجت امته؟
تنهدت وكأنها تشعر بإرتياح وهى بالفعل كذلك وأجابته بتساؤل يسيطر عليها فعلياً
_ بتخاف عليا يا هلال؟
_ وقعة سودة على هلال ، لا مابخافش ، رجعية، تحكم، تسلط ذكورى

وصلته ضحكاتها مجددا بينما وضع كف فوق كتفه من الخلف لينتفض وينظر لمهيب الذى تحدث بصوت مسموع له فقط
_ يا عم ماتقولها خايف وغيران متكبر على ايه جتك خيبة؟

ضاقت عينا هلال ليهرول مهيب مبتعدا ليفقد هلال فرصته فى مزيد من الوقت معها وهى تنهى المحادثة
_سلام بقا انا مش فاضية

زفر بضيق واتجه نحو اجتماعهم عازما على المغادرة لحجز غرفتين بأحد الفنادق ليجد جمال ينهى هذا الأمر بقوله الحازم
_ محدش هينزل فى فندق، الحج عرفة وجماعته هيقعدوا هنا الشقة اربع اوض وانت يا سليمان هتاخد شقة مها فوقينا علطول علشان تبقوا براحتكم ومها اصلا معانا طول الاسبوع بتبات مع أمينة بس دلوقتي البنات فوق شوية كده ونطلع الشنط

سكن صدره قليلا ليس لتدبر أمر المبيت بل لأنه علم أنها برفقة صديقاتها ولم تغادر كما زعمت، إنها تحاول إثارة غيرته وعليه أن يهنئها فقد نجحت نجاحاً باهراً بكل سهولة.

.....................

اجتمع مساء بمنزل جمال العديد من المعارف رغم أن أغلب الحضور يتعجب إعلان خطبة أمينة بعد وفاة جدتها بهذه السرعة لكن لا يملك اى منهم سوى تقبل الصورة الواقعية للقصة.

جلس هلال يراقبها رغم القرب منها وقد ساعده هدوء الإحتفال على التفرغ الكامل لهذه المراقبة، لم يثنه عنها سوى قرب والدها من حين لأخر، لقد اعد أبيها احتفالا راقيا بحق يسعده أن يكون له.

قدم لها الشبكة وهى منذ بداية الإحتفال تعيره صمتا موحشا فقد التفت صديقاتها حولها وحلن بينه وبينها حتى فى حال ابتعادهن تنشغل عنه بالتحدث مع أحد الحضور بينما لا يعرف هو أغلب الحضور لذا اكتفى بالتعارف إلى من قدمه له جمال فحسب.

اخيرا ابتعد الجميع فهذا وقت تقديم العشاء الذى كان مميزا بالنسبة للحضور فقد قدمت مها كل المخبوزات التى وصلت صباح اليوم من صنع وداد وفاطمة .
اقترب برأسه منها متعجباً شعوره بحزنها
_ أمينة انت مش فرحانة ليه؟

نظرت نحوه وعجزت عن اخفاء دهشتها
_ ليه بتقول كده؟
_ بطلى تجاوبى سؤالى بسؤال، مالك يا أمينة؟
_ كان نفسى تيتة أمينة تكون معايا، حاسة إن فرحتى ناقصة، حاسة انى أنانية اوى
_ أنانية!! لا يا أمينة انت مش أنانية ولا حاجة، انا عارف أن جواك زعلان لأن تيتة أمينة اتوفت قريب اوى، بس لا انا ولا انت اللى حطينا فترة الحداد ده ربنا سبحانه وتعالى، وربنا بيقولنا كملوا انتو امتداد ليهم بلاش الحزن يوقف حياتنا لأنه مهما طال هيعدى والحياة هتستمر، إحنا يا أمينة لو هنوقف حزننا على اللى راحوا قدام كل فرحة فى حياتنا عمرنا ما هنفرح، ربك مقلب القلوب وهو اللى بيقوى قلوبنا على الفراق.

تسرى كلماته كالعادة كترياق يصيب قلب الداء فيخفف من أعراضه وألمه فوراً، لقد أخبرها أبيها نفس الكلمات لكنه يستخدم أسلوباً يصل لقلبها أو قلبها يفتح أبوابه مرحباً بكلماته هو، ساد بينهما صمت مع تعلق اعينهما ليشعر أن عينيها تجذبانه نحوها وتسلب إرادته فى الرفض وهو مستسلم لهذا القرب مع تلك النظرة بعينيها.

تنهد وهو يهز رأسه نافضا سيطرة مشاعره وهو يخرج من جيبه مكعب أزرق اللون
_ دى نقطة شبكتك يا أمينة، انا حلفت بضحكتك أقدم لك نقطة مفيش عروسة فى البلد اخدتها.

إلتقى حاجبيها بدهشة لتذكره ما نسته تماماً وهى تتناول العلبة منه لتفتحها فتجد داخلها عقدا ذهبياً يحمل طوقه عملات ذهبية فئة ربع جنيه ذهبى لتبتسم وهى تنظر نحوه متسائلة
_ مش أصلى صح؟

اعتلت الدهشة ملامحه لهذا التشكك الواضح فى قيمتها بقلبه
_لا أصلى طبعاً
_ كل دى فلوس دهب بجد؟
_ ماتغلاش عليكى
_من اين لك هذا؟ هلال اوعى تكون بتتاجر فى المخدرات من ورايا
_ تحويشة كام سنة يا ست قلبى

نبرة صوته أكدت لها أنه يقدمه بكل الود خاصة مع انتظاره لحظة انفراد بينهما ليقدمه لها، يبدو أن هذا الود سيكون له سلاحاً فتاكا لمقاومتها. ذلك اللقب الذى لقبها به للتو أصاب قلبها بجنون تثق أنه أعلن عن نفسه فوق صفحة وجهها لتنزع نظراتها بعيدا وهى تهرب منه ثم أغلقت العلبة ووضعتها بجوارها دون أن تفلتها
_هخليه هدية لولادنا واحفادنا

زاد قربا ليهمس بأسف
_مش ملاحظة انك وحيدة وانا وحيد؟
نظرت له بتوجس
_ ايوه فيها إيه؟
_ انا عاوز عزوة، هنخلف عشر ولاد ولا اقولك اتناشر

تراجعت تنظر له وهى تكتم ضحكتها
_ اه طبعا عن اذنك الحق ابلغ حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل قبل الموضوع ما يكبر ونخلف خمستاشر

نهضت تبتعد عنه وهى تحتفظ بهديته لينهض لاحقا بها
_ استنى بس هنتفاهم، خلاص بلاش اتناشر علشان خاطر صحتك كفاية حداشر

نظر مهيب فى أثر ابنة عمه مبتسماً ثم اتجه نحو طاولة الطعام حيث تساعد مها الجميع بمودة ورحابة، وقف بالقرب منها هامسا
_ عقبالك

امتعضت ملامحها وعاد الارتباك يغزو كفيها وهو يراقبها متفحصا لعله يكتشف سبب مخاوفها التى تخفيها
_ انا مابفكرش فى الجواز، عقبالك انت.

ابتسم دون أن تفهم سبب ذلك
_انا بفكر فى الجواز فعلا وانت عارفة

دارت تواجهه بحدة غير منطقية دون أن ترتفع نبرة صوتها
_مهيب ممكن تبطل تضغط على اعصابى، انا جواز مابتجوزش، عاوز حاجة تانى؟
_ عاوز اعرف خايفة من إيه؟
_ مش خايفة ومش عاوزة اتجوز، انا حرة يا اخى انت شريكى
_ لا، بس هبقى شريكك وافتكرى كلامى.

نظرت له بتحدى بادلها إياه مستغلاً انشغال الحضور قبل أن يشير لها
_ عاوز جاتوه شيكولاتة

بهتت ملامحها لهذا التبدل الذى يزيد من ضغطه على عقلها لتدور مجددا وبدلا من منحه ما طلبه قدمت له صحنا خاويا
_ هات لنفسك.

...............

انتهى الاحتفال بعد تقديم العشاء بساعة واحدة وغادر الحضور جميعا لتكن الجلسة أكثر دفئا، بعد نصف ساعة تقريباً نهض عرفة معتذرا
_معلش يا جماعة ننام إحنا علشان هنسافر بدرى
تساءل جمال الذى يتمنى تأخير ما يحيط به علما ولا يملك تغيره
_ ليه تسافروا بكرة اقعدوا يومين!
_ انت عارف يا جمال امى فى الدار وحديها مابتخرجش من اوضتها.
_ انتو جايين فى عربية واحدة؟
_ لا يا عمى ابويا مابيحبش يركب معايا بيقول عليا متهور

ضحك جمال فهو أيضا يرفض أن تقود أمينة السيارة، اتجه عرفة و وداد إلى الغرفة التى جهزت لهما بينما استأذن سليمان أيضا ليصحبهم جمال بنفسه للدور العلوى حيث شقة مها التى اودع فيها مهيب حقائبهم مسبقاً.
أشارت مها إلى دهبية التى تقف بالقرب دائما تنتظر اوامرهم
_دهبية تعالى نشيل باقى الاكل ده

لتجد أمينة نفسها وحيدة معه ليسرع هو مستغلا فرصته وينتقل لجوارها فورا بحماس شديد
_ تعرفى انا دلوقتي نفسى فى ايه؟
_ايه!
_لا بلاش احسن تزعلى

تحركت عينيها كبندول الساعة يمينا و يساراً
_ ازعل ليه؟ اوعى تكون عاوز حاجة قليلة الأدب؟

انفجرت ضحكاته وهو يهز رأسه أسفا لهذا الجنون الذى سيشتاقه بشدة
_لا مش عاوز حاجة قليلة الأدب يا خوافة، انا نفسى الوقت يقف وافضل شايفك قدامى مع أن صورتك منقوشة جوايا بس عاوزك تفضلى جمبى، قربك بيطمنى، بيقوينى، قربك بقا اجمل حاجة ممكن تحصل لى.

ضيقت عينيها وهى تراه يردد ما فكرت فيه صباح اليوم لكنها لم تسمح لفيض مشاعره بالسيطرة فى لحظة تعجز عن مبادلته فيها
_ إيه ده انت طلعت بتقول كلام رومانسي اهو! مع أن شكلك يخوفوا بيه العيال

عاد للضحك رغم علمه أنها تراوغ لكنه يقبل هذه المراوغة التى ستطوق لهفته فإتباعها الأن سيصل لفضيحة علنية.

.................

كان الصباح التالى هادئا لا يعكره سوى بعض العبوس الذى لازم مها ومهيب وكان هذا منطقى من وجهة نظر هلال أما عبوس وجه جمال وشروده بهذا الصباح هو ما أثار مخاوفه.

بعد تقديم الفطور مباشرة غادر عرفة وزوجته بينما ظل هلال لساعة إضافية مرت سريعاً دون أن يحظى ببعض الوقت معها ليكتفى بهذا الوداع أمام الجميع.

جلسوا بعد مغادرة هلال بصمت مريب ليتساءل سليمان متعجبا تغير أحوال اخيه
_ مالك يا جمال شكلك مهموم ليه؟
رأى سليمان أن أخيه بالفعل يحمل هما كبيراً حين رفع إليه عينيه متجاوزا سؤاله
_ سليمان اوعدنى لو جرى لى حاجة تتمم جواز أمينة وهلال وماتغصبهاش على اى حاجة

انقبضت قلوب الجميع مع نهرة من امينة خلت من الحدة وتلحفت باللهفة
_ بعد الشر عليك يا بابا، ليه بتقول كده؟
_ قلبى مش مطمن عليكى يا أمينة، انا لو عليا كنت كتبت كتابك امبارح قبل النهاردة
_ لا ده الموضوع كبير، فى إيه يا جمال؟ مالك يا اخويا فك عن نفسك!

يخشى جمال بالفعل وجود ابن أخيه الذى يحمل إسمه، لم يعد يأمن لأى ممن له صلة بأبيه وذاك المتعجرف الذى يشبهه وهو يرى هذا الفتى ليس إلا ظلا لهما وتابعا مخلصاً كذلك.
فضل الصمت عن ذكر أسبابه وظهر مزيد من الضيق فوق ملامحه
_ اوعدنى يا سليمان وخلاص
_ اوعدك يا جمال، أمينة نور عنيا وعمرى ما اغصب عليها حاجة وربنا يطول فى عمرك وتشيل ولادها وولاد ولادها كمان.

أومأ جمال وعاد الصمت لا يخترقه سوى النظرات المتسائلة العاجزة عن النطق.

...............

انطلق هلال يقود سيارته على الطريق الذى يحفظه، غادر القاهرة ليخف التزاحم وتبدأ رائحة الحقول تتخلل أنفاسه، قلل من سرعة السيارة ليتوقف جانباً مع إشارة ضابط الشرطة رغم تعجبه لعدم وجود نقطة تفتيشية بهذا الموقع.

تحرك الضابط نحو سيارته
_ الرخص، فتش العربية يابنى.. افتح الكبوت والشنطة.

استجاب هلال بلا تردد وسمح لهم بتفتيش سيارته وهو يظن أنها إجراءات أمنية معتادة على الطرق السريعة لذا انتظر انتهاءهم لكن أشار له الضابط
_ انزلى هنا
ترجل عن السيارة يتبعه ليشير الضابط لحقيبته
_ شنطتك دى؟
_ ايوه شنطتى
_ افتحها

اقترب هلال يفتح الحقيبة ليبدأ الجندى تفتيشها وفى لحظات أخرج كيسا يحوى مسحوقا ابيض شديد النعومة
_ الشنطة فيها بودرة يافندم

انتفض هلال وهو يلتفت بفزع مع اقتراب الضابط من الحقيبة ليدس يده داخلها ويخرج كيسا أخر ثم ينظر نحوه متهكما
_ حلو اوى، كده المرجيحة يا حلو، هاتوه على البوكس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي