رضوخ للعشق

قسمةالشبيني`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-04-29ضع على الرف
  • 67.5K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الرابع

غادر هلال عازما على اقتناص الفرصة التى قدمت له للوصول إلى تلك الفتاة التى لم يقابل لها مثيلة من قبل .

لقد صدق حدسها وإن تعمد تشكيكها فيه ؛ هى نوع مختلف عن النساء اللائي اعتاد عليهن .. بل هى نوع منفرد من النساء يندر تواجده هكذا يصر قلبه على تصنيفها .

صعدت أمينة إلى غرفتها ترجو بعض الراحة بعد الضغط النفسى الذى شعرت به خلال هذا اليوم فهذا الضغط يشعرها بالضعف وهى تكره أن تشعر بهذا الضعف .

تسطحت فوق الفراش تحصى الوقت الذى قضته برفقته ، لا تتذكر إلا ضحكاته .. زفرت بضيق فقد استاءت من ضحكاته لسبب سيضحك إن علم به وعليها أن تتأكد ألا يفعل .

نهضت تتجه نحو المرآة تنظر لنفسها وتبتسم ثم تتكدر ملامحها ويغلفها العبوس فورا فهى لا تملك غمارتين مثل هذا المحظوظ الذى لا يتوقف عن الضحك .. له كل الحق فى الضحك ليل نهار مادام يملك هاتين الغمازتين .

نهرت نفسها وهى ترفض التفكير فيه لتقول لنفسها : على إيه دى اصلا تباين عضلى انا احلى منه .

واكتفت بهذا التحليل المنطقي من وجه نظرها لتتجه نحو الفراش شاعرة بالرضا ..يبدو أنه نوع مختلف من الرجال.

لم تر بعينيه الشفقة، وهذا وحده يرضيها.
اعتادت لحظة الاعلان عن مرضها النظر فى أعين محدثيها وكم كرهت تلك النظرات.

لكنها لم تكن بعينيه.. لم تر بعينيه اثر لشفقة أو أثر لتملق.. كانت عينيه صادقة خالصة الرضا.

يبدو أن التعرف على هذا الهلال سيكون أول طريق الثقة لها بعالم الرجال الذى لا تثق فيه سوى من خلال أبيها.

تنهدت بإرتياح وهى تتذكر مشاغباتها التى تثير ضحكاته لتشعر ببعض الدفء يسرى بدمائها
تتابعت تلك الموجات الدافئة تغمرها محملة بصورة متراقصة اغوتها لتسلم وعيها للعالم الوردى الذى يطالب به بإلحاح .

****

استيقظت أمينة فى الصباح التالى على صخب شديد لتتدارك ما حدث بالأمس من أحداث .. استعدت للنزول للبهو فى نصف ساعة تقريباً قضتها فى هرولة متواصلة فهناك فضول يلح عليها لإكتشاف ما يجرى بالأسفل .

ما إن وطأت قدمها البهو الكبير حتى هللت فاطمة : العروسة صحيت

كادت أن تكمم أذنيها فزعا مع إنطلاق الزغاريد من كل النسوة الموجودات بلا استثناء .. رأت بالقرب مهيب يكمم فمه لتفطن أنه يترقب رد فعلها لهذا هو يقف بهذه الزاوية، ليس بريئا كما كانت تظن لذا قررت رد الصفعة فورا وهى تنظر نحوه عازمة على كشف موضعه لكنه جمع كفيه فى صورة راجية وهو يتقهقر بفزع فهو يعلم جيداً عاقبة التلصص على النساء .

اسرعت زوجه عمها نحوها وجذبتها نحو مجلس النسوة المنعقد لتفقد العروس وهى تهمس : أهل هلال جايين يشوفوكى
تساءلت أمينة بنفس النبرة الهامسة : هو أهله كلهم ستات ؟

كتمت فاطمة ضحكتها لهذا التعليق الذى مجرد براءته تضحك .. اقتربت معها أمينة نحو النساء لتقف امرأة ترتدى عباءة تظهر من فخامتها أنها الأهم وهى تقول لأمينة : حماتك يا أمينة الست وداد

نظرت أمينة إلى قامة المرأة القصيرة وبنيتها المتوسطة لتتساءل فورا بتلقائية : إيه ده وعملتيها ازاى دى يا طنط .

بهتت المرأة لوهلة وتهامس البعض وهى تتساءل بود يشوبه الاضطراب : عملت ايه يا عروسة ؟
تابعت أمينة : خلفتى هلال وانت صغيرة كده !!!
تعالت ضحكات النسوة وشاركتهن وداد التى قالت : ما انى لما خلفته كان صغير ماكنش كده
ابتسمت أمينة ببلاهة : ايوه صح ازاى فاتتنى الحكاية دي ؟
جذبتها وداد لتجلس بالقرب منها : تعالى چارى باين الواد هلال طلع معاه حق ودمك زى الشربات

شعرت الجدة أمينة بالراحة لتمام هذا اللقاء بهذه الصورة الودودة فقد كان لحس الفكاهة لدى أمينة الغلبة فى اكتساب القلوب وهذا ما يكفى حالياً فكل ما تخشاه الجدة هو تعرى حقائق الماضى التى ستخنق هذه الزغاريد وستقتل هذه البسمات.

*****

عصرا وصل هلال وحده لمنزل فرج على عكس ما تقتضى العادات لصحبة العروس إلى الصاغة لكنها رغبة جمال الذى رضخ لها فهو يخشى أن تجتمع العائلتين كما تنص عادات وتقاليد قريتهم ثم يحدث ما لا يحمد عقباه وتكن أزمة أمينة أشد مما تتحمل .. صحبها والدها فقط بناءً على رغبتها كما رفضت أن تستقل سيارة هلال فقط لمعاندته لكنه فوت الفرصة عليها مع إبداء المودة والتفهم .

لم يكن اختيار الشبكة بالأمر الصعب فقط وفى غضون ساعتين كانت أمينة فى المنزل تتعرف للمرة الأولى على اغلب نساء عائلة علام ..

اتجه هلال ووالدها لمجلس الرجال بينما حملت فاطمة علبة الشبكة وبدأت تدور بها بين النساء وكل منهن تعلن عن مباركتها بزغرودة ترفرف معها القلوب والبعض يضعن المال فى العلبة أيضا .

عادت فاطمة بعد إنتهاء جولتها لتجلس بجوار أمينة التى تجلس بجوار جدتها .. اخرجت ما جمع من مال ووضعته بين يدى الجدة لتبدأ النسوة فى الانصراف وتتساءل الجدة: اعرفى كل واحدة حطت إيه يا فاطنة واكتبيه يترد لهم في الفرح يا بنتى ..

نظرت أمينة نحو المال بتعجب وتساءلت : هو ايه حكاية الفلوس دى يا تيتة ؟
أجابت الجدة مبتسمة : اللى مش هتقدر تحضر الخطوبة حطت نقطتها واللى عارفة أنها جاية هتنقط يوم الشبكة .

حكت أمينة مقدمة رأسها : صراحة مش فاهمة اوى بس مش مهم .. ينفع يا تيتة اعزم اصحابى من مصر ؟
ضحكت الجدة وأجابت : اعزمى مصر بحالها لو عاوزة .

تقدم هلال من مجلسهن مهنئا : مبارك يا أمينة
نهضت فاطمة تحكم إغلاق العلبة وتقدمها له لتعترض أمينة فورا : إيه ده أنت هتاخد شبكتى ليه ؟
أجاب أبيها الذى اقترب : لازم أهله يتفرجوا عليها زى ما اهلك اتفرجوا كده

هزت رأسها وابتسمت له ليقول : الصبح هتبقى عندك ماتخافيش .
هم بالمغادرة لتستوقفه : هلال
دار فورا ينظر لها لتقترب متسائلة بصوت هامس : هو انتو عندكم نقطة فلوس بردو ؟
ابتسم مجيبا : طبعا عندنا
رفعت سبابتها محذرة : هنقسم بالنص .

ضحك بقوة دون أن يفهم الحضور سبب ضحكاته مما أغضب الجد لكنه صمت مكرها بينما لم يتمكن مروان من الصمت ليصيح : مش هنخلص من الودودة دى ؟

نظرت له أمينة بغضب فهى تعد موقفه تدخلا فى خصوصيتها بينما نظر نحوه هلال بتحدى واقترب هامسا : والمفروض اجى انا انقطك يوم الشبكة بعقد فلوس

اتسعت عينيها بحماس : يا راجل !! طب هات بقا اللى هتلمه الليلة كله
هز رأسه مستخفا : مش هيبقى قيمتك .. وغلاوة الضحكة الحلوة لانقطك نقطة ماحصلت فى الجيهة كلها .. تصبحى على خير .

هزت رأسها وهى تنظر له مغادرا : اوعى تكون النقطة اللى بتجيب شلل !!! اصل الدكتور قال وحشة على صحتى

ضحك الجميع ليقترب منها أبيها يحيط كتفيها بحماية قبل أن يتمنيا للجميع ليلة سعيدة ويتجها للدور العلوى .. لجأت أمينة للغرفة التى بدأت تشعر فيها بالألفة فعليا ولم يعد الجو هنا فقط يثير حماسها بل أصبحت تشعر أنها تنتمى لهذا المكان كليا .. لهذه الحقول الخضراء المترامية الأطراف .. لهذا العبق المسائى الذى لم تستطع حتى الأن تميز رائحته أو تحديد كينونته .

بدأت تشعر بالسكون لهذا المكان وهذا الشعور بعث شعورا جديدا بعظم التضحية التى أقدم عليها أبيها فى الماضى لأجل حبه لأمها.
كم انت عجيب أيها الحب!!

تسطحت فوق الفراش وهى تراجع بعقلها لائحة بأسماء صديقاتها اللائى ستقوم بدعوتهن بدءاً من الغد .. كم تتمنى أن ترى حماستهن لهذا الخبر الذى لم تتوقعه هى نفسها !!
وخاصة صديقة عمرها مها ، لابد أنها ستطير من القاهرة إليها، خفق قلبها بقوة حماسية غير معتادة لها.

شغلتها أفكارها هذه الليلة عن هلال لكنها لم تنتبه أنها تدور حوله وهى تتراجع عن فكرتها المبدئية عنه وعن تسلطه وعشقه للسلطة .. يبدو لها ابسط من هذه الصورة بدرجة كبيرة.

******

اوى هلال لفراشه بعد مغادرة الجميع لقد اعترض أبيه فهو حتى الأن لم ير العروس التى اختارها إبنه وتقدم لخطبتها واشترى لها شبكتها أيضا .

لم يشعر عرفة طيلة حياته بالأرتياح الكامل لفرج علام ويظن أن الشعور متبادلا .

فرج يرفض الإعتراف علانية أن عائلة البحيرى تفوقه سطوة وقوة وهذا الرفض يزعج عرفة ويعتبره تكبرا لا أساس له .

اغمض هلال عينيه يتذكر توقف أبيه بعد انصراف الجميع متسائلا : وبعدين يا هلال .. هتمشى فى سكة بنت علام وتاخدك من أهلك ؟

وقف هلال الذى بدأ يرتقى الدرج ونظر لوالده : ماتخافش يا أبا بنت علام لا زى فرج ولا زى ولاد سليمان بنت علام شبه ابوها يا أبا فاكره ؟

نظر عرفة أرضا لتقترب وداد : يا حج البت حتة سكرة ولا انت زعلان على نيابة المجلس ؟ اخدنا منها ايه غير الشحططة وبعدك عننا ؟!
نظر لها عرفة بجدية : اخدنا منها كتير يا وداد بزيادة الهيبة
اقتربت تربت فوق صدره بود : لا هو انت محتاج هيبة يا عرفة !! انت هيبتك من عندنا ربنا

صفق هلال مرة واحدة وكأنه يعلن عن وجوده الذى يبدو غير ملحوظ وهو يتابع صعوده : تصبح على خير يا حج وبكرة إن شاء الله نروح سوا نودى الشبكة لأمينة .

هم عرفة أن يعترض لتقول وداد مع اقتراب شديد : واجب يا حج وانت صاحب الواجب كله .

ابتسم هلال فهو داخلياً يشكر أمه على الدعم منذ بداية هذا القرار .. لكم هو شاكر مساندتها وتلك المودة التى تطوع بها قلب أبيه فيتبعها عقله أيضا .

سيستعير منها هذه المودة لتساعده على تطويع قلب أمينة الذى لا يبدو له عاصيا بقدر ما يبدو مشاكسا عنيدا بشكل يثير جدلاً كبيراً بين قلبه وعقله لكنهما كل ليلة منذ رأها اول مرة يتفقا فى النهاية على إتباعها حتى تسكن بالقرب الذى يتيح لكل منهما عشقها على الطريقة الأمثل .

******

استيقظ هلال صباحاً ليبدأ صباحه كما أعتاد بزيارة غرفة الجدة نعمة التى ترفض رفضاً تاماً مغادرتها منذ وعى الحياة بل وقبل ذلك بسنوات طويلة .

علم من أبيه أن جده محمد مات فى ريعان شبابه تاركاً جدته نعمة تبكيه لسنوات لم تنته .

ظلت لسنوات تقوم بدور الأب والألم حتى اشتد عود أبيه عرفة لتسلمه القيادة صبيحة زواجه وتلزم غرفتها وزوجها الراحل رافضة مغادرتها تحت أى ظرف .

عادت للبكاء وتسرب النور من عينيها وسكن محله ظلام طويل لم يبد لها مزعجاً .
فتح باب الغرفة لتقول نعمة : تعالى يا هلال

تقدم فوراً مقبلا رأسها وهو يضع العلبة بين يديها : شوفى يا ستى شبكة أمينة
تحركت أناملها بتناغم ثم هزت رأسها مستحسنة : شبكة تليق بصاحبها .. شكلها ايه عروستك يا هلال ؟ شبه ستها أمينة ؟
تساءل هلال : هو انت تعرفى الحاجة أمينة يا ستى ؟

تنهدت نعمة تنفض عن قلبها غبار السنين وهى تقول: فى يوم من الأيام كنت أنا وأمينة زى الإخوات واكتر بس اتحكم علينا بالفرقة لما أمر غلاب الهوى
قطب هلال جبينه بدهشة : انا مش فاهم حاجة يا ستى
ربتت فوق كتفه : مسيرك هتفهم يا هلال .. محدش عارف بكرة مخبى إيه ! يمكن ينكتب لك اللى اتحرم منه غيرك .

زادت حيرة هلال لتلك الألغاز التى تتحدث بها جدته منذ علمت رغبته بالزواج من أمينة ، رغم أنها لم تبد اى اعتراض لكنه يرى بين كلماتها ظلا غامضا يخيفه بشدة .

*****

استيقظت أمينة بعد معاناة طويلة من قبل فاطمة والتى هددتها اخيرا بأخبار الجد عن تأخرها على مقابلة حماها لترفع أمينة رأسها بتكاسل وتقول : لو هددتينى ترشينى بميه كنت قمت أجرى بس انا للأسف مش بخاف من جدو

نظرت لها فاطمة بتحدى : بس كده

وبدلاً من تهديدها امسكت بكوب الماء المغطى بجوار الفراش لتملأ فمها منه .. نظرت لها أمينة تنتظر أن تنهى جملتها لتجد نهاية عملية لا لفظية وهى تنفث رذاذ الماء فوقها كأنها ثوب تستعد لكيه وفى طرفة عين قفزت أمينة عن الفراش صارخة : إيه ده يا عمتو ليكى فى شغل العيال بتاعى !!

اتسعت عينا فاطمة بتحذير واضح لترفع كفيها علامة الاستسلام : خمس دقايق وتلاقينى نطيت على تحت .

ضحكت فاطمة وهى تغادر الغرفة لتهرول أمينة فعليها الفوز على الساعة وانهاء استعدادها خلال الخمس دقائق .

كانت تهرول نحو الدرج لتهبط فاصطدمت بجدار بشرى رفعت عينيها تطالع هيئته العابسة فتقرر تخطيه فورا : معلش يا مروان مااخدتش بالى
تجاوزته ليتحدث متهكما : وهتاخدى بالك ازاى وانت بتجرى على ملأ وشك ؟؟ اهو قاعد تحت يعنى هيروح فين ؟
توقفت ونظرت نحوه بغيظ : هو مين ؟
ابتسم لأول مرة منذ رأته لكن ابتسامته قاتمة ككافة ملامحه وهو يتابع : ابن البحيرى .

تثق أن الجدال معه لن يصل بها إلا لإفساد الصباح لذا قررت إفساد صباحه هو وهى ترفع كتفيها وتضم كفيها لصدرها مبتسمة بدلال : اووه خطيبى

ولوحت له باناملها وهى تتابع تقدمها بلا إبطاء ليشتعل مروان غيظا تسمع نفثات سعيره فى خطواته التى تضرب الأرض.

وصلت للدور الأول لتتريث خطواتها وهى تتقدم بوقار نحو جمعهم الصغير الذى يضم أبيها وعمها ووالده وهو مؤكداً . نظرت لملامح أبيه لترى رفضا وغضبا كامنا تجهل سببه لكنها سترى إن كان رفضا لها بشكل كامل ام رفضاً لعدم احاطته ومشاركته بالأحداث السابقة: صباح الخير .

اتجهت لها الأعين ليكن أول من يقف استقبالاً لها وبين كفيه العلبة التى تعرفت عليها فوراً لكنها اتجهت نحو عرفة تضم كفيها بحماس : حضرتك عندك فيس بوك ؟
توتر عرفة لهذا الإستقبال غير المتوقع لكنها تابعت لتزيد تخبطه: انا لازم اكراش عليك .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي