الفصل الرابع عشر
نظرت مها لمهيب بحدة مستنكرة ما طلبه للتو ليتعجب هو هذه الحدة لكنها لم تمنحه وقت لعرض تلك التساؤلات التى تبدو بعينيه وهى تقول: يا سلام!! انت بتستهبل يا مهيب صح؟
كاد أن يتساءل لتتابع بوأد كلماته بين شفتيه: هو فى راجل متجوز بيفسح مراته أصلا؟
ضرب جبهته بحدة هامسا: يخرب بيت الجنان اللى انا وقعت فيه
حثته لرفع صوته: بتقول ايه سمعنى!
أشار لها نحو باب السيارة: بقول عمى طلع نتكلم بعدين
اتجهت لتستقر خلف المقود مع اقتراب أمينة التى جلست بجوارها وجلست دهبية فى الخلف ليتجه مهيب إلى سيارة عمه ويرافقه.
مدة قصيرة جدا من القيادة وكانت سيارة جمال تتوقف حسب ارشادات مهيب أمام منزل يبدو أكثر عصرية بمراحل من بيت جدها رغم أنه من المفترض بناءهما فى توقيت متقارب . ترجل الجميع ليتقدم مهيب مخترقا البوابة الرئيسية نحو البناء الفعلى للمنزل. تلفتت أمينة حولها تطالع أشجار الفاكهة المتنوعة التى جمعتها حديقة المنزل رغم صغر مساحتها.
امسكت مها ساعدها وتساءلت: هو انت هتجوزى فى البيت ده يا أمينة.
انتبهت أمينة أنها لم تتفق مع هلال على أية تفاصيل تخص زواجهما لقد وضع خاتمه مطوقا بنصرها دون أي تفاصيل، دارت أناملها فوق خاتمه تديره برقة قبل أن تجيب: لسه ماحددناش.
خطوات قليلة تفصلهم عن باب المنزل لكنهم لم يقطعوها وكان الباب يفتح على مصرعيه وهلال يقف مبتسماً مرحباً وسرعان ما تحرك نحوهم: اهلا وسهلا. نورت البيت يا عمى
صافحه جمال بود بينما اكتفى مهيب بإشارة من كفه ليتجه نحوها بلهفة ظاهرة: نورت البيت يا أمينة
بشاشته الواضحة أسرت بعضا من البشاشة لملامحها لكنها لم تعد المرح المعتاد بروحها فتكتفى بهز رأسها والسير صامتة ليرحب بصديقتها .
دخلوا جميعا للمنزل حيث كان عرفة ينتظر للترحيب بهم تصحبه وداد التى ساد الود بصوتها وهى تضم أمينة التى استكانت لدفء ضمتها.
أشار لهم عرفة: اتفضل يا جمال، اقعدوا يا بنات
جلس جمال بينما قالت أمينة: معلش هتعرف على تيتة نعمة علشان نمشى
أشار لها هلال : اتفضلى يا أمينة أصل ستى مابتخرجش من اوضتها.
أعلنت التفهم بإيمائة خفيفة وهى تتبعه ليقول مهيب: وانا هستنى فى الجنينة يا عمى.
اسرعت مها تقف أيضا وهى تقول: خدنى معاك يا مهيب.
شعر مهيب بلمحة من أمل فى محاولة أخرى يحصل فيها على موافقة مؤكدة منها فيحظى قلبه ببعض السكينة التى يصبو إليها لذا أشار لها لتتقدم ويتبعها نحو الحديقة بصمت
.....
طرق هلال الباب ليأتيه صوت نعمة: تعالى يا هلال
تقدم وهو يقدمها على نفسه بينما تنظر هى نحو تلك المرأة التى تجلس فوق أريكة لتتذكر فورا جدتها أمينة، رأت نعمة التى ذبل الجمال فوق قسماتها معلنا التضامن معها فى حداد طال لسنوات لم تنته وكانت بالقرب منها تجلس جليلة بنفس الصمت الذى كانت به بجوار جدتها.
تقدمت خطوتين لتتساءل نعمة: مين معاك يا هلال؟
وقبل أن يجيب تحدثت: انا أمينة يا تيتة.
تهللت ملامح نعمة ببشر واضح وهى تشير بكفيها معا تدعوها للاقتراب: تعالى يا أمينة
اقتربت أمينة بود لتغمرها نعمة بموجة من الحب الذى فقدته مرتين مرة بفقدان جدتها لأمها ومرة بفقدان جدتها لأبيها .
ابتسم هلال لهذا المشهد الذى سرى تأثيره بصدره مباشرة كان يعلم أن جدته ستسعد بهذه الزيارة كثيرا ربما تماثله سعادة.
*****
سارت مها بجوار مهيب تتشاغل بالهاتف لكنه جلس لتتابع سيرها دون أن تنتبه ليضرب كفيه محاولا لفت انتباهها: انت يا أخت
نظرت خلفها بدهشة: وانا بقول الهوا ده جاى منين!
قطب جبينه بغير فهم: هوا!!
اقتربت منه وهى تتابع: ما انت زى الحيطة بتحوش الهوا
ارتفع حاجبيه مع اتساع حدقتيه لتوضح فوراً: ده مدح علفكرة.
لم تختلف ملامحه ولم تهجره الدهشة وردد بنفس الصدمة: مدح!! انت يا بنتى مجنونة؟
تخصرت وهى تضرب الأرض عقاباً على خطأه هو: انا مش مجنونة.. وانا اقصد انك زى الحيطة الواحد يتحامى فيك من الهوا. انت اللى غبى مابتفهمش.
دارت على عقبيها تبتعد عنه ليلحق بها: استنى بس بالراحة شوية. ما هو يا مها لازم نراعى أن كل واحد فينا ليه عقل غير التانى لما واحد فينا مايفهمش التانى يفهمه.
زادت من سرعة خطواتها بنفور: ليه يعنى مش لازم نفهم بعض عادى؟
تجاوزها بسهولة ليقف أمامها: مش قولنا هتجوزك علشان افسحك؟
أشارت لصدره: انت قولت لوحدك انا ماقولتش.
عقد ذراعيه: طب ما تقولى !
نظرت أرضاً لحظة ثم رفعت عينيها تشير لصدره مجددا: انت ازاى تفكر تتجوز وتيتة أمينة لسه متوفية من كام يوم؟ صحيح كل الرجالة معدومين الوفاء .
نظر لها بدهشة وهى تتجاوزه مجددا . تبدلت ملامحه وسكنت خيبة الأمل بين اهدابه، هذا النفور الذى تبديه ليس رفضاً فقط بل ربما سبق أحدهم وفاز بقلبها دونه. دار على عقبيه يسير فى الاتجاه المعاكس وهو يحاول إسكات الألم الذى تتصاعد وتيرته والذى اغفله عن الكثير من التفاصيل التى تغير رؤيته كاملة.
*****
جلست أمينة بجوار نعمة بينما جلس هلال أمامها لتدخل وداد من الباب تنثر الود : يا مرحب بعروسة ابنى، أما لو الظروف غير الظروف ماكنتش سبتك تمشى ابدا بالساهل كده
تساءلت نعمة: جهزتى اللى قولت لك عليه يا وداد؟
وضعت وداد اكواب العصير لتلتقط أحدهم وتمسك كف نعمة تضعه به: ايوه يا أما البنات شغالين ونص ساعة تكون كل حاجة جاهزة.
رفعت وداد كوبا اخر وتوجهت لجليلة: اتفضلى يا خالة.
تلفتت جليلة حولها وكأنها تستنكر أن تقدم لها سيدة المنزل بنفسها الكوب لتلتقطه فتقول أمينة: خالة جليلة جهزى نفسك هتسافرى معانا مصر بعد شوية
عادت جليلة تتلفت حولها لتقاطع نعمة: لا يا بنتى، خلى جليلة معايا من ريحة أمينة وماتخافيش عليها
نظرت أمينة نحو هلال الذى رفع كتفيه يخبرها بعدم علمه بما يجرى لتتابع نعمة: لما ربنا يكرمك وتتجوزى الواد ده هبقى احكى لك كل حاجة، اصل حكاوى عمرنا كتير اوى عاوزة ايام تتحكى ويمكن عمرنا يخلص ومانلحقش نحكيها. الله يرحمها أمينة ويرحم امواتنا .
ساد الصمت بعد حديث نعمة التى تحدثت مجدداً: قولى لى بقا يا أمينة هتجوزى الواد ده امته وتخلصينا من رزالته؟
استنكر هلال بينما ابتسمت أمينة: انا رزل يا ستى؟
أشاحت نعمة بكفها: عمال يطول لما بقى شبه القطن طويل التيلة اللى كان جده بيزرعه
عاد يقاطعها : انت مش بتقولى انى شبه جدى؟
عادت تشيح بكفها: ده انا بجبر خاطرك وخلاص.
ضحكت أمينة: خلاص يا تيتة احسن بعد شوية هيطلع نار من بؤه .
ضحكن جميعاً ليستقيم واقفاً: بقى انتو هتعملونى سلاوة القعدة. انا ماشى
وقبل أن يتحرك إلتقط كف أمينة وسحبها بقوة كادت تسقطها عن المقعد لتشهق وداد بينما يتحدث ببساطة: هاخد بقيتى معايا.
اعجزتها المفاجأة عن النطق وهى تتلفت حولها بدهشة ، عن أى بقية يتحدث؟ هى!!
حاولت سحب كفها منه لكنه تجاوز الباب بالفعل لتنهره: هلال انت بتعمل ايه؟
نظر لها وكأنه لم يقم بما يصدم الجميع: بعمل ايه؟ رايح اشوف الفرسة بتاعتى ماشوفتهاش من امبارح تعالى افرجك على المهرة اللى جابتها.
نجح فى تشتيت تفكيرها مجدداً وهى تشعر بحماس لرؤية هذا الحيوان الصغير المبهر الذى لم تره مسبقاً إلا متعرضا للإهانة ومرغما على العمل الشاق، سارعت خطواتها لتسير بمحاذاته فيتابع: تعرفى المهرة اسمها إيه؟
قفز الحماس من عينيها ليتابع: مونى
إلتقى حاجبيها بتركيز وعقلها يستنكر الفكرة، هل سمى مهرته الصغيرة بإسم الدلال الخاص بها؟
لابد أنها مصادفة لقد تعارفا قريبا رغم ما يحيطها به من دفء لكن أنى له معرفة اسم لا يعرفه أهلها!!!
****
قدمت الفتاة القهوة لجمال وعرفة الذى قال: طبعا يا جمال انا عارف الأصول وفاهم أننا لازم نستنى سنة على الأقل قبل ما نحدد معاد فرح الولاد بس على الأقل أمينة تاخد شبكتها وهى مسافرة.
تحدث جمال بشرود لا يغفله عرفة: لا سنة ولا حاجة يا عرفة لما يجهزوا هنحدد الفرح ، امى الله يرحمها عمرها ما كانت ترضا بكده، وشرع ربنا الحداد تلت أيام علشان الحياة تستمر، الدنيا مش بتقف مع موت الغوالى يا عرفة.
أومأ عرفة بشرود مشابه: والله معاك حق يا جمال. الناس اللى بتقيد نفسها وتزود فى الحزن مع أن القلوب مكتفية.
التقط جمال فنجان قهوته وعقله يدور حول أبيه، ترى كيف سيكون رد فعله إن علم بما اتفقا عليه للتو؟
بالطبع سيغضب ويثور لكنه لن يفعل ذلك إكراماً لزوجته الراحلة كما سيدعى، لكن سيفعله لأجل العادات التى يقيد نفسه بها ويريد أن يقيد الجميع كذلك.
انتبه على مرور هلال وأمينة التى ظهر الحماس فوق قسماتها ليبتسم فتحدثه: بابا هتفرج على الفرسة والمهرة الصغيرة .
أومأ لها مبتسما لقد تمكن هلال من مسح القليل من لمحات الحزن عن ملامحها وهذا يخبره أن هذا الشاب عما قريب سيكن له مكانة كبيرة بحياة ابنته، وكان هذا كل ما يرجوه . لم يرد أن يتركها وحيدة فى الحياة بعد أن اقتنص الموت الأحبة واحد يلو الآخر ، عاد بها للقرية بحثا لها عن سند. عن درع.. عن حماية.. عن عناية.. ويبدو أن هلال سيوفر لها كل هذا .
*****
غادرا المنزل وكان مهيب يجلس بقرب الباب واجما لتتعجب: ماله مهيب؟
نظر له هلال ليرى خيبة الأمل فيجذبها بعيد عنه: سبيه دلوقتى.
شعرت أنه يتحكم فيها لكنه سارع بتشتيت أفكارها مجدداً: اوعى تتغرى باللى انت شيفاه ده! وتفكرى نفسك هتتجوزى واحد من الأعيان؟
ابتسمت مرغمة ليتابع: انا بشتغل مع أبويا وباخد مرتب زى كل الخلق انا غلبان يعنى.
ضحكت أمينة: يا حرااام
توقفت خطواته لتنظر له متعجبة: وقفت ليه؟
تنهد واشاح وجهه عنها ثم فرك وجهه بعشوائية: استغفر الله العظيم. امشى يا أمينة
تخصرت بسوقية: هو انا اللى وقفت؟ انت يا عم عندك حاجة فى عقلك؟
جمع سبابته وابهامه أمام عينيها ليظهر مقدار صغر ما يعانيه: عندى حاجة صغيرة مش باينة من الأرض.. اسمها أمينة
تحرك مجدداً لتتبعه: إيه ده استنى هنا.. هى مين اللي صغيرة؟
نظر لها من فوق كتفه دون أن يتوقف: ماتزعليش قصيرة.
تابعت متابعته : انا مش قصيرة انا مية خمسة وستين سنتيمتر
ضحك وتابع مشاغبتها: بردو قصيرة
احتقن وجهها غيظا: ما كانوش عشرة سنتى هتتمنظر بيهم
وقف فجأة فكادت تصطدم به ليقول: انا مية خمسة وتمانين يعنى عشرين مش عشرة. انا أطول منك واكبر منك لو مش هتحترمى فارق السن احترمى فارق الطول.. يا اوزعة
شهقت وكأنه رماها بوصمة عار بينما دار على عقبيه وتابع تقدمه وهو يخفى ابتسامته عنها لتمكنه من إخراجها من هالة الحزن وإعادة جزء من روحها المشاغبة بينما لحقت به: انا طبيعية على فكرة انت اللى شبة التنين .
وقف أمام الاسطبل لتصهل الفرسة الدهماء التى دهشت أمينة لرؤية لونها شديد السواد واللمعان أيضاً لتقترب ببطء وهلال يرفع كفه يمسد جبهة الفرسة التى قربت رأسها لتضرب رأسه برفق ليضحك بقوة . إلتفت ينظر لأمينة المنبهرة بما ترى لتتهكم: عندك فرسة زى دى وبتقول انك غلبان؟ ده إحنا اللي غلابة يا أباااا
ضحك هلال : ده حسد ولا إيه؟
أجابت بلا تفكير : لا حسد إيه ده حقد اسود
انفجر هلال ضاحكا فها هي أمينة التى يتراقص قلبه طربا مع الأحرف التى تغادر شفتيها . أشار لها: طب تعالى اتعرفى على سمرة
اقتربت ببطء بينما الفرسة تراقبها بترقب لترفع كفها فتنفر الفرسة منها ليحثها هلال: ماتخافيش يا سمرة . دى أمينة ، مونى اللى بنتك متسمية على إسمها.
نظرت له بدهشة: انت عرفت الاسم ده منين؟
ابتسم ورفع رأسه مناديا: مونى تعالى
أطلق صفيرا لتقترب تلك الهالة من الجمال البرى لتتسع عينا أمينة وتنسى تساؤلها وعينيها تقسم أنها لم تر اروع من سمرة يوماً سوى هذه المهرة الشهباء.
فتحت ذراعيها رغم وجود الباب بينهما كأنها ام تستقبل صغيرها مع اقتراب المهرة : هو انت بتعمل ايه بالخيل؟ غاوى فروسية ولا بتربى سلالة؟ اوعى تقول انك بتشغل المخلوقات الجميلة دى؟
أمسك كفها ليمسد به رأس سمرة التى بدأت تستكين لتلك اللمسة : بشغلهم بس مش الشغل اللى فى بالك، سمرة بتشتغل فى فرقة زفة ومايقدرش على مهرها غير الأعيان.. مابتطلعش لأى حد يعنى يا غالى على قلبى يا يقدر يدفع قيمتها.
عادت عينيها تتعلق بالفرسة متعجبة، وهل يمكن لأحدهم تقدير قيمة هذه الروعة التى صورت بقدرة الله.
كاد أن يتساءل لتتابع بوأد كلماته بين شفتيه: هو فى راجل متجوز بيفسح مراته أصلا؟
ضرب جبهته بحدة هامسا: يخرب بيت الجنان اللى انا وقعت فيه
حثته لرفع صوته: بتقول ايه سمعنى!
أشار لها نحو باب السيارة: بقول عمى طلع نتكلم بعدين
اتجهت لتستقر خلف المقود مع اقتراب أمينة التى جلست بجوارها وجلست دهبية فى الخلف ليتجه مهيب إلى سيارة عمه ويرافقه.
مدة قصيرة جدا من القيادة وكانت سيارة جمال تتوقف حسب ارشادات مهيب أمام منزل يبدو أكثر عصرية بمراحل من بيت جدها رغم أنه من المفترض بناءهما فى توقيت متقارب . ترجل الجميع ليتقدم مهيب مخترقا البوابة الرئيسية نحو البناء الفعلى للمنزل. تلفتت أمينة حولها تطالع أشجار الفاكهة المتنوعة التى جمعتها حديقة المنزل رغم صغر مساحتها.
امسكت مها ساعدها وتساءلت: هو انت هتجوزى فى البيت ده يا أمينة.
انتبهت أمينة أنها لم تتفق مع هلال على أية تفاصيل تخص زواجهما لقد وضع خاتمه مطوقا بنصرها دون أي تفاصيل، دارت أناملها فوق خاتمه تديره برقة قبل أن تجيب: لسه ماحددناش.
خطوات قليلة تفصلهم عن باب المنزل لكنهم لم يقطعوها وكان الباب يفتح على مصرعيه وهلال يقف مبتسماً مرحباً وسرعان ما تحرك نحوهم: اهلا وسهلا. نورت البيت يا عمى
صافحه جمال بود بينما اكتفى مهيب بإشارة من كفه ليتجه نحوها بلهفة ظاهرة: نورت البيت يا أمينة
بشاشته الواضحة أسرت بعضا من البشاشة لملامحها لكنها لم تعد المرح المعتاد بروحها فتكتفى بهز رأسها والسير صامتة ليرحب بصديقتها .
دخلوا جميعا للمنزل حيث كان عرفة ينتظر للترحيب بهم تصحبه وداد التى ساد الود بصوتها وهى تضم أمينة التى استكانت لدفء ضمتها.
أشار لهم عرفة: اتفضل يا جمال، اقعدوا يا بنات
جلس جمال بينما قالت أمينة: معلش هتعرف على تيتة نعمة علشان نمشى
أشار لها هلال : اتفضلى يا أمينة أصل ستى مابتخرجش من اوضتها.
أعلنت التفهم بإيمائة خفيفة وهى تتبعه ليقول مهيب: وانا هستنى فى الجنينة يا عمى.
اسرعت مها تقف أيضا وهى تقول: خدنى معاك يا مهيب.
شعر مهيب بلمحة من أمل فى محاولة أخرى يحصل فيها على موافقة مؤكدة منها فيحظى قلبه ببعض السكينة التى يصبو إليها لذا أشار لها لتتقدم ويتبعها نحو الحديقة بصمت
.....
طرق هلال الباب ليأتيه صوت نعمة: تعالى يا هلال
تقدم وهو يقدمها على نفسه بينما تنظر هى نحو تلك المرأة التى تجلس فوق أريكة لتتذكر فورا جدتها أمينة، رأت نعمة التى ذبل الجمال فوق قسماتها معلنا التضامن معها فى حداد طال لسنوات لم تنته وكانت بالقرب منها تجلس جليلة بنفس الصمت الذى كانت به بجوار جدتها.
تقدمت خطوتين لتتساءل نعمة: مين معاك يا هلال؟
وقبل أن يجيب تحدثت: انا أمينة يا تيتة.
تهللت ملامح نعمة ببشر واضح وهى تشير بكفيها معا تدعوها للاقتراب: تعالى يا أمينة
اقتربت أمينة بود لتغمرها نعمة بموجة من الحب الذى فقدته مرتين مرة بفقدان جدتها لأمها ومرة بفقدان جدتها لأبيها .
ابتسم هلال لهذا المشهد الذى سرى تأثيره بصدره مباشرة كان يعلم أن جدته ستسعد بهذه الزيارة كثيرا ربما تماثله سعادة.
*****
سارت مها بجوار مهيب تتشاغل بالهاتف لكنه جلس لتتابع سيرها دون أن تنتبه ليضرب كفيه محاولا لفت انتباهها: انت يا أخت
نظرت خلفها بدهشة: وانا بقول الهوا ده جاى منين!
قطب جبينه بغير فهم: هوا!!
اقتربت منه وهى تتابع: ما انت زى الحيطة بتحوش الهوا
ارتفع حاجبيه مع اتساع حدقتيه لتوضح فوراً: ده مدح علفكرة.
لم تختلف ملامحه ولم تهجره الدهشة وردد بنفس الصدمة: مدح!! انت يا بنتى مجنونة؟
تخصرت وهى تضرب الأرض عقاباً على خطأه هو: انا مش مجنونة.. وانا اقصد انك زى الحيطة الواحد يتحامى فيك من الهوا. انت اللى غبى مابتفهمش.
دارت على عقبيها تبتعد عنه ليلحق بها: استنى بس بالراحة شوية. ما هو يا مها لازم نراعى أن كل واحد فينا ليه عقل غير التانى لما واحد فينا مايفهمش التانى يفهمه.
زادت من سرعة خطواتها بنفور: ليه يعنى مش لازم نفهم بعض عادى؟
تجاوزها بسهولة ليقف أمامها: مش قولنا هتجوزك علشان افسحك؟
أشارت لصدره: انت قولت لوحدك انا ماقولتش.
عقد ذراعيه: طب ما تقولى !
نظرت أرضاً لحظة ثم رفعت عينيها تشير لصدره مجددا: انت ازاى تفكر تتجوز وتيتة أمينة لسه متوفية من كام يوم؟ صحيح كل الرجالة معدومين الوفاء .
نظر لها بدهشة وهى تتجاوزه مجددا . تبدلت ملامحه وسكنت خيبة الأمل بين اهدابه، هذا النفور الذى تبديه ليس رفضاً فقط بل ربما سبق أحدهم وفاز بقلبها دونه. دار على عقبيه يسير فى الاتجاه المعاكس وهو يحاول إسكات الألم الذى تتصاعد وتيرته والذى اغفله عن الكثير من التفاصيل التى تغير رؤيته كاملة.
*****
جلست أمينة بجوار نعمة بينما جلس هلال أمامها لتدخل وداد من الباب تنثر الود : يا مرحب بعروسة ابنى، أما لو الظروف غير الظروف ماكنتش سبتك تمشى ابدا بالساهل كده
تساءلت نعمة: جهزتى اللى قولت لك عليه يا وداد؟
وضعت وداد اكواب العصير لتلتقط أحدهم وتمسك كف نعمة تضعه به: ايوه يا أما البنات شغالين ونص ساعة تكون كل حاجة جاهزة.
رفعت وداد كوبا اخر وتوجهت لجليلة: اتفضلى يا خالة.
تلفتت جليلة حولها وكأنها تستنكر أن تقدم لها سيدة المنزل بنفسها الكوب لتلتقطه فتقول أمينة: خالة جليلة جهزى نفسك هتسافرى معانا مصر بعد شوية
عادت جليلة تتلفت حولها لتقاطع نعمة: لا يا بنتى، خلى جليلة معايا من ريحة أمينة وماتخافيش عليها
نظرت أمينة نحو هلال الذى رفع كتفيه يخبرها بعدم علمه بما يجرى لتتابع نعمة: لما ربنا يكرمك وتتجوزى الواد ده هبقى احكى لك كل حاجة، اصل حكاوى عمرنا كتير اوى عاوزة ايام تتحكى ويمكن عمرنا يخلص ومانلحقش نحكيها. الله يرحمها أمينة ويرحم امواتنا .
ساد الصمت بعد حديث نعمة التى تحدثت مجدداً: قولى لى بقا يا أمينة هتجوزى الواد ده امته وتخلصينا من رزالته؟
استنكر هلال بينما ابتسمت أمينة: انا رزل يا ستى؟
أشاحت نعمة بكفها: عمال يطول لما بقى شبه القطن طويل التيلة اللى كان جده بيزرعه
عاد يقاطعها : انت مش بتقولى انى شبه جدى؟
عادت تشيح بكفها: ده انا بجبر خاطرك وخلاص.
ضحكت أمينة: خلاص يا تيتة احسن بعد شوية هيطلع نار من بؤه .
ضحكن جميعاً ليستقيم واقفاً: بقى انتو هتعملونى سلاوة القعدة. انا ماشى
وقبل أن يتحرك إلتقط كف أمينة وسحبها بقوة كادت تسقطها عن المقعد لتشهق وداد بينما يتحدث ببساطة: هاخد بقيتى معايا.
اعجزتها المفاجأة عن النطق وهى تتلفت حولها بدهشة ، عن أى بقية يتحدث؟ هى!!
حاولت سحب كفها منه لكنه تجاوز الباب بالفعل لتنهره: هلال انت بتعمل ايه؟
نظر لها وكأنه لم يقم بما يصدم الجميع: بعمل ايه؟ رايح اشوف الفرسة بتاعتى ماشوفتهاش من امبارح تعالى افرجك على المهرة اللى جابتها.
نجح فى تشتيت تفكيرها مجدداً وهى تشعر بحماس لرؤية هذا الحيوان الصغير المبهر الذى لم تره مسبقاً إلا متعرضا للإهانة ومرغما على العمل الشاق، سارعت خطواتها لتسير بمحاذاته فيتابع: تعرفى المهرة اسمها إيه؟
قفز الحماس من عينيها ليتابع: مونى
إلتقى حاجبيها بتركيز وعقلها يستنكر الفكرة، هل سمى مهرته الصغيرة بإسم الدلال الخاص بها؟
لابد أنها مصادفة لقد تعارفا قريبا رغم ما يحيطها به من دفء لكن أنى له معرفة اسم لا يعرفه أهلها!!!
****
قدمت الفتاة القهوة لجمال وعرفة الذى قال: طبعا يا جمال انا عارف الأصول وفاهم أننا لازم نستنى سنة على الأقل قبل ما نحدد معاد فرح الولاد بس على الأقل أمينة تاخد شبكتها وهى مسافرة.
تحدث جمال بشرود لا يغفله عرفة: لا سنة ولا حاجة يا عرفة لما يجهزوا هنحدد الفرح ، امى الله يرحمها عمرها ما كانت ترضا بكده، وشرع ربنا الحداد تلت أيام علشان الحياة تستمر، الدنيا مش بتقف مع موت الغوالى يا عرفة.
أومأ عرفة بشرود مشابه: والله معاك حق يا جمال. الناس اللى بتقيد نفسها وتزود فى الحزن مع أن القلوب مكتفية.
التقط جمال فنجان قهوته وعقله يدور حول أبيه، ترى كيف سيكون رد فعله إن علم بما اتفقا عليه للتو؟
بالطبع سيغضب ويثور لكنه لن يفعل ذلك إكراماً لزوجته الراحلة كما سيدعى، لكن سيفعله لأجل العادات التى يقيد نفسه بها ويريد أن يقيد الجميع كذلك.
انتبه على مرور هلال وأمينة التى ظهر الحماس فوق قسماتها ليبتسم فتحدثه: بابا هتفرج على الفرسة والمهرة الصغيرة .
أومأ لها مبتسما لقد تمكن هلال من مسح القليل من لمحات الحزن عن ملامحها وهذا يخبره أن هذا الشاب عما قريب سيكن له مكانة كبيرة بحياة ابنته، وكان هذا كل ما يرجوه . لم يرد أن يتركها وحيدة فى الحياة بعد أن اقتنص الموت الأحبة واحد يلو الآخر ، عاد بها للقرية بحثا لها عن سند. عن درع.. عن حماية.. عن عناية.. ويبدو أن هلال سيوفر لها كل هذا .
*****
غادرا المنزل وكان مهيب يجلس بقرب الباب واجما لتتعجب: ماله مهيب؟
نظر له هلال ليرى خيبة الأمل فيجذبها بعيد عنه: سبيه دلوقتى.
شعرت أنه يتحكم فيها لكنه سارع بتشتيت أفكارها مجدداً: اوعى تتغرى باللى انت شيفاه ده! وتفكرى نفسك هتتجوزى واحد من الأعيان؟
ابتسمت مرغمة ليتابع: انا بشتغل مع أبويا وباخد مرتب زى كل الخلق انا غلبان يعنى.
ضحكت أمينة: يا حرااام
توقفت خطواته لتنظر له متعجبة: وقفت ليه؟
تنهد واشاح وجهه عنها ثم فرك وجهه بعشوائية: استغفر الله العظيم. امشى يا أمينة
تخصرت بسوقية: هو انا اللى وقفت؟ انت يا عم عندك حاجة فى عقلك؟
جمع سبابته وابهامه أمام عينيها ليظهر مقدار صغر ما يعانيه: عندى حاجة صغيرة مش باينة من الأرض.. اسمها أمينة
تحرك مجدداً لتتبعه: إيه ده استنى هنا.. هى مين اللي صغيرة؟
نظر لها من فوق كتفه دون أن يتوقف: ماتزعليش قصيرة.
تابعت متابعته : انا مش قصيرة انا مية خمسة وستين سنتيمتر
ضحك وتابع مشاغبتها: بردو قصيرة
احتقن وجهها غيظا: ما كانوش عشرة سنتى هتتمنظر بيهم
وقف فجأة فكادت تصطدم به ليقول: انا مية خمسة وتمانين يعنى عشرين مش عشرة. انا أطول منك واكبر منك لو مش هتحترمى فارق السن احترمى فارق الطول.. يا اوزعة
شهقت وكأنه رماها بوصمة عار بينما دار على عقبيه وتابع تقدمه وهو يخفى ابتسامته عنها لتمكنه من إخراجها من هالة الحزن وإعادة جزء من روحها المشاغبة بينما لحقت به: انا طبيعية على فكرة انت اللى شبة التنين .
وقف أمام الاسطبل لتصهل الفرسة الدهماء التى دهشت أمينة لرؤية لونها شديد السواد واللمعان أيضاً لتقترب ببطء وهلال يرفع كفه يمسد جبهة الفرسة التى قربت رأسها لتضرب رأسه برفق ليضحك بقوة . إلتفت ينظر لأمينة المنبهرة بما ترى لتتهكم: عندك فرسة زى دى وبتقول انك غلبان؟ ده إحنا اللي غلابة يا أباااا
ضحك هلال : ده حسد ولا إيه؟
أجابت بلا تفكير : لا حسد إيه ده حقد اسود
انفجر هلال ضاحكا فها هي أمينة التى يتراقص قلبه طربا مع الأحرف التى تغادر شفتيها . أشار لها: طب تعالى اتعرفى على سمرة
اقتربت ببطء بينما الفرسة تراقبها بترقب لترفع كفها فتنفر الفرسة منها ليحثها هلال: ماتخافيش يا سمرة . دى أمينة ، مونى اللى بنتك متسمية على إسمها.
نظرت له بدهشة: انت عرفت الاسم ده منين؟
ابتسم ورفع رأسه مناديا: مونى تعالى
أطلق صفيرا لتقترب تلك الهالة من الجمال البرى لتتسع عينا أمينة وتنسى تساؤلها وعينيها تقسم أنها لم تر اروع من سمرة يوماً سوى هذه المهرة الشهباء.
فتحت ذراعيها رغم وجود الباب بينهما كأنها ام تستقبل صغيرها مع اقتراب المهرة : هو انت بتعمل ايه بالخيل؟ غاوى فروسية ولا بتربى سلالة؟ اوعى تقول انك بتشغل المخلوقات الجميلة دى؟
أمسك كفها ليمسد به رأس سمرة التى بدأت تستكين لتلك اللمسة : بشغلهم بس مش الشغل اللى فى بالك، سمرة بتشتغل فى فرقة زفة ومايقدرش على مهرها غير الأعيان.. مابتطلعش لأى حد يعنى يا غالى على قلبى يا يقدر يدفع قيمتها.
عادت عينيها تتعلق بالفرسة متعجبة، وهل يمكن لأحدهم تقدير قيمة هذه الروعة التى صورت بقدرة الله.