الفصل التاسع
ضحكت الجدة بقوة بينما جذب هلال كفها بحدة مضحكة من الطبيبة: هاتى انا اطقطقهم لك
سحبت كفها فورا لتخفيه خلف ظهرها بمظهر طفولى:لا غيرت رأى مش عاوزة
عادت الضحكة ترفرف من صدر جدتها : يجازى شيطانكم
حمحمت الطبيبة وهى تمد كفها وتخفى ضحكتها: تسمحى لى .
اختطفت نظرة نحو هلال لتهمس بصوت مسموع للطبيبة محذرة: اوعى ياخده منك
اتسعت ابتسامته رغما عنه لاستعادة جزء منها رغم عدم إحاطته حتى الآن بسبب ما حدث.
اوصلت الطبيبة المحلول لكف أمينة وانتظرت قليلاً لتطمئن أن حالتها بخير بينما ألتزم هلال الصمت وعاد الوجوم يغيم على قسماته أثناء ذلك وعقله يربط بين سحبها كفها منه رغم أن الموقف مضحك إلا أنه يراه إشارة منها لفسخ الخطبة التى لم تتم بعد .. عليه أن يتحدث إليها كثيراً.. هناك الكثير من الغموض الذى لا يفهمه هو نفسه وهما يحتاجان الكثير من المصارحة فهو لن يتخلى عن فرصته بهذه السهولة فهو ليس بهذا الضعف.
عادت الطبيبة بتركيزها إلى الجدة: ممكن اطمن على حضرتك ؟
مدت كفها لتلتقطه فاطمة وهى تتحرك نحو الداخل تاركة أمينة وهلال ونظرات صامتة تبوح بالكثير .
لم يضع الكثير من الوقت وتحدث مباشرة: محتاجين نتكلم مع بعض بصراحة.
اومأت بتفهم ليتابع: إيه اللى حصل امبارح وصلك لكده؟
خيمت غيامات الحزن لتتبدل ملامحها بشكل كبير، هذا الذبول الذى رآه بالأمس لكنها ليست نفس النظرة.
مسد جبينه بصبر وهو يزم شفتيه قبل أن يلومها برفق: مااحبش اشوفك كده يا أمينة..الحزن مش لايق عليكى
تنهدت أمينة فهذا هو هلال الذى عرفته فى أيام قلائل، نفس المودة التى تفسح له طريقا ممهدا ليتقدم نحو قلبها .
طال صمتها ليتابع: أمينة بلاش السكوت ده.. افتحى لى قلبك
عادت تنظر نحوه بحزن؛ ليتها تمكنت من التحكم بقلبها الذى يطلب أن تفتحه له وهو أمامه دون أن يدرك ككتاب منشور.
حثها بعينيه لتبحث عن صيغة مناسبة للسؤال الذى أرهق عقلها قبل أن تصيغه بتردد: أنت عاوز تتجوزنى ليه يا هلال؟ علشانى ولا علشان حاجة تانية؟
عاد يزم شفتيه مع اهتزاز ساقه وعدة ايماءات من رأسه متتابعة بسرعة لتنبئ حالته العامة بكل ما يطيح به من أفكار؛ جدته محقة.. أخبرته أن الماضى يطل من دفاتره متعطش للمزيد من الضحايا .
لكن قلبه لن يكون ذبيحا فى محراب الماضى ولن يكون قربانا يتذوق الألم الذى كتب على جده.
استغرق لحظات يمتص فيها غضبه وجموح أفكاره دون أن ينزع نظراته عنها يراقب ترقبها إجابته ليقول: عاوز اتجوزك علشانك يا أمينة.. قولتهالك قبل كده وبقولها دلوقتى وهفضل أقولها طول ما انت محتاجة تسمعيها.. أمينة انا كمان ستى نعمة حكت لى اللى حصل زمان.. انت مش بدل اى حد وانا مش مكان اى حد مهما كان الحد ده قريب مننا.. أنا وأنت؛هلال وأمينة.. حكاية جديدة غير حكايتهم ونهايتنا غير نهايتهم.
استرخى جفنيها بإرتياح واضح انتقل من ملامحها لتتشبع عينيه به ويضخه لصدره بلا تأخير فينبض هذا الخافق بعد ليلة من الضربات المؤلمة نبضات حماسية تزرع أمنية جديدة أن يضم هذه السكينة التى كست ملامحها.
انتفضا من نشوة الارتياح على صوت جمال المتساءل: فى إيه؟؟
هرول نحوهما ليقف هلال فوراً فيتساءل مهيب الذى يرافق عمه: بتعمل ايه هنا يا هلال بدرى كده؟
قدم هلال كفه : آسف يا عمى.. كنت جايب الدكتورة تطمن على أمينة .ازيك يا مهيب؟
صافحه مهيب بينما نظر جمال نحو أمينة ليرى كفها المتصل بالمحلول ليجلس بجوارها فورا فيجلس مهيب و هلال بالتبعية.. أحاط كتفيها بذراعه لتتسع عينا هلال معبرة عن تضارب مشاعره وهو يراها بهذا الضعف بينما تساءل جمال: عاملة إيه يا حبيبتي؟
نظرت أمينة نحو هلال ثم نظرت لأبيها وقالت بجدية: أعانى من صراع داخلى
تعالت خفقات قلبه فقد ظن أنه سوى الأمر معها ورأى هذا الارتياح دليلاً لصفو صدرها من أحزان الأمس لكن يبدو أنه تسرع فى الحكم فما تفوهت به للتو ينفى كل ما شعر به منذ لحظات، تزاحم الاختناق مع أنفاسه لكنه نظر أرضا يخفى الألم المطل من عينيه حتى تفضى بما لديها .
***********
أنهت الطبيبة فحص الجدة والتى أبدت تحسناً ملحوظاً برأى فاطمة لتحاول الطبيبة اخفاء توترها وهى تقدم لها وصفة طبية جديدة ثم غادرت.. طلبت من زوجة ابنها التى لم تفارقها أن تساعدها للاستعداد للعودة للمنزل .. لم تطلب فاطمة منها تبريرا للعودة فى هذا التوقيت المبكر فهى أيضاً تريد أن تعود للمنزل ..أنهت استعداداتها لتطلب منها أن تهتم بأمينة هذا اليوم ولا تفارقها ابدا مما أثار تعجب فاطمة: اخلى بالى من أمينة واسيبك يا أما؟؟
ربتت الجدة فوق كفها: هاخد سليمان وجمال وانت خدى بالك من أمينة .. روحى صحى سليمان بسرعة علشان نلحق
عادت فاطمة تتساءل: تلحقوا إيه يا أما؟ ده احنا لسه بنقول يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم
دفعتها بخفة: يوووه يا فاطنة ماتسمعى الكلام وخلاص.
تنهدت فاطمة واتجهت للخارج فيبدو أن ثمة ما يدور بين الأم وولديها وهى لن تقحم نفسها فيما تستبعد عنه.
**********
قاطع خروج الطبيبة حديثها ليسرع هلال ويطلب من مهيب أن يقلها لمنزلها ولم يعترض مهيب فيبدو أن ثلاثتهم بحاجة للحديث وعليه منحهم مساحة من الخصوصية لذا صحب الطبيبة بلا تردد بينما زاد جمال قربا من ابنته يحثها على المتابعة: صراع إيه يا أمينة؟؟اتكلمى يا حبيبتي ماتخافيش.
انشقت شفتيها عن زفرة قوية قبل أن تقول: انا صحيت اصلى الفجر
انتبهت لها حواس هلال كاملة وقد أعلن عقله حالة الاستعداد القصوى لمواجهة أيا ما ستطرحه لتتابع: اتوضيت ووقفت أصلى بحكم العادة حطيت ايدى اليمين فوق الكالونة وجعتنى أوى.. عقلى يقول اضربى ايدك اليمين علشان ماتجيش على الشمال وانا أقوله ما أنا هضرب بالشمال وتوجعنى بردو ومن ساعتها وانا فى صراع اضرب ايدى اليمين ولا لا.
صمتت تنظر نحو وجهيهما وقد تشابهت التعبيرات ..رفع جمال ذراعه عنها وهو ينظر نحو هلال متسائلا: هى بتهزر؟؟
حركة خفيفة من رأس هلال أعادت نظراته نحوها ليتساءل: بتهزرى بجد؟؟
تبدلت ملامحها مع تدافع الضحكات من بين شفتيها لينهض جمال مبتعدا: انا هقوم اشوف امى بدل ما اضربك
كممت فمها وهى تنظر نحو هلال الذى رفع حاجبا واحداً: انا بقا متأكد أن التنين حلال ياكل البنى ادمين.
عادت تضحك مع ظهور مها التى ضربت كفيها بدهشة: إحنا بقى لنا ساعة جوه بنخطط علشان اعصاب الهانم اللى قاعدة تضحك هنا
أشارت لها أمينة: تعالى يا مها انقذينى
شهقت مها بمبالغة وهى تندفع لتستقر لتبدو فى المنتصف وتنظر نحو هلال وتبالغ فى تضيق عينيها حتى كاد يفرج عن ضحكاته ثم تنظر لصديقتها: خبيه يا أمينة هيتخطف .
سمح هلال لضحكاته أن تحلق بإرتياح وهو يشير لها ثم يستقيم: انا هخبى نفسى علشان مااقدرش اتخطف من أمينة
أخرج من جيبه محبسا وانحنى يلتقط كفها هامسا: أما اضمن نفسى احسن انت مش مضمونة .
عانق محبسه بنصرها لتنظر له ثم لكفها مجدداً:كده مش هينفع اضرب ايدى اليمين.
انتفضت مها تصرخ منادية الفتيات ليتجمع أهل البيت جميعاً فى لحظة بالبهو وهو يخرج محبسا فضيا يقدمه لها لتحيط به بنصره ثم تنهره: أجرى استخبى بقا .
تهلل وجه الجدة وهى ترى لمحات السعادة تنير بقسمات حفيدتها فتزيل الشحوب الذى كان مسيطراً عليها وتعلن عهداً جديداً ينبغى أن تحافظ لها على السعادة خلاله.
أوشك جمال الإعتراض لتمسك أمه ذراعه هامسة: خليهم يعيشوا فرحتهم الواد وسطينا بطوله .
ساد الهرج فى لحظات لينقلب هدوء الصباح إلى صخب وجنون قادته صديقات العروس التى رفعت كفها الأيسر:حد يشيل البتاع ده انا جعانة يا ناس شوفوا لى كيلو كباب ولا ديك رومى اصبر نفسى .
عبر مهيب الباب يتلفت حوله بدهشة لما يحدث ولتبدل حال الجميع.. لمح المحبس الذى تفحصه الفتيات بسعادة ليقترب مصافحا هلال: مبارك يا هلال
اقتربت الجدة بين جمال يمينا و سليمان يساراً لتخلع عن صدرها سلسال ذهبياً تضعه حول عنق أمينة وتضمها وهى تهمس: ماتخافيش يا أمينة اخدتى أسمى بس مش هتاخدى بختى .
ابتعدت أمينة عن صدرها تنظر لها بتوجس فتربت فوق وجنتها وتنظر نحو هلال:خلى بالك من أمينة يا هلال
قبل هلال رأسها وكفها ليحصل جمال على فرصة لضم ابنته وسعادتها إلى صدره بحنان ثم يغادر ثلاثتهم قاصدين منزل فرج علام تاركين خلفهم هذا الصخب وهذه السعادة.
اقترب مهيب من مها ليهمس: انا عاوز شرح تفصيلي لما حدث فى غيابى
ضحكت مها وهى تشير له برسمية: تؤمر يا باشا اعتبرنى بث مباشر لنقل الأحداث.
*****************
جلس عرفة بجوار زوجته بغرفة أمه حيث يتناولون جميعا وجبة الإفطار دائماً.. وكزته وداد لينهرها بلا صوت خوفاً من إزعاج أمه لكنها اخلفت الظنون كالعادة لتثبت له أن العلم لا علاقة له بالرؤية وهى تتساءل: هو هلال مارجعش من دار جمال علام؟
نظر عرفة لزوجته التى هزت كتفيها بحيرة ليحمحم عرفة: لسه يا أما
اقتحم هلال الغرفة صارخاً: بركاتك يا ستى
ضحكت الجدة بينما احتدت نظرات عرفة ليتصنم هلال الذى نسى الوقت ولم يتوقع وجود أبيه: صباح الخير يا أبا
نفث عرفة عن غضبه ورفضه لكل ما يقوم به إبنه من جنون صارخاً: أبا!! هو انت خليت فيها أبا؟
رفع عصاه يشير لكفه: وكمان لبست الدبلة؟
اقترب هلال وجلس بجوار أبيه فوراً: ما أنا كان المفروض ألبسها امبارح يا ابا ولا نسيت؟
امسكت وداد كفه تضمه بحنان وتعاتبه بود: كده بردو يا هلال؟؟
قرب كفيها يقبلهما: دبلة بس يا أما والله ومن غير إتفاق ولا كلمة اتصافينا لبستهالها علطول
نظر نحو جدته بحماس: ستى قالت لي لو صفت تبقى منى لو قلبها دخله السواد تبقى من فرج علام..صح يا ستى؟؟
ابتسمت نعمة: صح يا نور قلب ستك .
نظرت وداد نحو عرفة الذى لم يبارك ما حدث لترفع له كف هلال: شوف يا عرفة الدبلة منورة فى أيده.
اتسعت ابتسامة هلال والجدة فها هي وداد تستخدم سلاحها الأقوى والذى لم يصمد أمامه عرفة يوماً لتطوع قلبه دائماً كما تحب لما تريد؛ المودة.
*******************
دخلت الجدة من باب المنزل الذى يسوده الهدوء الشديد رغم حركة الخدم الرتيبة، تقدمت وهى تشير لولديها ليتبعاها بدهشة حيث ارتقت الدرج بخطى وئيدة مرتجفة لا يشعر برجفتها سواها .
وصلت لباب الغرفة التى جمعتها وزوجها لعقود خلت مخلفة منها حطام أنثى لتفتح الباب حيث كان فرج يرتدى ملابسه فى نفس موعده اليومى وأمامه فوق الطاولة فطوره الذى يتناوله دون تغيير.
افسحت مجالاً وهى تأمرهما: ادخلوا
رفع رأسه ينظر لأصحاب الدعوة ليجد ولديه أمامه فيبتسم بتهكم: خير!! جاية أنت وولادك جماعة يعنى؟
أغلقت الباب واتجهت نحو الفراش لترفع الوسادة نحو أنفها تتشمم رائحتها ثم تلقى بها نحو فرج الذى تلقاها بصدمة لم تختلف عن صدمة جمال وسليمان .
جذبت الشراشف لتلقى بها أرضاً بغضب ثم جلست فوق الفراش تلتقط أنفاسها لينهرها: انت اجننت على الصبح ؟
رفعت عينيها التى لا تحمل سوى الكره لتقول: هقولكم الحقيقة اللى ابوكم كان مداريها العمر ده كله..
قاطعها فرج: اسكتى يا أمينة
ضحكت أمينة: لساك فاكر أسمى؟؟
عادت تنظر نحو جمال وسليمان وتتابع: ابوكم بيقول أن اللى كان بينه وبين محمد البحيري مش الأرض.. اللى كان بينه وبين محمد البحيري انى.. زمان كنت بحبه
عاد يقاطعها صارخاً: اسكتى يا أمينة
لم تنظر نحوه وتابعت: حبيته من صغرى ماكنتش بشوف غيره.. بس هو من يومه كان غدار
تقلصت ملامحها ليهرع نحوها جمال: أما أنت تعبانة بلاش كلام وانا هجيب الدكتورة.
ابتسمت بشحوب وتابعت: اتقدم لى ابوكم ومحمد البحيرى الله يرحمه..
اتجه فرج نحوها بخطوات غاضبة ليقف جمال بينه وبينها فيدفعه صارخاً: غور من وشى ..امك كبرت وعقلها فوت.
لم يتزحزح جمال وتساءل: ليه !! مش دى الحقيقة اللى قولتهالى علشان افسخ خطوبة بنتى؟؟
ابتلع فرج كلماته واتجه نحو الباب ليقف أمامه سليمان: من حق امى انك تسمعها مرة واحدة بعد العمر ده كله.. حتى لو هى غلطانة لازم تسمعها.
ثار فرح وصرخ: انتو هتحددوا لى اعمل ايه ؟؟خلاص بقيتوا رجالة؟؟
علت نبرة صوت أمينة وهى تنهره: اسكت بقا بزيداك افترا وجبروت.
دار على عقبيه يواجه عينيها الدامعة لتتابع: ابويا وافق على محمد البحيري لأنه طول عمره راجل لا غدر ولا خان وانى كنت زى كل البنات ابوها يختار وهى مالهاش حق تتكلم رغم انى ماكنتش عاوزة ابنى البحيرى.. بس طبعاً ابوكم جه دار أبويا وزعق وقال انى من حقه.. يومها فرحت فكرته عاوزنى علشانى بس ابويا عارفه ما هو ابن اخوه .. ابويا حكم دماغه و ماقبلش بيه غير بضغط من عمدة البلد اللى عمرى ما فهمت هو اتصدر له ليه..
تلاحقت أنفاسها لكنها لم تتوقف عن إفراغ احزانها: اتجوزنا وكانت اسود ليلة فى عمرى.. ذلنى وضربنى وهددنى بفضيحة ربنا عالم انى بريئة منها.. انا بنت عمه اللى من لحمه ودمه كان عنده استعداد يفضحنى بس علشان يوصم ابن البحيرى وينتقم منه.. حلفت له أيمان الله أن عمرى ما حبيت ابن البحيرى ولا غيره بس هو طول عمره قلبه حجر .. عشت فى بيته خدامة بالليل والنهار.. جه جمال ومن بعده سليمان ومات محمد البحيري..
قاطعها فرج بحقد: وحزنك عليه فضح سرك وكشف عشقك ليه.
ابتسمت بتهكم ونظرت نحو جمال الذى اتقد وجهه غضبا ثم نحو سليمان الذى اتسعت عينيه فزعا وتابعت: يومها عرفت بكيت على نفسى وعلى اللى هيعمله فيا فرج.. فكرت اروح دار أبويا واحكى له ما هو اللى كان بيهددنى بيه مات.. وهو رجع لما لقانى ببكى فكر انى ببكى على اللى مات وطبعا فرج عمره ما صدق غير نفسه
تلاحقت أنفاسها مع نشيج البكاء الذى سيطر عليها ليجثو جمال راجيا: كفاية يا أما
لحق سليمان بأخيه: بزيادة يا أما ارتاحى
اتجه فرج ليلتقط عصاه فتقول أمينة: فاكر يا فرج ولا نسيت
تسمرت قدميه بالأرض لتتابع وهى تكفف دموعها: ماتخافش مش هفضحك قدام ولادك.. تانى يوم اتجوزت جليلة
دار فرج على عقبيه بفزع لتهز رأسها بقلة حيلة: وانا اللى بطلتها الخدمة فى الدار وقعدتها جارى طول العمر ده علشان طول ما هى جارى افتكر انك خاين وفاجر .
رفعت كفيها فوق رأسى ولديها: زمان غلطت غلطة عمرى لما حبيت ابوكم.. وبعت نفسى رخيص لما رضيت بيه وهو مايسواش
رفع فرج كفه رافضاً: انت كنت بتحبى محمد البحيري
واجهته بنظرات تعبر عن قهر استمر لسنوات طويلة وهى تربت فوق الفراش: جليلة باتت فى فرشتى امبارح.. روح يا فرج الله لا يسامحك ولا يريحك
انتفض فرج صارخاً بنفس الجملة: أمينة انت كنت بتحبى محمد البحيري
حاولت أن تتنفس بهدوء: عشت سنين اقولك الحقيقة وانت سادد ودانك وقافل عقلك ومش مصدق غير نفسك لحد ما كرهتك وكرهت نفسك وريحتك وكرهت القلب اللى يوم مال لك ودلوقتي بقولك يا فرج ياليتنى حبيت ابن البحيرى اللى مراته بكته لحد ما عينها راحت .. وانا عايشة بعد الأيام علشان عمرى يخلص وارتاح منك .
ظل أمامها ينظر كل منهما للأخر ليكن هو أول من يستسلم وهو يفر من الحقد الذى تصرخ به عينيها ومن الكره الذى لمس قلبه مع كل كلمة لتطارده هى: الله لا يسامحك يا فرج.. الله لا يسامحك.
سحبت كفها فورا لتخفيه خلف ظهرها بمظهر طفولى:لا غيرت رأى مش عاوزة
عادت الضحكة ترفرف من صدر جدتها : يجازى شيطانكم
حمحمت الطبيبة وهى تمد كفها وتخفى ضحكتها: تسمحى لى .
اختطفت نظرة نحو هلال لتهمس بصوت مسموع للطبيبة محذرة: اوعى ياخده منك
اتسعت ابتسامته رغما عنه لاستعادة جزء منها رغم عدم إحاطته حتى الآن بسبب ما حدث.
اوصلت الطبيبة المحلول لكف أمينة وانتظرت قليلاً لتطمئن أن حالتها بخير بينما ألتزم هلال الصمت وعاد الوجوم يغيم على قسماته أثناء ذلك وعقله يربط بين سحبها كفها منه رغم أن الموقف مضحك إلا أنه يراه إشارة منها لفسخ الخطبة التى لم تتم بعد .. عليه أن يتحدث إليها كثيراً.. هناك الكثير من الغموض الذى لا يفهمه هو نفسه وهما يحتاجان الكثير من المصارحة فهو لن يتخلى عن فرصته بهذه السهولة فهو ليس بهذا الضعف.
عادت الطبيبة بتركيزها إلى الجدة: ممكن اطمن على حضرتك ؟
مدت كفها لتلتقطه فاطمة وهى تتحرك نحو الداخل تاركة أمينة وهلال ونظرات صامتة تبوح بالكثير .
لم يضع الكثير من الوقت وتحدث مباشرة: محتاجين نتكلم مع بعض بصراحة.
اومأت بتفهم ليتابع: إيه اللى حصل امبارح وصلك لكده؟
خيمت غيامات الحزن لتتبدل ملامحها بشكل كبير، هذا الذبول الذى رآه بالأمس لكنها ليست نفس النظرة.
مسد جبينه بصبر وهو يزم شفتيه قبل أن يلومها برفق: مااحبش اشوفك كده يا أمينة..الحزن مش لايق عليكى
تنهدت أمينة فهذا هو هلال الذى عرفته فى أيام قلائل، نفس المودة التى تفسح له طريقا ممهدا ليتقدم نحو قلبها .
طال صمتها ليتابع: أمينة بلاش السكوت ده.. افتحى لى قلبك
عادت تنظر نحوه بحزن؛ ليتها تمكنت من التحكم بقلبها الذى يطلب أن تفتحه له وهو أمامه دون أن يدرك ككتاب منشور.
حثها بعينيه لتبحث عن صيغة مناسبة للسؤال الذى أرهق عقلها قبل أن تصيغه بتردد: أنت عاوز تتجوزنى ليه يا هلال؟ علشانى ولا علشان حاجة تانية؟
عاد يزم شفتيه مع اهتزاز ساقه وعدة ايماءات من رأسه متتابعة بسرعة لتنبئ حالته العامة بكل ما يطيح به من أفكار؛ جدته محقة.. أخبرته أن الماضى يطل من دفاتره متعطش للمزيد من الضحايا .
لكن قلبه لن يكون ذبيحا فى محراب الماضى ولن يكون قربانا يتذوق الألم الذى كتب على جده.
استغرق لحظات يمتص فيها غضبه وجموح أفكاره دون أن ينزع نظراته عنها يراقب ترقبها إجابته ليقول: عاوز اتجوزك علشانك يا أمينة.. قولتهالك قبل كده وبقولها دلوقتى وهفضل أقولها طول ما انت محتاجة تسمعيها.. أمينة انا كمان ستى نعمة حكت لى اللى حصل زمان.. انت مش بدل اى حد وانا مش مكان اى حد مهما كان الحد ده قريب مننا.. أنا وأنت؛هلال وأمينة.. حكاية جديدة غير حكايتهم ونهايتنا غير نهايتهم.
استرخى جفنيها بإرتياح واضح انتقل من ملامحها لتتشبع عينيه به ويضخه لصدره بلا تأخير فينبض هذا الخافق بعد ليلة من الضربات المؤلمة نبضات حماسية تزرع أمنية جديدة أن يضم هذه السكينة التى كست ملامحها.
انتفضا من نشوة الارتياح على صوت جمال المتساءل: فى إيه؟؟
هرول نحوهما ليقف هلال فوراً فيتساءل مهيب الذى يرافق عمه: بتعمل ايه هنا يا هلال بدرى كده؟
قدم هلال كفه : آسف يا عمى.. كنت جايب الدكتورة تطمن على أمينة .ازيك يا مهيب؟
صافحه مهيب بينما نظر جمال نحو أمينة ليرى كفها المتصل بالمحلول ليجلس بجوارها فورا فيجلس مهيب و هلال بالتبعية.. أحاط كتفيها بذراعه لتتسع عينا هلال معبرة عن تضارب مشاعره وهو يراها بهذا الضعف بينما تساءل جمال: عاملة إيه يا حبيبتي؟
نظرت أمينة نحو هلال ثم نظرت لأبيها وقالت بجدية: أعانى من صراع داخلى
تعالت خفقات قلبه فقد ظن أنه سوى الأمر معها ورأى هذا الارتياح دليلاً لصفو صدرها من أحزان الأمس لكن يبدو أنه تسرع فى الحكم فما تفوهت به للتو ينفى كل ما شعر به منذ لحظات، تزاحم الاختناق مع أنفاسه لكنه نظر أرضا يخفى الألم المطل من عينيه حتى تفضى بما لديها .
***********
أنهت الطبيبة فحص الجدة والتى أبدت تحسناً ملحوظاً برأى فاطمة لتحاول الطبيبة اخفاء توترها وهى تقدم لها وصفة طبية جديدة ثم غادرت.. طلبت من زوجة ابنها التى لم تفارقها أن تساعدها للاستعداد للعودة للمنزل .. لم تطلب فاطمة منها تبريرا للعودة فى هذا التوقيت المبكر فهى أيضاً تريد أن تعود للمنزل ..أنهت استعداداتها لتطلب منها أن تهتم بأمينة هذا اليوم ولا تفارقها ابدا مما أثار تعجب فاطمة: اخلى بالى من أمينة واسيبك يا أما؟؟
ربتت الجدة فوق كفها: هاخد سليمان وجمال وانت خدى بالك من أمينة .. روحى صحى سليمان بسرعة علشان نلحق
عادت فاطمة تتساءل: تلحقوا إيه يا أما؟ ده احنا لسه بنقول يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم
دفعتها بخفة: يوووه يا فاطنة ماتسمعى الكلام وخلاص.
تنهدت فاطمة واتجهت للخارج فيبدو أن ثمة ما يدور بين الأم وولديها وهى لن تقحم نفسها فيما تستبعد عنه.
**********
قاطع خروج الطبيبة حديثها ليسرع هلال ويطلب من مهيب أن يقلها لمنزلها ولم يعترض مهيب فيبدو أن ثلاثتهم بحاجة للحديث وعليه منحهم مساحة من الخصوصية لذا صحب الطبيبة بلا تردد بينما زاد جمال قربا من ابنته يحثها على المتابعة: صراع إيه يا أمينة؟؟اتكلمى يا حبيبتي ماتخافيش.
انشقت شفتيها عن زفرة قوية قبل أن تقول: انا صحيت اصلى الفجر
انتبهت لها حواس هلال كاملة وقد أعلن عقله حالة الاستعداد القصوى لمواجهة أيا ما ستطرحه لتتابع: اتوضيت ووقفت أصلى بحكم العادة حطيت ايدى اليمين فوق الكالونة وجعتنى أوى.. عقلى يقول اضربى ايدك اليمين علشان ماتجيش على الشمال وانا أقوله ما أنا هضرب بالشمال وتوجعنى بردو ومن ساعتها وانا فى صراع اضرب ايدى اليمين ولا لا.
صمتت تنظر نحو وجهيهما وقد تشابهت التعبيرات ..رفع جمال ذراعه عنها وهو ينظر نحو هلال متسائلا: هى بتهزر؟؟
حركة خفيفة من رأس هلال أعادت نظراته نحوها ليتساءل: بتهزرى بجد؟؟
تبدلت ملامحها مع تدافع الضحكات من بين شفتيها لينهض جمال مبتعدا: انا هقوم اشوف امى بدل ما اضربك
كممت فمها وهى تنظر نحو هلال الذى رفع حاجبا واحداً: انا بقا متأكد أن التنين حلال ياكل البنى ادمين.
عادت تضحك مع ظهور مها التى ضربت كفيها بدهشة: إحنا بقى لنا ساعة جوه بنخطط علشان اعصاب الهانم اللى قاعدة تضحك هنا
أشارت لها أمينة: تعالى يا مها انقذينى
شهقت مها بمبالغة وهى تندفع لتستقر لتبدو فى المنتصف وتنظر نحو هلال وتبالغ فى تضيق عينيها حتى كاد يفرج عن ضحكاته ثم تنظر لصديقتها: خبيه يا أمينة هيتخطف .
سمح هلال لضحكاته أن تحلق بإرتياح وهو يشير لها ثم يستقيم: انا هخبى نفسى علشان مااقدرش اتخطف من أمينة
أخرج من جيبه محبسا وانحنى يلتقط كفها هامسا: أما اضمن نفسى احسن انت مش مضمونة .
عانق محبسه بنصرها لتنظر له ثم لكفها مجدداً:كده مش هينفع اضرب ايدى اليمين.
انتفضت مها تصرخ منادية الفتيات ليتجمع أهل البيت جميعاً فى لحظة بالبهو وهو يخرج محبسا فضيا يقدمه لها لتحيط به بنصره ثم تنهره: أجرى استخبى بقا .
تهلل وجه الجدة وهى ترى لمحات السعادة تنير بقسمات حفيدتها فتزيل الشحوب الذى كان مسيطراً عليها وتعلن عهداً جديداً ينبغى أن تحافظ لها على السعادة خلاله.
أوشك جمال الإعتراض لتمسك أمه ذراعه هامسة: خليهم يعيشوا فرحتهم الواد وسطينا بطوله .
ساد الهرج فى لحظات لينقلب هدوء الصباح إلى صخب وجنون قادته صديقات العروس التى رفعت كفها الأيسر:حد يشيل البتاع ده انا جعانة يا ناس شوفوا لى كيلو كباب ولا ديك رومى اصبر نفسى .
عبر مهيب الباب يتلفت حوله بدهشة لما يحدث ولتبدل حال الجميع.. لمح المحبس الذى تفحصه الفتيات بسعادة ليقترب مصافحا هلال: مبارك يا هلال
اقتربت الجدة بين جمال يمينا و سليمان يساراً لتخلع عن صدرها سلسال ذهبياً تضعه حول عنق أمينة وتضمها وهى تهمس: ماتخافيش يا أمينة اخدتى أسمى بس مش هتاخدى بختى .
ابتعدت أمينة عن صدرها تنظر لها بتوجس فتربت فوق وجنتها وتنظر نحو هلال:خلى بالك من أمينة يا هلال
قبل هلال رأسها وكفها ليحصل جمال على فرصة لضم ابنته وسعادتها إلى صدره بحنان ثم يغادر ثلاثتهم قاصدين منزل فرج علام تاركين خلفهم هذا الصخب وهذه السعادة.
اقترب مهيب من مها ليهمس: انا عاوز شرح تفصيلي لما حدث فى غيابى
ضحكت مها وهى تشير له برسمية: تؤمر يا باشا اعتبرنى بث مباشر لنقل الأحداث.
*****************
جلس عرفة بجوار زوجته بغرفة أمه حيث يتناولون جميعا وجبة الإفطار دائماً.. وكزته وداد لينهرها بلا صوت خوفاً من إزعاج أمه لكنها اخلفت الظنون كالعادة لتثبت له أن العلم لا علاقة له بالرؤية وهى تتساءل: هو هلال مارجعش من دار جمال علام؟
نظر عرفة لزوجته التى هزت كتفيها بحيرة ليحمحم عرفة: لسه يا أما
اقتحم هلال الغرفة صارخاً: بركاتك يا ستى
ضحكت الجدة بينما احتدت نظرات عرفة ليتصنم هلال الذى نسى الوقت ولم يتوقع وجود أبيه: صباح الخير يا أبا
نفث عرفة عن غضبه ورفضه لكل ما يقوم به إبنه من جنون صارخاً: أبا!! هو انت خليت فيها أبا؟
رفع عصاه يشير لكفه: وكمان لبست الدبلة؟
اقترب هلال وجلس بجوار أبيه فوراً: ما أنا كان المفروض ألبسها امبارح يا ابا ولا نسيت؟
امسكت وداد كفه تضمه بحنان وتعاتبه بود: كده بردو يا هلال؟؟
قرب كفيها يقبلهما: دبلة بس يا أما والله ومن غير إتفاق ولا كلمة اتصافينا لبستهالها علطول
نظر نحو جدته بحماس: ستى قالت لي لو صفت تبقى منى لو قلبها دخله السواد تبقى من فرج علام..صح يا ستى؟؟
ابتسمت نعمة: صح يا نور قلب ستك .
نظرت وداد نحو عرفة الذى لم يبارك ما حدث لترفع له كف هلال: شوف يا عرفة الدبلة منورة فى أيده.
اتسعت ابتسامة هلال والجدة فها هي وداد تستخدم سلاحها الأقوى والذى لم يصمد أمامه عرفة يوماً لتطوع قلبه دائماً كما تحب لما تريد؛ المودة.
*******************
دخلت الجدة من باب المنزل الذى يسوده الهدوء الشديد رغم حركة الخدم الرتيبة، تقدمت وهى تشير لولديها ليتبعاها بدهشة حيث ارتقت الدرج بخطى وئيدة مرتجفة لا يشعر برجفتها سواها .
وصلت لباب الغرفة التى جمعتها وزوجها لعقود خلت مخلفة منها حطام أنثى لتفتح الباب حيث كان فرج يرتدى ملابسه فى نفس موعده اليومى وأمامه فوق الطاولة فطوره الذى يتناوله دون تغيير.
افسحت مجالاً وهى تأمرهما: ادخلوا
رفع رأسه ينظر لأصحاب الدعوة ليجد ولديه أمامه فيبتسم بتهكم: خير!! جاية أنت وولادك جماعة يعنى؟
أغلقت الباب واتجهت نحو الفراش لترفع الوسادة نحو أنفها تتشمم رائحتها ثم تلقى بها نحو فرج الذى تلقاها بصدمة لم تختلف عن صدمة جمال وسليمان .
جذبت الشراشف لتلقى بها أرضاً بغضب ثم جلست فوق الفراش تلتقط أنفاسها لينهرها: انت اجننت على الصبح ؟
رفعت عينيها التى لا تحمل سوى الكره لتقول: هقولكم الحقيقة اللى ابوكم كان مداريها العمر ده كله..
قاطعها فرج: اسكتى يا أمينة
ضحكت أمينة: لساك فاكر أسمى؟؟
عادت تنظر نحو جمال وسليمان وتتابع: ابوكم بيقول أن اللى كان بينه وبين محمد البحيري مش الأرض.. اللى كان بينه وبين محمد البحيري انى.. زمان كنت بحبه
عاد يقاطعها صارخاً: اسكتى يا أمينة
لم تنظر نحوه وتابعت: حبيته من صغرى ماكنتش بشوف غيره.. بس هو من يومه كان غدار
تقلصت ملامحها ليهرع نحوها جمال: أما أنت تعبانة بلاش كلام وانا هجيب الدكتورة.
ابتسمت بشحوب وتابعت: اتقدم لى ابوكم ومحمد البحيرى الله يرحمه..
اتجه فرج نحوها بخطوات غاضبة ليقف جمال بينه وبينها فيدفعه صارخاً: غور من وشى ..امك كبرت وعقلها فوت.
لم يتزحزح جمال وتساءل: ليه !! مش دى الحقيقة اللى قولتهالى علشان افسخ خطوبة بنتى؟؟
ابتلع فرج كلماته واتجه نحو الباب ليقف أمامه سليمان: من حق امى انك تسمعها مرة واحدة بعد العمر ده كله.. حتى لو هى غلطانة لازم تسمعها.
ثار فرح وصرخ: انتو هتحددوا لى اعمل ايه ؟؟خلاص بقيتوا رجالة؟؟
علت نبرة صوت أمينة وهى تنهره: اسكت بقا بزيداك افترا وجبروت.
دار على عقبيه يواجه عينيها الدامعة لتتابع: ابويا وافق على محمد البحيري لأنه طول عمره راجل لا غدر ولا خان وانى كنت زى كل البنات ابوها يختار وهى مالهاش حق تتكلم رغم انى ماكنتش عاوزة ابنى البحيرى.. بس طبعاً ابوكم جه دار أبويا وزعق وقال انى من حقه.. يومها فرحت فكرته عاوزنى علشانى بس ابويا عارفه ما هو ابن اخوه .. ابويا حكم دماغه و ماقبلش بيه غير بضغط من عمدة البلد اللى عمرى ما فهمت هو اتصدر له ليه..
تلاحقت أنفاسها لكنها لم تتوقف عن إفراغ احزانها: اتجوزنا وكانت اسود ليلة فى عمرى.. ذلنى وضربنى وهددنى بفضيحة ربنا عالم انى بريئة منها.. انا بنت عمه اللى من لحمه ودمه كان عنده استعداد يفضحنى بس علشان يوصم ابن البحيرى وينتقم منه.. حلفت له أيمان الله أن عمرى ما حبيت ابن البحيرى ولا غيره بس هو طول عمره قلبه حجر .. عشت فى بيته خدامة بالليل والنهار.. جه جمال ومن بعده سليمان ومات محمد البحيري..
قاطعها فرج بحقد: وحزنك عليه فضح سرك وكشف عشقك ليه.
ابتسمت بتهكم ونظرت نحو جمال الذى اتقد وجهه غضبا ثم نحو سليمان الذى اتسعت عينيه فزعا وتابعت: يومها عرفت بكيت على نفسى وعلى اللى هيعمله فيا فرج.. فكرت اروح دار أبويا واحكى له ما هو اللى كان بيهددنى بيه مات.. وهو رجع لما لقانى ببكى فكر انى ببكى على اللى مات وطبعا فرج عمره ما صدق غير نفسه
تلاحقت أنفاسها مع نشيج البكاء الذى سيطر عليها ليجثو جمال راجيا: كفاية يا أما
لحق سليمان بأخيه: بزيادة يا أما ارتاحى
اتجه فرج ليلتقط عصاه فتقول أمينة: فاكر يا فرج ولا نسيت
تسمرت قدميه بالأرض لتتابع وهى تكفف دموعها: ماتخافش مش هفضحك قدام ولادك.. تانى يوم اتجوزت جليلة
دار فرج على عقبيه بفزع لتهز رأسها بقلة حيلة: وانا اللى بطلتها الخدمة فى الدار وقعدتها جارى طول العمر ده علشان طول ما هى جارى افتكر انك خاين وفاجر .
رفعت كفيها فوق رأسى ولديها: زمان غلطت غلطة عمرى لما حبيت ابوكم.. وبعت نفسى رخيص لما رضيت بيه وهو مايسواش
رفع فرج كفه رافضاً: انت كنت بتحبى محمد البحيري
واجهته بنظرات تعبر عن قهر استمر لسنوات طويلة وهى تربت فوق الفراش: جليلة باتت فى فرشتى امبارح.. روح يا فرج الله لا يسامحك ولا يريحك
انتفض فرج صارخاً بنفس الجملة: أمينة انت كنت بتحبى محمد البحيري
حاولت أن تتنفس بهدوء: عشت سنين اقولك الحقيقة وانت سادد ودانك وقافل عقلك ومش مصدق غير نفسك لحد ما كرهتك وكرهت نفسك وريحتك وكرهت القلب اللى يوم مال لك ودلوقتي بقولك يا فرج ياليتنى حبيت ابن البحيرى اللى مراته بكته لحد ما عينها راحت .. وانا عايشة بعد الأيام علشان عمرى يخلص وارتاح منك .
ظل أمامها ينظر كل منهما للأخر ليكن هو أول من يستسلم وهو يفر من الحقد الذى تصرخ به عينيها ومن الكره الذى لمس قلبه مع كل كلمة لتطارده هى: الله لا يسامحك يا فرج.. الله لا يسامحك.